القارئ:
أحسن الله إليك، الحديث الأخير قال: «مَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَ النَّفْسِ بِهَا يُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةِ لَمْ يُغَيِّبْ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ، وَأَقَامَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ أَدَّى الزَّكَاةَ فَتَعَدَّى عَلَيْهِ الْحَقَّ، فَأَخَذَ سِلَاحَهُ فَقَاتَلَ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ».
أحسن الله إليك قال أبو بكر الأثرم -رحمه الله- في كتاب(ناسخ الحديث ومنسوخه): "وروى عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن القاسم بن عوف عن علي بن حسين عن أم سلمة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أتاكم المصدقون فسألوكم الصدقة فتعدوا عليكم فقاتلوهم». وشيئًا هذا معناه".
قال: وهذا الحديث أيضًا مخالف للأحاديث، فمن ذلك: أن هشام بن حسان وقتادة رويا عن الحسن عن ضبة بن محصن عن أم سلمة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون بعدي أمراء تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد بريء، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع». قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: "لا ما صلوا".
فهذا عن أم سلمة، وذاك عن أم سلمة، وهذا أثبت الإسنادين، وهذا موافق للأحاديث، وذاك مخالف لها.
الشيخ:
يعني الأمر بعدم الخروج على ولاة الأمور هذا موافق للأحاديث، أما قوله: «وقاتلوا» هذا مخالف للأحاديث، الأحاديث كلها تأمر بعدم الخروج على ولاة الأمور والصبر على جور الولاة والصبر في الفتنة، قال: «واصبر إن أخذ ظهرك ومالك» لأن هذا فيه اجتماع الكلمة وفيه استتباب الأمن أما القتال وغيره هذا يسبب الفوضى والاضطراب والحروب الطاحنة بين الأمة واختلال الأمن وإراقة الدماء وحصول الفتن وتدخل الأعداء ويحصل فتن تقضي على الأخضر واليابس أما هذا الحديث الذي يقول: «قاتلوا» هذا حديث مخالف صدق حديث أم سلمة الأول هو موافقٌ للأحاديث.
القارئ:
أحسن الله إليك، قال: "وهذا ضبة بن محصن الذي وفد عمر يشكو أبا موسى حتى جمع بينه وبينه وكان له قدر عظيم. وذلك الإسناد ليس بثابت".
الشيخ:
الإسناد الذي فيه: «قاتلوهم».
القارئ:
نعم أحسن الله إليك.
قال: "ومما يخالفه أيضًا حديث جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أتاكم المصدق فلا يفارقكم إلا عن رضى».
الشيخ:
الأحاديث كثيرة: «أرضوا مصدقكم لا يذهب إلَّا راضي عنه»، والمُصَّدِق العامل الذي يرسله ولي الأمر لقبض الزكاة، جُباة الزكاة.
القارئ:
ومن ذلك حديث جابر بن عبد الله عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سيأتيكم ركب مبغضون -يعنى المصدقين- فأدُّوا إليهم صدقاتكم وارضوهم، فإن من تمام زكاتك رضاهم».
وروى عامر بن السمت عن معاوية بن إسحاق عن عطاء بن يسار عن ابن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «سيكون أمراء -فذكر من فعلهم- ثم قال: فمن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن».
قال: وهذا أيضًا خلاف الأحاديث، وهو إسناد لم يسمع حديث عن ابن مسعود بهذا الإسناد غيره، وقد جاء الإسناد الواضح عن ابن مسعود بخلافه.
روى الأعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «سترون بعدي أثرة وفتنًا وأمورًا تنكرونها". قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله. قال: «تودون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم».
وهذا عن ابن مسعود، وذاك عن ابن مسعود، وهذا أثبت الإسنادين، وهو موافق للأحاديث، وذاك مخالف، ثم تواترت الأحاديث عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكثرت عنه، وعن الصحابة والأئمة بعدهم- رضي الله عنهم- يأمرون بالكف، ويكرهون الخروج، وينسبون من خالفهم في ذلك إلى فراق الجماعة، ومذهب الحرورية وترك السنة. انتهى أحسن الله إليك.
الشيخ:
من ذلك الإمام أحمد -رحمه الله- لما جاء وشَكَوا إليه حديثه وقالوا: "ما نستطيع نصبر على فتنة القول بخلق القرآن، فقال لهم الإمام أحمد رحمه الله: "النُكرة في قلوبكم الدماء الدماء الدماء، النُكرة في قلوبكم" يعني انكروا في قلوبكم، اجتنبوا الخروج على ولاة الأمور؛ لأنه يسبب الدماء، الدماء الدماء عليكم بالنُكرة في قلوبكم. ما ورد في السُّنَّة.
