شعار الموقع

شرح كتاب الإمامة في الصلاة من صحيح ابن خزيمة_47

00:00
00:00
تحميل
53

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال ابن خزيمة -رحمه الله تعالى-:

بَابُ ذِكْرِ أَخْبَارٍ تَأَوَّلَهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ نَاسِخَةً لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَأْمُومَ بِالصَّلَاةِ جَالِسًا إِذَا صَلَّى إِمَامُهُ جَالِسًا

 أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: حدثنَا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثنَا سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، قال: حدثَنَا وَكِيعٌ؛ ح وَحدثَنَا سَلْمٌ أَيْضًا، قال: حدثنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، جَاءَهُ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ".قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَمَتَى ما يَقُوم مَقَامَكَ يَبْكِي.

(أَسِيفٌ) يعني رقيق يتأثر بسرعة ويبكي.

فَلَا يَسْتَطِيعُ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، قَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ

في البخاري أنها عائشة هي التي قالت هذا، قالت: "يا رسول الله، إن أبا بكر رجلٍ أسيف لا يُسمع الناس من البكاء، فلو أمرت عمر؟"، فقال: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ» ثلاث مرات، حتى قال: «إنكن صواحب يوسف»، وقالت فيما بعد تريد أن تصرف أباها عن الإمامة حتى لا يتشاءم الناس به بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أي ما كان فيما بعد، ولذلك قال: «إنكن صواحب يوسف» يعني تظهرن شيئًا وتردن غيره.

فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ". قَالَتْ: فَأَرْسَلْنَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ

نُفِّذ أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وصلى أبو بكر، ما نفع قولهم أن يجعل عمر يصلي بالناس، الرسول ما قبِل، وهذا فيه تقديم أبي بكر، وفضل أبا بكر وتقديمه، وفيه إشارة إلى أنه الخليفة بعده وأنه أحق بالخلافة من غيره، ولهذا الصحابة  استدلوا بهذا، قالوا: رضيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لديننا، أفلا نرضَه لدنيانا! نعم استدلوا به على أنه هو الأحق بالخلافة لما اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة، قالوا: رضيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لديننا، أفلا نرضَه لدنيانا!

فَوَجَدَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، وَرِجْلَاهُ تَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ.

هذا من شدة المرض الذي أصابه ما يستطيع، يُهادى بين اثنين [00:04:06] واحد عن يمينه يمسك عضده، والثاني عن يساره، ورجلاه تخطان في الأرض، والمكان ليس بعيد، بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- بجوار المسجد.

فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ، ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أَنْ مَكَانَكَ قَالَ: فَجَاءَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ

عن يساره.

فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْتَمُّ بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَالنَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِأَبِي بَكْرٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ.

النبي -صلى الله عليه وسلم- جالس يصلي وأبو بكرٍ قائم، فأبو بكرٍ يقتدي بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، والناس يقتدون بأبي بكر قيامًا، وهذا استدل به بعضهم على نسخ الأمر في قوله «إذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون»، قالوا هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى جالسًا والناس قيام، المؤلف ابن خزيمة يقول هذا الحديث مما تأوله بعض الناس، هذا قال بعضهم، ومنهم البخاري، قال: "يؤخذ بالآخر في الآخر من أفعاله"، ولكن الجمع بين النصوص جمع بينهما بعض المحققين فقال هذا يختلف باختلاف حال الإمام، فإذا ابتدأ الإمام بالصلاة جالسًا، وجب عليهم أن يجلسوا، وإذا ابتدأ بهم الصلاة قائمًا ثم اعتُل وجب عليهم أن يتموا الصلاة قيامًا.

ففي مرضه الأول لما سقط عن فرسه صلى جالسًا وأمر المأمومين بالجلوس فجلسوا، وفي مرضه الأخير عند وفاته ابتدأ بهم أبو بكر الصلاة قائمًا ثم جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وصلى بهم قاعدًا فاستمروا على القيام؛ لأن أبا بكر ابتدأ بهم الصلاة قائمًا، فيكون هذا جمع بين النصوص.

