بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالديه ولمشايخه وللمسلمين.
قال الإمام ابن خزيمة -رحمه الله تعالى-:
بَابُ ذِكْرِ التَّسْلِيمِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ سَاهِيًا.
ابن القيم -رحمه الله- خالف شيخ الإسلام ابن تيمية في الحج، في مسألة النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أمر الصحابة أن يتمتعوا، ابن القيم يرى أن المتعة أنه نُسخ الأمر بالإفراد والقران، وابن عباس يرى هذا، ولهذا لما ذكره في [زاد المعاد] قال: وأنا إلى قول ابن عباس أميل منه إلى قول شيخنا.
شيخ الإسلام يرى أن الأمر بالمتعة على الوجوب خاص بالصحابة، حتى يزول اعتقاد الجاهلية، ابن القيم وابن عباس يرى أنه منسوخ، نُسخ ما فيه إلا متعة، لا يجوز لأحد إلا أن يتمتع، كان أولًا، خالف شيخه في هذا، ما يلزم الإنسان أن يوافق شيخه في جميع الأشياء إذا ظهر له، كلام الشيخ على العين والرأس، وله اجتهاده، لكن ما يلزم الإنسان، إذا لم يقتنع الإنسان بدليله، له اختياره، نحن نستمع الشيخ ابن عثيمين ونقدره، واستفدنا منه كثيرًا -رحمة الله عليه-، وعلمه غزير، لكن في بعض الأشياء قد يتبين لنا أن القول الآخر هو الأصوب.
بَابُ ذِكْرِ التَّسْلِيمِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ سَاهِيًا.
وَالدَّلِيلِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْكَلاَمِ فِي الصَّلاَةِ سَاهِيًا وَبَيْنَ الْكَلاَمِ فِي الصَّلاَةِ عَامِدًا، إِذْ مُخَالِفُونَا مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ يُتَابِعُونَا عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ السَّلاَمِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلاَةِ عَامِدًا وَبَيْنَ السَّلاَمِ سَاهِيًا.
العراقيون هم الأحناف، ما يرون أن السلام واجب، يرى الأحناف أنه إذا قرأ التشهد وأحدث، يقوم من الصلاة، خلاص انتهت، أعد باب...
بَابُ ذِكْرِ التَّسْلِيمِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ سَاهِيًا.
وَالدَّلِيلِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْكَلاَمِ فِي الصَّلاَةِ سَاهِيًا وَبَيْنَ الْكَلاَمِ فِي الصَّلاَةِ عَامِدًا، إِذْ مُخَالِفُونَا مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ يُتَابِعُونَا عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ السَّلاَمِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلاَةِ عَامِدًا وَبَيْنَ السَّلاَمِ سَاهِيًا، فَيُوجِبُونَ عَلَى الْمُسَلِّمِ عَامِدًا إِعَادَةَ الصَّلاَةِ، وَيُبِيحُونَ لِلْمُسَلِّمِ نَاسِيًا فِي الصَّلاَةِ إِتْمَامَ الصَّلاَةِ وَالْبِنَاءَ عَلَى مَا قَدْ صَلَّى قَبْلَ السَّلاَمِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قال: أَخْبَرَنَا أَبِي وَشُعَيْبٌ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ قَيْسٍ، أَخْبَرَهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى يَوْمًا فَسَلَّمَ وَانْصَرَفَ...
معاوية بن حُديج، بالتصغير والحاء، وأما الصحابي فهو معاوية بن خَديج بالخاء والتكبير، عن معاوية بن حُديج، تابعي.
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى يَوْمًا فَسَلَّمَ وَانْصَرَفَ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الصَّلاَةِ رَكْعَةٌ.
حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ قال: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قال: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ يُحَدِّثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَهَا فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ.
كان صحابيًّا صغير.
قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَهَا، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ سَهَوْتَ فَسَلَّمْتَ فِي رَكْعَتَيْنِ، فَأَمَرَ بِلاَلاً فَأَقَامَ الصَّلاَةَ، ثُمَّ أَتَمَّ تِلْكَ الرَّكْعَةَ، وَسَأَلَتِ النَّاسُ عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ سَهَوْتَ، فَقِيلَ لِي: تَعْرِفُهُ؟ قُلْتُ: لاَ، إِلاَّ أَنْ أَرَاهُ، فَمَرَّ بِي رَجُلٌ فَقُلْتُ: هُوَ هَذَا قَالُوا: هَذَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، هَذَا حَدِيثُ بُنْدَارٍ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذِهِ الْقِصَّةُ غَيْرُ قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ ؛ لأَنَّ الْمُعْلِمَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ سَهَا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَمُخْبِرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ ذُو الْيَدَيْنِ، وَالسَّهْوُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ إِنَّمَا كَانَ فِي الظُّهْرِ، أَوِ الْعَصْرِ، وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ إِنَّمَا كَانَ السَّهْوُ فِي الْمَغْرِبِ لاَ فِي الظُّهْرِ، وَلاَ فِي الْعَصْرِ.
وَقِصَّةُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قِصَّةُ الْخِرْبَاقِ، قِصَّةٌ ثَالِثَةٌ؛ لأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي خَبَرِ عِمْرَانَ مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ، وَفِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَفِي خَبَرِ عِمْرَانَ دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُجْرَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْحُجْرَةِ، وَفِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَكُلُّ هَذِهِ أَدِلَّهٌ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَصَ هِيَ ثَلاَثُ قَصَصٍ.
القِصص جمع قصة، والقَصص: الأخبار، ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾[يوسف:3]، أي الأخبار، والقِصص جمع قصة.
سَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّةً فَسَلَّمَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَسَهَا مَرَّةً أُخْرَى فَسَلَّمَ فِي ثَلاَثِ رَكَعَاتٍ، وَسَهَا مَرَّةً ثَالِثَةً فَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ، فَتَكَلَّمَ فِي الْمَرَّاتِ الثَّلاَثِ، ثُمَّ أَتَمَّ صَلاَتَهُ.
يعني فيه دليل على أن المتكلم إذا كان ناسيًا في الصلاة لا تبطل الصلاة، وإنما يبطلها الكلام العمد، يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس»، كما قال معاوية بن الحكم السلمي تكلم، ومع ذلك ما أعاد صلاته، وكانوا في أول الإسلام يتكلمون ثم نُسخ، كان الواحد إذا جاء وقال: كم مضى من الصلاة؟ يقولون: مضى ركعتين أو كذا، ثم نُسخ.
جاء معاوية بن الحكم السلمي تكلم على عادته، ولم يعلم بالناسخ، إذا بالصحابة يضربون أفخاذهم يسكتونه، فسكت، ثم علمه النبي -صلى الله عليه وسلم-.
بَابُ ذِكْرِ الْجُلُوسِ فِي الثَّالِثَةِ، وَالتَّسْلِيمِ مِنْهَا سَاهِيًا فِي الظُّهْرِ، أَوِ الْعَصْرِ، أَوِ الْعِشَاءِ.
وَالدَّلِيلِ عَلَى إِغْفَالِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُسْلِمَ سَاهِيًا فِي الثَّالِثَةِ إِذَا تَكَلَّمَ بَعْدَ السَّلاَمِ وَهُوَ غَيْرُ ذَاكِرٍ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ صَلاَتِهِ أَنَّ عَلَيْهِ إِعَادَةَ الصَّلاَةِ، وَهَذَا الْقَوْلُ خِلاَفُ سُنَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ قال: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ، عَنْ خَالِدٍ (ح،) وحَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ قال: حَدَّثَنَا خَالِدٌ (ح)، وحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قال: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ (ح).
وحَدَّثَنَا الصَّنْعَانِيُّ، وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ (ح)، وحَدَّثَنَا بُنْدَارٌ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، يَعْنِي الثَّقَفِيَّ قال: حَدَّثَنَا بِهِ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: سَلَّمَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ثَلاَثِ رَكَعَاتٍ مِنَ الْعَصْرِ، ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ الْحُجْرَةَ، فَقَامَ الْخِرْبَاقُ رَجُلٌ بَسِيطُ الْيَدَيْنِ، فَنَادَاهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَقَصُرَتِ الصَّلاَةُ؟ فَخَرَجَ مُغْضَبًا يَجُرُّ إِزَارَهُ، فَسَأَلَ فَأُخْبِرَه، فَصَلَّى تِلْكَ الصَّلاَةَ الَّتِي كَانَ تَرَكَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ.
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ بُنْدَارٍ.
وَقَالَ الآخَرُونَ: ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ.
بَابُ ذِكْرِ الْمُصَلِّي يُصَلِّي خَمْسَ رَكَعَاتٍ سَاهِيًا...
بركة، على كلٍّ هذا فيه دليل على أن المصلي إذا تكلم ناسيًا فلا يضر، وأن صلاته صحيحة، يكمل ما بقي إذا تكلم ناسيًا، أو سلَّم يعتقد أنه انتهى من الصلاة وتكلم، ثم ذكر، يُكمل صلاته ما لم يطل الفصل أو يُحدث، فإن طال الفصل أو أحدث فإنه يعيد الصلاة.
بركة، وفق الله الجميع.