بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال ابن خزيمة –رحمه الله تعالى-:
بَابُ الْأَمْرِ بِالتَّسْبِيحِ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقِ لِلنِّسَاءِ عِنْدَ النَّائِبَةِ تَنُوبُهُمْ فِي الصَّلَاةِ
قال: أخبرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، قال: حدثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ يَقُولُ: ثَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ ح وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، سَمِعَهُ مِنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ نَابَهُ فِي صَلَاتِهِ شَيْءٌ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ. إِنَّمَا هَذَا لِلنِّسَاءِ»، يَعْنِي التَّصْفِيقَ. هَذَا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ خَشْرَمٍ.
وَأَمَّا عَبْدُ الْجَبَّارِ فَحَدَّثَنَا بِالْحَدِيثِ بِطُولِهِ فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي صَلَاتِكُمْ صَفَّقْتُمْ؟ إِنَّمَا هَذَا لِلنِّسَاءِ، مَنْ نَابَهُ فِي صَلَاتِهِ شَيْءٌ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ: التَّصْفِيقُ وَالتَّصْفِيحُ وَاحِدٌ.
أبو بكر هو ابن خزيمة، كنيته أبو بكر، (التَّصْفِيقُ وَالتَّصْفِيحُ وَاحِدٌ) التصفيق تصفيح، صْفَّحت امرأة، أو صفقت.
وفيه مشروعية التسبيح للرجال، والتصفيح، أو التصفيق للنساء إذا ناب الإمام شيء، إذا ناب الإمام شيء، وأراد المرء أن ينبهه يقول: سبحان الله، سبحان الله، وأما المرأة فإنها لا تسبح، وإنما تصفح بباطن كفها اليمني على ظهر كفها اليسرى، تنبيه؛ وذلك أنه يُخشى أن يفتتن أحد بصوتها، فلذلك المرأة لا تتكلم في التنبيه وإنما تُصفِّح بباطن كفها على ظهرها لينتبه الإمام، والرجل يقول: سبحان الله، سبحان الله.
بَابُ نَسْخِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَحَظْرِهِ بَعْدَمَا كَانَ مُبَاحًا
قال: حدثنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، قال: حدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، قال: أَخبرنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فِي الصَّلَاةِ وَتَرُدُّ عَلَيْنَا، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا».
وهذا فيه نسخ الكلام، كان في أول الإسلام يتكلمون، إذا جاء والإمام يصلي يقول: كم فاتني من ركعة؟ كم بقي عليَّ؟ فاتني ركعة، أو ركعتين فيكلمه، ثم نُسخ ذلك لما رجعوا من الحبشة، فكلموه فلم يكلمهم قال: «إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا»، نُسخ ذلك.
قال: حدثَنَا بُنْدَارٌ، قال: حدثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَا: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ؛ ح وَحدثنَا أَبُو هَاشِمٍ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، قال: حدثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كَانَ أحدنا يُكَلِّمُ الرَّجُلُ إِلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾[البقرة: 238] زَادَ فِي حَدِيثِ هُشَيْمٍ: فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ.
هذا صريح فيه النسخ، كانوا في أول الإسلام يكلم الرجل أخاه، إذا سلم يرد عليه السلام، ويسأله: كم فاته من الصلاة؟ ثم نُسخ ذلك.
في هذا الحديث قال النبي لمعاوية بن الحكم السلمي: هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس، إنما هذه الصلاة للتسبيح، لما جاء وتكلم، فبينَّ له النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الصلاة ليس فيها شيءٌ من كلام الناس، وأنها الأصل فيها شيءٌ من كلام الناس.
قال: حدثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ، قال: حدثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قال: حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ بِمِثْلِ حَدِيثِ بُنْدَارٍ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ فِي الصَّلَاةِ بِالْحَاجَةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾[البقرة:238] فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ.
قال: حدثَنَا أَبُو مُوسَى، قال: حدثنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، قال: حدثنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-َ وَهُوَ يُصَلِّي بِمِثْلِهِ، وَقَالَ: فَرَدَّ عَلَيْنَا، فَقَال: «إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا». قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ: كَيْفَ تُسَلِّمُ أَنْتَ؟ قَالَ: أَرُدُّ فِي نَفْسِي.
هذا بعد النسخ.