هَذَا حَدِيثُ وَكِيعٍ. وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَاعِدًا، وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ: إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ الْمَرِيضُ جَالِسًا، صَلَّى مَنْ خَلْفَهُ قِيَامًا إِذَا قَدَرُوا عَلَى الْقِيَامِ، وَقَالُوا: خَبَرُ الْأَسْوَدِ وَعُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ نَاسِخٌ لِلْأَخْبَارِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهَا فِي أَمْرِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَصْحَابَهُ بِالْجُلُوسِ إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ جَالِسًا. قَالُوا: لِأَنَّ تِلْكَ الْأَخْبَارَ عِنْدَ سُقُوطِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْفَرَسِ، وَهَذَا الْخَبَرَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ. قَالُوا: وَالْفِعْلُ الْآخَرُ نَاسِخٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِهِ وَقَوْلِهِ.

هذا كلام البخاري، ابن خزيمة يرد على كلام البخاري هو الذي قال هذا الكلام، يقول إنه يؤخذ بالآخر في الآخر من فعله، قال إن أمرهم بالأول بالجلوس منسوخ بفعله في آخر حياته فإنه لم يأمرهم بالجلوس، هذا كلام البخاري.

والقول الثاني أنه يُجمع بينهما، فإذا ابتدأ الصلاة قاعدًا وجب عليهم القيام، وإذا ابتدأ الصلاة قائمًا ثم اعتُل وجب القيام.

وهناك قول ثالث للمسألة، وهي أن أمرهم بالجلوس محمول على الاستحباب، ويجوز الجلوس ويجوز القيام، الجلوس أفضل والقيام جائز كما فعل في آخر حياته.

س: إذا قلنا بالقول الناسخ أيكون فيه محمل ثالث خاص بـ «صلوا قيامًا» لمن لا يستطيع القيام؟

الشيخ: نعم، وهناك قول ثالث أن الأمر الأول محمول على الاستحباب بدليل الحديث الذي في آخر حياته أنه أقرهم على ذلك، فيُحمل إقرارهم على الجواز، والأمر في الأول محمول على الاستحباب.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِنَّ الَّذِي عِنْدِي فِي ذَلِكَ وَاللَّهَ أَسْأَلُ الْعِصْمَةَ وَالتَّوْفِيقَ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ هُوَ الْإِمَامَ فِي الْمَرَضِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ لَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَتْ هَذِهِ الْفِرْقَةُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ

كأنه يرد على البخاري في هذا.

وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا ذَلِكَ، لِأَنَّ الرُّوَاةَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ عَلَى فِرَقٍ ثَلَاثٍ. فَفِي خَبَرِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَخَبَرِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ الْإِمَامَ.

وَقَدْ رُوِيَ بِمِثْلِ هَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الْمُقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمُقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ.

يعني يقول من العلماء من قال إن الإمام هو أبو بكر، والرسول -صلى الله عليه وسلم- جلس مأموم، ومنهم من قال الإمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر مأموم.

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: أخبرنا أَبُو بَكْرٍ، قال: حدثَنَا بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قال: حدثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قال: أخبرنا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ.

وَرُوِيَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَمَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الصَّفِّ.

أَخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: أخبرنا أَبُو بَكْرٍ، قال: أخبرنا بُنْدَارٌ، قال: أخبرنا بَكْرُ بْنُ عِيسَى صَاحِبُ الْبَصْرِيِّ، قال: حدثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، صَلَّى بِالنَّاسِ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الصَّفِّ خَلْفَهُ.

هذا فيه أن الإمام أبو بكر.

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، قال: أخبرنا أَبُو بَكْرٍ، قال: أخبرنا بُنْدَارٌ، قال: حدثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، قال: حدثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الصَّفِّ خَلْفَهُ.

