الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.
قال الإمام ابن خزيمة -رحمه الله تعالى-:
بَابُ ذِكْرِ الزَّجْرِ عَنْ وَضْعِ الْمُصَلِّي نَعْلَيْهِ عَنْ يَسَارِهِ إِذَا كَانَ عَنْ يَسَارِهِ مُصَلٍّ، يَكُونُ النَّعْلاَنِ عَنْ يَمِينِ الْمُصَلِّي عَنْ يَسَارِهِ.
يعني إذا كان عن يساره مصلي وعن يمينه فراغ، وهذا في غير المسجد، ويُحتمل في المسجد؛ لأن كانت المساجد تراب، التراب والحصباء، والتراب الحصباء تتحمل، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «النخامة في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها»، فيتحمل، تُدفن في التراب، كانت المساجد تراب حصباء، ما كانت مفروشة.
أخبرنا أبو طاهر قال: حدثنا أبو بكرٍ قال: حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ قال: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ (ح)، وحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قال: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلاَ يَضَعْ نَعْلَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، إِلاَّ أَنْ لاَ يَكُونَ عَنْ يَسَارِهِ أَحَدٌ،
يعني لا يؤذي بهما، يؤذيه إذا كان عن يمينه أحد أو عن يساره يؤذيه، فيجعلها بين رجليه.
وَلْيَضَعْهُمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ».
وَقَالَ الدَّوْرَقِيُّ: «وَلاَ يَضَعُ نَعْلَيْهِ عَنْ يَسَارِهِ إِلاَّ أَنْ لاَ يَكُونَ...»، وَلَمْ يَذْكُرِ الْيَمِينَ.
الشيخ: تكلم عليه؟
القارئ: قال: صحيح، يشهد له ما تقدم.
الشيخ: هذا يعني لأنه إذا كان عن يمينه مصلي أو جالس يؤذيه بها، إذا كان عن يمينه أحد أو عن يساره أحد يضعه بين رجليه، بين ركبتيه كما سبق، وإذا لم يكن هناك أحد، يصلي وحده، وليس عنده أحد، جعله عن يساره، أو عن يمينه، الأمر في هذا واسع في غير المسجد، أو في المسجد إذا كان المسجد يتحمل يصلي في نعليه، قال: «صلوا في نعالكم»، سنة الصلاة في النعلين.
إذا كان ما عنده أحد والمسجد تراب أو حصباء وجعله عن يمينه أو عن يساره لا بأس، وإذا كان عن يمينه أحد أو عن يساره أحد، فيضعها بين رجليه، وبهذا يتبين أن ما اعتاده بعض الناس يضعه أمامه، ليس له أصل، يضع حذاءه أمامه يؤذي به الناس، تجد في الصف كله حذاؤهم أمامه، نعم.
س: الآن يضعونها سترة.
الشيخ: لا، لا يضعون سترة، يضعها، يريد حتى يأخذها.
س: في الحرم كثيرا.
الشيخ: في الحرم وفي غير الحرم كان الناس قبل أن تُفرش المساجد يضعونها أمامهم.
س: الآن يضعها في الكيس ويدخل يصلي بها في المسجد النبوي؟ مفروش كله لكن يضعها بين رجليه.
الشيخ: يضعها بين الرجلين، طيب، بين ركبتيه، حتى ولو كان في كيس، وهذا هو الذي نفعله الآن، هكذا، نأخذها في الحرم بين الركبتين.
طالب: هل يمكن جعلها سترة، من لم يكن عنده سترة؟
الشيخ: لا، السترة شيء قائم، أقل شيء ثلثي ذراع، مثل مؤخرة الرحل.
بَابُ الْمُصَلِّي يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ وَقَدْ أَصَابَهُمَا قَذَرٌ لاَ يَعْلَمُ بِهِ.
وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا صَلَّى فِي نَعْلٍ وَثَوْبٍ طَاهِرٍ عِنْدَهُ، ثُمَّ بَانَ عِنْدَهُ أَنَّ النَّعْلَ، أَوِ الثَّوْبَ كَانَ غَيْرَ طَاهِرٍ، أَنَّ مَا مَضَى مِنْ صَلاَتِهِ جَائِزٌ عَنْهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَتَهُ، إِذِ الْمَرْءُ إِنَّمَا أُمِرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ عِنْدَهُ، لاَ فِي الْمُغَيَّبِ عِنْدَ اللهِ.
