شعار الموقع

شرح كتاب الإمامة في الصلاة من صحيح ابن خزيمة_46

00:00
00:00
تحميل
51

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال ابن خزيمة رحمه الله تعالى:

بَابُ أَمْرِ الْمَأْمُومِ بِالصَّلَاةِ جَالِسًا إِذَا صَلَّى إِمَامُهُ جَالِسًا

يعني إذا صلى الإمام جالسًا وجب أن يصلي المأموم جالسًا، إذا صلى الإمام جالسًا أُمر المأموم أن يصلي خلفه جالسًا، هذه الترجمة.

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، قال: حدثنا سُفْيَانُ، قال: حدثنا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رِوَايَةً قَالَ: إِنَّ الْإِمَامَ أَمِينٌ أَوْ أَمِيرٌ، فَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا، فَصَلُّوا قُعُودًا، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا.

الشيخ: الأصل في الصحيح، ماذا قال عليه؟

طالب: الأعظمي قال: "صحيح، أخرجه البخاري والحميدي والبخاري وفي القراءة خلف الإمام له، وأبو عوانة وابن حبان والبيهقي من طريق الأعرج عن أبي هريرة به".

الشيخ: لكن في اختلاف في اللفظ في لفظ البخاري صلى ماذا؟

طالب: قال: (إن الْإِمَامَ أَمِينٌ أَوْ أَمِيرٌ).

الشيخ: (أَمِينٌ أَوْ أَمِيرٌ

طالب: نعم.

الشيخ: هذه اللفظة، هذا الحديث في البخاري؟ أصله في الصحيح، إذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا، وأصله في هذا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ركب فرسًا فسقط فجُحِش شقه أي جُرِح، فلما جاءت الصلاة صلى جالسًا، فصلى من خلفه قيامًا، فأشار لهم أن اجلسوا، فلما سلم قال: «كدتم أن تفعلوا كما تفعل الأعاجم، يقومون على رؤوس ملوكهم وهم قعود، إنما جاء الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون».

بَابُ أَمْرِ الْمَأْمُومِ بِالْجُلُوسِ بَعْدَ افْتِتَاحِهِ الصَّلَاةَ قَائِمًا إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا

أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنا بُنْدَارٌ، قال: حدثنا يَحْيَى، قال: حدثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّاسَ دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ مَرِيضٌ، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا، فَصَلَّوْا قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، وَقَالَ: «إِنَّمَا الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا رَفَعَ، فَارْفَعُوا».

وهذا المراد بالإمام الراتب، إذا صلى جالسًا يجب عليهم أن يصلوا جلوسًا، وإذا صلى قائمًا ثم اعتل فإنهم يستمرون في صلاتهم قيامًا، أما الإمام غير الراتب فلا ينبغي أن يصلي بالناس، إذا كان مريض ما يُقدم للناس، يُقدم للناس الصحيح، لكن الإمام الراتب لا بأس أن يصلي، إن أحب أن يستخلف غيره يصلي بهم قيامًا فهو أولى، وإن أحب أن يصلي بهم جالسًا صلوا خلفه جلوسًا، هذا الإمام الراتب، أما غير الإمام الراتب فلا ينبغي أن يصلي بالناس وهو مريض أو مُقعد ما يستطيع أن يقوم ويركع ويسجد.

تجد بعض الناس يقدم مثلاً مقعَد، ما ينبغي هذا، المقعد يكون مأموم، يقدَّم واحد صحيح يصلي بالناس.

س: ما يكون هذا الفعل خاصا بالنبي؟

الشيخ: لا، ليس خاصًا به، قال: «فَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا» خلف الإمام، فالحديث يفيد العموم، لكن يكون هذا للإمام الراتب، لكن الإمام غير الراتب إذا تخلف الإمام أو جماعة ليس معهم إمام لا يقدمون من يصلي بهم جالسًا.

س: [00:05:55]

الشيخ: يكبر تكبيرة الإحرام وهو قائم، ثم يجلس، هذا هو الأصل، يكبِّر ثم يجلس، أعد.

بَابُ أَمْرِ الْمَأْمُومِ بِالْجُلُوسِ بَعْدَ افْتِتَاحِهِ الصَّلَاةَ قَائِمًا إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا

إذن تكبيرة الإحرام يجب أن يكبِّر وهو قائم ثم يجلس، يأتي بها عن قيام.

بَابُ النَّهْيِ عَنْ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ قَائِمًا خَلْفَ الْإِمَامِ قَاعِدًا

أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قال: حدثنا جَرِيرٌ وَوَكِيعٌ وَاللَّفْظُ لِجَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:

رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَرَسًا بِالْمَدِينَةِ، فَصَرَعَهُ عَلَى جِذْمِ نَخْلَةٍ، فَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ، فَأَتَيْنَاهُ نَعُودُهُ، فَوَجَدْنَاهُ فِي مَشْرُبَةٍ لِعَائِشَةَ يُسَبِّحُ جَالِسًا، فَقُمْنَا خَلْفَهُ، وَأَشَارَ إِلَيْنَا فَقَعَدْنَا، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَالَ: «إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا، وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَائِمًا، فَصَلُّوا قِيَامًا، وَلَا تَفْعَلُوا كَمَا تَفْعَلُ أَهْلُ فَارِسَ بِعُظَمَائِهَا».

قوله المشربة: الغرفة المرتفعة، مشربة لعائشة، (يُسَبِّحُ) أي صلاة الصبح يصلي نافلة، فصلوا خلفه قيامًا، فأشار إليهم أن اجلسوا، وقال: «إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا، وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَائِمًا، فَصَلُّوا قِيَامًا»، وهذا من المتابعة للإمام.

سيأتي، المؤلف سيذكره في التراجم الأخرى التي فيها أنه إذا صلى بهم قائمًا ثم اعتُل، ابتدأ بهم الصلاة ثم جلس فإنهم يصلونها قيامًا، هذا فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- في آخر حياته، لما جاء وأبو بكر يصلي بالناس جلس عن يمين أبي بكر جالسًا، وأبو بكرٍ يقتدي بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، والناس يقتدون بأبي بكر قيامًا، فأخذ العلماء من هذا أن أبا بكر اقتدى به الناس قيامًا واستمروا على هذا قيامًا.

فجمع البخاري وجماعة بينهم بهذا، وقالوا إن صلاته لما سقط عن الفرس ابتدأ الصلاة قعودًا فصلوا قعودًا، أمرهم أن يصلوا قعودًا، وفي آخر حياته ابتدأ بهم أبو بكر الصلاة قائمًا ثم جاء -عليه الصلاة والسلام- وصلى جالسًا فأتموا الصلاة قيامًا، جمعًا بين النصوص، ومن العلماء من قال إن الأمر بالقعود (صلوا قعودًا) يحمل على الاستحباب، بدليل أنه أقرهم على الصلاة قياما في آخر حياته.

بَابُ ذِكْرِ أَخْبَارٍ تَأَوَّلَهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ نَاسِخَةً لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَأْمُومَ بِالصَّلَاةِ جَالِسًا إِذَا صَلَّى إِمَامُهُ جَالِسًا

وهو البخاري الذي رأى أنها ناسخة، قال إنما يؤخذ بالآخر في الآخر لفعله-صلى الله عليه وسلم-  يذكر أخبار يعني أدلة تدل على أن أمره بالقعود منسوخ، قال بعض العلماء ليس بمنسوخ وإنما هو محمول على الاستحباب.

 أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنا سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، حدثَنَا وَكِيعٌ؛ ح وحدَثَنَا سَلْمٌ أَيْضًا، قال: حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، جَاءَهُ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، 

يعني يُعلمه أن الصلاة حان وقتها.

فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَمَتَى ما يَقُوم مَقَامَكَ يَبْكِي، فَلَا يَسْتَطِيعُ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، قَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ،

وقوله: (رَجُلٌ أَسِيفٌ) يعني رقيق القلب يبكي، فلا يُسمع الناس، وهذا قالته عائشة -رضي الله عنها-، قالت: "يا رسول الله إن أبا بكر رجلٌ أسيف إذا قام مقامك فلا يسمع الناس القراءة فلو أمرت عمر؟"، كان له مقصِد، بينته، قالت مقصدها ألا يتشاءم الناس بأبيها بعد مرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: (فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ)، فقال «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ»، فأعادت  قال: «فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ» تظهرن شيئًا غير المراد، النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أبا بكر.

وهذا فيه دليل على تفضيل أبي بكر وتقديمه والدليل على أنه الخليفة بعده، ثلاث مرات وعائشة تريد أن تصرف الإمامة عن أبيها، تقول هو رجل حزين أسيف ما يصلح أن يقوم مقامك ولا يُسمع الناس من البكاء، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- أصر على أنه هو الذي يصلي ويكون الخليفة.

قَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ". قَالَتْ: فَأَرْسَلْنَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَوَجَدَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، وَرِجْلَاهُ تَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ.

وهذا فيه دليل على عناية النبي -صلى الله عليه وسلم- وحرصه على الصلاة، وهو مريض، يُهادى بين اثنين، ورجلاه تخطان في الأرض، وهو مع ذلك أتى يصلي بالناس أتى للجماعة، قال عبد الله بن مسعود: "ولقد كان الرجل يؤتى به يُهادى به بين اثنين حتى يُقام في الصف" الصحابة يقتدون بالنبي-صلى الله عليه وسلم- ، فكان المريض منهم يأتي ويُهادى بين اثنين حتى يقام في الصف من حرصه على الجماعة.

وكثيرٌ من الناس الآن لا يبالي بالجماعة وهو صحيح ليس به علة، يتشبه بالنساء وبالمنافقين، نسأل الله السلامة والعافية، يقول عبد الله بن مسعود: "ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يُهادى بين اثنين حتى يقام في الصف"، والنبي -صلى الله عليه وسلم- هو قدوة وأسوة في هذا، مريض يهادى بين علي والعباس، واحد يأخذ بيمينه والثاني يأخذ بيساره، ورجلاه تخطان في الأرض حتى وصل الصف عليه الصلاة والسلام.

فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ، ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أَنْ مَكَانَكَ قَالَ: فَجَاءَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْتَمُّ بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَالنَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِأَبِي بَكْرٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ.

هَذَا حَدِيثُ وَكِيعٍ. وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَاعِدًا، وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ:

هذا المؤلف يعلق على الحديث، وفي هذه القصة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جلس عن يسار أبي بكر يصلي بالناس قاعدًا، وأبو بكر قائم يقتدي بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، والناس يقتدون بأبي بكر، واستمروا قيامًا، فالبخاري رحمه الله أخذ من هذا الفرق بين الحالة الأولى الذي أمر الناس أن يصلوا خلفه قعودًا، ففي المرة الأولى النبي سقط عن فرسه وانفكت رجله، وجاء الناس يصلون خلفه وأمرهم أن يجلسوا، هذا ابتدأ الصلاة بهم قاعدًا، فوجب عليهم أن يصلوا قعودًا، وأما في مرض موته فإن أبا بكر ابتدأ بهم الصلاة قائمًا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- جاء بعد ذلك، فكان الإمام وهو النبي -صلى الله عليه وسلم- جالسًا وهم قيام؛ لأنهم ابتدأوا الصلاة قيامًا فوجب عليهم أن يتموها قيامًا.

هذا ذهب إليه البخاري وجماعة كما قال أبو بكر الآن.

س: ما تكون الأولى سنة........انفطع الصوت[00:16:33]

الشيخ: الحكم واحد، الجماعة واحدة.

س: هل يجوز للإنسان أن يصلي جالسًا حتى ولو كان صحيحًا....انقطع الصوت؟

الشيخ: بلى، يجوز للإنسان، لكن إذا كان مستطيعًا له نصف الأجر، وإذا كان مريضًا له الأجر كاملا، لكن الحكم الشرعي الآن أمرهم بالجلوس، وهم يريدون القيام، يريدون أجرًا كاملاً لو كان ... لكن أمرهم بالجلوس.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ: إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ الْمَرِيضُ جَالِسًا، صَلَّى مَنْ خَلْفَهُ قِيَامًا إِذَا قَدَرُوا عَلَى الْقِيَامِ، وَقَالُوا: خَبَرُ الْأَسْوَدِ وَعُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ نَاسِخٌ لِلْأَخْبَارِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهَا فِي أَمْرِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَصْحَابَهُ بِالْجُلُوسِ إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ جَالِسًا. قَالُوا: لِأَنَّ تِلْكَ الْأَخْبَارَ عِنْدَ سُقُوطِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْفَرَسِ، وَهَذَا الْخَبَرَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ. قَالُوا: وَالْفِعْلُ الْآخَرُ نَاسِخٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِهِ وَقَوْلِهِ.