هذه الأحاديث الثلاثة كلها فيها أن الإمام أبو بكر.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَلَمْ يَصِحَّ الْخَبَرُ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ هُوَ الْإِمَامَ فِي الْمَرَضِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي كَانَ هُوَ فِيهَا قَاعِدًا، وَأَبُو بَكْرٍ وَالْقَوْمٌ قِيَامٌ، لِأَنَّ فِي خَبَرِ مَسْرُوقٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ الْإِمَامَ، وَالنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مَأْمُومٌ، وَهَذَا ضِدُّ خَبَرِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَخَبَرِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ.

عَلَى أَنَّ شُعْبَةَ بْنَ الْحَجَّاجِ قَدْ بَيَّنَ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الْمُقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمُقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ.

وَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ الَّذِي بِهِ احْتَجَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ فِعْلَهُ الَّذِي كَانَ فِي سَقْطَتِهِ مِنَ الْفَرَسِ، وَأَمْرَهُ -صلى الله عليه وسلم- بِالِاقْتِدَاءِ بِالْأَئِمَّةِ، وَقُعُودِهِمْ فِي الصَّلَاةِ إِذَا صَلَّى إِمَامُهُمْ قَاعِدًا مَنْسُوخٌ، غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ لِعَالِمٍ أَنْ يَدَّعِيَ نَسْخَ مَا قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ مِنْ فِعْلِهِ وَأَمْرِهِ بِخَبَرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ. عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ زَجَرَ عَنْ هَذَا الْفِعْلِ الَّذِي ادَّعَتْهُ هَذِهِ الْفِرْقَةُ فِي خَبَرِ عَائِشَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَنْهَا، وَأَعْلَمَ أَنَّهُ فِعْلُ فَارِسَ وَالرُّومِ بِعُظَمَائِهَا، يَقُومُونَ وَمُلُوكُهُمْ قَعُودٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْخَبَرَ فِي مَوْضِعِهِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُؤْمَرَ بِمَا قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الزَّجْرِ عَنْهُ اسْتِنَانًا بِفَارِسَ وَالرُّومِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِحَّ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- الْأَمْرُ بِهِ وَإِبَاحَتُهُ بَعْدَ الزَّجْرِ عَنْهُ.

وَلَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَخْبَارِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ صَلَّى قَاعِدًا، وَأَمَرَ الْقَوْمَ بِالْقُعُودِ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى الْقِيَامِ لَوْ سَاعَدَهُمُ الْقَضَاءُ. وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمَأْمُومِينَ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ، وَالْقُعُودِ إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا، وَزَجَرَ عَنِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا، وَاخْتَلَفُوا فِي نَسْخِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَثْبُتْ خَبَرٌ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ بِنَسْخِ مَا قَدْ صَحَّ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ فِعْلِهِ وَأَمْرِهِ، فَمَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهِ يَقِينٌ، وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ خَبَرٌ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- شَكٌّ، وَغَيْرُ جَائِزٍ تَرْكُ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَرْكُ الْيَقِينِ بِالْيَقِينِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ غَيْرُ مُنْعِمِ الرَّوِيَّةِ: كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ؟ قِيلَ لَهُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَوْلَى الْأَشْيَاءِ أَنْ يَجُوزَ بِهِ، وَهِيَ سُنَّةُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بِاتِّبَاعِهَا، وَوَعَدَ الْهُدَى عَلَى اتِّبَاعِهَا، فَأَخْبَرَ أَنَّ طَاعَتَهُ -صلى الله عليه وسلم- طَاعَتُهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَوْلُهُ كَيْفَ يَجُوزُ لِمَا قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- الْأَمْرُ بِهِ، وَثَبَتَ فِعْلُهُ لَهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنِ الْعَدْلِ مَوْصُولًا إِلَيْهِ، بِالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ جَهْلٌ مِنْ قَائِلِهِ.

وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ قَاعِدًا إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا، وَثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَيْضًا أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- صَلَّى قَاعِدًا بِقُعُودِ أَصْحَابِهِ، لَا مَرَضَ بِهِمْ وَلَا بِأَحَدٍ مِنْهُمْ، وَادَّعَى قَوْمٌ نَسْخَ ذَلِكَ فَلَمْ تَثْبُتْ دَعْوَاهُمْ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ مَا قَدْ صَحَّ مِنْ أَمْرِهِ -صلى الله عليه وسلم- وَفِعْلِهِ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ إِلَّا بِخَبَرٍ صَحِيحٍ عَنْهُ يَنْسَخُ أَمْرَهُ ذَلِكَ وَفِعْلَهُ، وَوُجُودُ نَسْخِ ذَلِكَ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ مَعْدُومٌ، وَفِي عَدَمِ وُجُودِ ذَلِكَ بُطْلَانُ مَا ادَّعَتْ، فَجَازَتِ الصَّلَاةُ قَاعِدًا، إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا اقْتِدَاءً بِهِ عَلَى أَمْرِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَفِعْلِهِ، وَاللَّهُ الْمُوَفَّقُ لِلصَّوَابِ.

كأن المؤلف -رحمه الله- ما يرى ما يراه البخاري بالنسخ.

س: الأقرب يصلون قعودًا إذا صلى الإمام قاعدًا؟

الشيخ: نعم يعمل بالحديثين من الجانبين، إذا صلى قاعدًا صلوا قعودًا، وإذا ابتدأ بهم الصلاة ثم اعتُل صلوا خلفه قيامًا.

س: إذن لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه صلى خلف أبي بكر؟

الشيخ: فيها خلاف هذه، ثمة كلام بين أجوبة ساقها أبو بكر منهم من قال إنه الإمام ومنهم من قال إنه هو المأموم، لكن البخاري وجماعة اعتمدوا أنه الإمام، ولهذا قالوا بالنسخ، وقال في الصحيح إنما يؤخذ في الآخر بالآخر من فعله -صلى الله عليه وسلم-، انتهى الكلام؟

س: يعني «إنما جُعل الإمام ليؤتم به»، انتهى.

الشيخ: أعد كلام أبو بكر.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَلَمْ يَصِحَّ الْخَبَرُ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ هُوَ الْإِمَامَ فِي الْمَرَضِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي كَانَ هُوَ فِيهَا قَاعِدًا، وَأَبُو بَكْرٍ وَالْقَوْمٌ قِيَامٌ، لِأَنَّ فِي خَبَرِ مَسْرُوقٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ الْإِمَامَ، وَالنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مَأْمُومٌ، وَهَذَا ضِدُّ خَبَرِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَخَبَرِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ.

عَلَى أَنَّ شُعْبَةَ بْنَ الْحَجَّاجِ قَدْ بَيَّنَ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الْمُقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمُقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ.

وَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ الَّذِي بِهِ احْتَجَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ فِعْلَهُ الَّذِي كَانَ فِي سَقْطَتِهِ مِنَ الْفَرَسِ، وَأَمْرَهُ -صلى الله عليه وسلم- بِالِاقْتِدَاءِ بِالْأَئِمَّةِ، وَقُعُودِهِمْ فِي الصَّلَاةِ إِذَا صَلَّى إِمَامُهُمْ قَاعِدًا مَنْسُوخٌ، غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ لِعَالِمٍ أَنْ يَدَّعِيَ نَسْخَ مَا قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ مِنْ فِعْلِهِ وَأَمْرِهِ بِخَبَرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ. عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ زَجَرَ عَنْ هَذَا الْفِعْلِ الَّذِي ادَّعَتْهُ هَذِهِ الْفِرْقَةُ فِي خَبَرِ عَائِشَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَنْهَا، وَأَعْلَمَ أَنَّهُ فِعْلُ فَارِسَ وَالرُّومِ بِعُظَمَائِهَا، يَقُومُونَ وَمُلُوكُهُمْ قَعُودٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْخَبَرَ فِي مَوْضِعِهِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُؤْمَرَ بِمَا قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الزَّجْرِ عَنْهُ اسْتِنَانًا بِفَارِسَ وَالرُّومِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِحَّ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- الْأَمْرُ بِهِ وَإِبَاحَتُهُ بَعْدَ الزَّجْرِ عَنْهُ.

وَلَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَخْبَارِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ صَلَّى قَاعِدًا، وَأَمَرَ الْقَوْمَ بِالْقُعُودِ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى الْقِيَامِ لَوْ سَاعَدَهُمُ الْقَضَاءُ. وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمَأْمُومِينَ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ، وَالْقُعُودِ إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا، وَزَجَرَ عَنِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا، وَاخْتَلَفُوا فِي نَسْخِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَثْبُتْ خَبَرٌ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ بِنَسْخِ مَا قَدْ صَحَّ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ فِعْلِهِ وَأَمْرِهِ، فَمَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهِ يَقِينٌ، وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ خَبَرٌ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- شَكٌّ، وَغَيْرُ جَائِزٍ تَرْكُ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَرْكُ الْيَقِينِ بِالْيَقِينِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ غَيْرُ مُنْعِمِ الرَّوِيَّةِ: كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ؟ قِيلَ لَهُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَوْلَى الْأَشْيَاءِ أَنْ يَجُوزَ بِهِ، وَهِيَ سُنَّةُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بِاتِّبَاعِهَا، وَوَعَدَ الْهُدَى عَلَى اتِّبَاعِهَا، فَأَخْبَرَ أَنَّ طَاعَتَهُ -صلى الله عليه وسلم- طَاعَتُهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَوْلُهُ كَيْفَ يَجُوزُ لِمَا قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- الْأَمْرُ بِهِ، وَثَبَتَ فِعْلُهُ لَهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنِ الْعَدْلِ مَوْصُولًا إِلَيْهِ، بِالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ جَهْلٌ مِنْ قَائِلِهِ.

وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ قَاعِدًا إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا، وَثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَيْضًا أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- صَلَّى قَاعِدًا بِقُعُودِ أَصْحَابِهِ، لَا مَرَضَ بِهِمْ وَلَا بِأَحَدٍ مِنْهُمْ، وَادَّعَى قَوْمٌ نَسْخَ ذَلِكَ فَلَمْ تَثْبُتْ دَعْوَاهُمْ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ مَا قَدْ صَحَّ مِنْ أَمْرِهِ -صلى الله عليه وسلم- وَفِعْلِهِ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ إِلَّا بِخَبَرٍ صَحِيحٍ عَنْهُ يَنْسَخُ أَمْرَهُ ذَلِكَ وَفِعْلَهُ، وَوُجُودُ نَسْخِ ذَلِكَ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ مَعْدُومٌ، وَفِي عَدَمِ وُجُودِ ذَلِكَ بُطْلَانُ مَا ادَّعَتْ، فَجَازَتِ الصَّلَاةُ قَاعِدًا، إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا اقْتِدَاءً بِهِ عَلَى أَمْرِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَفِعْلِهِ، وَاللَّهُ الْمُوَفَّقُ لِلصَّوَابِ.

الشيخ: خاصة أن ابن خزيمة -رحمه الله- يقول هذا الأمر بخلاف المأمومين خلف الإمام قاعدًا، هذا متفقٌ عليه متواتر وأحاديث صحيحة وليس فيه إشكال، وأما صلاته في حديث عائشة في آخر مرضه مشكوكٌ فيه، مشكوكٌ أن الرسول هو الإمام، اختلف الرواة عن عائشة، فمنهم من قال إن الرسول هو الإمام، ومنهم من قال هو المأموم.

ولا يُترك الأمر الواضح لأمر مشكوكٌ فيه، هذا ما فيه إشكال أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر وقال «صلوا جلوسًا أجمعون» هذا ما فيه إشكال، متفق عليه ولا فيه خلاف، فإذن كيف يترك هذا الأمر المتفق عليه مع الخلاف بأمرٍ مشكوك؟ فلهذا يرى ابن خزيمة رحمه الله أن هذا الأمر باقي إذا صلى الإمام وليس فيه تقسيم، إذا صلى الإمام قاعدًا فإنه يصلي من خلفه قعودًا، والبخاري رأى أن الرسول هو الإمام في هذه الحالة، فقال إنه مفصَّل، فقال إذا صلى قاعدًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى قائمًا ثم اعتُل صلوا قيامًا.

ومن العلماء من قال أيضًا إن الأمر للاستحباب جمعًا بين النصوص، الأمر ما يكون للوجوب الأول.

س: لكن كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن يسار أبي بكر، والإمام يكون في اليسار.

الشيخ: كان عن يساره، ومنهم من يقول لا، صلى جالسًا، والإمام هو أبو بكر يكون على اليمين على هذا القول.

س: ما تكون واقعتين؟ يعني مثلا صلى مرتين؟

طالب: ذكرها البيهقي.

الشيخ: لا، ماذا يقول؟

طالب: قال البيهقي: "لا تعارض في أحاديثهما؛ فإن الصلاة التي كان فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- إمامًا هي صلاة الظهر يوم السبت أو يوم الأحد، والتي كان فيها مأمومًا هي صلاة الصبح يوم الاثنين، وهي آخر صلاةٍ صلاها حتى خرج من الدنيا، وليس فيها تعارُض، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- ...".

الشيخ: من الذي نقل هذا؟

س: هذا الأثيوبي.

الشيخ: نقل عن البيهقي؟ لكن قال خزيمة قبل كلام البيهقي؟

طالب: "وقال جماعة: كان أبو بكر هو الإمام لما رواه شعبة عن الأعمش ...".

الشيخ: الذي قبله؟

طالب: نبدأ من أول المسألة، ذكر هنا فوائد جميلة جدًا يا شيخ: "منها أن البكاء لو كثر لا يبطل الصلاة؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- بعد أن علم حال أبي بكرٍ في رقة قلبه وكثرة بكائه لم يعدل عنه ولا نهاه عن البكاء، ومنها أن الإيماء يقوم مقام النطق، فاقتصار النبي -صلى الله عليه وسلم- على الإشارة يُحتمل أن يكون لضعف صوته، ويُحتمل أن يكون للإعلام بأن مخاطبة من يكون في الصلاة بالإيماء أولى من النطق، ومنها أنه استدل على جواز استخلاف الإمام لغير ضرورة لصنيع أبي بكر -رضي الله عنه-، وعلى جواز مخالفة موقف المأموم للضرورة كمن قصد أن يبلِّغ عنه ويلتحق به من زُحم عن الصف".

الشيخ: بغير ضرورة؟

طالب: لأن أبو بكر في الرواية لما أتاه الآتي وقال له إن النبي -صلى الله عليه وسلم- يستخلفك في الصلاة أمر عمر، قال: "قلت: فأمر أبو بكر، فلو أمرت عمر؟"، فذكر أن أبا بكر استخلف عمر فرفض عمر قال: أنت أولى بها.

الشيخ: يقول ومنها ماذا؟

طالب: يقول: "ومنها استدل على جواز استخلاف الإمام لغير ضرورة لصنيع أبي بكر -رضي الله عنه-".

الشيخ: استخلاف الإمام أم استخلاف النائب؟

طالب: مكتوب هنا "استخلاف الإمام لغير ضرورة".

الشيخ: لا، استخلاف النائب، النائب عن الإمام إذا كان نائبًا هو النائب، ليس هو الإمام فالإمام الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فهنا استخلاف النائب.

طالب: "استدل به على جواز استخلاف الإمام لغير ضرورة لصنيع أبي بكر -رضي الله عنه-، وعلى جواز مخالفة موقف المأموم للضرورة كمن قصد أن يبلِّغ عنه، ويلتحق به من زُحم عن الصف".

الشيخ: يعني أبو بكر كان عن يساره.

طالب: "كمن قصد أن يبلغ عنه، ويلتحق به من زُحم عن الصف، ومنها استدل به على جواز ائتمام بعض المأمومين ببعض، وهو قول الشعبي واختيار الطبري، وأومأ إليه البخاري، وتُعقِّب بأن أبا بكر إنما كان مبلغًا، فمعنى الاقتداء به اقتداؤهم بصوته، ويؤيده أنه -صلى الله عليه وسلم- كان جالسًا، وكان أبو بكر -رضي الله عنه- قائمًا، فكان بعض أفعاله يخفى على بعض المأمومين، فمن ثَمَّ كان أبو بكرٍ كالإمام في حقهم.

ومنها جواز اتباع صوت المكبِّر، وصحة صلاة المستمع والسامع، وشرط بعضهم في صحته تقدُّم الإذن من الإمام، ويرد عليه هذا الحديث بأن أبا بكر لم يأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتبليغ، ومنها استدل به الطبري على أن للإمام أن يقطع الاقتداء به ويقتدي هو بغيره من غير أن يقطع الصلاة".

الشيخ: يعني الإمام يقطع الاقتداء به؟

طالب: يعني أن يكون بدل من أن يُقدى به هو يقتدي بغيره، ولا تنقطع الصلاة.

الشيخ: ومنه ماذا؟

طالب: "ومنها استدل به الطبري على أن للإمام أن يقطع الاقتداء به ويقتدي هو بغيره من غير أن يقطع الصلاة".

الشيخ: يعني ترك الإمامة؟

طالب: ترك الإمامة وصار خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- مأمومًا.

الشيخ: أين؟ ما في شيء يدل على هذا، أين يدل هذا في الحديث؟

طالب: لما أتى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان أبو بكر يصلي بالمسلمين، فجلس عن يسار أبي بكر، فأصبح أبو بكر مأمومًا للنبي -صلى الله عليه وسلم-.

الشيخ: لكن ما فيه أنه انقطع الائتمام به.

طالب: في الأول كان الإمام أبو بكر، فلما أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- أصبح هو الإمام، فانقطع عن الإمامة أبو بكر عن المأمومين.

الشيخ: ومنه ماذا؟

طالب: "ومنها استدل به الطبري على أن للإمام أن يقطع الاقتداء به ويقتدي هو بغيره من غير أن يقطع الصلاة".

الشيخ: يعني لما جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- قطع الاقتداء به واقتدى بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.

طالب: "ومنها جواز إنشاء القدوة في أثناء الصلاة، ومنها جواز تقدم إحرام المأموم على الإمام بناءً على أن أبا بكر كان قد دخل في الصلاة، ثم قطع القدوة وائتم برسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

الشيخ: هذا فيه نظر، ومنها جواز إحرام المأموم؟

طالب: "منها جواز تقدم إحرام المأموم على الإمام".

الشيخ: هذا ما يجوز أن المأموم يحرم قبل الإمام، الإمام كان أبو بكر، فأحرم، فأحرم الناس خلفه، هذا يؤخذ على إطلاقه، ما يمكن أن يحرم المأموم قبل الإمام.

طالب: "بناء على أن أبا بكر كان دخل في الصلاة ثم قطع القدوة وائتم برسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

الشيخ: لكن لما أحرم المأموم كان هو الإمام.

طالب: "وهو ظاهر الحديث، ويؤيده أن في روايته أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس رضي الله عنهما فابتدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- القراءة من حيث انتهى أبو بكر، ومنها أن فيه تقديم الأفقه الأقرأ، وقد جمع الصديق -رضي الله عنه- بين الفقه والقرآن في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- كما ذكر أبو بكر بن الطيب، وأبو عمرو الداني، قاله العيني، ومنها جواز تشبيه أحدٌ بأحد في وصفٍ مشهورٍ بين الناس، ومنها أن ابن المسيب استدل به على أن مقام المأموم يكون عن يسار الإمام ... ".

الشيخ: يعني هذا أحد الروايات.

طالب: " لأنه -صلى الله عليه وسلم- جلس عن يسار أبي بكر، والجماعة على خلافه، ويتمشَّى قوله على أن الإمام هو أبو بكر؛ وأما من قال أن الإمام هو النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يتمشَّى عليه قوله، وقد اختلفت الروايات هل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الإمام أو أبو بكر، فجماعةٌ قالوا الذي رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- صريحٌ في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان الإمام؛ إذ جلس عن يسار أبي بكر ولقوله: "فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس جالسًا وأبو بكرٌ قائمًا يقتدي به"، وكان أبو بكر مبلِّغًا؛ لأنه لا يجوز أن يكون للناس إمامان.

وقال جماعة كان أبو بكر هو الإمام لما روى شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى خلف أبي بكر، وفي رواية مسروقٍ عنها أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى خلف أبي بكر جالسًا في مرضه الذي توفي فيه، ورُوى حديث عائشة -رضي الله عنها- بطرقٍ كثيرة في الصحيحين وغيرهما، وفيه اضطرابٌ غير قادح، وقال البيهقي -رحمه الله-: لا تعارض في أحاديثهما، فإن الصلاة التي كان فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- إمامًا هي صلاة الظهر يوم السبت أو يوم الأحد، والتي كان فيها مأمومًا هي صلاة الصبح يوم الاثنين وهي آخر صلاةٍ صلاها -صلى الله عليه وسلم- حتى خرج من الدنيا.

وقال نعيم بن أبي هند رحمه الله: الأخبار التي وردت في هذه القصة كلها صحيحة، وليس فيها تعارض، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى في مرضه الذي مات فيه صلاتين في المسجد في إحداهما كان إمامًا وفي الأخرى كان مأمومًا، وقال الضياء المقدسي وابن ناصر -رحمهما الله-: صحَّ وثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى خلفه مقتديًا به في مرضه الذي توفي فيه ثلاث مرات، ولا ينكر ذلك إلا جاهلاً لا علم له بالرواية، وقيل إن ذلك كان مرتين جمعًا بين الأحاديث، وبه جزم ابن حبان -رحمه الله-، وقال ابن عبد البر -رحمه الله-: الآثار الصحاح على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الإمام؛ والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل).

الشيخ: هذا الأثيوبي نقله؟

طالب: نعم، نقله في النسائي في كتاب الإمامة والاقتداء بالإمام قاعدًا.

الشيخ: هذا فيه جمع بين الروايات، في إحدى الصلاتين كان هو الإمام والأخرى كان هو المأموم، وهذا جمع حسن، وعلى هذا يكون اعتراض ابن خزيمة على البخاري ليس وجيهًا من جميع الوجوه، لأن البخاري أخذ بالروايات التي كان فيها هو الإمام.

س: في هذه الحالة يكون البخاري أقرب؟

الشيخ: استدلال البخاري يكون له وجه، ولكن ابن خزيمة ما ذكر الرواية أنه كان مرة هو الإمام ومرة هو المأموم. س: ثلاث مرات؟

الشيخ: يقول هو الإمام.

س: ثلاث مرات صلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

الشيخ: لكن كان هو الإمام، ابن خزيمة؟

س: ذكر هنا أنه مرة إمام ومرة مأموم.

الشيخ: ذكر مرتين يوم السبت، ذكر مرتين.

س: قول كرَّم الله وجهه لعلي -رضي الله عنه-؟

الشيخ: بعض الشيعة يخصصه وهذا ما ...

س: لكن نقل النسائي له ...؟

الشيخ: كل الصحابة كرَّم الله وجوههم.

س: [00:43:12]

الشيخ: لا، هذا ما هو نقل النسائي، الذين يطبعون الكتب هم الذين يكتبون هذا، ما هو عن النسائي ما يُحمل هذا، وفق الله الجميع، وقفت عن أي باب؟

بَابُ إِدْرَاكِ الْمَأْمُومِ الْإِمَامَ سَاجِدًا.

وفق الله الجميع لطاعته.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد