الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام الحافظ ابن خزيمة -رحمه الله تعالى- وأسكنه فسيح جنانه في كتابه الصحيح:
جُمَّاعُ أَبْوَابِ قِيَامِ الْمَأْمُومِينَ خَلْفَ الإِمَامِ وَمَا فِيهِ مِنَ السُّنَنِ.
بَابُ الْمُدْرِكِ وِتْرًا مِنْ صَلاَةِ الإِمَامِ، وَجُلُوسِهِ فِي الْوِتْرِ مِنْ صَلاَتِهِ اقْتِدَاءً بِالإِمَامِ.
أخبرنا أبو طاهر قال: حدثنا أبو بكرٍ قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ قال: حَدَّثَنَا عَمِّي قال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ زِيَادٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ -رضي الله عنه- أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ -رضي الله عنه- يَقُولُ: عَدَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا مَعَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَعَدَلْتُ مَعَهُ، فَأَنَاخَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَبَرَّزُ، فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الإِدَاوَةِ، فَغَسَلَ كَفَّهُ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ حَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، فَضَاقَ كُمَّا جُبَّتِهِ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ، فَغَسَلَهُمَا إِلَى الْمِرْفَقِ، فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ عَلَى خُفَّيْهِ.
يعني مسح على خفيه، عندك هكذا؟
طالب: نعم، أحسن الله إليك.
الشيخ: ماذا عندك؟
طالب: ثم توضأ، أحسن الله إليك.
طالب: يمكن يقصد بالوضوء المسح من باب التغليب.
الشيخ: اسم الوضوء: استعمال الماء في الأعضاء الأربعة، هذا اسم عام، ثم مسح على خفيه، ذكر غسل اليد وغسل الوجه، بقي الخفان الحديث يكون مسح على خفيه.
فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ رَكِبَ.
عندكم هكذا؟ تُراجع الروايات في هذا، الروايات كلها ثم مسح على خفيه، في الحديث: فأهويت لأنزع خفيه، فقال: «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين»، ثم مسح عليهما، هكذا في الأحاديث الصحيحة.
طالب: ذكر في رواية عند مسلم هكذا، وعند البخاري ثم توضأ ومسح على خفيه
الشيخ: كذا، وتوضأ على خفيه، يعني سمى المسح وضوءًا.
طالب: [00:03:11]
الشيخ: أي مسح، توضأ يعني مسح، سمى الوضوء مسح؛ لأن المسح على الخفين وضوء لهما.
فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ عَلَى خُفَّيْهِ.
في رواية مسلم، وفي رواية ابن خزيمة، توضأ.
ثُمَّ رَكِبَ، فَأَقْبَلْنَا نَسِيرُ حَتَّى نَجِدَ النَّاسَ فِي الصَّلاَةِ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَرَكَعَ بِهِمْ رَكْعَةً مِنْ صَلاَةِ الْفَجْرِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَصَفَّ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَصَلَّى وَرَاءَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُتِمُّ صَلاَتَهُ، فَفَزِعَ الْمُسْلِمُونَ، وَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ، لأَنَّهُمْ سَبَقُوا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالصَّلاَةِ، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُمْ: «أَحْسَنْتُمْ، أَوْ أَصَبْتُمْ».
نعم، هذه القصة فيها فوائد، فيها: مشروعية المسح على الخفين.
وفيها جواز لبس ما جاء من الكفار من الألبسة، الجبة كانت من الشام، وكانت في ذلك الوقت بلاد كفر، جبةً شامية.
وفيه أن الإنسان يجب عليه غسل ذراعيه بالماء، وإذا كان عليه ثياب فإنه يزيلهما، ولهذا لما ضاقت الجبة حسر عن ذراعيه من تحت وغسلهما.
وفيه اشتراط الطهارة للمسح على الخفين، قال: «فإني أدخلتهما طاهرتين»، وأنه لا يمسح عليهما إلا إذا لبسهما على طهارة، لأنه لابد في المسح على الطهارة من تعميم الخف، وأنه يكون ساتر للمفروض، ساتر للقدمين.