والقاعدة المعروفة التي دلت عليها النصوص: "أنه إذا اجتمع مفسدتان لا يمكن تركهما تترك المفسدة الصغرى، وإذا اجتمع مصلحتان لا يمكن فعلهما تفعل المصلحة الكبرى".
وهنا عندنا مفسدتان: مفسدة الظلم والجور من بعض ولاة الأمور، قد يظلم بعض الناس أو يقتل بعض الناس أو يسبي بعض الناس أو يأخذ أموال بعض الناس، هذا ظلم، مفسدة.
المفسدة الثانية: الخروج على ولاة الأمور هذا يسبب إراقة الدماء واختلال الأمن وتدخل الأعداء وتعطيل الصلوات والمساجد والمصالح العامة، أيهما أعظم؟! أيهما أشد؟!
الثاني أشد، إذًا تترك المفسدة الصغرى وهي الصبر على ولاة الأمور ولو حصل ظلم لبعض الناس في أخذ ماله أو سجنه أو ما أشبه ذلك، هذه مفسدة صغرى، مع أن النصيحة تبذل لولاة الأمور من قِبل أهل العلم بالطريق المناسبة.
القارئ:
بَابُ احْتِسَابِ مَا قَدْ حَبَسَ الْمُؤْمِنُ السِّلَاحَ وَالْعَبْدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنَ الصَّدَقَةِ إِذَا وَجَبَتْ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا.
الشيخ:
هذا قرأناه.
القارئ:
قرأناه نعم، نبحث عن موضع....
الشيخ:
اقرأه.
القارئ:
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «فَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْبُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَازَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنْ يَحْتَسِبَ مَا قَدْ حَبَسَ مِنَ الْأَدْرَاعِ وَالْأَعْبُدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مِنَ الصَّدَقَةِ الَّتِي أَمَرَ بِقَبْضِهَا».
الشيخ:
نعم. يعني ما مر علي (08:05).
القارئ:
لم أجده أحسن الله إليك.
الشيخ:
يعني خالد يقول النبي احتسب من الأدرع والأعتاد والأعبد التي حبسها احتسبها من الزكاة، كيف يحتسبها من الزكاة وقد أمضاها؟!
قد أمضاها جعلها وقف، كيف احتسبها وقد أمضاها؟! فالآن نجد البحث ما في أحد تكلم عليها؟ الحافظ في الفتح.
القارئ:
ما تكلم أحسن الله إليك.
الشيخ:
نحتاج إلى مزيد بحث.
أما العباس لا شك أن النبي تعجل منه زكاة سنتين، لكن خالد حبس، أوقف شيئًا مضى، أوقف عبيده وأوقف أعتاده وسلاحه، والحافز بن خزيمة يقول: إن الرسول احتسب الزكاة منها، كيف يحتسب من شيء مضى؟! إنما الأعمال بالنيات، بيت نرضاه وقف فيما بعد نحتسبه من الزكاة؟! في إشكال هنا، ولهذا يحتاج بحث قول ابن خزيمة رحمه الله في هذا.
المغني ما تكلم عليها؟
القارئ:
بحثت -أحسن الله إليك- في واحد وسبعين كتاب -يا شيخ- أو عنوان فلا أجد من تكلم فيها أبدًا يا شيخ إلَّا ابن خزيمة ذكر هذا الاحتباس وأنه من تقديم الصدقة فقط.
الشيخ:
الشيخ الألباني ما تكلم عليها فيما نقل من الأحاديث؟
القارئ:
لعلنا إن شاء الله نجد.
وجدت هنا قول -أحسن الله إليك- قال في (حِلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء): "كل مَال وَجَبت الزَّكَاة فِيهِ بالحول والنِّصاب لَا يجوز تَقْدِيم زَكَاته على ملك النّصاب وَيجوز تَقْدِيمهَا على تَمام الْحول" وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد.
الشيخ:
يعني تم نصابه وبلغ الحول ما يقدم، خلاص هذا في وقته.
القارئ:
يقول: "لَا يجوز تَقْدِيم زَكَاته على ملك النّصاب وَيجوز تَقْدِيمهَا على إتمام الْحول".
الشيخ:
يعني عندك مال ما تم النِصاب مائتين درهم ما عندك إلَّا مائة وخمسين، تقول: أبغي أقدم الزكاة. أصلًا ما وجب فيه الزكاة كيف تقدمها؟! لكن إذا كان عندك نِصاب مائتين لكن ما تم الحول، باقي على الحول ستة أشهر يجوز أن تقدمه. المال الذي بلغ النصاب يجوز أن تقدمه قبل الحول، والمال الذي لم يبلغ النصاب هذا ما فيه تقديم من الأساس ما وجبت عليه الزكاة.
القارئ:
س: (11:20).
الشيخ:
قاعدة الآن الدراهم، الذهب، والفضة، وما يقوم مقامها قاعدة عامة إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول تجب الزكاة فيها على أي حال سواء أبقيتها عندك لتأكل منها، أو للتزود بها، أو لتشتري بها مالًا، أو جمدتها، أنت وقفتها أو ما وقفتها؟
إذا أوقفتها انتهى الأمر، كيف تدفع زكاة.
مناقشة: (11:45).
الشيخ:
يخرج الزكاة حتى ولو أعددتها لقضاء الدين، إن قبضتها قبل إتمام الحول ما في زكاة، وإن أبقيتها حتى حال عليها الحول تخرج زكاة، لكن العقارات مثل الأراضي والبيوت وغيرها هذه التي ينظر فيها، إن قصدت بها تجارة تخرج زكاة، وإن أردت بها تبقيها لنفسك أو للإيجار تخرج زكاة من بيع أُجرة، أما الدراهم ما في إشكال إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول تزكيها مهما كان القصد لذاتها؛ لأن الزكاة وجبت في ذات الدراهم الذهب والفضة، أما ما عاداها العروض والتجارة هو الذي ينظر فيه يرى ما نيته، ما تنوي في هذا البيت البيع والتكسب أو تنوي للسكنة أو تنوي للإيجار، إن نويت به السكنة، أو نويت بيعه الآن إلَّا بعد مدة طويل ما فيه زكاة وإن نويتها للتكسب وأعددتها هذا لا بد أن تؤدي زكاة القيمة، تقوى، وإن أعددتها للأجرة فالزكاة في الأجرة.
س: أحسن الله عملك، إذا كان شركة عندها سيارات -أحسن الله إليك- وهذه السيارات يذهب فيها المندوبون والمراسلون وهكذا، هل تزكى على هذه السيارات؟
الشيخ:
ما أعددت إلَّا للعمل؟
السائل:
لا، أعددت للعمل أحسن الله إليك.
الشيخ:
لأ ما فيها شيء، مثل السيارات التي يستعملها الإنسان في بيته والأواني والأمتعة ما فيها زكاة ولو كثرت ما دام ما أعدها للبيع ولا غيره.
القارئ:
أحسن الله إليك.
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم، الحمدُ للهِ ربِ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللَّهُم اغْفِر لنَا ولِشَيخِنَا ولوَالدَيّه وللمستمعين والمسلمين يا رب العالمين.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا وعملًا يا كريم.
قال الحافظ ابن خزيمة -رَحِمهُ اللهُ تَعالى- في (صحيحه):
"بَابُ التَّغْلِيظِ فِي غُلُولِ السَّاعِي مِنَ الصَّدَقَةِ"
حدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغَافِقِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ أَبِي رَافِعٍ، أَخْبَرَهُ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَتَحَدَّثَ عِنْدَهُمْ حَتَّى يَتَحَدَّثَ لِلْمَغْرِبِ....
الشيخ:
حتى يتحدث للمغرب؟
القارئ:
نعم.
الشيخ:
عندك؟
الطالب:
قال في الأصل: يتحدث (14:40).
الشيخ:
حتى ينحدر إلى المغرب أحسن.
يتحدث يجلس إلى قرب المغرب هذا المراد. إنما يتحدث مرتان تكرار ما ينبغي.
القارئ:
فَتَحَدَّثَ عِنْدَهُمْ حَتَّى ينحدر لِلْمَغْرِبِ، قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- مُسْرِعًا إِلَى الْمَغْرِبِ مَرَرْنَا بِالْبَقِيعِ، فَقَالَ: «أُفٍّ لَكَ أُفٍّ لَكَ»، فَكَبُرَ ذَلِكَ فِي ذَرْعِي، فَاسْتَأْخَرْتُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُرِيدُنِي، فَقَالَ: «مَا لَكَ؟ امْشِ». فَقُلْتُ: أَحْدَثْتَ حَدَيثًا.
الشيخ:
حَدَثًا أم حديثًا؟
أحدثتُ حَدَثًا يقول: مالي، حصل مني شيء، سويت معصية؟ ظن أنه فعل شيء لأنه قال له أف لك. وهو النبي يقصد القبر ما يقصد من معه.
من معه أبو هريرة؟
القارئ:
أبو رافع.
فَقُلْتُ: أَحْدَثْتَ حَدثًا، قَالَ: «وَمَا لَكَ؟» قُلْتُ: أَفَّفْتَ لِي قَالَ: «لَا وَلَكِنَّ هَذَا فُلَانٌ بَعَثْتُهُ سَاعِيًا عَلَى بَنِي فُلَانٍ فَغَلَّ نَمِرَةً، فَدُرِّعَ عَلَى مِثْلِهَا مِنَ النَّارِ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «الْغُلُولُ الَّذِي يَأْخُذُ مِنَ الْغَنِيمَةِ عَلَى مَعْنَى السَّرِقَةِ».
الشيخ:
هذا الغلول الذي يؤخذ من الغنيمة قبل قسمتها وهذا الساعي وهو العامل الذي يعينه ولي الأمر للصدقة إذا أخذ شيئًا لنفسه وغَلَّه يكون هذا عقاب، لكن هذا ضعيف فيه منبوذ، ماذا قال عليه؟
القارئ:
إسناده ضعيف؛ لجهالة حال منبوذ.
الشيخ:
أي: لكن على كل حال إن صح الحديث لا يجوز للعامل أن يأخذ شيئًا لنفسه ولا أن يغل، هذا من الغلول، الغلول أصله السرقة الغنيمة قبل قسمتها، ويشمل الأخذ من بيت المال، والأخذ من الصدقات التي جمعت، وأخذ الساعي من الناس زيادة على حقه، كل هذا من الغلول، كذلك يشمل الموظف الذي يأخذ الرِشوة لنفسه، لأنه إذا أعطي شيئًا تبع العمل يرده إلى بيت المال ما يأخذه لنفسه.
القارئ:
أحسن الله إليك.
القارئ:
"بَابُ التَّغْلِيظِ فِي غُلُولِ السَّاعِي مِنَ الصَّدَقَةِ"
الشيخ:
الصدقة نوع من الزكاة، غلوله يعني يأخذ شيئًا لنفسه يختص به، يخفيه، لا يأخذه من الناس ولا يدفعه لبيت المال.
اقرأ الحديث.
القارئ:
حدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغَافِقِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ أَبِي رَافِعٍ، أَخْبَرَهُ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَتَحَدَّثَ عِنْدَهُمْ حَتَّى ينحدر لِلْمَغْرِبِ، قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- مُسْرِعًا إِلَى الْمَغْرِبِ مَرَرْنَا بِالْبَقِيعِ، فَقَالَ: «أُفٍّ لَكَ أُفٍّ لَكَ»، فَكَبُرَ ذَلِكَ فِي ذَرْعِي، فَاسْتَأْخَرْتُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُرِيدُنِي، فَقَالَ: «مَا لَكَ؟ امْشِ».
الشيخ:
اِمشِ بالكسر أمرٌ بالمشي.
القارئ:
فَقَالَ: «مَا لَكَ؟ امْشِ». فَقُلْتُ: أَحْدَثْتَ حَدَيثًا. قَالَ: «وَمَا لَكَ؟» قُلْتُ: أَفَّفْتَ لِي قَالَ: «لَا وَلَكِنَّ هَذَا فُلَانٌ بَعَثْتُهُ سَاعِيًا عَلَى بَنِي فُلَانٍ فَغَلَّ نَمِرَةً، فَدُرِّعَ عَلَى مِثْلِهَا مِنَ النَّارِ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «الْغُلُولُ الَّذِي يَأْخُذُ مِنَ الْغَنِيمَةِ عَلَى مَعْنَى السَّرِقَةِ».
الشيخ:
فَغَلَّ نَمِرَةً: يعني غل قطعة قماش أخذها من الناس واختصها بنفسه فَدُرِّعَ بمثلها في النار والعياذ بالله. جعلت هذه النمرة درعًا له يعني لباسًا له، يصلاها من النار، كالدرع الذي يلبسه الإنسان. ما تكلم على النسخة الثانية؟ قد يكون له شواهد، يمكن الحديث الذي بعده يشهد له، وهو نوع من الغلول، والحديث هذا ضعيف، لكن له شواهد.
ماذا قال في النسخة الثانية؟
الطالب:
"إسناده ضعيف قال الحافظ في التقريب يقول: منبوذ مجهول".
الشيخ:
نعم يرى إذا تُوبع أو وجد شاهد، والحديث الذي بعده يشهد له، يشهد له الأدلة العامة من الغلول عليه الوعيد الشديد، وجاء فيها الأحاديث في قصة بعض الذين غلوا شيء من الأمتعة، لما قالوا: هنيئًا له في الجنة، قال: بلى إن الشملة التي أغلها تشتعل عليه نارًا. هذه الشملة وهي الشملة قطعة قماشة أخذها قبل القسمة فاشتعلت عليه نارًا.
القارئ:
قال رحمه الله: بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ مَا كَتَمَ السَّاعِي مِنْ قَلِيلِ الْمَالِ أَوْ كَثِيرِهِ عَنِ الْإِمَامِ كَانَ مَا كَتَمَ غُلُولًا، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: 161].
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ لَنَا عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِنْهُ مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ فَهُوَ غُلٌّ يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَسْوَدُ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ.
الشيخ:
فَهُوَ غِلٌّ.
غُل هذا في العنق، أما الغِل من الغُلول.
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [المائدة:64].
الغُل: هو الحبل الذي يكون في العنق قالوا: الغُل.
أما الغِل: الأخذ من الغنيمة.
الطالب:
أحسن الله إليك قال هنا: "والغَلول أخذ شيء من المغنم في خُفية".
الشيخ:
نعم سرقة من الغنيمة في خُفية.
الطالب:
قال ابن عرفة: "سُمي الغَلول غُلولًا لأن الأيدي مغلولة عنه أي ممنوعة عنه".
الشيخ:
ممنوع شرعًا يعني فهو غلول يوم القيامة، قال: «لَا يأتين أحدكم يَوْمَ الْقِيَامَةِ بناقة لها رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ لَهَا تنعر».
﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: 161]. يعني يعذب به نسأل الله العافية، يسمى الغلول (23:27).
القارئ:
عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ لَنَا عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِنْهُ مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ فَهُوَ غُلٌّ يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
الشيخ:
ضبطها عندك؟
فهو مِخْيط فما دونه.
ما عندك؟
القارئ:
مخيطًا أحسن الله إليك.
الشيخ:
ضبط غل؟
القارئ:
بضم الغاء وتشديد وضم اللام.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَسْوَدُ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْبَلْ مِنِّي عَمَلَكَ قَالَ: «لِمَ؟» قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ: كَذَا وَكَذَا قَالَ: «وَأَنَا أَقُولُ ذَلِكَ مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَهُ وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى».
الشيخ:
نعم. هذا مثل الحديث السابق أن من غل شيئًا فهو يعذب به يوم القيامة، هذا الرجل خاف قال: يا رسُول الله، اقبل مني عملك، موظف عنده، قال: أنا لا أريد عمل ما دام فيه نار وعذاب ما أريده، قال مالك؟ قال: قلت يا رسُول الله كذا وكذا قال: «وَأَنَا أَقُولُ ذَلِكَ مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فيأتِ بقليله وكثيره أي شيء يعطاك تأتي به في بيت المال، فإذا أعطى لك شيء تأخذه، وإذا لم تعطى شيء فلا «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فيأتِنا».
كل ما تعطى يعني ما أعطوه لسواد عيونه الآن، لولا أنه عامل في بيت المال ما جاب شيئًا، كما قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لابن اللتبية لما استعمله على الصدقة فقال: يا رسُول الله، هذا لكم وهذه، هذه هدايا جاءت لي من الناس وهذه لكم، النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشتد قال: «من أُتي بعملٍ فيأتِ بقليله وكثيره، أفلا جلس في بيته فلينظر أيهدى شيء أم لا» لو جلس في بيت أبوك وأمك ما أحد يعطيك، لكن لما جيت تشتغل عامل وموظف أعطوك (25:53) ما أعطوه لسواد عيونه. لو قعد في بيته وجلس ما دقوا الباب عليه وأعطوه: «أفَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَبَيْتِ أُمِّهِ، فَلْيَنْظُرْ هَلْ تَأْتِيهِ هَدِيته إن كان صادقًا». ما في هدية، ما أعطي إلَّا من أجل العمل، إذًا يأتي به، فما أعطى أخذ وما لا يعطى له، يكون متأدب يأتي بجميع ما أُعطي ثم إذا أعطيناه شيء فليأخذه، وإذا لم يعطى فليكف.
أعد الترجمة السابقة.
القارئ:
بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ مَا كَتَمَ السَّاعِي مِنْ قَلِيلِ الْمَالِ أَوْ كَثِيرِهِ عَنِ الْإِمَامِ كَانَ مَا كَتَمَ غُلُولًا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: 161].
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ لَنَا عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِنْهُ مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ فَهُوَ غُلٌّ يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَسْوَدُ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْبَلْ مِنِّي عَمَلَكَ قَالَ: «لِمَ؟» قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ: كَذَا وَكَذَا قَالَ: «وَأَنَا أَقُولُ ذَلِكَ مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَهُ وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى».
الشيخ:
قال في الصحيحين؟ تخريجه؟
القارئ:
أحسن الله إليك، قال: أخرجه عبد الرزاق والحميدي وأبو عبيد في (الأموال) وأحمد ومسلم وأبو داود وابن أبي عاصم ف (الآحاد والمثاني) وأبو عوانة وابن ناقع في (مجمع الصحابة) وابن حِبَّان والطبراني في (الكبير) والبيهقي".
الشيخ:
وفيه أن العامل عليه أن يأتي بجميع ما يؤتى حتى لو أُعطي شيء وقال هذا لك، لا يكون له يكون لبيت المال.
القارئ:
"بَابُ التَّغْلِيظِ فِي قَبُولِ الْمُصَدِّقِ الْهَدِيَّةَ مِمَّنْ يَتَوَلَّى السِّعَايَةَ عَلَيْهِمْ"
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَخَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَجِيءُ فَيَقُولُ: هَذَا لِي وَهَذَا أُهْدِيَ إِلَيَّ فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَبَيْتِ أُمِّهِ، فَلْيَنْظُرْ هَلْ تَأْتِيهِ هَديته أَمْ لَا، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَأْتِي أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا طِيفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ ثَوْرًا لَهُ ثُواج - وَرُبَّمَا قَالَ: تَيْعَرُ - "قَالَ: ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا».
الشيخ:
تَيعر: صوت.
تخريجه في الصحيحين.
القارئ:
أحسن الله إليك، البخاري ومسلم.
الشيخ:
وهذا فيه دليل على أن العامل على الصدقة والموظف إذا أعطي شيئًا هدية أو غيره فإنه يكون مع المال الذي أخذه لبيت المال ولا يخص به نفسه، وإذا أخذ شيئًا فإن هذا من الغلول يعذب به يوم القيامة. شدد في هذا. لما استعمل رجل يقال له ابن اللتبية على الصدقة يعني الزكاة الواجبة أعطوه الناس هدايا، قالوا هذه للزكاة وهذه هدية منا لك.
فجاء إلى النبي فقال: يا رسُول الله، هذه الزكاة أخذتها من الناس وهذه هدايا أعطوها لي، هذا لي وهذا لكم، النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطب الناس ليبين الحكم الشرعي، فقال: ما بال الرجل -ولم يخصص- نبعثه على العمل فيأتي ويقول هذا لكم وهذا أهدي لي، والذي نفسي بيده لا يأخذ أحدكم شيئًا إلَّا جاء يحمله يوم القيامة إن كان هذا الذي أخذه إن كان بعيرًا له رُغاء -صوت البعير- وإن كان بقرة لها خوار، وإن كانت شاةً لها تَيعر، وفي لفظة: وإن كان مالًا فهي رقاءً تخفق، يأتي به يحمله يوم القيامة يعذب به، يأتي بالبعير يحمله على رقبته يعذب به، والبقرة يحملها التي غلها وأخذها بغير حق، وكذلك الدراهم التي أخذها يعذب بها، وهكذا. يحذر من هذا، فالذي يعطى للعامل من الهدايا يكون تابع لبيت المال، يضعها مع المال ولا يأخذها لنفسه.
القارئ:
أحسن الله إليك.
"بَابُ صِفَةِ إِتْيَانِ السَّاعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا غَلَّ مِنَ الصَّدَقَةِ، وَأَمْرِ الْإِمَامِ بِمُحَاسَبَةِ السَّاعِي إِذَا قَدِمَ مِنْ سِعَايَتِهِ"
الشيخ:
بارك الله فيك.
وجدت (31:59) تراجع الكلمة في القاموس وفي النهاية ولسان العرب.
وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع بالعلم النافع والعمل الصالح، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهدُ أن لا إله إلَّا الله، أستغفرك وأتوب إليك.