الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالديه ولمشايخه وللمسلمين.
قال الإمام ابن خزيمة -رحمه الله تعالى-:
جُمَّاعُ أَبْوَابِ ذِكْرِ الْوِتْرِ وَمَا فِيهِ مِنَ السُّنَنِ.
بَابُ ذِكْرِ الأَخْبَارِ الْمَنْصُوصَةِ وَالدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِفَرْضٍ، لاَ عَلَى مَا زَعَمَ مَنْ لَمْ يَفْهَمِ الْعَدَدَ، وَلاَ فَرَّقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَبَيْنَ الْفَضِيلَةِ.
ويقصد بذلك الرد على الأحناف الذين يرون أن الوتر فرض، الأحناف يرون أن الوتر فرض، احتج عليهم البخاري ورد عليهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يوتر على راحلته، ولو كان فرضًا لنزل وأوتر في الأرض، الفريضة ما كان يصليها على الراحلة، إذا جاء الفرض نزل وصلى في الأرض، وأما النافلة يصليها على الراحلة.
فلما صلى الوتر على راحلته، دل على أنه ليس بفرض، وهذا مذهب الجماهير خلافًا للأحناف، الأحناف يرون أن الوتر فرض، أعد الترجمة.
بَابُ ذِكْرِ الأَخْبَارِ الْمَنْصُوصَةِ وَالدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِفَرْضٍ، لاَ عَلَى مَا زَعَمَ مَنْ لَمْ يَفْهَمِ الْعَدَدَ، وَلاَ فَرَّقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَبَيْنَ الْفَضِيلَةِ، فَزَعَمَ أَنَّ الْوِتْرَ فَرِيضَةٌ، فَلَمَّا سُئِلَ عَنْ عَدَدِ الْفَرْضِ مِنَ الصَّلاَةِ زَعَمَ أَنَّ الْفَرْضَ مِنَ الصَّلاَةِ خَمْسٌ، فَقِيلَ لَهُ: وَالْوِتْرُ؟ فَقَالَ: فَرِيضَةٌ، فَقَالَ السَّائِلُ: أَنْتَ لاَ تُحْسِنُ الْعَدَدَ.
إذا جعل الوتر فريضة تكون ست، خمس صلوات والسادس يكون الوتر، فسئل: كم عدد الصلوات؟ قال: خمس، والوتر؟ يقول: واحد، قال: أنت لا تحسن العدد، إذا كان فرض اجعله ست، عده السادس.
قَالَ: أَبُو بَكْرٍ: قَدْ كُنْتُ أَمْلَيْتُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ خَبَرَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ فِي مَسْأَلَةِ الأَعْرَابِيِّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الإِسْلاَمِ، وَجَوَابَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِيَّاهُ، فَقَالَ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ »، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟ قَالَ: لاَ، «إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ».
فهذا دليل على أن الوتر ليس بفرض؛ لأن النبي أخبر أنها أوجب خمس صلوات في اليوم والليلة، فلو كان الوتر فرضًا لكان سادسًا، كان قال: فرض عليكم ست صلوات في اليوم والليلة.
فَأَعْلَمَ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ مَا زَادَ مِنَ الصَّلاَةِ عَلَى الْخَمْسِ فَهُوَ تَطَوُّعٌ.
واحتج به الجمهور على أن تحية المسجد ليست واجبة، لو كانت واجبة لكانت سادسة، فهذا يدل على أنها ليست واجبة، وهي سنة مؤكدة، وذهب الظاهرية إلى أن تحية المسجد واجبة، وقالوا: هذه واجبة بسبب، وأما الصلوات الخمس هذه واجبة على جميع المسلمين.
وأما تحية المسجد فهي واجبة بسبب، فلا منافاة.
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ الأَشَجُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ قال: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: إِنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِحَتْمٍ، وَلاَ كَصَلاَتِكُمُ الْمَكْتُوبَةِ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْتَرَ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا؛ فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ».
هو ليس بحتم، يعني ليس بواجب، ولا أنه كالصلاة المكتوبة، ليس كمثلها، الصلوات الخمس هذه فريضة.
غَيْرُ أَنَّ الأَشَجَّ لَمْ يَذْكُرْ: «يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا».
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ.
وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، نَحْوَ حَدِيثِ الدَّوْرَقِيِّ، فِي إِسْنَادِهِ، وَمَتْنِهِ.
حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ حُمْرَانَ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: حَدَّثَنِي أَبِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ النَّجَّارِيِّ، أَنَّهُ سَأَلَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ -رضي الله عنه- عَنِ الْوِتْرِ، قَالَ: أَمْرٌ حَسَنٌ جَمِيلٌ، عَمِلَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُسْلِمُونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ.
نعم، وهذا هو الصواب أن الوتر ليس بواجب، ولكنه سنة مؤكدة.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ خَرَّجْتُ فِي كِتَابِ [الْكَبِيرُ] أَخْبَارَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي إِعْلاَمِهِ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَدَلَّتْ تِلْكَ الأَخْبَارُ عَلَى أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْوِتْرِ فَرْضًا عَلَى الْعِبَادِ مُوجِبٌ عَلَيْهِمْ سِتَّ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَهَذِهِ الْمَقَالَةُ خِلاَفُ أَخْبَارِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَخِلاَفُ مَا يَفْهَمُهُ الْمُسْلِمُونَ عَالِمُهُمْ وَجَاهِلُهُمْ، وَخِلاَفُ مَا تَفْهَمُهُ النِّسَاءُ فِي الْخُدُورِ وَالصِّبْيَانُ فِي الْكَتَاتِيبِ، وَالْعَبِيدُ وَالإِمَاءُ...
أعد، وهذا خلاف ماذا؟
وَهَذِهِ الْمَقَالَةُ...
المقالة: القول بأن الوتر واجب، هذه المقالة خلاف...
وَهَذِهِ الْمَقَالَةُ خِلاَفُ أَخْبَارِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَخِلاَفُ مَا يَفْهَمُهُ الْمُسْلِمُونَ عَالِمُهُمْ وَجَاهِلُهُمْ، وَخِلاَفُ مَا تَفْهَمُهُ النِّسَاءُ فِي الْخُدُورِ، وَالصِّبْيَانُ فِي الْكَتَاتِيبِ، وَالْعَبِيدُ وَالإِمَاء، إِذْ جَمِيعُهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْفَرْضَ مِنَ الصَّلاَةِ خَمْسٌ لاَ سِتٌّ.
أعد الكلام، قال من هذا؟
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ خَرَّجْتُ فِي كِتَابِ [الْكَبِيرُ] أَخْبَارَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي إِعْلاَمِهِ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَدَلَّتْ تِلْكَ الأَخْبَارُ عَلَى أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْوِتْرِ فَرْضًا عَلَى الْعِبَادِ مُوجِبٌ عَلَيْهِمْ سِتَّ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَهَذِهِ الْمَقَالَةُ خِلاَفُ أَخْبَارِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَخِلاَفُ مَا يَفْهَمُهُ الْمُسْلِمُونَ عَالِمُهُمْ وَجَاهِلُهُمْ، وَخِلاَفُ مَا تَفْهَمُهُ النِّسَاءُ فِي الْخُدُورِ وَالصِّبْيَانُ فِي الْكَتَاتِيبِ، وَالْعَبِيدُ وَالإِمَاءُ، إِذْ جَمِيعُهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْفَرْضَ مِنَ الصَّلاَةِ خَمْسٌ لاَ سِتٌّ.
هذا كلام المؤلف، أبو بكر هو كنية ابن خزيمة -رحمه الله-، يقول: خرَّجت الأحاديث التي فيها أن الله أوجب خمس صلوات في اليوم والليلة على العباد، والقول بأن الوتر فرض مصادم لهذه النصوص، وخلاف ما يفهمه المسلمون، عامهم وخاصهم، وخلاف ما تفهمه النساء في الخدور، النساء تفهم أن الوتر ليس بواجب، إنما الواجب خمس صلوات، وخلاف ما يفهمه الأحرار والعبيد، قصده من ذلك الرد على الأحناف، اشتد عليهم.
حَدَّثَنَا أيوب بن إسحاق قال: حَدَّثَنَا أبو مَعْمَر، عن عبد الوارث بن سعيد، قال: سألتُ أبا حَنيفة، أو سُئِل أبو حَنِيفة عن الوتر فقال: فريضةٌ، فقلتُ، أو فَقِيل له: فكَمِ الفَرْضُ؟ قال: خمسُ صلواتٍ، فَقِيل له: فما تقولُ في الوِتر ؟ قال: فريضةٌ، فقلتُ، أو فَقيل له: أنتَ لاَ تُحْسِنُ الحسابَ.
ما تحسن العد، كيف تقول خمس وتقول الوتر فرض؟ قل: ست، إذا قلت أنه فريضة قل: ست. يقول: كم أوجب الله علينا؟ قال: خمس، قال: فالوتر؟ قال: الوتر واجب، كيف واجب؟ لماذا لا تضمه إلى الخمس فيكون ست؟ أنت لا تحسن الحساب.
حَدَّثَنَا أيوب بن إسحاق قال: حَدَّثَنَا أبو مَعْمَر، عن عبد الوارث بن سعيد، قال: سألتُ أبا حَنيفة، أو سُئِل أبو حَنِيفة عن الوتر فقال: فريضةٌ، فقلتُ، أو فَقِيل له: فكَمِ الفَرْضُ؟ قال: خمسُ صلواتٍ، فَقِيل له: فما تقولُ في الوِتر ؟ قال: فريضةٌ، فقلتُ، أو فَقيل له: أنتَ لاَ تُحْسِنُ الحسابَ.
باب ذكر دليلٍ ثان أن الوتر ليس بفرض.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ بْنِ كُرَيْبٍ قال: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (ح)، وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعِجْلِيُّ قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، يَعْنِي ابْنَ مُوسَى قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ وهو ابْنُ عَبْدِ اللهِ الْقُمِّيُّ، عَنْ عِيسَى بْنِ جَارِيَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رضي الله عنهما-، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَمَضَانَ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَالْوِتْرَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْقَابِلَةِ اجْتَمَعْنَا فِي الْمَسْجِدِ وَرَجَوْنَا أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا، فَلَمْ نَزَلْ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أَصْبَحْنَا، فَدَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقُلْنَا لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، رَجَوْنَا أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْنَا فَتُصَلِّيَ بِنَا، فَقَالَ: «كَرِهْتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمُ الْوِتْرُ».
هذا دليل على أن الوتر ليس بواجب، قال: «كرهت أن يُكتب عليكم»، دليل على أنه لم يُكتب فرضًا.
بَابُ التَّرْغِيبِ فِي الْوِتْرِ وَاسْتِحْبَابِهِ إِذِ اللَّهُ يُحِبُّهُ.
وأخبرنا الشيخ الفقيه أبو الحسن علي بن مسلم السلمي، قال: حدثنا عبد العزيز بن أحمد بن محمد، قال: أخبرنا الأستاذ الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، قراءةً عليه، قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، وَزِيَادُ بْنُ يَحْيَى الْحَسَّانِيُّ، قَالَ زِيَادٌ: حَدَّثَنَا، وَقَالَ نَصْرٌ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ قال: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ».
بَابُ ذِكْرِ الأَخْبَارِ الْمَنْصُوصَةِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ الْوِتْرَ رَكْعَةٌ.
بركة، وفق الله الجميع.