وفيه دليل على أن الإمام إذا تأخر فإنه لا يُحبس الناس، وإنما يقدمون من يصلي بهم.
وفيه أن الإمام ليس عليه أن يغضب إذا تأخر، لا يجمع بين سيئتين يتأخر ويحبس الناس ثم يغضب، بعض الأئمة يغضب، تأخر ربع ساعة، فإذا صلوا غضب عليهم، أو تكلم عليهم، النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أصبتم وأحسنتم».
وفيه أن المأموم إذا صلى خلف الإمام فاته شيء من الصلاة يقضيها، ولو كانت وترًا، ولو أدرك ركعة، وهذا هو شاهد الترجمة.
وفيه دليل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى خلف عبد الرحمن بن عوف في هذه القصة، في غزوة تبوك، ولم يُصل النبي -صلى الله عليه وسلم- خلف أحد من أمته إلا خلف عبد الرحمن بن عوف، وأما في قصة أبي بكر في مرض موته، فإنه جاء وصار هو الإمام -عليه الصلاة والسلام-.
كذلك أيضًا في قصة لما ذهب للإصلاح، يصلح بين بني عوف، صار هو الإمام، ما صار مأمومًا، لكن في هذه القصة صار مأموم، صلى بهم عبد الرحمن بن عوف ركعة، النبي -صلى الله عليه وسلم- تأخر، عدل وتبرز وتوضأ، وجلس معه المغيرة، وأخذ الإداوة، فيه: الوضوء من الإداوة، الإداوة: ركوة من جلد.
إذا توضأت من الإناء، سواء كان من الإناء أو من جلد أو من غيره، أو من بزبوز الآن، من أي مكان، من أي ماء يتوضأ.
وفيه أن جميع الأوعية أصلها الطهارة.
ولم يصلِّ النبي خلف أحد من أمته إلا خلف عبد الرحمن بن عوف.
وفيه أن الصحابة فزعوا؛ لأنهم سبقوه، وشق عليهم ذلك، فلما سلّم قال: «أحسنتم، أو أصبتم» -عليه الصلاة والسلام-، ما أحسن خلقه! أحسن الناس خلقًا -عليه الصلاة والسلام-، أعد الترجمة، باب...
بَابُ الْمُدْرِكِ وِتْرًا مِنْ صَلاَةِ الإِمَامِ، وَجُلُوسِهِ فِي الْوِتْرِ مِنْ صَلاَتِهِ اقْتِدَاءً بِالإِمَامِ.
يعني إذا صلى المأموم خلف الإمام ثم أدرك وترًا، يعني أدرك ركعة واحدة، يتشهد الآن الإمام وهو يتشهد معه، فهذا التشهد زائد عن صلاته، إنما يفعله اقتداءً بالإمام، وإلا لو كان وحده ما جلس، هذا الجلوس زائد، لكنه متابعة للإمام.
وكذلك إذا أدرك ثلاث، فإنه أيضًا الثالثة يجلس، يتشهد الإمام وهو يتشهد معه، وهذا التشهد وهذا الجلوس متابعة للإمام، وهذا مقصود المؤلف، أن المأموم إذا أدرك وترًا من صلاته وجلس متابعةً للإمام في التشهد، فلا يضره ذلك، أعد، باب...
بَابُ الْمُدْرِكِ وِتْرًا مِنْ صَلاَةِ الإِمَامِ، وَجُلُوسِهِ فِي الْوِتْرِ مِنْ صَلاَتِهِ اقْتِدَاءً بِالإِمَامِ.
فإنه لا يضره ذلك، أعد الحديث، حدثنا...
أخبرنا أبو طاهر قال: حدثنا أبو بكرٍ قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ قال: حَدَّثَنَا عَمِّي قال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ زِيَادٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ: عَدَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا مَعَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَعَدَلْتُ مَعَهُ، فَأَنَاخَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَبَرَّزُ.
