الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن خزيمة -رحمه الله تعالى-:
بَابُ ذِكْرِ الأَخْبَارِ الْمَنْصُوصَةِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ الْوِتْرَ رَكْعَةٌ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلاَءِ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ قالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: (ح)، وحَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُوسٍ، سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ أَبِي لَبِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ (ح).
وحَدَّثَنَا الْمَخْزُومِيُّ قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُوسٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ (ح)، وحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُوسٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ (ح) وحَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالاَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: عَبْدُ الْجَبَّارِ: سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ، وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ.
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، وَمُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ وَزِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: مُؤَمَّلٌ: عَنْ أَيُّوبَ، وَقَالَ الآخَرُونَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ (ح).
وحَدَّثَنَا بُنْدَارٌ قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ قال: أَخْبَرَنا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ (ح) وحَدَّثَنَا بُنْدَارٌ أَيْضًا قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ (ح) وحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ (ح).
وحَدَّثَنَا بُنْدَارٌ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ قال: حَدَّثَنَا خَالِدٌ (ح)، وحَدَّثَنَا بُنْدَارٌ أَيْضًا قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى قال: حَدَّثَنَا خَالِدٌ (ح).
وحَدَّثَنَا الصَّنْعَانِيُّ قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قال: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ كُلُّهُمْ ذَكَرُوا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِرَكْعَةٍ»، هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بِخَبَرِ الزُّهْرِيِّ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ خَرَّجْتُ طُرُقَ هَذِهِ الأَخْبَارِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي أَمْلَيْتُهَا فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْوِتْرَ بِرَكْعَةٍ غَيْرُ جَائِزٍ إِلاَّ لِخَائِفٍ الصُّبْحَ، وَأَعْلَمْتُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَا بَانَ لِذَوِي الْفَهْمِ وَالتَّمْيِيزِ جَهْلَ قَائِلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ.
نعم، هو الصواب، كما قال أبو بكر: الوتر ركعة، وله أن يوتر بثلاث ركعات، أو يوتر بخمس، أو بسبع أو تسع، والإيتار بركعة ليس فيه كراهة، قاله جمع من الصحابة، ويدل عليه الحديث: «صلاة الليل مثنى مثنى»، كما ذكره المؤلف، فإذا خشي أحدكم الصبح، فليوتر بواحدة، ولا كراهة في الإيتار بركعة.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ قال: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: أَرَأَيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ، أُطِيلُ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ؟ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ الْيَمَامِيُّ قال: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، يَعْنِي ابْنَ بَكْرٍ قال: أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمَخْزُومِيِّ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنِ الْوِتْرِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَفْصِلَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: إِنَّهَا الْبُتَيْرَاءُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَسُنَّةَ اللهِ وَرَسُولِهِ تُرِيدُ؟ هَذِهِ سُنَّةُ اللهِ وَرَسُولِهِ.
هذا الرجل استنكر أن يكون ركعة، قال: أن يقال البتيراء، ركعة واحدة، بيّن له ابن عمر أنها السنة، لا كراهة في الإيتار بركعة.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ الْيَمَامِيُّ قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ قال: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، وَهُوَ ابْنُ بِلاَلٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، ثُمَّ نَزَلَ، فَصَلَّى عَشْرَ رَكَعَاتٍ، وَأَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، ثُمَّ صَلَّى بِنَا الصُّبْحَ.
قَدْ خَرَّجْتُ هَذَا الْبَابُ بِتَمَامِهِ فِي كِتَابِ الْكَبِيرُ.
بَابُ إِبَاحَةِ الْوِتْرِ بِخَمْسِ رَكَعَاتٍ، وَصِفَةِ الْجُلُوسِ فِي الْوِتْرِ إِذَا أَوْتَرَ بِخَمْسِ رَكَعَاتٍ، وَهَذَا مِنَ اخْتِلاَفِ الْمُبَاحِ.
حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ (ح)، وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ بْنِ كُرَيْبٍ قال: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً كَانَ يُوتِرُ بِخَمْسِ سَجَدَاتٍ -يَعْنِي رَكَعَاتٍ - لاَ يُسَلِّمُ فِيهِنَّ، فَيَجْلِسُ فِي الآخِرَةِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ.
