بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهُمَّ اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
طالب: في حديث ترك الخطبة في العيدين، ذكر ابن خزيمة أنه غريبٌ غريب، وذكر هنا الإثيوبي، قال:
التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْجُلُوسِ فِي الْخُطْبَةِ لِلْعِيدَيْنِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَلَّى الْعِيدَ، قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْصَرِفَ فَلْيَنْصَرِفْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُقِيمَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيُقِمْ».
الأثيوبي هنا قال: المسألة الأولى:
هذا الحديث قال أبو داود -رَحِمَهُ اللَّهُ-: مرسل عن عطاء، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- انتهى، وقال النسائيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا خطأ، والصواب أنه مرسل انتهى. وأخرجه البيهقي عن العبّاس الدُّورِيّ، قال: سمعت يحيى ابن معين يقول: عبد اللَّه بن السائب أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى بهم العيد هذا إنما هو عن عطاء، فقط، وإنما غلَط فيه الفضل بن موسى السِّينَانيّ، يقول: عن عبد اللَّه بن السائب.
ثم ذكر البيهقي ما يدلّ على صحة ما قاله ابن معين، فأخرج بسنده عن قَبِيصة، عن سفيان، عن ابن جُريج، عن عطاء، قال: صلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالناس العيد، ثم قال: «من شاء أن يذهب فليذهب، ومن شاء أن يقعد فليقعد». انتهى.
وتعقبه ابن التركمانيّ، فقال: الفضل بن موسى ثقة جليل، روى له الجماعة، وقال أبو نعيم: هو أثبت من ابن المبارك، وقد زاد ذكرَ ابن السائب، فوجب أن تُقبل زيادته، ولهذا أخرجه هكذا مسندًا الأئمة في كتبهم، أبو داوود، والنسائيّ، وابن ماجه، والرواية المرسلة التي ذكرها البيهقيّ في سندها قُبيصة عن سفيان، وقبيصة وإن كان ثقة إلا أن ابن معين وابن حنبل وغيرهما ضعفوا روايته في سفيان، وعلى تقدير صحة هذه الرواية لا تُعلّل بها رواية الفضل لأنه سداد وقال هنا في (السداد) الصواب لأنه في الإسناد، لأنه سداد في الإسناد، وهو ثقة انتهى.
قال الجامع -عفا اللَّه تعالى عنه-: ما قاله ابن التركماني -رَحِمَهُ اللَّهُ- هو المتّجه عندي، فالحديث متصل صحيح من حديث عبد اللَّه بن السائب -رضي اللَّه عنه-، ولا يضرّه إرسال من أرسله؛ لأن الفضل بن موسى ثقة ثبت يجب قبول زيادته. واللَّه تعالى أعلم.
الشيخ: يعني على طريقة المتأخرين تكون الزيادة، وعند المتقدمين قد تكون شاذة الزيادة، ولو كانت الزيادة من ثقة.
طالب: أبو داوود ذكر الحديث، ثُمَّ تكلم فيه شُعيب، قال أبو داود:
باب الجلوس للخطبة
حدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى السِّيْنَانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْعِيدَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ قَالَ: «إِنَّا نَخْطُبُ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا مُرْسَلٌ.
قال شعيب: رجاله ثقات، لكنه اختلف في وصله وإرساله، والصحيح المرسل، فقد انفرد بوصله الفضل بن موسى السيناني، وخالفه سفيان الثوري، وعبد الرزاق، وهشام ابن يوسف الصنعاني، فرووه عن ابن جريج، وهو عبد الملك بن عبد العزيز عن عطاء وهو ابن أخي رباح مرسلًا، وقد صحح المرسل كالمصنف ابن معين كما في تاريخ عباس الدوري، وأبو زرعة والرازي كما في العلل ابن أبي حاتم الرازي والنسائي فيما نقله عنه المزي في تحفة الأشراف، ونقله عنه كذلك المنذري في مختصر السنن، ووثقه الزيلعي في نصب الراية، فقد أخطأ الشيخ الألباني -رحمه الله- إذ صحح هذا الحديث في الإرواء تبعًا لابن التركماني، ذاهلين عن طريق الحديث الأخرى، فانتهينا إلى تلك النتيجة، وذلك أن الحديث قد رواه ثلاثة ثقات كبار فأرسلوه كما ذكرنا، وصحح أهل العلم أن الحديث مرسلًا، وأخرجه ابن ماجه والنسائي في الكبرى من طريق الفضل ابن أبي موسى السيناني بهذا الإسناد، وأخرجه عبد الرزاق، وأخرجه كذلك البيهقي، والمحمالي في صلاة العيدين من طريق سفيان الثوري، وأبو زرعة الرازي في العلل لابن أبي حاتم من طريق هشام ابن يوسف، ثلاثتهم: عبد الرزاق، وسفيان الثوري، وهشام عن ابن جريج، عن عطاءٍ مرسلًا.
قد يكون أن الإمام يخير المصلين بالجلوس؟
الشيخ: لكن هنا يقول شعيب: أخطأ الألباني في تصحيحه. الألباني مشى على طريقة المتأخرين، المتأخرين يقولون بأن زيادة الثقة مقبولة، والمتقدمون الزيادة يعملون بها، يحكمون على كل حديث، لا يأخذون به دائم، ولهذا أبو داود قال: الصحيح أنه مرسل؛ لأن العبرة بالأكثر، فالأكثر رووه مرسلًا فيكون مرسلًا، والأقل رووه موصول فلا عبرة به، فهو مرسل على طريقة المتقدمين، وأما على طريقة المتأخرين مثل الذي صححه الألباني فقد مشي على طريقة المتقدمين، قول شعيب أنه أخطأ، وهذا معروف، طريقة معروفة للمتأخرين.
طالب: لكن عند ابن ماجه كأن شعيب صححه.
الشيخ: نفس الحديث؟ قد يغلط، قد يجمع بين قوليه، صححه من أجل ماذا؟ ماذا قال؟
طالب: قال:
بَابُ مَا جَاءَ فِي انْتِظَارِ الْخُطْبَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ
حَدَّثَنَا هَدِيَّةُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَعَمْرُو بْنُ رَافِعٍ الْبَجَلِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: حَضَرْتُ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى بِنَا الْعِيدَ، ثُمَّ قَالَ: «قَدْ قَضَيْنَا الصَّلَاةَ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ».
قال: إسناده صحيح، وأخرجه أبو داوود والنسائي من طريق الفضل ابن موسى بهذا الإسناد.
الشيخ: لكن ذاك فصل أكثر.
طالب: لكن كأن الألباني في رواية لابن خزيمة ضعفه، ولكن عند النسائي قال: صحيح. في صحيح وضعيف النسائي ذكر أنه صحيح.
الشيخ: على طريقة المتأخرين قالوا بزيادة الثقة، المتأخرون يقولون: زيادة الثقة مقبولة على كل حال، والمتقدمون يقولون: ننظر الزيادة، قد تكون مقبولة، وقد تكون غير مقبولة. فإذا كان الأكثر رووها مرسلًا يُؤخذ بقول الأكثر، فتكون رواية الأقل شاذة ولو كان السند صحيح، مخالفة الثقة لمَنْ هو أوثق منه شذوذ.
طالب: والمرسل ما قد يكون صحيحًا؟
الشيخ: بلى، المرسل إذا وُجد مرسل آخر سنده صحيح، الصواب أنه فيه خلاف في قبول صحة الحديث المرسل، الشافعي يقبل المرسل، والصواب أنه إذا وجد مرسلًا مع مرسل آخر يشد أحدهما الآخر فيكون بذلك صحيحًا، أما مرسل وحده فهو ضعيف، المرسل ضعيف، لكن إذا وجِد مرسلان فأكثر يشد بعضهما الآخر ويُعمل به.
طالب: الآن في الحديث جميع من رواه ذكروا الصحابي عبد الله بن السائب، هل يُذكر أنه مرسل وقد ذُكر الصحابي؟
الشيخ: الذي رواه مرسلًا حذف الصحابي، حذف عبد الله بن السائب، والذي رواه موصولًا ذكر عبد الله بن السائب، المرسل هو ما حُذف فيه الصحابي.
طالب: يكون للإمام أن يُخير الجماعة؟
الشيخ: لا، لا يوجد داعي، يتركهم، لكن لا ينكر على مَنْ قام، وليس بلازم، الرسول -صلى الله عليه وسلم- مُشرِّع حينما قال هذا، أما الإمام الآن لا يقول لا اجلسوا، ولا لا تجلسوا، يخطب، ومَنْ جلس يستمع إلى الخطبة، ومَنْ خرج فلا يُلام.
قال الإمام ابن خزيمة -رحمه الله- في صحيحه:
جُمَّاعُ أَبْوَابِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، وَمَا يُحْتَاجُ فِيهِمَا مِنَ السُّنَ
بَابُ اجْتِمَاعِ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَصَلَاةِ الْإِمَامِ بِالنَّاسِ الْعِيدَ ثُمَّ الْجُمُعَةَ، وَإِبَاحَةِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا جَمِيعًا بِسُورَتَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا
أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، قال: حدثنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ، وَقَالَ مَرَّةً: فِي الْعِيدِ، بِـ ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾، وَ ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾، فَإِنْ وَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَرَأَ بِهِمَا.
الشيخ: تكلم على سنده؟
القارئ: قال: "إسناده صحيح".
الشيخ: هذا الحديث فيه أنه إذا اجتمع العيد والجمعة في يومٍ واحد، صلى العيد في أول النهار، وصلى الجمعة في وقتها، ولا بأس أن يقرأ في العيدين وفي الجمعة بِـ ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾، وَ ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾، يقرأها في العيدين وفي الجمعة كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإن قرأ بغيرهما فلا حرج.
لكن بقيت مسألة: أن مَنْ حضر العيد هل يلزمه حضور الجمعة؟
الإمام لا تسقط عنه الجمعة، وأما المأموم فإنه تسقط عنه، ويصليها ظهرًا، كم سيأتي أو سبق، مر لابن خزيمة سقوطها أولا؟
القارئ: نعم، سوف يأتي الآن:
بَابُ الرُّخْصَةِ لِبَعْضِ الرَّعِيَّةِ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجُمُعَةِ إِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، إِنْ صَحَّ الْخَبَرُ، فَإِنِّي لَا أَعْرِفُ إِيَاسَ بْنَ أَبِي رَمْلَةَ بِعَدَالَةٍ وَلَا جَرْحٍ
قف على هذا، لعل المؤلف قد أشار، الوقت متأخر.
القارئ: له تعليق.
الشيخ: إي، يحتاج إلى كلام، يروج الوقت علينا.