الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن خزيمة -رحمه الله تعالى-:
بَابُ الْمُصَلِّي يَشُكُّ فِي الْحَدَثِ، وَالأَمْرِ بِالْمُضِيِّ فِي صَلاَتِهِ وَتَرْكِ الاِنْصِرَافِ عَنِ الصَّلاَةِ إِذَا خُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ فِيهَا، وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنْ يَقِينَ الطَّهَارَةِ لاَ يَزُولُ إِلاَّ بِيَقِينِ حَدَثٍ وَأَنَّ الصَّلاَةَ لاَ تَفْسُدُ بِالشَّكِّ فِي الْحَدَثِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ الْمُصَلِّي بِالْحَدَثِ:
أخبرنا أبو طاهرٍ قال: حدثنا أبو بكرٍ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلاَءِ قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قال: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عن سعيد بن المسيب عن عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ الشَّيْءَ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ، فَقَالَ: «لاَ يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا».
هذا الحديث العظيم أخذ منه العلماء القاعدة التي ذكرها المؤلف في الترجمة، وهو أنه يُبنى على اليقين، وأنه يُطرح الشك، فإذا كان الإنسان في الصلاة ثم خُيل إليه أنه خرج منه الحدث فلا يخرج حتى يتيقن خروج الحدث، كما في الحديث: «حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا»، يسمع صوت الحدث، وهو الضراط، أو يشم الرائحة وهو الفساء، كما قال أبو هريرة -رضي الله عنه-، لما روى حديث: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ»، قال له رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: "فساء أو ضراط"، يعني هذا هو الحدث الذي يخرج من الدبر، إن كان له صوت فهو ضراط، وإن لم يكن له صوت فهو فساء.
والبول والغائط أعظم، إذا كان هذا حدث، فالبول والغائط أشد، هذا من باب أولى؛ لأنه معروف، فالمقصود أن الحديث أخذ منه العلماء قاعدة وهي البناء على اليقين، وطرح الشك، أنه يُطرح الشك ويُبنى على اليقين.
وفي الحديث الآخر: «إذا سمع أحدكم في بطنه قرقرة، فأشكل عليه أخرج منه شيء أو لا؟ فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا»، يعني حتى يتيقن الحدث، أو يتيقن أنه خرج من ذكره شيء، المهم اليقين، وغلبة الظن تجري مجرى اليقين، إذا غلب الظن مائة في المائة أو ثمانين في المائة، ولا يخرج بمجرد الشك حتى لا تستولي عليه الوساوس.
بَابُ الأَمْرِ بِالاِنْصِرَافِ مِنَ الصَّلاَةَ إِذَا أَحْدَثَ الْمُصَلِّي فِيهَا وَوَضْعِ الْيَدِ عَلَى الأَنْفِ كَيْ يُتَوَهَّمَ النَّاسُ أَنَّهُ رَاعِفٌ لاَ مُحْدِثٌ حَدَثًا مِنْ دُبُرٍ:
أخبرنا أبو طاهرٍ قال: حدثنا أبو بكرٍ قال: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عَمْرٍو الرُّبالي قال: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبيه، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: «إِذَا أَحْدَثَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ وَلْيَنْصَرِفْ».
نعم، لأجل أن من يراه يظن أنه رعاف، حتى لا يفهم أنه الحدث، ماذا قال عليه؟
القارئ: أحسن الله إليك، قال في الحاشية: قال الخطابي: إنما أمره أن يأخذ بأنفه ليوهم القوم أن به رعافًا، وفي هذا باب من الأخذ بالأدب في ستر العورة، وإخفاء القبيح من الأمر، والتورية بما هو أحسن منه، وليس يدخل في هذا الباب الرياء والكذب، وإنما هو من باب التجمل واستعمال الحياء، وطلب السلامة من الناس، ذكره في [معالم السنن].
الشيخ: تكلم على تخريج الحديث؟
القارئ: لم يذكره يا شيخ.
الشيخ: والحديث الأول؟
القارئ: الحديث الأول صحيح.
الشيخ: في الصحيحين؟
القارئ: قال: صحيح، وقد صرح عمر بن علي المقدمي بالسماع في بعض مصادر التخريج، فانتفت شبهة التدليس، وقد توبع.
طالب: [00:06:01]
الشيخ: هذا الأعظمي، والنسخة التي معك يا فيصل؟
القارئ: للشيخ ماهر الفحل.
الشيخ: والحديث الأول؟
طالب: [00:06:30]
الشيخ: نعم، هذا المعروف.
جماع أبواب السَّهْوُ فِي الصَّلاَةِ:
بَابُ ذِكْرِ الْمُصَلِّي يَشُكُّ فِي صَلاَتِهِ وَالأَمْرِ بِأَنْ يَسْجُدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ بِذِكْرِ خَبَرٍ مُخْتَصَرٍ غَيْرِ مُتَقَصًّى، قَدْ يَحْسِبُ كَثِيرٌ مِمَّنْ لاَ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمُفَسَّرِ وَالْمُجْمَلِ، وَلاَ يَفْهَمُ الْمُخْتَصَرَ وَالْمُتَقَصَّى مِنَ الأَخْبَارِ، أَنَّ الشَّاكَّ فِي صَلاَتِهِ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ صَلاَتِهِ عَلَى الشَّكِّ بَعْدَ أَنْ يَسْجُدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ.
أخبرنا أبو طاهر قال: حدثنا أبو بكرٍ قال: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، قَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا، وَقَالَ عَلِيٌّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ (ح) وحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قال: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ (ح) وحَدَّثَنَا بُنْدَارٌ قال: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قال: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ قال: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ قال: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ وَهُوَ فِي صَلاَتِهِ فَيُلْبِسُ عَلَيْهِ صَلاَتَهُ حَتَّى لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى، فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ».
وَهَكَذَا مَعْنَى خَبَرِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى ثَلاَثًا، أَوْ أَرْبَعًا، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ».
وَفِي خَبَرِ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا سَهَا فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ».
وَفِي خَبَرِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَمُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ شَكِّ فِي صَلاَتِهِ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ».
خَرَّجْتُ هَذِهِ الأَخْبَارَ بِأَسَانِيدِهَا فِي كِتَابِ [الْكَبِيرُ]، وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ مُخْتَصَرَةٌ غَيْرُ مُتَقَصَّاةٍ.
كأنه أجمل هذه الأحاديث وأحال عليها في كتابه [الكبير]، كتابه خاص فيه، ذكره وأشار إليه، أظنه يشير إليه في كتاب التوحيد، الكتاب الكبير في الصلاة، تعرفون مطبوع له كتاب ابن خزيمة في الصلاة، غير الصحيح وغير التوحيد، ما الترجمة الأولى؟ أول ترجمة ماذا قال على تخريج الحديث؟ تكلم عليه المحشي؟
القارئ: أول حديث أحسن الله إليك، قال: صحيح، الحميدي وأحمد ومسلم وأبو يعلى من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري بهذا الإسناد.
وأخرجه عبد الرزاق وأحمد من طريق ابن جريج عن الزهري بهذا الإسناد، وأخرجه مالك في الموطأ يرويه الليث وعبد الرزاق، والبخاري ومسلم، وأبو داوود، وأهل السنن جميعًا.
الشيخ: أعد الترجمة الأولى.
بَابُ ذِكْرِ الْمُصَلِّي يَشُكُّ فِي صَلاَتِهِ وَالأَمْرِ بِأَنْ يَسْجُدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ بِذِكْرِ خَبَرٍ مُخْتَصَرٍ غَيْرِ مُتَقَصًّى، قَدْ يَحْسِبُ كَثِيرٌ مِمَّنْ لاَ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمُفَسَّرِ وَالْمُجْمَلِ، وَلاَ يَفْهَمُ الْمُخْتَصَرَ وَالْمُتَقَصَّى مِنَ الأَخْبَارِ، أَنَّ الشَّاكَّ فِي صَلاَتِهِ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ صَلاَتِهِ عَلَى الشَّكِّ بَعْدَ أَنْ يَسْجُدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ.
هذا مجمل ذكر السجدتين، الأحاديث الأخرى بيّنت متى تكون السجدتان، تكون قبل...
طالب: إذا شك؟
الشيخ: الشك، إذا شك فله أحوال:
أحيانًا يكون عنده غلبة ظن، وأحيانًا يكون ليس عنده غلبة ظن، فإن لم يكن عنده غلبة ظن يبني على اليقين وهو الأقل، ويسجد سجدتين قبل أن يُسلّم، كما في حديث أبي سعيد، «فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا...».
والحالة الثانية: أن يكون عنده غلبة ظن، في هذه الحالة يبني على غلبة الظن، ثم يكمل صلاته، ثم يُسلّم، ثم يسجد سجدتين بعد أن يُسلّم كما في حديث ابن مسعود: «فليطرح الشك وليبنِ على ما استيقن، وليتم صلاته، وليسجد سجدتين بعد أن يُسلّم».
هذا مجمل، الشاك عليه أن يسجد سجدتين، لكن هذا مجمل كما ذكر المؤلف، فصَّلَته الأحاديث الأخرى.
بابُ ذِكْرِ الْخَبَرِ الْمُتَقَصَّى فِي الْمُصَلِّي شَكَّ فِي صَلاَتِهِ وَالأَمْرِ بِالْبِنَاءِ عَلَى الأَقَلِّ مِمَّا يَشُكُّ فِيهِ الْمُصَلِّي.
وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا أَمَرَ الشَّاكَّ فِي صَلاَتِهِ بِسَجْدَتَيِ السَّهْوِ بَعْدَ مَا يَبْنِي عَلَى الأَقَلِّ، فَيُتَمِّمُ صَلاَتَهُ عَلَى يَقِينٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحَرٍّ.
وإن كان له تحرٍّ فإنه يكون سجوده بعده، فإنه يكون السجود بعد السلام، أعد، باب ماذا؟
بابُ ذِكْرِ الْخَبَرِ الْمُتَقَصَّى
لا، المتقصِّي عن أبي سعيد، إلى آخره.
بابُ ذِكْرِ الْخَبَرِ الْمُتَقَصِّي فِي الْمُصَلِّي شَكَّ فِي صَلاَتِهِ وَالأَمْرِ بِالْبِنَاءِ عَلَى الأَقَلِّ مِمَّا يَشُكُّ فِيهِ الْمُصَلِّي.
وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا أَمَرَ الشَّاكَّ فِي صَلاَتِهِ بِسَجْدَتَيِ السَّهْوِ بَعْدَ مَا يَبْنِي عَلَى الأَقَلِّ، فَيُتَمِّمُ صَلاَتَهُ عَلَى يَقِينٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحَرٍّ.
أخبرنا أبو طاهرٍ قال: حدثنا أبو بكرٍ قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ بْنِ كُرَيْبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنِ سَعِيدٍ الأَشَجُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلْيُلْغِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ، فَإِنِ اسْتَيْقَنَ التَّمَامَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ صَلاَتُهُ تَامَّةً كَانَتِ الرَّكْعَةُ نَافِلَةً وَالسَّجْدَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً كَانَتِ الرَّكْعَةُ تَمَامًا لِصَلاَتِهِ وَالسَّجْدَتَانِ تُرْغِمَانِ أَنْفَ الشَّيْطَانِ».
أعد متن الحديث.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلْيُلْغِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ».
واليقين هو الأقل هنا، شك ثلاث أو أربع يجعلها ثلاث، اثنتين أو ثلاث، يجعلها اثنتين.
«فَإِنِ اسْتَيْقَنَ التَّمَامَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ صَلاَتُهُ تَامَّةً كَانَتِ الرَّكْعَةُ نَافِلَةً وَالسَّجْدَتَانِ».
يعني الركعة التي زادها، شك اثنتين أم ثلاث، بنى على اليقين اثنتين، إن كانت ثلاث تكون هذه نافلة، إن كانت ثلاث وبنى على اليقين اثنتين صارت الركعة نافلة، والسجدتان نافلة.
«وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً كَانَتِ الرَّكْعَةُ تَمَامًا لِصَلاَتِهِ وَالسَّجْدَتَانِ تُرْغِمَانِ أَنْفَ الشَّيْطَانِ».
بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ هَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَسْجُدُهُمَا الشَّاكُّ فِي صَلاَتِهِ، إِذَا بَنَى عَلَى الْيَقِينِ فيسجدهما قَبْلَ السَّلاَمِ لاَ بَعْدَ السَّلاَمِ ضِدَّ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ تَكُونَانِ بَعْدَ السَّلاَمِ.