هذا قوله: سجدات، يعني ركعات، سميت الركعة سجدة؛ لأن السجدة أهم أركانها، وفيه أنه إذا أوتر بخمس يسردها، ولا يجلس إلا في آخرها، وكذلك الثلاث يسردها، وكذلك السبع، وقيل إذا سرد السبع يجلس في السادسة ثم يقوم ويأتي بالسابعة، وأما التسع فإنه إذا سردها يتشهد في الثامنة، ثم يقوم ويأتي بالتاسعة.
هَذَا حَدِيثُ أَبِي أُسَامَةَ.
وَقَالَ بُنْدَارٌ: وَيُوتِرُ مِنْهُنَّ بِخَمْسٍ، وَلاَ يُسَلِّمُ إِلاَّ فِي آخِرِهِنَّ.
بَابُ ذِكْرِ الْخَبَرِ الْمُفَسِّرِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ يَجْلِسُ إِلاَّ فِي الْخَامِسَةِ إِذَا أَوْتَرَ بِخَمْسٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ قال: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِخَمْسٍ، لاَ يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْخُمُسِ إِلاَّ فِي الْخَامِسَةِ.
بَابُ إِبَاحَةِ الْوِتْرِ بِسَبْعِ رَكَعَاتٍ، أَوْ بِتِسْعٍ وَصِفَةِ الْجُلُوسِ إِذَا أَوْتَرَ بِسَبْعٍ، أَوْ بِتِسْعٍ.
حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قال: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ (ح)، وحَدَّثَنَا بُنْدَارٌ قال: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ (ح)، وحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ قال: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ سَعِيدٍ (ح)، وحَدَّثَنَا بُنْدَارٌ قال: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قال: حَدَّثَنِي أَبِي جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، وَهَذَا حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَأَتَى الْمَدِينَةَ لِيَبِيعَ بِهَا عَقَارًا لَهُ بِهَا، فَيَجْعَلَهُ فِي السِّلاَحِ وَالْكُرَاعِ، وَيُجَاهِدُ الرُّومَ حَتَّى يَمُوتَ، فَلَقِيَ رَهْطًا مِنْ قَوْمِهِ فَحَدَّثُوهُ أَنَّ رَهْطًا مِنْ قَوْمِهِ أَرَادُوا ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلَيْسَ لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ؟ وَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ.
فَأَشْهَدَ عَلَى مُرَاجَعَةِ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَقِيَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ عَنِ الْوِتْرِ، فَقَالَ: أَلاَ أُنَبِّئُكَ بِأَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ بِوِتْرِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: عَائِشَةُ، ايْتِهَا، فَاسْأَلْهَا، ثُمَّ ارْجِعْ إِلَيَّ فَأَخْبِرْنِي بِرَدِّهَا عَلَيْكَ قال: فَأَتَيْتُ عَلَى حَكِيمِ بْنِ أَفْلَحَ فَاسْتَلْحَقْتُهُ إِلَيْهَا.
(فَاسْتَلْحَقْتُهُ) يعني طلبت منه أن يذهب معي إليها، هذا معنى الاستلحاق.
فَقَالَ: مَا أَنَا بِقَارِبِهَا.
يعني حصل بينه وبينها كلام، يعني غضبت عليه، فهو لا يذهب إليها، أغضب عائشة.
إِنِّي نَهَيْتُهَا أَنْ تَقُولَ فِي هَاتَيْنِ الشِّيعَتَيْنِ شَيْئًا، فَأَبَتْ فِيهِمَا إِلاَّ مُضِيًّا، فَأَقْسَمْتُ عَلَيْهِ، فَجَاءَ مَعِي فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: أَحَكِيمٌ؟ فَعَرَفَتْهُ.
قالت: أحكيم؟ يعني أنت حكيم؟ استفهام، قال: نعم، فعرفته من صوته، وكان من وراء الحجاب.
قَالَ: نَعَمْ، أَوْ، قَالَ: بَلَى قَالَتَ: مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ قَالَ: سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ قَالَتْ: مَنْ هِشَامٍ ؟ قَالَ: ابْنُ عَامِرٍ، قَالَ: فَتَرَحَّمَتْ عَلَيْهِ.
فترحمت عليه، قالت: رحمه الله، عائشة.
قَالَ: فَتَرَحَّمَتْ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: نِعْمَ الْمَرْؤ كَانَ عَامِرٌ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَتْ: كُنَّا نَعُدُّ لَهُ سِوَاكَهُ، وَطَهُورَهُ فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ لِمَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ، وَيَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، لاَ يَجْلِسُ فِيهِنَّ إِلاَّ عِنْدَ الثَّامِنَةِ، فَيَجْلِسُ وَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَدْعُو -زَادَ هَارُونُ فِي حَدِيثِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ- ثُمَّ يَنْهَضُ، وَلاَ يُسَلِّمُ، ثُمَّ يُصَلِّي التَّاسِعَةَ، فَيَقْعُدُ فَيَحْمَدُ رَبَّهُ وَيُصَلِّي عَلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا فَيُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ قَاعِدٌ فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيَّ.
وهذا فيه أنه إذا أوتر بتسع، فإنه يجلس في الثامنة، ويتشهد، ثم يقوم ويأتي بالتاسعة ويُسلّم، ويصلي بعدها ركعتين، هذه بعد الوتر، فيه دليل على أنه لا بأس بالصلاة بعد الوتر، الصلاة بعد الوتر ليست حرام، جائزة، لكن الأفضل أن تكون آخر الصلاة هو الوتر، لقول النبي: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا»، هذا الأمر للاستحباب، وليس الوجوب، بدليل فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه صلى ركعتين بعد الوتر، فقوله: صلى ركعتين بعد الوتر، هو الذي صرف الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب.
الأفضل أن يكون آخر الصلاة الوتر، لكن لو أوتر ثم تبيّن له أن الصبح لم يطلع، أو أوتر في أول الليل ثم قام في آخر الليل أو وسط الليل، يصلي ما تيسر له، ولا يعيد الوتر، ولكن الصلاة بعد الوتر ليست مُحرمة، جائزة.
س: وهو جالس، قاعد يعني؟
الشيخ: يصلي جالس؛ لأنها نافلة، ولأنه ثقل -عليه الصلاة والسلام- في آخر حياته، حطمه الناس.
س: له نصف الأجر؟
الشيخ: نصف الأجر إذا كان قادر، وإذا كان عاجز، له الأجر كامل.
وَقَالَ بُنْدَارٌ وَهَارُونُ جَمِيعًا: فَلَمَّا أَسَنَّ وَأَخَذَ اللَّحْمَ، أَوْتَرَ بِسَبْعٍ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ، فَتِلْكَ تِسْعُ رَكَعَاتٍ يَا بُنَيَّ.
أوتر بسبع ثم صلى ركعتين، هذا فيه الرد على من قال إنه لا يجوز الزيادة على إحدى عشرة ركعة في الوتر، أوتر النبي بسبع، وأوتر بتسع، وأوتر بإحدى عشرة، وأوتر بثلاث عشرة.
بعض الناس يرى أنه لا يجوز الزيادة على إحدى عشر، يقول: من زاد على إحدى عشر ركعة، فكأنما زاد في الفريضة.
قَالَ لَنَا بُنْدَارٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً يُسْمِعُنَا.
قَالَ بُنْدَارٌ: قُلْتُ لِيَحْيَى: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: تَسْلِيمَةً، فَقَالَ: هَكَذَا حِفْظِي عَنْ سَعِيدٍ، وَكَذَا، قَالَ: هَارُونُ فِي حَدِيثِ عَبْدَةَ، عَنْ سَعِيدٍ: ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا. كَمَا قَالَ يَحْيَى.
وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ: ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً يُسْمِعُنَا.
كَذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قال: حَدَّثَنَا هِشَامٌ (ح)، وحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ قال: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قال: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ زَادَانٍ قال: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُوتِرُ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ، فَلَمَّا أَسَنَّ وَثَقُلَ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، يُقْرَأُ فِيهِنَّ بِالرَّحْمَنِ وَالْوَاقِعَةِ.
قَالَ أَنَسٌ: وَنَحْنُ نَقْرَأُ بِالسُّوَرِ الْقِصَارِ ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ﴾[الزلزلة:1]، وَ ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾[الكافرون:1]، وَنَحْوِهِمَا.
يقرأ بالواقعة، معناها طويلة، ركعتين طويلتين.
بَابُ إِبَاحَةِ الْوِتْرِ أَوَّلَ اللَّيْلِ إِنْ أَحَبَّ الْمُصَلِّي، أَوْ وَسَطَهُ، أَوْ آخِرَهُ، إِذِ اللَّيْلُ بَعْدَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ كُلُّهُ وَقْتُ الْوِتْرِ.
بركة، وفق الله الجميع.
س: بعد الوتر جالس؟
الشيخ: نعم، بعد الوتر، يصلي ركعتين وهو إن أحب جالس أو قائم.