يعني المعنى أن الإنسان إذا صلى في ثوب فيه نجاسة، أو نعل فيه نجاسة وهو لا يدري، ثم علم في أثناء الصلاة، فإنه يبعد ما فيه النجاسة، إن كان في نعليه يخلعها ويبني على صلاته، لأنه ما علم.
وكذلك إذا كان ثوب فيه نجاسة، في غترة مثلًا يرميها، سروال وهو عليه ثوب، يخلعه، وهكذا، وما مضى من صلاته صحيح؛ لأنه لم يعلم، مغيب عنه، ما يدري، والدليل على هذا الحديث الذي سيذكره المؤلف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى في نعليه، والصحابة صلوا في نعالهم في المسجد، كان المسجد تراب، فجبريل أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن فيه أذى، فخلعه في أثناء الصلاة، فخلع الصحابة.
فلما سلّم النبي قال: «ما لكم خلعتم نعالكم؟» قالوا: يا رسول الله، خلعت فخلعنا، قال: «إن جبريل أخبرني أن فيه أذى»، ولم يُعد أول صلاته، فدل على أنه ما مضى لا يؤاخذ به الإنسان؛ لأنه لم يعلم إلا هذا الوقت، فما مضى من صلاته يكون معفوًّا عنه.
ومن هنا أخذ العلماء أنه لو صلى في ثوب نجس ولم يعلم، يعني جهل النجاسة، أو علمها ثم نسيها حتى انتهت الصلاة، صلاته صحيحة.
أخبرنا أبو طاهرٍ قال: حدثنا أبو بكرٍ قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، وَهُوَ ابْنُ هَارُونَ قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ (ح)، وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ (ح)، وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَيْضًا قال: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي نُعَامَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي، فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: «لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا، فَقَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ بِهِمَا خَبَثًا، فَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَقْلِبْ نَعْلَيهُ، فَلْيَنْظُرْ فِيهِمَا خَبَثٌ فَلْيَمْسَحْهُمَا بِالأَرْضِ، ثُمَّ لَيُصَلِّ فِيهَا».
وفيه دليل على أن الإنسان ينبغي له العناية بالنظر في نعليه، بعض الناس قبل أن تُفرش المساجد كانوا يعانون من هذا، يأتي بها من الحمام، ويدخل على الفور في المسجد، ما ينظر فيها، أو يأتي بها الأرض، ويكون قد وطئ بها نجاسة، وفي الحديث: «فليقلب نعليه»، اقلبها وانظر، فإن كان فيها أذى ادلكها، طهارتها دلكها حتى يزول ما بها، وإن لم يكن بها أذى دخل بها المسجد، أما أن يدخل هكذا ولا ينظر، لا، لابد ينظر، جئت عند باب المسجد، اقلبها وانظر، إن كان فيها أذى ادلكها، وإن كانت ليس فيها أذى ادخل بها.
س: إذا شك في الثوب نجاسة، وصلى ثم تيقن بعد الصلاة؟
الشيخ: لا، الشك ما عليه معول، الأصل الطهارة، إذا شك فإنه يصلي وصلاته صحيحة.
س: بعد الصلاة تيقن بأن عليه نجاسة؟
الشيخ: إذا جهل النجاسة وعلمها بعد الصلاة، فصلاته صحيحة، الشك ما عليه معول، الأصل الطهارة.
هَذَا حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فِي حَدِيثِ أَبِي الْوَلِيدِ فَقَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا، أَوْ أَذًى».
بَابُ الْمُصَلِّي يَشُكُّ فِي الْحَدَثِ...
الشيخ: تكلم عليه؟
طالب: سبق تخريجه.
الشيخ: ماذا قال؟
طالب: بخصوص الحك، يقاس عليه البلاط والسيراميك؟
الشيخ: نعم. بأي شيء يحكه، مادام أنه يزول يحكه حتى يزول ما فيه، ييبس من الحك ويزول.
بَابُ الْمُصَلِّي يَشُكُّ فِي الْحَدَثِ، وَالأَمْرِ بِالْمُضِيِّ فِي صَلاَتِهِ وَتَرْكِ الاِنْصِرَافِ عَنِ الصَّلاَةِ إِذَا خُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ فِيهَا.
وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنْ يَقِينَ الطَّهَارَةِ لاَ يَزُولُ إِلاَّ بِيَقِينِ حَدَثٍ وَأَنَّ الصَّلاَةَ لاَ تَفْسُدُ بِالشَّكِّ فِي الْحَدَثِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ الْمُصَلِّي بِالْحَدَثِ.
بركة، الترجمة طويلة، وفق الله الجميع.