عدل: يعني انحرف عن الجيش.
فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الإِدَاوَةِ.
وفيه دليل على أنه لا بأس من المعاونة في الوضوء، وأنه لا بأس الإنسان يتوضأ ويصب عليه إنسان آخر، فلا بأس بذلك.
فَغَسَلَ كَفَّهُ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ حَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، فَضَاقَ كُمَّا جُبَّتِهِ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ، فَغَسَلَهُمَا إِلَى الْمِرْفَقِ، فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ عَلَى خُفَّيْهِ.
وفيه دخول المرفق في غسل اليدين، وأن المرفق داخل في اليدين لابد منه، وفي الحديث الآخر أنه كان يدير الماء على مرفقيه.
ثُمَّ رَكِبَ، فَأَقْبَلْنَا نَسِيرُ حَتَّى نَجِدَ النَّاسَ فِي الصَّلاَةِ.
الظاهر في هذا أنه تأخر، يعني عدل ولما رجعوا ركب، لأن النبي كان إذا قضى حاجته يبتعد، فابتعد وقضى حاجته، وكأنه أطال، تأخر على الصحابة، ظنوا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يأتي، فخشوا التأخير، فلذلك صلوا، ما ظنوا أن النبي سيقدم؛ لأنه انحرف هو والمغيرة، مكان بعيد، ثم لما انتهى ركب ناقته ورجع، هذا يدل على أن المكان بعيد، ليس على القدمين.
فلما جاء، الصحابة تأخروا في الصلاة، ومع ذلك الانعدال والمدة الطويلة ما فاتهم إلا ركعة واحدة، صلوا ركعة.
فَأَقْبَلْنَا نَسِيرُ حَتَّى نَجِدَ النَّاسَ فِي الصَّلاَةِ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَرَكَعَ بِهِمْ رَكْعَةً مِنْ صَلاَةِ الْفَجْرِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَصَفَّ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَصَلَّى وَرَاءَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُتِمُّ صَلاَتَهُ، فَفَزِعَ الْمُسْلِمُونَ، وَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ، لأَنَّهُمْ سَبَقُوا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالصَّلاَةِ، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُمْ: «أَحْسَنْتُمْ، أَوْ أَصَبْتُمْ».
ويدل على أن الإمام إذا تأخر وقد صلى خليفته ركعة، فالأولى أن لا يتقدم للإمامة لئلا يشوش على الناس، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، أما إذا كان في الركعة الأولى فلا بأس أن يتقدم، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في قصة أبي بكر، ولو أراد أن يأتي [00:12:18] له ذلك، وينتظرونه يقضي الركعة التي فاتته.
بَابُ إِمَامَةِ الْمُسَافِرِ الْمُقِيمِينَ، وَإِتْمَامِ الْمُقِيمِينَ صَلاَتَهُمْ بَعْدَ فَرَاغِ الإِمَامِ إِنْ ثَبَتَ الْخَبَرُ؛ فَإِنَّ فِي الْقَلْبِ مِنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، وَإِنَّمَا خَرَّجْتُ هَذَا الْخَبَرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ.
علي بن زيد بن جدعان فيه ضعف.
لأَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ لاَ يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِيهَا.
أخبرنا أبو طاهرٍ قال: حدثنا أبو بكر قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ (ح)، وحَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالاَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: قَامَ شَابٌّ إِلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضي الله عنه- قَالَ: فَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابَّتِهِ، فَسَأَلَهُ عَنْ صَلاَةِ السَّفَرِ، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْفَتَى يَسْأَلُنِي عَنْ أَمْرٍ، وَإِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ جَمِيعًا: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- غَزَوَاتٍ، فَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى يَرْجِعَ الْمَدِينَةَ.
زَادَ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ: وَحَجَجْتُ مَعَهُ، فَلَمْ يُصَلِّ إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالاَ: وأَقَامَ بِمَكَّةَ زَمَنَ الْفَتْحِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لَيْلَةً يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ لأَهْلِ مَكَّةَ: «صَلُّوا أَرْبَعًا، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ»، وَغَزَوْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَحَجَجْتُ مَعَهُ، فَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَرْجِعَ، وَحَجَجْتُ مَعَ عُمَرَ حَجَّاتٍ، فَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَرْجِعَ، وَصَلاَّهَا عُثْمَانُ سَبْعَ سِنِينَ مِنْ إِمَارَتِهِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَجِّ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ صَلاَّهَا بَعْدَهَا أَرْبَعًا.
زَادَ أَحْمَدُ: ثُمَّ قَالَ: هَلْ بَيَّنْتُ لَكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ لفظ أَحْمَدَ بْنُ عَبْدَةَ.
الحديث واضح في أن النبي كان يصلي في السفر ركعتين، وكذا أبو بكر، وكذلك عثمان -رضي الله عنه- سبع سنين، ثم بعد ذلك أتم عثمان، تأوّل -رضي الله عنه-، وهذا مما انتقد عليه الثوار، قالوا: أتممت في السفر، خالفت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وخالفت الشيخين قبلك، فتأول.
قال بعضهم: تأول لأنه تأهّل بمكة، فأتم الصلاة.
وقال بعضهم: تأوّل لأنه يريد أن يبين أن الصلاة أربعًا؛ لأن بعض الأعراب يظن أن الصلاة ركعتين.
فالمقصود أنه تأوّل والصحابة صلوا خلفه أربعًا، وابن مسعود -رضي الله عنه-، عبد الله بن مسعود لما صلى خلف عثمان أربع ركعات، فلما سلّم قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، قالوا: هذه مصيبة هذه! تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، قال: نعم، قال: صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا المكان ركعتين، وصليت مع عمر ركعتين، وصليت مع عثمان أول إمارته ركعتين، فياليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان.
فقيل له: إذا كان مخالف كيف تصلي خلفه؟ قال: الخلاف شر، لا يريد أن يخالف لأن الخلاف شر، وهذا فيه دليل على أنه لا بأس بالإتمام في السفر، لو كان الإتمام لا يجوز في السفر ما أقره الصحابة عليه، فيه الرد على مقالة: لا يجوز الإتمام في السفر.
الصحابة أجمعوا على الصلاة خلف عثمان -رضي الله عنه-، ولكن الأفضل هو الإتمام [00:17:19]، والإشكال في الحديث قوله إن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم في مكة ثمانية عشر ليلة، وقال: أتموا يا أهل مكة، فإنا قومٌ سفر، قال أتموا ماذا؟
قال: «صَلُّوا أَرْبَعًا، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ».
هذا نعم، وبعضهم قال: إنه قال هذا في منى، وقالوا: والصواب أنه قاله في مكة، أما في منى ما قال: أتموا فإنا قومٌ سفر، ماذا قال على الحديث عندك، التخريج؟
طالب: قال: إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان، وأخرجه أحمد وأبو داوود من طريق إسماعيل بن علية به، وأخرجه الطيالسي، وأحمد، وأبو داوود، والترمذي، والطحاوي في [مشكل الآثار] من طرق عن علي بن زيد به، انتهى.
الشيخ: فيه نسخة ثانية في التعليق الألباني؟
طالب: الأعظمي.
الشيخ: الأعظمي ماذا قال؟
طالب: قال: الترمذي من طريق علي بن زيد مختصرًا، وأبو داوود من طريق إسماعيل مختصرًا، قلت: وعلي بن زيد هو ابن جدعان وهو ضعيف، ولذلك خرجت الحديث في ضعيف أبي داوود، ناصر الألباني، الكلام للشيخ ناصر، قال: وهو ضعيف -عليّ ابن جدعان-، ولذلك خرجت الحديث في ضعيف أبي داوود.
الشيخ: أعد الترجمة.
بَابُ إِمَامَةِ الْمُسَافِرِ الْمُقِيمِينَ، وَإِتْمَامِ الْمُقِيمِينَ صَلاَتَهُمْ بَعْدَ فَرَاغِ الإِمَامِ إِنْ ثَبَتَ الْخَبَرُ؛ فَإِنَّ فِي الْقَلْبِ مِنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، وَإِنَّمَا خَرَّجْتُ هَذَا الْخَبَرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ؛ لأَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ لاَ يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِيهَا.
يعني المسافر إذا أمَّ المقيم، فإن المقيم إذا سلَّم من الرباعية ركعتين يقوم ويتم، هذه لا يختلف فيها، لكن الحديث فيه علي بن زيد بن جدعان، ذكر شيخ الإسلام ابن القيم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقل لهم في منى: أتموا يا أهل مكة، فإنا قومٌ سفر، بعضهم قال: إن هذا قاله في منى، وأنه قال للحجاج: أتموا يا أهل مكة، فإنا قومٌ سفر، قال شيخ الإسلام ابن القيم: ما قال هذا في منى، منى انتقال من مكة إلى منى، إنما قال هذا في مكة، لما صلى في مكة قال لهم: أتموا يا أهل مكة، فإنا قومٌ سفر، في مكة نعم، يتمون، أما في منى فلا يتمون.
ولهذا قال شيخ الإسلام وابن القيم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بالحجاج جميعًا، أهل مكة وغيرهم في منى [00:20:46]، والمؤلف يقول: هذه المسألة لا يُختلف فيها، أن المسافر إذا أَمّ المقيم، فإنه إذا سلم المسافر يتم، لكن الحديث فيه ضعف.
طلب: هنا -أحسن الله إليك-كأنه أشار إلى أهل مكة في غير الحج: وقال: أقام بمكة زمن الفتح ثمانية عشر ليلة.
الشيخ: نعم، هو هذا.
طالب: هذا يكون لأهل مكة.
الشيخ: لأهل مكة، هذا ما فيه إشكال، وابن القيم يقول: ما فيه إشكال هذا، الإشكال: بعضهم قال: إنه قال هذا في منى، في الحج، قال: هذا ما هو بصحيح، ما قال: أتموا ... إنما قاله في مكة، كما في هذا الحديث.
س: أهل مكة بمنى يقصرون الصلاة؟
الشيخ: يقصرون، كما قال شيخ الإسلام وابن القيم في [زاد المعاد] وغيره، والجمهور يقولون: لا، يتمون.
س: حتى ولو لم يكونوا حجاج؟
الشيخ: لا، هذا إذا كانوا حجاج، فترة الحج، أما غير الحجاج لا.
س: من يعمل معهم وكذا، يتمون؟
الشيخ: هذا يتم، الفتوى على أنه يتم، وأيضًا كذلك الحجاج، الجمهور والحنابلة يقولون: يتمون؛ لأن المسافة ليست مسافة قصر من مكة إلى منى أو إلى عرفة، يقولون: هذه مسافة قصيرة، والمسألة فيها خلاف، ومن قال: إن القصر نُسك ما فيه إشكال، أظن الإمام أحمد وجماعة يقولون: القصر نُسك من مناسك الحج، فعلى هذا يزول الإشكال، يبقى الإشكال إذا قيل إنه قصر من أجل السفر، المسافة قريبة.
المؤلف ساق الحديث كأنه يقول: الدليل الإجماع، هذا الحديث فيه ضعف، علي بن جدعان، لكن العلماء أجمعوا على أن المسافر إذا أَمَّ المقيم فإن المقيم يتم، قال: وإنما خرجت هذا الحديث لأن المسألة مجمع عليها، أعد الترجمة.
بَابُ إِمَامَةِ الْمُسَافِرِ الْمُقِيمِينَ، وَإِتْمَامِ الْمُقِيمِينَ صَلاَتَهُمْ بَعْدَ فَرَاغِ الإِمَامِ إِنْ ثَبَتَ الْخَبَرُ؛ فَإِنَّ فِي الْقَلْبِ مِنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ.
ضعيف، فيه ضعف.
وَإِنَّمَا خَرَّجْتُ هَذَا الْخَبَرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ؛ لأَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ لاَ يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِيهَا.
نعم، وهو أن المقيم يتم، وعلي بن زيد بن جدعان هو راوي الحديث الطويل في رمضان، وفيه أن النبي خطب الناس في آخر يوم من شعبان وقال: «قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر»، وسيأتي إن شاء الله، في سند هذا الحديث، هو راوي هذا الحديث، وقال: أكثروا فيه من أربع خصال خصلة ترضون بها ربكم، من فطر صائمًا فله مثل أجره، الحديث الطويل، وفي سنده علي بن زيد بن جدعان هذا.
اقرأ الحديث مرة ثانية.
قال: أخبرنا أبو طاهرٍ قال: حدثنا أبو بكر قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ (ح)، وحَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالاَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: قَامَ شَابٌّ إِلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضي الله عنه- قَالَ: فَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابَّتِهِ، فَسَأَلَهُ عَنْ صَلاَةِ السَّفَرِ، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْفَتَى يَسْأَلُنِي عَنْ أَمْرٍ، وَإِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ جَمِيعًا: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- غَزَوَاتٍ، فَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى يَرْجِعَ الْمَدِينَةَ.
هذه السنة المسافر أن يقصر الرباعية حتى يرجع إلى بلده.
زَادَ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ: وَحَجَجْتُ مَعَهُ، فَلَمْ يُصَلِّ إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالاَ: أَقَامَ بِمَكَّةَ زَمَنَ الْفَتْحِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لَيْلَةً يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ.
لأنه ما نوى الإقامة -عليه الصلاة والسلام-، إنما أقام لتثبيت قواعد الإيمان، وإزالة معالم الشرك، ما نوى إقامة مستقرة، نوى الإقامة المستقرة في حجة الوداع، قدم إلى مكة في الرابع من ذي الحجة، وانتقل إلى منى في الثامن، هذه عزم على الإقامة.
وكذلك إقامته في تبوك، قالوا أيضًا: ما عزم على الإقامة.
ثُمَّ يَقُولُ لأَهْلِ مَكَّةَ: «صَلُّوا أَرْبَعًا، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ»، وَغَزَوْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَحَجَجْتُ مَعَهُ، فَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَرْجِعَ، وَحَجَجْتُ مَعَ عُمَرَ حَجَّاتٍ، فَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَرْجِعَ، وَصَلاَّهَا عُثْمَانُ سَبْعَ سِنِينَ مِنْ إِمَارَتِهِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَجِّ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ صَلاَّهَا بَعْدَهَا أَرْبَعًا.
متأولًا، صلى أربعًا متأولًا، تأويل.
زَادَ أَحْمَدُ: ثُمَّ قَالَ: هَلْ بَيَّنْتُ لَكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ لفظ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ.
تخريجه مرة ثانية.
طالب: قال: إسناده ضعيف؛ لضعف علي بن زيد بن جدعان، أخرجه أحمد وأبو داوود من طريق إسماعيل بن علية به، وأخرجه الطيالسي وأحمد، وأبو داوود، والترمذي، والطحاوي في مشكل الآثار من طرقٍ عن علي بن زيد به، انظر [إتحاف المهرة].
الشيخ: لكن الحديث ما دل عليه صحيح، ما دل عليه من كون المسافر لا يتم هذا مُجمع عليه، والإجماع مستند إلى نص، انظر الترجمة، وإنما ماذا؟
قال: وَإِنَّمَا خَرَّجْتُ هَذَا الْخَبَرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ؛ لأَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ لاَ يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِيهَا.
نعم، وهي إتمام المقيم خلف المسافر.
بَابُ الْمَسْبُوقِ بِبَعْضِ الصَّلاَةِ.
بركة، وفق الله الجميع.