هذا كلام البخاري رحمه الله، هذا في كتاب البخاري وجمعه بين النصوص، قال: في الصلاة الأولى أمرهم بالجلوس والثانية استمروا قيامًا؛ لأن هذا هو الآخر وهذا هو الأول، وإنما يؤخذ بالآخِر في الآخر، من فعله -صلى الله عليه وسلم-، ويكون الثاني ناسخ للأول.

هذا كلام البخاري وجماعة، ومن العلماء من جمع بينهما بغير هذا، فقال الأمر بالجلوس يُحمل على الاستحباب، والأمر بالقيام يكون للجواز.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِنَّ الَّذِي عِنْدِي فِي ذَلِكَ وَاللَّهَ أَسْأَلُ الْعِصْمَةَ وَالتَّوْفِيقَ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ هُوَ الْإِمَامَ فِي الْمَرَضِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ لَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَتْ هَذِهِ الْفِرْقَةُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا ذَلِكَ، لِأَنَّ الرُّوَاةَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ عَلَى فِرَقٍ ثَلَاثٍ.

فَفِي خَبَرِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَخَبَرِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ الْإِمَامَ.

وَقَدْ رُوِيَ بِمِثْلِ هَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الْمُقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمُقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ.

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنا أَبُو بَكْرٍ، قالك حدثَنَا بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قال: حدثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قال: حدثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ. وَرُوِيَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَمَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الصَّفِّ.

أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنا بُنْدَارٌ، قال: حدثنا بَكْرُ بْنُ عِيسَى صَاحِبُ الْبَصْرِيِّ، قال: حدثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، صَلَّى بِالنَّاسِ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الصَّفِّ خَلْفَهُ.

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنا بُنْدَارٌ، قال: حدثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، قال: حدثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الصَّفِّ خَلْفَهُ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَلَمْ يَصِحَّ الْخَبَرُ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ هُوَ الْإِمَامَ فِي الْمَرَضِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي كَانَ هُوَ فِيهَا قَاعِدًا، وَأَبُو بَكْرٍ وَالْقَوْمٌ قِيَامٌ، لِأَنَّ فِي خَبَرِ مَسْرُوقٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ الْإِمَامَ، وَالنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مَأْمُومٌ، وَهَذَا ضِدُّ خَبَرِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَخَبَرِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ.

عَلَى أَنَّ شُعْبَةَ بْنَ الْحَجَّاجِ قَدْ بَيَّنَ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الْمُقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمُقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ.

وَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ الَّذِي بِهِ احْتَجَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ فِعْلَهُ الَّذِي كَانَ فِي سَقْطَتِهِ مِنَ الْفَرَسِ، وَأَمْرَهُ -صلى الله عليه وسلم- بِالِاقْتِدَاءِ بِالْأَئِمَّةِ، وَقُعُودِهِمْ فِي الصَّلَاةِ إِذَا صَلَّى إِمَامُهُمْ قَاعِدًا مَنْسُوخٌ، غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ لِعَالِمٍ أَنْ يَدَّعِيَ نَسْخَ مَا قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ مِنْ فِعْلِهِ وَأَمْرِهِ بِخَبَرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ. عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ زَجَرَ عَنْ هَذَا الْفِعْلِ الَّذِي ادَّعَتْهُ هَذِهِ الْفِرْقَةُ فِي خَبَرِ عَائِشَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَنْهَا، وَأَعْلَمَ أَنَّهُ فِعْلُ فَارِسَ وَالرُّومِ بِعُظَمَائِهَا، يَقُومُونَ وَمُلُوكُهُمْ قَعُودٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْخَبَرَ فِي مَوْضِعِهِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُؤْمَرَ بِمَا قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الزَّجْرِ عَنْهُ اسْتِنَانًا بِفَارِسَ وَالرُّومِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِحَّ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- الْأَمْرُ بِهِ وَإِبَاحَتُهُ بَعْدَ الزَّجْرِ عَنْهُ.

وَلَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَخْبَارِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ صَلَّى قَاعِدًا، وَأَمَرَ الْقَوْمَ بِالْقُعُودِ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى الْقِيَامِ لَوْ سَاعَدَهُمُ الْقَضَاءُ. وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمَأْمُومِينَ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ، وَالْقُعُودِ إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا، وَزَجَرَ عَنِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا، وَاخْتَلَفُوا فِي نَسْخِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَثْبُتْ خَبَرٌ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ بِنَسْخِ مَا قَدْ صَحَّ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ فِعْلِهِ وَأَمْرِهِ، فَمَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهِ يَقِينٌ، وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ خَبَرٌ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- شَكٌّ، وَغَيْرُ جَائِزٍ تَرْكُ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَرْكُ الْيَقِينِ بِالْيَقِينِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ غَيْرُ مُنْعِمِ الرَّوِيَّةِ: كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ؟ قِيلَ لَهُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَوْلَى الْأَشْيَاءِ أَنْ يَجُوزَ بِهِ، وَهِيَ سُنَّةُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بِاتِّبَاعِهَا، وَوَعَدَ الْهُدَى عَلَى اتِّبَاعِهَا، فَأَخْبَرَ أَنَّ طَاعَتَهُ -صلى الله عليه وسلم- طَاعَتُهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَوْلُهُ كَيْفَ يَجُوزُ لِمَا قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- الْأَمْرُ بِهِ، وَثَبَتَ فِعْلُهُ لَهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنِ الْعَدْلِ مَوْصُولًا إِلَيْهِ، بِالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ جَهْلٌ مِنْ قَائِلِهِ.

وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ قَاعِدًا إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا، وَثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَيْضًا أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- صَلَّى قَاعِدًا بِقُعُودِ أَصْحَابِهِ، لَا مَرَضَ بِهِمْ وَلَا بِأَحَدٍ مِنْهُمْ، وَادَّعَى قَوْمٌ نَسْخَ ذَلِكَ فَلَمْ تَثْبُتْ دَعْوَاهُمْ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ مَا قَدْ صَحَّ مِنْ أَمْرِهِ -صلى الله عليه وسلم- وَفِعْلِهِ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ إِلَّا بِخَبَرٍ صَحِيحٍ عَنْهُ يَنْسَخُ أَمْرَهُ ذَلِكَ وَفِعْلَهُ، وَوُجُودُ نَسْخِ ذَلِكَ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ مَعْدُومٌ، وَفِي عَدَمِ وُجُودِ ذَلِكَ بُطْلَانُ مَا ادَّعَتْ، فَجَازَتِ الصَّلَاةُ قَاعِدًا، إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا اقْتِدَاءً بِهِ عَلَى أَمْرِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَفِعْلِهِ، وَاللَّهُ الْمُوَفَّقُ لِلصَّوَابِ.

هذا تعليق طويل يبين فيه الجمع بين الأحاديث، لعل نرجئه إلى الدرس القادم إن شاء الله، نعيد تعليق المؤلف رحمه الله في الجمع بين النصوص.

س: إذا صلى الإمام جالسًا، وأتى واحد فاتته ركعة، إذا أتى يتم، هل يتم جالسًا أم يتم قائمًا؟

الشيخ: يتم قائمًا لأنه انفرد الآن، ما صار له إمامًا، أما هذا إذا كان له إمام يقتدي به والآن انفرد.

س: [00:28:26]

الشيخ: لا، هذا ما ينبغي، لا ينبغي أن يُقدم، لا يُقدم إمام غير راتب إلا الصحيح، لا يُقدم المريض ولا المقعد، يصلي معهم، الأصل أن يكون قائمًا، إذا أشكل عليك الأمر يصلي قائمًا.

وفق الله الجميع لطاعته.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

 

 

 

(47) 15-1-1438

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد