شعار الموقع

شرح كتاب الصلاة من صحيح ابن خزيمة_136

00:00
00:00
تحميل
34

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال ابنُ خُزيمة -رحمه الله تعالى- في صحيحه:

جُمَّاعُ أَبْوَابِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ.

بَابُ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ «وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَأَنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ».

أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا بُنْدَارٌ، قال حدثنا يَحْيَى، قال حدثنا إِسْمَاعِيلُ، قال حَدَّثَنِي قَيْسٌ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِي قَوْلِهِ: «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا» دِلَالَةٌ عَلَى حُجَّةِ مَذْهَبِ الْمُزَنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي خَالَفَهُ فِيهَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي الْحَالِفِ إِذَا كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَقَالَ: إِذَا وَلَدْتُمَا وَلَدًا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ قَالَ الْمُزَنِيُّ: إِذَا وَلَدَتْ إِحْدَاهُمَا وَلَدًا طُلِّقَتَا إِذِ الْعِلْمُ مُحِيطٌ أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ لَا تَلِدَانِ جَمِيعًا وَلَدًا وَاحِدًا، وَإِنَّمَا تَلِدُ وَاحِدًا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، فَقَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا»، إِنَّمَا أَرَادَ إِذَا رَأَيْتُمْ كُسُوفَ إِحْدَاهُمَا فَصَلُّوا، إِذِ الْعِلْمُ مُحِيطٌ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، كَمَا لَا تَلِدُ امْرَأَتَانِ وَلَدًا وَاحِدًا.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أمَّا بعد:

هذا الكتاب "كتاب الكسوف"، والكسوف والخسوف، كسوف الشمس وخسوف القمر، ويُقال لكل منهما كسوفٌ وخسوف، قال تعالى: ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)﴾[القيامة:8].

لكن الأغلب أنْ يقال للقمر (خسوف)، ويُقال للشمس (كسوف)، ويُقال لكل واحدٍ منهما كسوفٌ وخسوف، قال: "فإذا كسفت الشمس".

 والمراد بالكسوف والخسوف: ذهابُ نور الشمس والقمر، أو ذهابُ بعضه.

والكسوف آيةٌ من آيات الله، وكذلك الخسوف آية من آيات الله، والحكمةُ فيهما تخويف الله لعباده، ولهذا قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يخوِّفُ الله بهما عباده».

وإن كان يُدرَك بالحساب فهذا من باب السبب العادي، فالكسوف والخسوف لها سببٌ شرعي، سببٌ شرعي تخويف الله لعباده، وسببٌ عادي معروف يعرفه أهل الحساب.

 وفيه دليل على أنَّ الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وذلك أنَّ أهل الجاهلية كانوا يعتقدون أنَّ الخسوف الكلي موت عظيم، أو ولادة عظيم، ولهذا لمَّا مات إبراهيم ابن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال الناس: "كسفت الشمس ..."، وصادف ذلك اليوم الذي كسفت الشمس؛ قال الناس: "كسفت الشمس لموت إبراهيم".

 فالنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطب الناس وقال: «إنَّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة». وفي رواية: «فإذا رأيتموهما فكبِّروا». وفي رواية: «فإذا رأيتموهما فتصدقُوا وأعتقُوا».

فيُشرع للمسلمين عند الكسوف والخسوف أنْ يفعلوا هذه الأمور: الصلاة، والعتق، والصدقة، والتهليل، والتكبير.

وفيه دليل على أنَّ الحكمة الشرعية -السبب الشرعي- هو تخويف الله لعباده.

كثيرٌ من الناس في هذا الزمان صاروا يغلب عليهم جانب السبب العادي، فصاروا يَعرفون متى ينكسف، ومتى ينخسف، وغلب ذلك على السبب الشرعي، فصار الكسوف والخسوف ليس له تأثير على كثيرٍ من الناس، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فزع لمَّا كسفت الشمس قام فزعًا يخشى أنْ تكون الساعة، كما جاء في الحديث: «قام يجرُّ رداءه»، لمَّا علم بكسوف الشمس قام فزعًا يجرّ رداءه يخشى أنْ تكون الساعة، -عليه الصلاة والسلام-، فزِعًا يجرُّ رداءه، وفي هذا دليل على أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يلبس الإزار والرداء أحيانًا، وكان القمص على عادة العرب، يلبس القُمُص.

  • فالإزار: هو ما يُشدُّ به النصف الأسفل، قطعة قماش، فوطة، شَرشَف يشدُّ به النصف الأسفل.
  • والرداء: ما يُوضع على الكتفين.

فكانت العرب يلبَسُون هذا وهذا، حتى في غير الإحرام، أحيانًا يَلبسُون القُمُص، وأحيانًا يلبسون الأُزُر والرداء، إذا كان عليه إزار ورداء فإذا دخل البيت خفَّف ووضع الرداء، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان وضع رداءه، عليه إزار، فلمَّا سمع بالكسوف قام فزعًا وجعل يجرُّ رداءه من السرعة، من العجلة ما وضعه، يجره ثم وضعه على كَتفيْه يخشى أنْ تكون الساعة.

وسيأتي بيان صلاة الكسوف.

وأمَّا استنباط المُزنيّ، وهو من علماء الشافعية؛ لأنَّ المُزني شافعي، وابن خزيمة شافعي أيضًا، فاستنباط ابن المزنّي استنباط دقيق هُنا، يقول: خالف بعض الشافعية. وأنَّه لو كان له امرأتان وقال: "إذا ولدتما ولدًا فأنتما طالقان"، فإذا ولدت إحداهما ولدًا طلُقت الجميع، ولا يُشترط أنْ تلد الاثنتان، إذا قال: "إذا ولدتما ولدًا فأنتما طالقان". فولدت إحداهما، طلقتا؛ لأنه لا يمكن أنْ يلدا جميعًا ولدًا واحدًا، فكل واحدة تلد ولد، هذه تلد ولد وهذه تلد ولد، فلا يمكن أنْ يلدان جميعًا ولدًا واحدًا، بل يلدان ولدين، كل واحدة تلد ولدًا.

ولهذا فإذا قال: "إذا ولدتما ولدًا فأنتما طالقان"؛ أنَّ الطلاق يكون عند ولادة الأولى منهما، إذا ولدت لهما ولدًا طلًقتا، هذا استنباط دقيق من المُزني من علماء الشافعية، يقول المؤلف وخالف بعض أصحاب الشافعية، فلم يروا هذا.

بَابُ ذِكْرِ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ كُسُوفَهُمَا تَخْوِيفٌ مِنَ اللَّهِ لِعِبَادِهِ "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ [الإسراء: 59]".

والآيات منها الكسوف، ومنها الرياح، ومنها الزلازل؛ هذه الآيات، والأعاصير، كل هذه من الآيات، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ [الإسراء: 59]، ولكن إنما تُشرع الصلاة عند الكسوف فقط، دون بقية الآيات، وذهب بعض العلماء إلى أنها أيضًا تُشرع الصلاة عند الزلزلة، ذهب إلى هذا [00:11:01] -رضي الله عنه-.

أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قال حدثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: خُسِفَتِ الشَّمْسُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَامَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، فَقَامَ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ، فَقَامَ يُصَلِّي بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُهُ فِي صَلَاةٍ قَطُّ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي يُرْسِلُ اللَّهُ لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُرْسِلُهَا يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ، وَدُعَائِهِ، وَاسْتِغْفَارِهِ».

وهذا فيه دليل على أنَّ له الحكمة، التخويف، تخويف الله لعباده، وفيه مشروعية الإطالة في صلاة الكسوف والخسوف، ولهذا قال إنه صلَّى بأطول صلاة، كما قالت عائشة -رضي الله عنها-، جاء فيه وكما سيأتي أيضًا أنه قرأ في القيام الأول بمقدار قراءة سورة البقرة، والركوع قريبًا من ذلك، والسجود قريبًا من ذلك.

وصفته كما سيأتي ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان، هذه هي الصفة التي اتفق عليها الشيخان البخاري ومسلم، وهي التي عليها المحققون من أهل العلم.