نعم، بعض العلماء يقول: السجود كله قبل السلام، وبعضهم يقول: السجود كله بعد السلام، والصواب: أن السجود كله قبل السلام إلا في حالتين: إذا بنى على غلبة الظن، وإذا سلّم عن نقص.
أخبرنا أبو طاهرٍ قال: حدثنا أبو بكرٍ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَدَنِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ (ح) وحَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قال: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، يَعْنِي ابْنَ اللَّيْثِ قال: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ (ح) وحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قال: أَخْبَرَنَا الْمَاجِشُونُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قال: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ (ح) وحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قال: أَخْبَرَنِي هِشَامٌ، وَهُوَ ابْنُ سَعْدٍ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ حَدَّثَهُمْ، وَهَذَا، حَدِيثُ الرَّبِيعِ، وَهُوَ أَحْسَنُهُمْ سِيَاقًا لِلْحَدِيثِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى وَاحِدَةً أَمِ اثْنَتَيْنِ أَمْ ثَلاَثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيُتَمِّمْ مَا شَكَّ فِيهِ، ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِنْ كَانَتْ صَلاَتُهُ نَاقِصَةً فَقَدْ أَتَمَّهَا، وَالسَّجْدَتَانِ تَرْغِيمٌ لِلشَّيْطَانِ، وَإِنْ كَانَ أَتَمَّ صَلاَتَهُ فَالرَّكْعَةُ وَالسَّجْدَتَانِ لَهُ نَافِلَةٌ».
أخبرنا أبو طاهرٍ قال: حدثنا أبو بكرٍ قال: حَدَّثَنَا بِهِ الرَّبِيعُ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ كِتَابِهِ، وَقَالَ: «فَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ مِنْ قَبْلِ السَّلاَمِ».
وهذا فيه التصريح أنه يبني على اليقين وهو الأقل، وأن السجدتين تكون قبل السلام، هذا في حالة الشك الذي ليس فيه غلبة ظن.
وَقَالَ أَبُو مُوسَى، وَالدَّوْرَقِيُّ، وَيُونُسُ: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلاَ يَدْرِي ثَلاَثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيُصَلِّ رَكْعَةً، وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ السَّلاَمِ»، ثُمَّ بَاقِي حَدِيثِهِمْ مِثْلُ ...
«فليُصلّ ركعةً»، يعني ثلاث أو أربع يأتي بركعة فتكون أربع بيقين.
ثُمَّ بَاقِي حَدِيثِهِمْ مِثْلُ حديثِ الرَّبيع.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَنَا: فِي هَذَا الْخَبَرِ عِنْدِي دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ إِذَا كَانَ مَالُهُ غَائِبًا عَنْهُ، فَأَخْرَجَ زَكَاتَهُ وَأَوْصَلَهَا إِلَى أَهْلِ سُهْمَانَ الصَّدَقَةِ، نَاوِيًا إِنْ كَانَ مَالُهُ سَالِمًا فَهِيَ زَكَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ مُسْتَهْلَكًا فَهُوَ تَطَوُّعٌ، ثُمَّ بَانَ عِنْدَهُ وَصَحَّ أَنَّ مَالَهُ كَانَ سَالِمًا، أَنَّ مَالَهُ الَّذِي أَوْصَلَهُ إِلَى أَهْلِ سُهْمَانَ الصَّدَقَةِ كَانَ جَائِزًا عَنْهُ فِي الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ فِي مَالِهِ الْغَائِبِ .
إِذِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَجَازَ عَنِ الْمُصَلِّي هَذِهِ الرَّكْعَةَ الَّتِي صَلاَّهَا بِإِحْدَى اثْنَتَيْنِ، إِنْ كَانَتْ صَلاَتُهُ الَّتِي صَلاَّهَا ثَلاَثًا، فَهَذِهِ الرَّكْعَةُ رَابِعَةُ الَّتِي هِيَ فَرْضٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ صَلاَتُهُ تَامَّةً فَهَذِهِ الرَّكْعَةُ نَافِلَةٌ، فَقَدْ أَجْزَتْ عَنْهُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ مِنَ الْفَرِيضَةِ، وَهُوَ إِنَّمَا صَلاَّهَا عَلَى أَنَّهَا فَرِيضَةٌ، أَوْ نَافِلَةٌ.
كلام المؤلف هذا -رحمه الله- دقيق، استنبط من هذه المسألة، هذا مبني على صحته، ماذا قال؟ تكلم على الحديث الأخير هذا؟ قال هو الحديث السابق أو بسنده؛ لأن فيه زيادة إن كانت ... فهي نافلة، وإن كانت ... فهي ترغيم، ماذا قال عنه؟
القارئ: ما ذكر عندي يا شيخ.
الشيخ: المؤلف استنبط من هذا أن الإنسان إذا كان له زكاة... انتقل إلى مسألة مالية، قال: قال أبو بكرٍ، أعد.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَنَا: فِي هَذَا الْخَبَرِ عِنْدِي دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ إِذَا كَانَ مَالُهُ غَائِبًا عَنْهُ، فَأَخْرَجَ زَكَاتَهُ وَأَوْصَلَهَا إِلَى أَهْلِ سُهْمَانَ الصَّدَقَةِ، نَاوِيًا إِنْ كَانَ مَالُهُ سَالِمًا فَهِيَ زَكَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ مُسْتَهْلَكًا فَهُوَ تَطَوُّعٌ، ثُمَّ بَانَ عِنْدَهُ وَصَحَّ أَنَّ مَالَهُ كَانَ سَالِمًا، أَنَّ مَالَهُ الَّذِي أَوْصَلَهُ إِلَى أَهْلِ سُهْمَانَ الصَّدَقَةِ كَانَ جَائِزًا عَنْهُ فِي الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ فِي مَالِهِ الْغَائِبِ .
إِذِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَجَازَ عَنِ الْمُصَلِّي هَذِهِ الرَّكْعَةَ الَّتِي صَلاَّهَا بِإِحْدَى اثْنَتَيْنِ، إِنْ كَانَتْ صَلاَتُهُ الَّتِي صَلاَّهَا ثَلاَثًا، فَهَذِهِ الرَّكْعَةُ رَابِعَةُ الَّتِي هِيَ فَرْضٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ صَلاَتُهُ تَامَّةً فَهَذِهِ الرَّكْعَةُ نَافِلَةٌ، فَقَدْ أَجْزَتْ عَنْهُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ مِنَ الْفَرِيضَةِ، وَهُوَ إِنَّمَا صَلاَّهَا عَلَى أَنَّهَا فَرِيضَةٌ، أَوْ نَافِلَةٌ.
المؤلف استنبط من هذا أن الإنسان إذا كان له مالٌ غائب، ولا يدري هل يأتي أو لا يأتي، وحال عليه الحول، أخرج الزكاة، وقال: إن كان مالي سالم فهذه زكاة، وإن كان المال تلف فإنها تكون صدقة تطوع، على التخيير، ما عنده جزم في النية، أخذه من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث إن صح، ما أعرف صحته.
إذا شك في صلاته، ما يدري صلى ثلاثًا أو أربعًا، فليأتِ بركعة؛ لأن إن كانت صلاته ثلاثًا فهي تكون رابعة، وإن كانت أربعًا تكون نافلة، هذا الشك.
فكون النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول له: إن كان صلاته تامة فهي نافلة، وإن كان صلى ثلاثًا فهي فريضة، ففيه تردد بين أمرين، ومع ذلك أجازه.
فكذلك الإنسان إذا كان له مالٌ غائب، ولا يدري هل يأتي أو لا يأتي، وأخرج الزكاة بناءً على أنه إن كان ماله سالمًا فهي زكاة، وإن كان ماله تلفًا فهي صدقة تطوع، ثم بان أن المال سالم وحال عليه الحول، تجزئ زكاته.
استنباط من المؤلف، انتقل من مسألة تتعلق بالصلاة، إلى مسألة تتعلق بالمال، باب ماذا؟
بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ هَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَسْجُدُهُمَا الشَّاكُّ فِي صَلاَتِهِ، إِذَا بَنَى عَلَى الْيَقِينِ فَيَسْجُدُهُمَا قَبْلَ السَّلاَمِ لاَ بَعْدَ السَّلاَمِ ضِدَّ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ تَكُونَانِ بَعْدَ السَّلاَمِ.
ضع عليها موقف، وفق الله الجميع.
س: [00:26:02]
الشيخ: لا، استنباط، وفق الله الجميع.