بَابُ ذِكْرِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ جَهْلًا مِنَ الْمُتَكَلِّمِ، وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْمُتَكَلِّمُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ مَحْظُورٌ غَيْرُ مُبَاحٍ
هذا قصده معاوية بن الحكم لمَّا تكلم وهو جاهل، ولم يأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإعادة، لكن لو كان يعلم بَطلت صلاته إذا تكلم، إذا تكلم عمدًا بَطلت صلاته، وأما إذا كان جاهلًا فذكر فيه قصة معاوية بن الحكم.
وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْمُسْلِمِ السُّلَمِيُّ بِدِمِشْقَ، قال: حدثنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: أَخبرنَا أَبُو عُثْمَانَ الصَّابُونِيُّ، قَالَ: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا بُنْدَارٌ، قال: حدثنَا يَحْيَى، قال: حدثَنَا الْحَجَّاجُ -وَهُوَ الصَّوَّافُ- عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، قال: حدثنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، قال: حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ، قال: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ؛ ح وَحدثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ
قال: حدثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قال: حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ؛ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ، قال: حدثَنَا الْوَلِيدُ -يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ- عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى؛ وَحدثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قال: أَخْبَرَنَا بِشْرٌ -يَعْنِي ابْنَ بَكْرٍ- عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، قال: حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، قال: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ، قال: حدثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ؛ ح وَحدثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، قال: حدثَنَاهُ بِشْرٌ -يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ الْحَلَبِيَّ- عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قال: حَدَّثَنِي هِلَالُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ، قال: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ
قال: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا كُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ فَجَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، وَإِنَّ رِجَالًا مِنَّا يَتَطَيَّرُونَ.
قَالَ: «ذَلِكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ، فَلَا يَصُدَّنَّهُمْ». قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! رِجَالٌ يَأْتُونَ الْكَهَنَةَ. قَالَ: «فَلَا تَأْتُوهُمْ». قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! رِجَالٌ مِنَّا يَخُطُّونَ. قَالَ: «كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ».
قَالَ: وَبَيَّنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَرْحَمُكُ اللَّهُ، فَحَدَّقَنِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهُ، مَا لَكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ.
قَالَ: فَضَرَبَ الْقَوْمُ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَانِي، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَطُّ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ،
يعني أفديه بأبي وأمي عليه الصلاة والسلام.
وَاللَّهِ مَا ضَرَبَنِي، وَلَا قَهَرَنِي، وَلَا شَتَمَنِي، وَلَكِنْ قَالَ: «إِنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هِيَ التَّكْبِيرُ، وَالتَّسْبِيحُ، وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ». هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مَيْسَرَةَ.
قَالَ بُنْدَارٌ: بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهَكَذَا قَالَ الْبَاقُونَ.
وَقَالَ بُنْدَارٌ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونِي لَكِنِّي سَكَتُّ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: خَرَّجْتُ فِي "التَّصْنِيفِ الكبير" حَدِيثَ الْبَاقِينَ فِي عَقِبِ حَدِيثِ بُنْدَارٍ بِمِثْلِهِ، وَلَمْ أُخَرِّجْ أَلْفَاظَهُمْ".
وهذا فيه دليل على أن من تكلم جاهلًا لا تبطل صلاته؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر معاوية بن الحكم بإعادة الصلاة، لما تكلم، بعضهم عطس، فقال: "يرحمك الله"، فلما حدقوا بأبصارهم قال: "مالكم؟ واثُكل أمَّيَاه" جعلوا يضربون أفخاذهم يُسكتونه، فسكت، فلم يأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإعادة؛ لأنه جاهل، لكن لو كان عالمًا لكان أمره.
وهذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، وفيه أقوال [00:10:26] إنه لما سُئل عن الخط في الرمل قال: «كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ»، وهذا لا يُعلم موافقته، والمعنى: أنه لا يجوز الخط بالرمل؛ لأن هذا من التشاؤم، ومن أعمال الجاهلية، إذ لا يجوز التشاؤم بشيءٍ من الطيور، أو بغيرها، قال: «ذَلِكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ».
بَابُ ذِكْرِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُصَلِّي غَيْرُ عَالِمٍ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ صَلَاتِهِ، وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ وَالْمُصَلِّي هَذِهِ صِفَتُهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلصَّلَاةِ
قال: أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قال: حدثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ -يَعْنِي ابْن َعَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيَّ- قال: حدثنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ -وَأَكْبَرُ ظَنِّي أَنَّهَا الظُّهْرُ- رَكْعَتَيْنِ، فَأَتَى خَشَبَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ عَلَيْهَا يَدَيْهِ، إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ، فَقَالُوا: قَصُرَتِ الصَّلَاةُ، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ.
وَرَجُلٌ -قَصِيرُ الْيَدَيْنِ أَوْ طَوِيلُهُمَا- يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ أَوْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ: «لَمْ تَقْصُرْ، وَلَمْ أَنَسَ»، فَقَالَ: بَلْ نَسِيتَ. فَقَالَ: «صَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟» قَالَ: نَعَمْ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ. وَذَكَرَ بُنْدَارٌ الْحَدِيثَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ خَرَّجْتُ هَذَا الْبَابَ بِتَمَامِهِ فِي كِتَابِ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ.
هذا رواه –أيضًا- الشيخان، وفيه: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- سلم من ركعتين من صلاة العصر، أو صلاة الظهر، ثم قام إلى خشبة، واتكأ عليها كأنه غضبان، فخرج السُرعان من المسجد، وقالوا: قصرت الصلاة، قصرت الصلاة. ظنوا أنه نزل الوحي، وأن الصلاة بعدما كانت أربع صارت ركعتين وقصرت.
(وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ) ما كلموه، سكتوا؛ لأنهم قالوا: الرسول ينزل عليه الوحي لا ندري هل حصل أمرٌ فقُصرت الصلاة، لكن هذا الرجل ذو اليدين هو الذي جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: يا رسول الله، أنسيت، أم قُصرت الصلاة، ما صليت إلا ركعتين؟ هل نسيت؟ قال: «لم أنس، ولم تُقصر»، يعني لازال في النسيان –عليه الصلاة والسلام-، والحكمة من الله –عزَّ وجلَّ- حتى يكون فيه التشريع للأمة، جعل الله نبيه ينسى، لازال في نسيان، قال: «ما نسيت، ولا قُصرت»، فقال ذو اليدين: لا، إما نسيت، وإما قُصرت. واحد من الأمرين.
فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وقام من مكانه، وسأل القوم، قال: «صَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟» صحيح كلامه؟ قالوا: نعم يا رسول الله، صحيح كلامه، لم تصل إلا ركعتين، فقام وصلى ركعتين –عليه الصلاة والسلام- ثم سلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم.
واستدل به المؤلف على أن كلام الناس للمخطئ لا يضر، هذا كلام، جاء ذو اليدين يتكلم، وسأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- سألهم قال: «أصدق ذو اليدين؟» ثم أكمل صلاته، وهذا الكلام الذي تخلل هذا في مصلحة الصلاة، فدلَّ على أنه لا يُبطل الصلاة؛ لأن هذا فيه مصلحة الصلاة ولم ينافيها.
وفيه دليل على –أيضًا- أنَّ من سَلم عن نقص، فإنه يُكمِّل هذا النقص، ثم يُسلم، ثم يسجد سجدتين بعد أن يُسلم، إذا سَلم عن نقص.
بَابُ ذِكْرِ مَا خَصَّ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَانَ بِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمَّتِهِ مِنْ أَنْ أَوْجَبَ عَلَى النَّاسِ إِجَابَتَهُ وَإِنْ كَانُوا فِي الصَّلَاةِ، إِذَا دَعَاهُمْ لِمَا يُحْيِيهِمْ
الشيخ: توقف.
س: نسي أنه يصلي، وتكلم كلام عادي؟
الشيخ: متعمد؟
س: غير متعمد، يتكلم مع من بجانبه، كلام ليس في مصلحة الصلاة.
الشيخ: قد يُقال: إنه معذور في هذه الحالة، إذا لم يعلم؛ لأنه يظن أنه انتهى، الأقرب -والله أعلم- أنه معذور في هذه الحالة؛ لأنه يعتقد أن الصلاة انتهت، مثلما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذهب إلى خشبة معروضة يعتقد أنها انتهت الصلاة، إذ قام من مكانه، وكذلك الحركة، الدليل على أن الحركة، وأن الإنسان إذا كان في المسجد، والفاصل قصير يُكمِّل إذا كان ناسي، يُكمل الصلاة.
قال العلماء: إلا إذا طال الفاصل، أو انتقض وضوئه، هذا لا بُدَ أن يستأنف الصلاة، لكن لو تكلم قد يقال: إنه تكلم بشيء يُناقض الصلاة مثلًا، مثل: سباب، أو شتام، فهذا هو الذي يناقض الصلاة، إذا كان سباب أو شتام، قد يُقال إنه في هذه الحالة يُعيد الصلاة، أو طال الفاصل.