وجاء في صحيح مسلم هذه الصفات، أخذ بها بعض العلماء، جاء في صفتها أنها ركعتان في كل ركعة ثلاث ركوعات، وفي صفةٍ أخرى في كل ركعة أربع ركوعات، في كل ركعةٍ خمس ركوعات، وفي صفةٍ أخرى ست ركوعات.

أخذ بها بعض العلماء، وقالوا: إنَّ المدة التي أقام بها النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشر سنوات، مدة طويلة، يحتمل أنَّ الكسوف تعدد، وفي كل مرة صلَّى صلاة.

وأما المحققون فيرون أنها واقعةٌ واحدة، وأنَّها ما كسفت إلا مرة واحدة، يوم مات إبراهيم، وأخذوا بالصفة التي اتفق عليها الشيخان، وأنها ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان.

بَابُ الْخُطْبَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْأَمْرِ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ مَعَ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْكُسُوفِ إِلَى أَنْ يَنْجَلِيَ.

أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قال أَخْبَرَنَا أَبُو بَحْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ الْبَكْرَاوِيُّ، قال حدثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ على عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ النَّاسُ: إِنَّمَا انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاحْمَدُوا اللَّهَ، وَكَبِّرُوا، وَسَبِّحُوا، وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ كُسُوفُ أَيِّهِمَا انْكَسَفَ» قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ.

بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ فِي الْكُسُوفِ.

أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا بُنْدَارٌ، قال حدثنا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ، قال حدثنا سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ أَبُو مَسْعُودٍ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ حَيَّانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: «بَيْنَمَا أَرْتَمِي بِأَسْهُمٍ لِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذِ انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَنَبَذْتُهَا وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَانْتَهَيْتُ وَهُوَ قَائِمٌ رَافِعٌ يَدَيْهِ يُسَبِّحُ، وَيُكَبِّرُ، وَيَحْمَدُ، وَيَدْعُو حَتَّى انْجَلَتْ، وَقَرَأَ سُورَتَيْنِ، وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ».

س: لا بد الانجلاء؟

الشيخ: حتى تنجلي، يعني التسبيح والتهليل والتكبير يستمر، والدعاء والصدقة، أما الصلاة ما تُكرر، إذا صلى ما يُعيد، وإنما يستمر بنفس التهليل والتسبيح والتكبير والدعاء والصدقة حتى ينجلي.

بَابُ الْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ مَعَ الصَّلَاةِ عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ.

أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ، قال حدثنا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ، قال حدثنا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَانْكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ إِلَى الْمَسْجِدِ يَجُرُّ رِدَاءَهُ مِنَ الْعَجَلَةِ، وَلَاثَ إِلَيْهِ النَّاسُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا تُصَلُّونَ، فَلَمَّا كُشِفَ عَنْهَا خَطَبَنَا فَقَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ، وَإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمَا شَيْئًا فَصَلُّوا، وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ».

بَابُ النِّدَاءِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ فِي الْكُسُوفِ «وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنْ لَا أَذَانَ وَلَا إِقَامَةَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ».

أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قال حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قال حدثنا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «إِنَّهُ لَمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نُودِيَ أَنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةً»، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَكَذَا رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَامٍ أَيْضًا، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،

وَرَوَاهُ الْحَجَّاجُ الصَّوَّافُ قَالَ حدثنا يَحْيَى، قال حدثنا أَبُو سَلَمَةَ، قال حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثناه مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قال حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ الْأَسْوَدِ، عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ، أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى يَقُولُ: حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ مَتِينٌ، يُرِيدُ أَنَّهُ ثِقَةٌ حَافِظٌ.

محمد بن يحيى هذه تزكيةٌ له.

س: بالنسبة للصلاة، يقصر الصلاة عشان دخول وقت الفجر، أو يصلي الفجر وبعده يصلي؟

الشيخ: ينظر إذا كان في وقت لا بأس، وإذا كان ما في وقت يُقدم صلاة الفجر.

س: في الأصل يقصر القراءة، يعني يقرأ قصار السور.

الشيخ:  إذا لم يمكن إلا هذا، نعم.

بَابُ ذِكْرِ قَدْرِ الْقِرَاءَةِ مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا.

أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، قال أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ، وَحدثنا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، وَحدثنا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قال حدثنا رَوْحٌ، قال حدثنا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدٍ وَهُوَ ابْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسُ مَعَهُ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ ذَلِكَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ ذَاكَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ ذَلِكَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ ذَلِكَ الرُّكُوعِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لَا يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ فِي مَقَامِكَ هَذَا - قَالَ الرَّبِيعُ شَيْئًا - ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَأَنَّكَ تَكَعْكَعْتَ وَقَالَ الْآخَرَانِ: تَكَعْكَعْتَ. فَقَالَ: «إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ»، وَقَالُوا: «فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا» - قَالَ الرَّبِيعُ: «وَرَأَيْتُ أَوَ أُرِيتُ النَّارَ»، وَقَالَ الْآخَرَانِ: «وَرَأَيْتُ النَّارَ»، وَقَالُوا: «فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ» قَالَ الرَّبِيعُ: قَالُوا: لِمَ؟ - وَقَالَ الْآخَرَانِ: مِمَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «بِكُفْرِهِنَّ»، قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: " يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ " قَالَ أَبُو مُوسَى: قَالَ رَوْحٌ: «وَالْعَشِيرُ الزَّوْجُ».

بَابُ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ وَالتَّقْصِيرِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي عَنِ الْأَوَّلِ.

أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ، قال حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرْكَبًا لَهُ قَرِيبًا، فَلَمْ يَأْتِ حَتَّى كَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَخَرَجْتُ فِي نِسْوَةٍ فَكُنَّا بَيْنَ يَدَيِ الْحُجْرَةِ، فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَرْكَبِهِ سَرِيعًا، وَقَامَ مَقَامَهُ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي، وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ، فَكَبَّرَ، وَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودِ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا دُونَ السُّجُودِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، وَانْصَرَفَ، فَكَانَتْ صَلَاتُهُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ، فَجَلَسَ، وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ».

وهذا فيه الدليل على أنَّ صلاة الكسوف من الصلاة التي لها سبب، والصلاة التي لها سبب قد تكون لها حُكم يختلف عن اختلاف النوافل المُطلقة، ولهذا الظاهرية أوجبوا تحية المسجد، قالوا: لأنها صلاةٌ لها سبب، ولا يُعارض هذا مع حديث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: «خمس صلوات كتبهنَّ الله على العباد»، هذه خمس صلوات فريضة، فريضةُ الله على عباده، وهذه صلواتٌ لها أسباب، ومن ذلك: صلاة الكسوف، قالوا بوجوبها.

وهي مشروعة للرجال والنساء، في الحضر وفي السفر، جماعة وفُرادى، ويُشترط الإطالة فيها، والجهر بالقراءة حتى في كسوف الشمس، يُجهر بالقراءة فيها؛ لأنَّها صلاة طويلة والإمام يُسمِع الناس القراءة، فلا يمكن أنْ تكون الصلاة سرية وهي طويلة.

س: هل المسافرين يقفون حتى يصلون؟

الشيخ: نعم، مشروعة حتى للمسافرين.

أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قال حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ

بَابُ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ.

أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجَزَرِيُّ، قال حدثنا إِبْرَاهِيمُ يَعْنِي ابْنَ صَدَقَةَ، قال حدثنا سُفْيَانُ وَهُوَ ابْنُ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتِ: انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ قَرَأَ قِرَاءَةً يَجْهَرُ فِيهَا، ثُمَّ رَكَعَ عَلَى نَحْوِ مَا قَرَأَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَرَأَ نَحْوًا مِنْ قِرَاءَتِهِ، ثُمَّ رَكَعَ عَلَى نَحْوِ مَا قَرَأَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، وَسَجَدَ، ثُمَّ قَامَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى، فَصَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعَ فِي الْأُولَى، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ بَشَرٍ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ» قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ مَاتَ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ النَّاسُ: إِنَّمَا كَانَ هَذَا لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ.

ذِكْرُ عَدَدِ الرُّكُوعِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ.

أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قال حدثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، قال حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: وَكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ، فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ حَتَّى جَعَلُوا يَخِرُّونَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ، فَكَانَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّهُ عُرِضَ عَلَيَّ كُلُّ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَقَالَ: "وَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ إِلَّا لِمَوْتِ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُرِيكُمُوهَا، فَإِذَا خَسَفَا فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ".

وقوله (فَصَلُّوا) هذا أمر، والأصل فيه الوجوب، لهذا قال بوجوب صلاة الكسوف، وفيه مشروعية الإطالة، (وَهُم كَانُوا يَخِرُّون) يعني من طول القيام، يسقطون من طول القيام، فيه مشروعية الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف.

وفي هذا الحديث أنَّها أربع ركعات وأربع سجدات، في كل ركعةٍ ركوعان وسجدتان، هذه هي الصفة المتفق عليها.

أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حَدَّثَنَاهُ بُنْدَارٌ، قال حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قال حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا شَدِيدَ الْحَرِّ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَصْحَابِهِ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ حَتَّى جَعَلُوا يَخِرُّونَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ جَعَلَ يَتَقَدَّمُ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ، فَكَانَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّهُ عُرِضَ عَلَيَّ كُلَّ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ، فَعُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ حَتَّى تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا، وَلَوْ شِئْتُ لَأَخَذْتُهُ، ثُمَّ تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا فَقَصَرَتْ يَدَيَّ عَنْهُ، ثُمَّ عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ فَجَعَلْتُ أَتَأَخَّرُ خِيفَةَ تَغْشَاكُمْ، وَرَأَيْتُ فِيهَا امْرَأَةً حِمْيَرِيَّةً سَوْدَاءَ طَوِيلَةً تُعَذَّبُ فِي هِرَّةٍ لَهَا رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ، وَرَأَيْتُ أَبَا ثُمَامَةَ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، وَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْخَسِفَانِ إِلَّا لِمَوْتِ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُرِيكُمُوهَا اللَّهُ فَإِذَا خَسَفَتْ فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ».

وهذا فيه أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُرضت عليه الجنة والنار وقُرِّبتا له، وفي اللفظ الآخر: «مُثِّلَتَا» أي: أمام هذا الجدار، رأى الجنة والنار، كُشف له عنهما وقُربتا له، حتى إنه رأى عنقود العنب وأراد أن يأخذه، لكن قصُرت يده عنه، وقُرِّبت له النار حتى خشِي، وتكعكع أي تأخر وتأخرت الصفوف، والله على كل شيءٍ قدير.

 ورأى هذه المرأة التي تُعذب في هِرة، يعني بسبب هِرة (في) للسببية، وهذا عذاب في البرزخ، قبل يوم القيامة، رآها تُعذَّب نسأل الله السلامة والعافية.

ورأي أبا ثُمامة وهو عمرو بن لُحيّ، الذي جلب الأصنام والأوثان لبلاد العرب، رآه يُعذَّب، يجر أمعاءه فيجر قُصبه معه في النار والعياذ بالله.

يقول تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا﴾[غافر:46]، آل فرعون يُعرضون على النار غُدُوًّا عشيًّا، هذا في البرزخ، ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾[غافر:46].

وهكذا هذه المرأة التي تُعذَّب، وهذا عمرو بن لُحيّ يُعذَّب؛ هذا في البرزخ نسأل الله السلامة والعافية، فيه إثبات على عذاب البرزخ ونعيمه، والرد على مَن أنكر ذلك.

لَمْ يَقُلْ لَنَا بُنْدَارٌ: «الْقَمَرَ» وَفِي خَبَرِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَثِيرِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعُرْوَةَ، وَعَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّهُ رَكَعَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَيْنِ»  

قَالَ: وَقَدْ حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، قال حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قال حدثنا أَبِي، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي كُسُوفٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ».

هذه الصفة الثانية: ست ركعات، في كل ركعة ثلاث ركوعات وسجدتان. هذا رواه الإمام مسلم، ولم يروِه البخاري، ولهذا المحققون أنَّ هذه الروايات -وإن كانت جاءت في صحيح مسلم- لا يُعمل بها؛ لأنها لم يتفق عليها الشيخان.

أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قال حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قال حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ، قال حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ، قال أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يُحَدِّثُ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ أُصَدِّقُ قَالَ: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُرِيدُ عَائِشَةَ -رضي الله عنه-ا أَنَّهَا قَالَتْ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ بِالنَّاسِ قِيَامًا شَدِيدًا، يَقُومُ بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُومُ، ثُمَّ يَرْكَعُ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ، فَرَكَعَ الثَّالِثَةَ ثُمَّ سَجَدَ، حَتَّى إِنَّ رِجَالًا يَوْمَئِذٍ لَيُغْشَى عَلَيْهِمْ، حَتَّى سِجَالِ الْمَاءِ لَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مِمَّا قَامَ بِهِمْ، يَقُولُ إِذَا كَبَّرَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ»، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»، فَلَمْ يَنْصَرِفْ حَتَّى تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُكُمْ بِهِمَا، فَإِذَا كَسَفَا فَافْزَعُوا إِلَى اللَّهِ حَتَّى يَنْجَلِيَا».

وَفِي خَبَرِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ: «سِتُّ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ».

أخبرنا أبو طاهرٍ قال حدثنا أبو بكرٍ قال حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى، قال حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قال حَدَّثَنَا حَبِيبٌ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَّهُ صَلَّى فِي كُسُوفٍ، فَقَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ وَالْأُخْرَى مَثَلُهَا».

هنا في كل ركعة أربع ركوعات، هذه الصفة ثالثة.

  • الصفة الأولى: في كل ركعة ركوعان.
  • الصفة الثانية: في كل ركعة ثلاث ركوعات.
  • وهذه في كل ركعة أربع ركوعات.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «قَدْ خَرَّجْتُ طُرُقَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ فِي كِتَابِ الْكَبِيرُ، فَجَائِزٌ لِلْمَرْءِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْكُسُوفِ كَيْفَ أَحَبَّ، وَشَاءَ مِمَّا فَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عَدَدِ الرُّكُوعِ، إِنْ أَحَبَّ رَكَعَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَيْنِ، وَإِنْ أَحَبَّ رَكَعَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، وَإِنْ أَحَبَّ رَكَعَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ صِحَاحٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ مَرَّاتٍ لَا مَرَّةً وَاحِدَةً».

القارئ: قال في الحاشية: فيه نظر لما هو معروفٌ وثابتٌ علميًّا من أنَّ الكسوف قد حصل مرةً واحدةً فقط على عهد النبوة.

الشيخ: مَن الذي يقول هذا؟

القارئ: الفحل، المُحشِّي.

الشيخ: هذا على كل حال كما سبق، المسألة فيها قولان لأهل العلم، ابن خزيمة اختار القول الثاني أنَّها كسفت مرات، أنَّها مدة طويلة عشر سنوات، أقام في المدينة وأنَّ الكسوف تعدد، وأنَّه في كل مرة صلى صلاة بصفة، تكون هذه الصفات على عدد المرات، كسفت الشمس مرة وصلى في كل ركعة ركوعان، كسفت مرة أخرى فصلى في كل ركعة ثلاث ركوعات، ومرة ثانية صلى في كل ركعة أربع ركوعات.

لكن المحققون من أهل العلم والجمهور على أنها لم تكسف إلا مرةً واحدة، وأنَّه ما صلى إلا صلاةً واحدة، واختاروا ما اتفق عليها الشيخان، ركعتان في كل ركعة ركوعان، وقالوا هذ بقية الصفات شاذة، وإن أخرج لها مسلم في صحيحه، ولا يُعمل بها، مثل ما قال الفحل هنا، لكن ابن خزيمة رحمه الله اختار القول الثاني، اختار أنها ثابتة، وأنَّ الكسوف تعدد.

بَابُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ كُلِّ رُكُوعٍ وَبَيْنَ الْقِيَامِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ.

طالب: الصفات الأخرى رواها مسلم أحسن الله إليك.

الشيخ: نعم رواها مسلم، وإن كررها مسلم قالوا: وإن رواها مسلم. لكن الصفة التي اتفق عليها الشيخان البخاري ومسلم هي الأُولى.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد