بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
قال الإمام ابن خزيمة -رحمه الله تعالى- في صحيحه:
جُمَّاعُ أَبْوَابِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، وَمَا يُحْتَاجُ فِيهِمَا مِنَ السُّنَنِ
بَابُ إِبَاحَةِ خُرُوجِ النِّسَاءِ فِي الْعِيدَيْنِ، وَإِنْ كُنَّ أَبْكَارًا، ذَوَاتِ خُدُورٍ حُيَّضًا كُنَّ أَوْ أَطْهَارًا
أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا أَبُو هَاشِمٍ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، قال: حدثنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، قال: حدثنَا أَيُّوبُ، عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ. فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ، فَحَدَّثَتْ أَنَّ أُخْتَهَا كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اثْنَتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً، كَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ، قَالَتْ: كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى،
(الْكَلْمَى) الجرحى، يعني المجروحين، نداويهم.
وَنَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى. فَسَأَلَتْ أُخْتِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَتْ: هَلْ عَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لَا تَخْرُجَ؟ قَالَ: «لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا، وَلْتَشْهَدِ الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ». فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ سَأَلْتُهَا -أَوْ سَأَلْنَاهَا- فَقُلْنَا، سَمِعْتِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا؟ وَكَانَتْ لَا تَذْكُرُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا قَالَتْ بِأَبَا.
(بِأَبَا) بأبي، بآبائنا أم بأبي؟ بأبي، يعني يفديه بأبيه.
إِلَّا قَالَتْ بِأَبَا. فَقَالَتْ: نَعَمْ بِأَبَا.
يعني أفديه بأبي.
طالب: يا شيخ، بِأَبا، في نسخة الأعظمي قال: "إِلَّا قَالَتْ بِأَبَا. فَقَالَتْ: نَعَمْ بِأَبَا".
القارئ: ذكر في الحاشية تعليق، قال: "البابأة: قول الإنسان لصاحبه: بأبي أنت، ومعناه: أفديك بأبي".
الشيخ: يعني نحت، بأبأ مثل حوقل، يحوقل: يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. بأبأ: يقول: أفديه بأبي. تكرار، هذا نحت، السبحلة: قول سبحان الله، والحمدلة: قول الحمد لله، الحوقلة: قول لا حول ولا قوة إلا بالله، بأبأة: قول أفديه بأبي.
وَكَانَتْ لَا تَذْكُرُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا قَالَتْ بِأَبَا. فَقَالَتْ: نَعَمْ بِأَبَا. قَالَ: «لِتَخْرُجِ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ، أَوِ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ، وَالْحُيَّضُ، فَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ. وَتَعْتَزِلُ الْحَائِضُ الْمُصَلَّى». قُلْتُ لِأُمِّ عَطِيَّةَ: الْحَائِضُ؟ قَالَتْ: أَلَيْسَتْ تَشْهَدُ عَرَفَةَ، وَتَشْهَدُ كَذَا، وَتَشْهَدُ كَذَا؟
هذا الحديث فيه دليل على أن صلاة العيد مهمة، وأنه ينبغي حضورها للرجال والنساء، واستدل به شيخ الإسلام على أن صلاة العيد فرض، والمشهور عند الجمهور والعلماء أنها سُنة، قال: والدليل على ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر العواتق والحيض وذوات الخدور أن يشهدن الصلاة، الأبكار المخدرات كن لا يخرجن ومع ذلك أمرهن بالخروج للعيد؛ فدلَّ على وجوبها، وأنها فرض، ولما قالت امرأة لرسول الله: يا رسول الله، المرأة ليس لها جلباب. قال: «لتلبسها أختها من جلبابها»، أي تكون معها في جلباب واحد، يمشين في عباءة واحدة، ويحضرن الصلاة، ويشهدن دعوة المسلمين، حتى الحُيَّض، لكن الحيض تكون خلف النساء، تعتزل الحيَّض المصلى، فيكون الرجال أمام، ثُمَّ النساء خلفهم، ثُمَّ الحيَّض خلف النساء، فيشهدن الخير، ويؤمِّن على الدعاء وهن بعيدات.
فهذا يدل على أهمية صلاة العيد وفرضيتها كما قال شيخ الإسلام، قال: هذا يدل على أنها فرض عين. فرض سنوي، والجمعة فرض أسبوعي، والصلوات الخمس فرض يومي، كل يوم خمس صلوات في اليوم والليلة، أعد الترجمة.
بَابُ إِبَاحَةِ خُرُوجِ النِّسَاءِ فِي الْعِيدَيْنِ، وَإِنْ كُنَّ أَبْكَارًا ذَوَاتِ خُدُورٍ حُيَّضًا كُنَّ أَوْ أَطْهَارًا
يعني حتى المخدرة التي لا تخرج، كانت العرب الأبكار المخدرات لا يخرجن حتى تتزوج، تكون كثيرة الحياء، ومع ذلك أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تخرج لأهمية صلاة العيد.
طالب: هل يكون هنا وجوب أم إباحة؟
الشيخ: الأصل في الأمر أنه للوجوب، وشيخ الإسلام قال بأنه يدل على الفرض، لما قالت المرأة: ليس عندي جلباب. قال -صلى الله عليه وسلم-: «لتلبسها أختها من جلبابها». لم يعذرها.
فهذا قول قوي، فالأصل في الأمر الوجوب إلا بصارف، لكن يمكن الجمهور يقولون بأن الصارف الحديث: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ في اليوم والليلة» هذا هو الأصل.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِر، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ،
(كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ) المعتاد أن العواتق وذوات الخدور لا يخرجن، مخدرات في البيوت، فلما جاءت المرأة أخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ، فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ،
كأن هذا بيت معروف في المدينة يسمى (قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ).
فَحَدَّثَتْ أَنَّ أُخْتَهَا كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً، كَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ قَالَتْ: كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى، وَنَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى، فَسَأَلَتْ أُخْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: هَلْ عَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لَا تَخْرُجَ؟ قَالَ: «لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا، وَلْتَشْهَدِ الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ»،
(لِتُلْبِسْهَا .. وَلْتَشْهَدِ) كل هذه أوامر، والأصل في الأمر أنه للوجوب.
فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ سَأَلْتُهَا - أَوْ سَأَلْنَاهَا، - فَقُلْنَا: سَمِعْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا وَكَانَتْ لَا تَذْكُرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَتْ: بِأَبَا فَقَالَتْ: نَعَمْ، بِأَبَا
يعني بأبي، كلما ذكرته قالت: "بأبي، أفديه بأبي".
قَالَ: «لِتَخْرُجِ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ، أَوِ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ، وَالْحُيَّضُ فَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَعْتَزِلُ الْحَائِضُ الْمُصَلَّى»، قُلْتُ لِأُمِّ عَطِيَّةَ: الْحَائِضُ؟ قَالَتْ: أَلَيْسَتْ تَشْهَدُ عَرَفَةَ، وَتَشْهَدُ كَذَا، وَتَشْهَدُ كَذَا؟
(وَتَعْتَزِلُ الْحَائِضُ الْمُصَلَّى) المصلى هذا كان في الصحراء، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي العيد في الصحراء، لا يصليها في المسجد النبوي، ومع ذلك تكون الحيَّض خلف النساء، وهو مصلى وليس مسجدًا، لكن لا تكون في صفوف النساء، الحيَّض خلف صفوف النساء منعزلات وحدهن؛ لأنهن لسن مصليات، فلا يكن مع المصليات.
بَابُ الْأَمْرِ بِاعْتِزَالِ الْحَائِضِ إِذَا شَهِدَتِ الْعِيدَ. وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهَا إِنَّمَا أُمِرَتْ بِالْخُرُوجِ لِمُشَاهَدَةِ الْخَيْرِ وَدَعْوَةِ الْمُسْلِمِينَ
أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، قال: حدثنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ -وَهُوَ ابْنُ زَاذَانَ- عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ. وَهِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ؛ وَحَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخْرِجُ الْأَبْكَارَ الْعَوَاتِقَ، ذَوَاتَ الْخُدُورِ وَالْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِإِحْدَانَا جِلْبَابٌ؟ قَالَ: «فَلْتُعِرْهَا أُخْتُهَا مِنْ جَلَابِيبِهَا».
هذا يدل على ما دلَّ عليه الحديث السابق، وفيه أن الحائض تؤمِّن على الدعاء، وتشهد الخير، وتعمها البركة وإن كانت لا تصلي، فالحيَّض هكذا، يؤمِّن على الدعاء، ويكن خلف النساء المصليات، وهذا كله يدل على وجوب صلاة العيد، قال -صلى الله عليه وسلم-: «لتلبسها أختها من جلبابها»، والأمر بإخراج الحيَّض، والعواتق، وذوات الخدور، والمخدرات لا يخرجن إلا لأمر واجب.
بَابُ اسْتِحْبَابِ الرُّجُوعِ مِنَ الْمُصَلَّى مِنْ غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي أَتَى فِيهِ الْمُصَلِّي
بركة.
س: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وَتَعْتَزِلُ الْحَائِضُ الْمُصَلَّى»، هل كذلك مَنْ كان جنبًا يعتزل المصلى؟
الشيخ: الجُنُب لا يمكث في المسجد، قال الله -تعالى- بنص القرآن: ﴿وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ﴾[النساء:43]، مرور فقط، لكن جاء آثار عن الصحابة أنه يتوضأ، فإذا خفت الجنابة فإنه يمكث في المسجد.
س: ومصلى العيد؟
الشيخ: مصلى العيد كذلك، يذهب ليغتسل ثُمَّ يصلي العيد، هل يأتي وهو جُنب؟ هو ليس مثل الحائض، الحائض ليس لها حيلة، لكن هو يذهب ليغتسل ثُمَّ يصلي، يأتي بجنابته! يغتسل قبل أن يأتي.
س: النساء الحيَّض يدخلن مصلى العيد؟
الشيخ: العيد ليس في مسجد، إذا كانت في الصحراء، أما إذا كانت مصليات العيد في المسجد لا تدخل، لهن مكان، أو تمكث في السيارة.