بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ({إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١١)}.
هَذِهِ الْعَشْرُ الْآيَاتِ كُلُّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، حِينَ رَمَاهَا أَهْلُ الْإِفْكِ وَالْبُهْتَانِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بِمَا قَالُوهُ مِنَ الْكَذِبِ الْبَحْتِ وَالْفِرْيَةِ الَّتِي غَارَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا وَلِنَبِيِّهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ [اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ] بَرَاءَتَهَا صِيَانَةً لِعِرْضِ الرَّسُولِ، عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ} أَيْ: جَمَاعَةٌ مِنْكُمْ، يَعْنِي: مَا هُوَ وَاحِدٌ وَلَا اثْنَانِ بَلْ جَمَاعَةٌ، فَكَانَ المقدَّم فِي هَذِهِ اللَّعْنَةِ عبد الله بن أبي بن سلول رأس الْمُنَافِقِينَ).
الطالب: في هذه العصبة.
الشيخ: الأقرب العصبة.
(فَكَانَ المقدَّم فِي هَذِهِ اللَّعْنَةِ عبد الله بن أبي بن سلول رأس الْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَجْمَعُهُ وَيَسْتَوْشِيهِ، حَتَّى دَخَلَ ذَلِكَ فِي أَذْهَانِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ، فَتَكَلَّمُوا بِهِ، وَجوّزه آخَرُونَ مِنْهُمْ، وَبَقِيَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ، حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَسِيَاقُ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَر، عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المسَيَّب، وعُرْوَة بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وعُبَيد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ حَدِيثِ عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ حَدَّثَنِي بِطَائِفَةٍ مِنْ حَدِيثِهَا، وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوَعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتَ اقْتِصَاصًا، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا: ذَكَرُوا أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي، وَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الحجابُ، فَأَنَا أحْمَل فِي هَودَجي وَأُنْزَلُ فِيهِ مَسِيرَنَا، حَتَّى إِذَا فَرَغَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غَزْوه وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ فَلَمَسْتُ صَدْرِي، فَإِذَا عقْد مِنْ جَزْع ظَفار قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي، فحَبَسني ابْتِغَاؤُهُ. وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ بِي فَحَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ -وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنِّي فِيهِ -قَالَتْ: وَكَانَ النساء إذ ذاك خفافا لم يُهَلَبْهُنَّ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللحمُ).
الشيخ: بالباء يهبلهن.
الطالب: عندي هاء يا شيخ، لم يهلبهن.
الشيخ: لم يهبلهن، لم يهبلهن، لالالا، لم يهبلهن، الباء مقدمة على اللام.
الطالب: لم يهبلهن.
الشيخ: يعني لم [00:05:28]
الطالب: في نسخ أحسن الله إليك لم يثقلن.
الشيخ: لم يثقلن، نعم، المعنى واحد، لم يهبلهن يعني لم يثقلهن اللحم، الهاء ثم الباء ثم اللام ثم الهاء ثم النون، لم يهبلهن.
(إذ ذاك خفافا لم يُهَلَبْهُنَّ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللحمُ).
الجملة الثانية فسرت.
(إِنَّمَا يَأْكُلْنَ العُلقْة مِنَ الطَّعَامِ).
الشيء القليل الذي يقوم به الجسد، كان النساء خفافًا، حملوها وظنوا أنها في الهودج، ولم يستثقلوا الهودج؛ لأن النساء خفاف، وكانت صغيرة، وخفيفة اللحم، فأركبوها الهودج يظنون أنها فيه، وما استنكروا ثقله أو خفته.
(إِنَّمَا يَأْكُلْنَ العُلقْة مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ خفة الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ ورفعوه، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الجمل وساروا، وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، وَظَنَنْتُ أَنَّ الْقَوْمَ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ. فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي، غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ -وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذّكْوَانَي قَدْ عَرَس مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ-).
عرس يعني تأخر في آخر الجيش، التعريس معناه النوم، نوم المسافر آخر الليل، عرس يعني قد نام آخر الليل خلف الجيش.
( فَادَّلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي. وَقَدْ كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَب عَلَيَّ الْحِجَابُ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فخَمَّرت وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَاللَّهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غيرَ اسْتِرْجَاعِهِ).
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
قولها: فخمرت وجهي بجلبابي صريح في وجوب الحجاب، حجاب المرأة، وصريح في أن الحجاب تغطيه الوجه عن الرجال الأجانب، فخمرت يعني غطيت، خمرت وجهي بجلبابي، وكان يعرفني قبل الحجاب، وهذا صريح في صحيح البخاري أصح الكتب بعد كتاب الله، دل على أن المرأة، دل على أن حجاب المرأة هو أن تخمر وجهها عن الرجال الأجانب، مع بقية الجسد؛ لأن بقية الجسد ما فيه خلاف، حتى الذين يجيزون كشف الوجه يقولون: يجب عليها أن تستر يديها ورجليها، يعني حتى الذين يجيزون كشف الوجه، يقولون: ما يجوز أن تكشف اليد، ولا أن تكشف الرجل، ويجوز لها كشف الوجه، مع أن الوجه هو مجامع المحاسن، فهذا صريح في الرد على دعاة السفور، صريح في أن الحجاب هو ستر الوجه عن الرجال الأجانب، ويدل عليه قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾[الأحزاب:53].
فالحجاب ما يحجب المرأة عن الرجال، قد يكون الحجاب باب، وقد يكون جدار، وقد يكون غطاء، هنا قالت: فخمرت وجهي بجلبابي وكان يعرفني قبل الحجاب، هل يوجد أصرح من هذا؟ لأن الذين يتكلمون يقولون: الحجاب يعني تستر الجسم، تتحجب بجميع جسدها ما عدا الوجه، لكن هذا مخالف، قالت: فخمرت وجهي بجلبابي، وكان يعرفني قبل الحجاب، صريح، صريح في تخمير الوجه وتغطيته، وصريح في أن النساء قبل الحجاب كن يكشفن وجههن، وبعد الحجاب يسترن وجههن.
(فخَمَّرت وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَاللَّهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غيرَ اسْتِرْجَاعِهِ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ).
استرجاعه قوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، إنا لله وإنا إليه راجعون! أهل رسول الله، ما كلمه ولا كلمته، أناخ الجمل وركبت، وجعل يقوده، ويمشي على رجليه يقود الجمل وهي راكبة.
(فَوْطئ عَلَى يَدها فركبتُها، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُوا مُوغرين فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ. فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِي شَأْنِي، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْره عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ).
وهو رئيس المنافقين، موغرين يعني في شدة الضحى، في شدة حرارة الشمس، والذي تولى كبره هو رئيس المنافقين عبدالله بن أبي، وقيل هو حسان، لكن الصواب أنه عبد الله بن أبي، حسان تكلم فيمن تكلم، وطهره الله بالحد، هو ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش، هؤلاء طهرهم الله بالحد.
(فَقَدمنا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْنَا شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفيضُون فِي قَوْلِ أَهِلِ الْإِفْكِ، وَلَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ).
وهذا أيضًا فيه في كون حسان وحمنة ومسطح بن أثاثة وقعوا فيها، وهم من أهل بدر، فيه دليل على أن آحاد الصحابة ليسوا معصومين من كبائر الذنوب، ليسوا معصومين من كبائر الذنوب ولا من الكفر، المعصوم من الكفر وكبائر الذنوب هم الأنبياء، أما الصحابة فقد يقع الواحد منهم، لكن هم معصومون في الجملة، في الجملة هم معصومون، وأهل بدر قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر: «وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»، هذا فيه دليل على أن أهل بدر إذا وقع منهم، أنه قد يقع الواحد منهم في المعصية ولكن الله يهيئ الأسباب التي تكون سببًا في طهارته وسببًا من هذه المعصية والكبيرة، يعني إما أن يتوب، وإما أن يقام عليه الحد، وإما أن تكفر عنه بحسناته، أو بشفاعة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأناس بها، فهؤلاء مسطح وحسان وهم من أفاضل الصحابة ووقعوا، وحمنة طهرهم الله بالحد، الحد طهارة وحده، والتوبة طهارة، إذا تاب تاب الله عليه توبة نصوح، أقلع عن المعصية، وندم على ما مضى منه، وعزم على ألا يعود، هنا غفر الله هذه المعصية، وإذا بلي بها مرة أخرى أو بغيرها يحتاج إلى توبة، وإذا أقيم عليه الحد وحده كفارة، التوبة وحدها طهارة، وإقامة الحد طهارة.
(فَقَدمنا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْنَا شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفيضُون فِي قَوْلِ أَهِلِ الْإِفْكِ، وَلَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ يَريبني فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللُّطْف الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: «كَيْفَ تِيكُم؟»).
تيكم اسم إشارة، إشارة إلى عائشة، إشارة للأنثى.
(فَذَلِكَ الذي يَرِيبني وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ بَعْدَمَا نَقِهْت وخَرَجَت مَعِي أُمُّ مِسطْح قِبَلَ الْمَنَاصِعِ).
بعد ما تماثلت للشفاء، تماثلت المريضة للشفاء، نقاهة.
(-وَهُوَ مُتَبَرَّزُنا -وَلَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ).
يعني ما فيه أن الحاجة تقضى في البيوت عندهم، بينما تقضى في الصحراء؛ لأن المدينة صغيرة، لأن المدينة ليست كبيرة، حتى إن المسجد النبوي التوسعة الآن هو المدينة سابقًا، كل القبائل كلها في ذلك، كانت البيوت صغيرة متقاربة، فتوسعة المسجد النبوي هذا هو حجم المدينة سابقًا، وكانوا يكرهون أن يكون هناك روائح، ما في عندهم مثل ما عندنا الآن من الوسائل الحديثة الآن في الحمامات والمجاري وغير ذلك من الوسائل التي جدت وأنعم الله بها على الناس في هذا الزمن ما كانت موجودة عندهم، فلذلك ما يحتاجون إلى، يضرهم هذا في البيوت الصغيرة، وكانوا يأكلون الشيء القليل، يعني إذا وجد تمرات أو شيء من اللبن، ويخرجون من الليل إلى الليل، تخرج إلى الصحراء النساء، وما في كهرباء ولا غيرها، يقضون حوائجهم في الصحراء من الليل إلى الليل، ثم بعد ذلك الناس لما توسعوا بعد فترة جعلوا يضعون الحمامات في البيوت، قضاء الحاجة توسع بعد ذلك، ثم في العصر الحاضر جاءت الوسائل الحديثة المعروفة.
(وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخذَ الكُنُف قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا).
الكنف مكان قضاء الحاجة، يكرهون أن يكون الكنيف في البيت؛ لأن البيت صغير له روائح منتنه، يشق عليهم، فهم يخرجون إلى، وأدركنا هذا، كان الناس فقراء إلى وقت قريب، كانوا يخرجون يقضون حوائجهم في الصحراء، في البرية، قريب، لا في البيوت.
(وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخذَ الكُنُف قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي التَّنَزُّهِ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بالكُنُف أَنْ نَتَّخِذَهَا فِي بُيُوتِنَا).
نتأذى يعني يشق عليهم ويتعبهم قضاء الحاجة في البيوت لما فيها من الروائح المنتنة.
(فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مسْطَح -وَهِيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْم بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وَابْنُهَا مسْطَح بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّاد بْنِ الْمُطَّلِبِ-).
هذا مسطح هو الذي تكلم، وهو من أهل بدر، وهو ابن خالة أبي بكر الصديق، ولما تكلم حلف الصديق، وكان ينفق عليه لفقره وقرابته، فلما تكلم حلف أبو بكر أن يقطع النفقة، فأنزل الله ﴿وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾[النور:22]، فقال أبو بكر: بلى والله أحب أن يغفر الله لي، فرجع النفقة إليه، وقال: لا أنزعه منه أبدًا رضي الله عنه.
(فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَابْنَةُ أَبِي رُهْمٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مسْطح فِي مِرْطها فَقَالَتْ: "تَعس مسْطح". فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَمَا قُلْتِ، تَسُبِّينَ رَجُلًا [قَدْ] شَهِدَ بَدْرًا؟ قَالَتْ: أَيْ هَنْتاه، أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قُلْتُ: وَمَاذَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ، فازددتُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِي).
يعني الناس تكلمت مدة في الإفك ما علمت إلا الآن، أخبرتها، جاء عليها المرض مرة ثانية لما سمعت بهذا، مظلومة، فصارت تبكي ليل نهار، حتى خشيت أن يهلكها كثرة البكاء، مظلومة.
(فَلَمَّا رجعتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «كَيْفَ تِيكُم؟» قُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟- قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَتَيَقَّنَ الْخَبَرَ مِنْ قبَلهما -فأذنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لِأُمِّي: يَا أمَّتاه، مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ فَقَالَتْ: أيْ بُنَية هَوِّني عَلَيْكِ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطّ وَضِيئَةٌ، عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا. قَالَتْ: فقلتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَوَقَدَ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ، لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي).
تبكي الليل والنهار ولا تأكل، مظلومة.
(فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيّا وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الوحيُ، يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ لَهُ مِنَ الْوُدِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُمْ أَهْلُكَ، وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا. وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: لَمْ يُضيق اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تصدُقك الْخَبَرَ).
الجارية بريرة التي أعتقتها عائشة، وهي كانت تأتي عندها في البيت.
(قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَريرة، فَقَالَ: «أيْ بَرِيرة، هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَريبك مِنْ عَائِشَةَ؟» فَقَالَتْ لَهُ بِرَيْرَةُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إنْ رَأَيْتُ منها أَمَرًا قَطّ أغمصُه عَلَيْهَا، أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنَ فَتَأْكُلُهُ).
هذه شهادة من جارية، إن رأيت يعني إن بمعنى ما، ما رأيت شيئًا أغمصه يعني أنتقده، ما رأيت شيئًا أنتقده عليها إلا أنها جارية حديثة السن تعجن العجين ثم تنام ثم تأتي الداجن فتأكل عجينتها، غافلة، هذه غفلة، صغيرة السن، إن بمعنى ما، أغمصه يعني أنتقده، ما رأيت شيئًا أنتقده عليها إلا هذا، جارية حديثة السن تعجن العجين ثم تنام، غافلة من الغفلة فتأتي الداجن ثم تأكل عجينتها، يعني ما يعيبها شيء إلا ما يعاب على الإبريز الأحمر، الذهب الأحمر الصافي، ذهب صافي.
(فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يومه فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُول).
يعني قال: من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، ووالله ما أعلم عنهم إلا خيرًا، قال الأنصار: نحن نعذرك يا رسول الله.
(قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي». فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ).
سعد بن معاذ سيد الأوس، وسعد بن عبادة سيد الخزرخ.
(وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ، أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ. قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ -وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ -فقال لسعد ابن مُعَاذٍ: لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ. فَقَامَ أُسَيد بْنُ حُضير -وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ- فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ! لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ).
هذا بسبب الخصام والأخذ والرد، مثل ما قالت عائشة رضي الله عنها، كان رجلًا صالحًا ولكن احتملته الحمية، الحمية أن سعد بن معاذ قال: نقتله إذا كان من عندنا، وإذا كان من إخواننا تأمرنا أمرك، فقال: ما تقتله ولا تقدر على قتله.
(فَتَثَاوَرَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ. فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] يُخَفّضهم حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتِ: وَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ، لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقُ كَبِدِي).
يعني من كثرة البكاء، يظنان أنه يشق كبدها، وأنه قد يؤدي بها إلى الموت من كثرة البكاء واستمراره، وهي مظلومة، وما تحملت هذا.
(قَالَتْ: فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، استأذَنَت عليَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فأذنتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ إِذْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ -قَالَتْ: وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ).
الله تعالى جعل حكمة، حكمة الله، الوحي توقف شهر كامل، ابتلاء وامتحان.
(وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي شَيْءٌ -قَالَتْ: فَتَشْهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ ألْمَمْت بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ ثُمَّ تُوبِي إِلَيْه).
فيه مشروعية التشهد إذا أراد الإنسان أن يتكلم ولو كان قليلًا، ولو لم يكن خطبة، تشهد، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، أما بعد: يا عائشة كذا، ولو كان الخطاب لشخص واحد.
(فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ. قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ قَلَص دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِلرَّسُولِ. فَقُلْتُ لِأُمِّي: أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ. قَالَتْ: فَقُلْتُ -وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، لَا أَحْفَظُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ -: وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِهَذَا، حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، ولَئَن قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ -وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ -لَا تُصَدِّقُونِي [بِذَلِكَ. وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ تُصَدِّقُونِي]، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يُوسُفَ: ١٨]).
وفي لفظ: قالت: التمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه فقلت: أبا يوسف.
(قَالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، قَالَتْ: وَأَنَا وَاللَّهِ حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يُنْزَلَ فِي شَأْنَيْ وَحَيٌّ يُتْلَى، وَلَشَأْنِي كَانَ أحقرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتلى. وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رؤْيا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا. قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَجْلِسِهِ، وَلَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ).
البرحاء يعني العرق، يتصبب عرق من شدة الوحي عليه، ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾[المزمل:5].
(فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَنْحَدِرُ مِنْهُ مِثْلُ الجُمَان مِنَ العرق في اليوم الشاتي، مِنْ ثِقَل الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ. قَالَتْ: فَلَمَّا سُرّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَضْحَكُ، كَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: "أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرّأك. فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} عَشْرَ آيَاتٍ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي بَرَاءَتِي قَالَتْ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ -: وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} إِلَى قَوْلِهِ {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النُّورِ: ٢٢] فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرجّع إِلَى مِسْطَح النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ. وَقَالَ: لَا أَنْزَعُهَا مِنْهُ أَبَدًا.
قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ زينبَ بنت جحش -زوجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَنْ أَمْرِي: يَا زَيْنَبُ، مَا عَلِمْتِ، أوما رَأَيْتِ [أَوْ مَا بَلَغَكِ]؟ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللَّهِ مَا علمتُ إِلَّا خَيْرًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَاميني مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَصَمَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَرَعِ).
أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيرًا، عصمها الله بالورع، ما تكلمت، أختها حمنة تريد أن تدافع عنها، وقعت فيمن وقع.
(وطَفِقَت أُخْتُهَا حَمنة بِنْتُ جَحْشٍ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَهَذَا مَا انْتَهَى إِلَيْنَا مِنْ أَمْرِ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا، مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ. وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. وَحَدَّثَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).
هذه الآية، قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[النور:11]، الإفك هو أسرع الكذب، يعني كذبوا على عائشة رضي الله عنها، عصبة: جماعة، لا تحسبوه شرًا لكم بل هو خير لكم، العاقبة خير، خير لعائشة رضي الله عنها، برأها الله تعالى من فوق سبع سماوات، وشهادته لها بالجنة، وأنها زوج النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الآخرة، وفيه من الابتلاء والامتحان، ومعرفة المؤمنين الصادقين، ومعرفة المنافقين، وفيه من الحكم أنه ينبغي التثبت في الأخبار، ولا ينبغي للإنسان أن ينشر الأخبار حتى يتأكد من صحتها، ولا ينبغي له أن يشارك في شيء إلا بعد التحقق من أمره، في حكم ومصالح، ﴿لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾[النور:11]، وأيضًا أنزل الله براءتها من فوق سبع سماوات، وصارت فيها آيات تتلى إلى يوم القيامة، هذه منقبة لعائشة رضي الله عنها، وطهرها الله بما حصل لها من الابتلاء والامتحان والحزن والبكاء الطوال، ورفع درجتها، هي الصديقة بنت الصديق، فهو خير لآل أبي بكر، وخير للمسلمين، وفيه من الحكم والأسرار الشيء العظيم.
وفيه أيضًا دليل على كفر من وقع من الرافضة في هذا، وقال ورمى عائشة بما رماها به، وأن من رماها بما برأها الله منه فهو كافر بالله العظيم؛ لأنه مكذب لله، هذا يعتبر من علامات الكفر، من يقذف عائشة بما برأها الله منه فهو كافر بالله؛ لأنه مكذب لله، الرافضة يرمون عائشة بما برأها الله منه، نسأل الله السلامة والعافية، فيه حكم وأسرار، معرفة المؤمنين من المنافقين، ومنزلة آل أبي بكر، ومنزلة عائشة رضي الله عنها، وإنزال القرآن لها، وتطهيرها، وتكفير سيئاتها، إلى غير ذلك من الأحكام والأسرار العظيمة، والذي تولى كبره كما سبق هو عبد الله بن أبي بن سلول، عبد الله بن أبي بن سلول ما أقيم عليه الحد؛ لأنه ما أمسك عليه شيء، يستوشيه ويجمعه، ولكن ما يتكلم بشيء يتكلم عند أحد كلامًا واضحًا حتى يشهد عليه، يستوشيه ويجمعه وينشره ولا أحد يستطيع أن يأخذ كلامًا منه، بخلاف من وقع، حمنة، وحسان تكلموا، فطهرهم الله، أقام عليهم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحد فكان طهارة لهم.
الطالب: [00:34:10]
الشيخ: لا، ما أجر، لو كان أجر ما قال: يا عائشة! إن كنت وقعتِ فاستغفري الله فإن الله يغفر الذنوب لمن تاب، وإن كنت بريئة فسيبرؤك الله، واضح في أنه، قال: إن وإن، إن كنت بريئة فسيبرؤك الله، وإن كنت ألممت فاستغفري وتوبي إلى الله، هذا صريح في أنه ما يعلم، كذلك أبوها لما قالت لأبيها: أجب عني رسول الله، قال: ما أدري، ما أعلم الغيب، قالت لأمها: أجيبي، قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله، كلهم ما يعلمون.
الطالب: أحسن الله إليك، شاور الصحابة في هذا، شاور الصحابة.
الشيخ: نعم، شاور الصحابة كما هو في الحديث، استشارهم، علي رضي الله عنه قال: النساء سواها كثير ما ضيق الله عليكم، أسامة قال: أهلك وما نعلم عليهم إلا خيرًا، نعم، وكذلك شاور بريرة، قالت: ما أعرف عنها ولا أرى شيئًا إلا كما يرى على الذهب الأحمر، الذهب الأحمر الصافي، ولا أعرف عنها إلا أنها حديثة السن، تعجن العجين، وتأتي الداجنة تأكله، هذه غفلة لصغرها، وعدم اهتمامها، وهي عنده غفلة يعني غافلة عن هذا الأمر، نعم.
الطالب: تأُخر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في التثبت من الخبر من عائشة نفسها، ما الحكمة من تأخره شهرًا؟
الشيخ: ما تأخر، دخل عليها لما ذهبت إلى أهلها، ما في تأخر، استأذنت أهلها ثم جاءها بعد ذلك، قالت: ما جلس علي بعد المدة إلا... يعني لعله ينزل شيء من الوحي، احتمال، ولكن الوحي تأخر لمدة شهر، ابتلاء وامتحان، نعم.
الطالب: [00:36:10]
الشيخ: ما ثبت عليه شيء، ما يثبت عليه شيء، يستوشي، يجمع الحديث وينشره، لكن ما يمسك عليه شيء، ما يتكلم بكلام يمسك عليه ويشهد عليه حتى، يستوشيه ويجمعه ولا يثبت عليه شيء.
الطالب: قول أسيد عفا الله عنك، إنك منافق تجادل عن المنافقين.
الشيخ: في هذا حسب الظاهر، في هذا دليل على أن الإنسان يعذر إذا قال مثل هذا، إذا قال مثل هذا بحسب ما ظهر له هذا معذور في هذه الحالة، ومثل قول عمر رضي الله عنه لما تكلم حاطب بن أبي بلتعة، دعني يا رسول الله أضرب عنقه فإنه منافق، فإنه قد خان الله ورسوله، بحسب ما ظهر له، أما إذا كان بدون سبب فهذا يعتبر قذف، لكن إذا وجد السبب يكون معذور، نعم، وجد السبب الذي يظهر له وإن كان لا يعلم.
الطالب: أحسن الله عملك، الحكم فيمن سب آحاد الصحابة؟
الشيخ: يعتبر فسق، أما من سب الجميع، السب هذا يختلف، إن سبه لدينه هذا يكون كفر وردة، أما إن سبه من باب الغيظ فهذا يكون فسق، بخلاف من قذف الشيخين كما قال بعض العلماء، أو الخلفاء الراشدين فإنه يكفر، والسب يختلف، سب للدين هذا ردة، سبه لدينه معناها إنكاره للدين كفر، أما إذا سبه من باب الغيظ والغضب فهذا فسق، نعم.
الطالب: سب عائشة كفر؟
الشيخ: نعم، من قذفها بما برأها الله منه فهو كافر، سواء صغير أو كبير، نسأل الله العافية؛ لأنه مكذب لله ولرسوله، هذا من أنواع الكفر الذي وقعوا فيه، وقعوا في أنواع من الكفر، منها عبادتهم لآل البيت، ومنها رميهم عائشة بما رموها به، وأنواع من الكفر، منها أنهم يعبدون آل البيت، ومنها أنهم ألهوا علي، ومنها أنهم كفروا الصحابة جميعًا، ومنها أنهم قذفوا عائشة، أربعة أنواع أو ستة أنواع من الكفر وقعوا فيها.
(ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوة قَالَ: أخبَرَني أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: لَمَّا ذُكرَ مِنْ شَأْنَي الَّذِي ذُكر وَمَا عَلمتُ بِهِ، قَامَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيَّ خَطِيبًا، فَتَشْهَّدَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، أَشِيرُوا عَلَيّ فِي أُنَاسٍ أبَنُوا أَهْلِي، وَايمُ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي مِنْ سُوءٍ).
أبنوا يعني اتهموهم بما هم برآء منه.
(وأبَنُوهم بمَن وَاللَّهِ مَا علمتُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَطُّ، وَلَا يَدْخُلُ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا وَأَنَا حَاضِرٌ، وَلَا غِبْتُ فِي سَفَرٍ إِلَّا غَابَ مَعِي». فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: ائْذَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ نَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَقَامَ رَجُلٌ مَنَ الْخَزْرَجِ -وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ [بْنِ ثَابِتٍ] مِنْ رَهْطِ ذَلِكَ الرَّجُلِ -فَقَالَ: كَذَبْتَ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ كَانُوا مِنَ الْأَوْسِ مَا أحببتَ أَنْ تُضرب أَعْنَاقَهُمْ. حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ شَرٌّ فِي الْمَسْجِدِ وَمَا عَلمتُ).
يعني هذا من باب الخصومات والنزاع يحصل مثل هذا، وقد يكون رجلًا صالحًا، لكن من باب الأخذ والرد والخصومات يحصل من فلتات اللسان ما لا تحمد.
(فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ، فعَثَرتْ فَقَالَتْ: تَعس مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ: أيْ أُمٍّ، أَتَسُبِّينَ ابْنَكِ؟ وَسَكَتَتْ، ثُمَّ عَثَرت الثَّانِيَةَ فَقَالَتْ: تَعس مِسْطَحٌ. فَقُلْتُ لَهَا: أيْ أُمٍّ، تَسُبِّينَ ابْنَكِ؟ ثُمَّ عَثَرت الثَّالِثَةَ فَقَالَتْ: تَعس مسْطح. فَانْتَهَرْتُهَا فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَسُبُّهُ إِلَّا فِيكِ، فَقُلْتُ: فِي أَيِّ شَأْنِي؟ قَالَتْ: فَبَقَرت لِي الْحَدِيثَ).
بقرت يعني أخبرتني بالحديث، كانت لم تسمع بهذا، الناس يخوضون ويتكلمون لمدة، وعائشة ما تعلم رضي الله عنها، بقرتها بالحديث يعني أخبرتها بالحديث.
(فَقُلْتُ: وَقَدْ كَانَ هَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَاللَّهِ. فرجعتُ إِلَى بَيْتِي كَأَنَّ الَّذِي خَرَجْتُ لَهُ لَا أَجِدُ مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا).
يعني خرجت تقضي حاجتها، تشعر بالحاجة، لما سمعت الحديث خلاص ما وجدت، رجعت، ما قضت حاجتها، هي ذهبت لقضاء الحاجة، الغائط مثلًا، فلما تحدثا بالحديث ذهب، ما أحست بشيء ورجعت، ما قضت حاجتها من شدة الأمر والألم الذي حصل لها والحزن.
(فرجعتُ إِلَى بَيْتِي كَأَنَّ الَّذِي خَرَجْتُ لَهُ لَا أَجِدُ مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، ووُعكت، وَقَلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْسِلْنِي إِلَى بَيْتِ أَبِي. فَأَرْسَلَ مَعِي الْغُلَامَ، فدخلتُ الدَّارَ، فَوَجَدْتُ أُمَّ رُومَانَ فِي السُّفْلِ، وَأَبَا بَكْرٍ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ، فَقَالَتْ [لِي] أُمِّي: مَا جَاءَ بِكِ يَا بُنَيَّةُ؟ فَأَخْبَرْتُهَا، وذكرتُ لَهَا الْحَدِيثَ، وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مِثْلَ مَا بَلَغَ مِنِّي).
يعني ما اشتد عليها مثل ما اشتد علي.
[فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ، خَفِّضي عَلَيْكِ الشَّأْنَ؛ فَإِنَّهُ -والله -لَقَلَّما كانت امرأة حَسْنَاءُ، عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، لَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا حَسَدنها، وَقِيلَ فِيهَا وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مَا بَلَغَ مِنِّي، فَقُلْتُ: وَقَدْ عَلِم بِهِ أَبِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قُلْتُ: ورسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]).
يعني تسأل وتقول: أبي علم عن الخبر؟ قالت: نعم، والرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علم عن الخبر؟ قالت: نعم.
(فاستَعْبَرْتُ وَبَكَيْتُ، فسمعَ أَبُو بَكْرٍ صَوْتِي، وَهُوَ فَوْقُ الْبَيْتِ يَقْرَأُ).
صوت البكاء.
(فَنَزَلَ فَقَالَ لِأُمِّي: مَا شَأْنُهَا؟ قَالَتْ: بَلَغَهَا الَّذِي ذُكر مِنْ شَأْنِهَا. فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ -أيْ بُنَيّة- إِلَّا رَجَعْتِ إِلَى بَيْتِكِ فَرَجعتُ، وَلَقَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتِي، فَسَأَلَ عَنِّي خَادِمِي فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا عَيْبًا، إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَرْقُدُ حَتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ فَتَأْكُلَ خَميرها -أَوْ: عَجِينَهَا -وَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: اصدُقي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَا بِهِ).
قالوا: أعلمي رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحقيقة، انتهروا الجارية بريرة.
(فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ. وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَّا مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تبْر الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ).
الذهب الأحمر الصافي، الصائغ ما يعلم عليه إلا أنه صافي، ما علم إلا هذا، صافية كما أن الذهب الأحمر صافي، فالصائغ ما يرى إلا أنه صافي، فكذلك ما يرى إلا أنه صافي، فكذلك ما يرى إلا أنها صافية، وأنها بريئة، هذا كلام بريرة.
(وَبَلَغَ الْأَمْرُ ذَلِكَ الرجلَ الَّذِي قِيلَ لَهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ. وَاللَّهِ مَا كَشَفت كَنَف أُنْثَى قَطُّ-).
صفوان بن المعطل الذي قاد البعير، لما بلغه قال: سبحان الله! والله ما كشفت كنف أنثى، كأنه ما تزوج ولا كذا أو ليس له إرب بالنساء، قُتل بعد ذلك شهيدًا في سبيل الله، ما كشفت كنف أنثى، حلف رضي الله عنه.
(قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُتِلَ شَهِيدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ-).
رضي الله عنه، هو صفوان بن المعطل السلمي، الذي جاء وأركبها وقاد البعير، يمشي وهي راكبة حتى وصلت المدينة.
(قَالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، فَلَمْ يَزَالَا حَتَّى دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ صَلّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ وَقَدِ اكتنفَني أَبَوَايَ، عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ، إِنْ كُنْتِ قَارَفْتِ سُوءًا أَوْ ظَلَمت فَتُوبِي إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ». قَالَتْ: وَقَدْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَهِيَ جَالِسَةٌ بِالْبَابِ، فَقُلْتُ: أَلَا تَسْتَحِي مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئًا؟ فَوَعَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْتَفَتُّ إِلَى أَبِي، فَقُلْتُ لَهُ: أجبْه. قَالَ: فَمَاذَا أَقُولُ؟).
هذا واضح في أن رسول الله لا يدري ولا يعلم الغيب، وعظ عائشة وقال: أنت بين أحد أمرين: إن كنت ألممت توبي، وإن كنت بريئة فسيبرؤك الله.
(فالتفتُ إِلَى أُمِّي فَقُلْتُ: أَجِيبِيهِ. قَالَتْ: أَقُولُ مَاذَا؟ فَلَمَّا لَمْ يُجِيبَاهُ، تَشَّهدتُ فحمدتُ اللَّهَ وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قُلْتُ: أَمَّا بَعْدُ، فَوَالله لَئن قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ -وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَشْهَدُ إِنِّي لَصَادِقَةٌ- مَا ذَاكَ بِنَافِعِي عِنْدَكُمْ، لَقَدْ تَكَلَّمْتُمْ بِهِ، وأشْربته قُلُوبُكُمْ، وَإِنْ قُلْتُ: إِنِّي قَدْ فَعَلْتُ -وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَفْعَلْ- لتقولُنَ: قَدْ بَاءَتْ بِهِ عَلَى نَفْسِهَا، وَإِنِّي -وَاللَّهِ- مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا -والتمستُ اسْمَ يَعْقُوبَ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ-).
نسيت، نسيت من شدة الأمر، نسيت اسم يعقوب، قالت: أبو يوسف.
(إِلَّا أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يُوسُفَ: ١٨]، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَاعَتِهِ، فَسَكَتْنَا، فَرُفع عَنْهُ وَإِنِّي لَأَتَبَيَّنُ السُّرُورَ فِي وَجْهِهِ، وَهُوَ يَمْسَحُ جَبِينَهُ وَيَقُولُ: «أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَكِ» قَالَتْ: وَكُنْتُ أَشَدَّ مَا كنتُ غَضَبًا، فَقَالَ لِي أَبَوَايَ: قُومِي [إِلَيْهِ] فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُهُ وَلَا أَحْمَدُكُمَا، وَلَكِنْ أَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي، لَقَدْ سَمِعْتُمُوهُ فَمَا أَنْكَرْتُمُوهُ وَلَا غَيَّرتموه، وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: أَمَّا زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقَدْ عَصَمَهَا اللَّهُ بِدِينِهَا، فَلَمْ تَقُلْ إِلَّا خَيْرًا. وَأَمَّا أُخْتُهَا حَمنة بِنْتُ جَحْشٍ، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ. وَكَانَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ مِسْطَحٌ وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ. وَأَمَّا الْمُنَافِقُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ فَهُوَ الَّذِي [كَانَ] يَسْتَوْشِيهِ وَيَجْمَعُهُ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَه مِنْهُمْ هُوَ وَحَمْنَةُ. قَالَتْ: وَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَلَّا يَنْفَعَ مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ أَبَدًا).
ولم يقام عليه حدًا؛ لأنه ما أمسك عليه شيء، خبيث، يجمع الكلام ويستوشيه وينشره ولا يمسك عليه شيء، أما حمنة ومسطح وحسان أقيم عليهم الحد، أقيم عليهم الحد فكان طهارة لهم.
(قَالَتْ: وَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَلَّا يَنْفَعَ مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ أَبَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ).
وكان ابن خالة أبي بكر، فقير، وقريب، ومن أهل بدر، ينفق عليه، لما حلف أبو بكر ألا ينفق عليه أنزل الله هذه، قال: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ}، أولوا الفضل أبو بكر، {وَالسَّعَةِ}، أولوا الفضل والسعة، وسع الله عليه من المال، وهو من أهل الفضل، {أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ والمُهَاجرين في سبيل الله}، هذا وصف مسطح، قريب، ومسكين، ومهاجر في سبيل الله، ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا﴾[النور:22]، هذا أمر الله، ﴿أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾[النور:22]، قال أبو بكر: بلى والله أحب أن يغفر الله لي، ثم رجع النفقة إليه، قال: والله لا أنزعها منه أبدًا، رضي الله عنه وأرضاه، وقاف عند كتاب الله، لا يأتل يعني لا يحلف، أولوا الفضل والسعة أبو بكر، فضله عظيم، أفضل الناس، والسعة سعة المال، أن يؤتوا أولوا القربى والمساكين والمهاجري، هذا مسطح قريب ومسكين ومهاجر، لكنه وقع، زلت به القدم، فطهره الله بالحد الذي أقيم عليه.
(فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ يَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ، {وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ} يَعْنِي: مِسْطَحًا، إِلَى قَوْلِهِ: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النُّورِ: ٢٢]. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللَّهِ يَا رَبّنا، إِنَّا لنُحِبّ أَنْ تَغْفِرَ لَنَا وَعَادَ لَهُ بِمَا كَانَ يَصْنَعُ.
هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُعَلَّقا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ [أَحَدِ الْأَئِمَّةِ الثِّقَاتِ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَكيع، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ] بِهِ مُطَوَّلًا مِثْلَهُ أَوْ نَحْوَهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَشَجِّ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، بِبَعْضِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَثنا هُشَيْم، أَخْبَرَنَا عُمَرَ (٣) بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَ عُذْري مِنَ السَّمَاءِ، جَاءَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَنِي بِذَلِكَ، فَقُلْتُ: نَحمدُ اللَّهَ لَا نَحمدك.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عَدِيّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَ عُذْري قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ، وَتَلَا الْقُرْآنَ، فَلَمَّا نَزَلَ أَمَر بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ فَضُربوا حَدَّهُمْ).
الرجلان مسطح وحسان، والمرأة حمنة.
(وَأَخْرَجَهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ تَسْمِيَتُهُمْ: حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، ومِسْطح بْنُ أُثَاثَةَ، وحَمْنة بِنْتُ جَحْشٍ.
فَهَذِهِ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فِي الْمَسَانِيدِ وَالصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَغَيْرِهَا.
وَقَدْ رُوي مِنْ حَدِيثِ أُمِّهَا أُمِّ رُومَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا حُصَين، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ أُمِّ رُومَانَ قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ عَائِشَةَ، إِذْ دَخَلَتْ عَلَيْهَا امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَتْ: فَعَلَ اللَّهُ -بِابْنِهَا -وَفَعَلَ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَلِمَ؟ قَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ فِيمَنْ حَدَّث الْحَدِيثَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَأَيُّ حَدِيثٍ؟ قَالَتْ: كَذَا وَكَذَا. قَالَتْ: وَقَدْ بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَبَلَغَ أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَخَرَّتْ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، مَغْشِيًّا عَلَيْهَا، فَمَا أَفَاقَتْ إِلَّا وَعَلَيْهَا حُمَّى بِنَافِضٍ).
نعم، يعني لما بلغها الخبر خرت مغشيًا عليها، ما أفاقت حتى جاءت الحمى تنفضها من شدة ما ألم بها، الظلم الذي وقع عليها.
(قَالَتْ: فَقُمْتُ فَدَثَّرْتُهَا، قَالَتْ: وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا شَأْنُ هَذِهِ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخَذَتْهَا حُمَّى بِنَافِضٍ. قَالَ: «فَلَعَلَّهُ فِي حَدِيثٍ تُحُدِّث بِهِ». قَالَتْ: فَاسْتَوَتْ لَهُ عَائِشَةُ قَاعِدَةً فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَئِنْ حَلَفْتُ لَكُمْ لَا تُصَدِّقُونِي، وَلَئِنِ اعْتَذَرْتُ إِلَيْكُمْ لَا تُعذرُوني، فَمَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ يَعْقُوبَ وَبَنِيهِ {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يُوسُفَ: ١٨] قَالَتْ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
صغيرة، تزوجها النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي بنت تسع، ومات عنها وهي بنت ثمانية عشر سنة، صغيرة، ومع ذلك حصل لها من العلم والفقه، فهي أفقه امرأة رضي الله عنها.
(قَالَتْ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَهَا، فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، [فَدَخَلَ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَنْزَلَ عُذْرَكِ». فَقَالَتْ: بِحَمْدِ اللَّهِ لَا بِحَمْدِكَ. فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: تَقُولِينَ هَذَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَكَانَ فِيمَنْ حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيثَ رَجُلٌ كَانَ يَعُولُهُ أَبُو بَكْرٍ] فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَلَّا يَصِلَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ [النُّورِ: ٢٢] ، قال أبو بكر: بلى، فوصله).
يعني من شدة ما حصل قالت: بحمد الله لا بحمدك، تخاطب الرسول، تقول: لا أحمد إلا الله، هو الذي أنزل براءتي، قال: أنتم في الأول ساكتين، يعني من شدة ما تجد رضي الله عنها.
(فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ [النُّورِ: ٢٢] ، قال أبو بكر: بلى، فوصله تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ دُونَ مُسْلِمٍ، مِنْ طَرِيقِ حُصَين وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي عَوَانة -وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ -، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، كِلَاهُمَا عَنْ حُصَيْنٍ بِهِ، وَفِي لَفْظِ أَبِي عَوَانَةَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ رُومَانَ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي سَمَاعِ مَسْرُوقٍ مِنْهَا، وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ، مِنْهُمُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ، وَذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ التَّارِيخِ أَنَّهَا مَاتَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الْخَطِيبُ: وَقَدْ كَانَ مَسْرُوقٌ يُرْسِلُهُ فَيَقُولُ: "سُئِلَتْ أُمُّ رُومَانَ"، وَيَسُوقُهُ، فَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ كَتَبَ "سُئلت" بِأَلِفٍ، فَاعْتَقَدَ الرَّاوِي أَنَّهَا "سَألت"، فَظَنَّهُ مُتَّصِلًا. قَالَ الْخَطِيبُ: "وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ كَذَلِكَ، وَلَمْ تَظْهَرْ لَهُ عِلَّتُهُ". كَذَا قَالَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَقَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ} أَيْ: بِالْكَذِبِ وَالْبَهْتِ وَالِافْتِرَاءِ، {عُصْبَةٌ} أَيْ: جَمَاعَةٌ مِنْكُمْ، {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ} أَيْ: يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ {بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} أَيْ: فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لِسَانُ صِدْقٍ فِي الدُّنْيَا وَرِفْعَةُ مَنَازِلَ فِي الْآخِرَةِ).
نعم لسان صدق في الدنيا، حيث أنزل الله براءتها قرآن يتلى إلى يوم القيامة، براءة، كل الناس يحمدونها ويمدحون آل أبي بكر، ورفعت منازل في الآخرة لما أصابها من الشدة والابتلاء.
(وَإِظْهَارُ شَرَفٍ لَهُمْ بِاعْتِنَاءِ اللَّهِ بِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، حَيْثُ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَرَاءَتَهَا فِي الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الذِي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فُصِّلَتْ: ٤٢] وَلِهَذَا لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهِيَ فِي سِيَاقِ الْمَوْتِ، قَالَ لَهَا: أَبْشِرِي فَإِنَّكِ زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يُحِبُّكِ، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَكِ، وَأُنْزِلَ بَرَاءَتُكِ مِنَ السَّمَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ عُرْفَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْش قَالَ: تفاخَرَت عائشةُ وزينبُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَالَتْ زينب: أنا التي نزل تزوُّجي [مِنَ السَّمَاءِ]).
﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا﴾[الأحزاب:37]، زوجها الله من فوق سبع سماوات، بدون ولي، وبدون شهود، الله الذي زوجها من فوق سبع سماوات، زينب تفخر، قالت عائشة أيضًا: وأنا أنزل الله عذري من فوق سبع سماوات.
(قَالَ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَنَا الَّتِي نَزَلَ عُذري فِي كِتَابِهِ، حِينَ حَمَلَنِي ابْنُ الْمُعَطَّلِ عَلَى الرَّاحِلَةِ. فَقَالَتْ لَهَا زَيْنَبُ: يَا عَائِشَةُ، مَا قُلْتِ حِينَ رَكَبْتِيهَا؟ قَالَتْ: قُلْتُ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. قَالَتْ: قُلْتِ كَلِمَةَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَقَوْلُهُ: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ} أَيْ: لِكُلِّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ ورَمَى أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، بِشَيْءٍ مِنَ الْفَاحِشَةِ، نَصِيبٌ عَظِيمٌ مِنَ الْعَذَابِ.
{وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} قِيلَ: ابْتَدَأَ بِهِ. وَقِيلَ: الَّذِي كَانَ يَجْمَعُهُ وَيَسْتَوْشِيهِ وَيُذِيعُهُ وَيُشِيعُهُ، {لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أَيْ: عَلَى ذَلِكَ.
ثُمَّ الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُول).
هذا قول الجمهور وهو الصواب، وقيل: حسان، لكن الصواب أنه عبد الله بن أبي، هذا هو الصواب الذي لا ينبغي العدول عنه، وهو قول الجماهير.
(إِنَّمَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُول -قَبَّحَهُ اللَّهُ وَلَعْنَهُ- وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ النَّصُّ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ ذَلِكَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
وَقِيلَ: بَلِ الْمُرَادُ بِهِ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ).
قول مرجوح، ضعيف هذا.
(وَلَوْلَا أَنَّهُ وَقَعَ في صحيح البخاري ما قَدْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لَمَا كَانَ لِإِيرَادِهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ، فَإِنَّهُ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ كَانَ لَهُمْ فَضَائِلُ وَمَنَاقِبُ وَمَآثِرُ، وَأَحْسَنُ مَحَاسِنِهِ أَنَّهُ كَانَ يَذُب عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بِشِعْرِهِ]، وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ».
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كنتُ عندَ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَدَخَلَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، فَأَمَرَتْ فَأُلْقِيَ لَهُ وِسَادَةٌ، فَلَمَّا خَرَجَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا تَصْنَعِينَ بِهَذَا؟ يَعْنِي: يَدْخُلُ عَلَيْكِ -وَفِي رِوَايَةٍ قِيلَ لَهَا: أَتَأْذَنِينَ لِهَذَا يَدْخُلُ عَلَيْكِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}؟ قَالَتْ: وأيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى -وَكَانَ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ- لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ هُوَ الْعَذَابَ الْعَظِيمَ. ثُمَّ قَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ يُنافحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ أَنْشَدَهَا عِنْدَمَا دَخَلَ عَلَيْهَا [شِعْرًا] يَمْتَدِحُهَا بِهِ، فَقَالَ:
حَصَان رَزَانٌ مَا تُزَنّ بِرِيبَةٍ ... وتُصْبح غَرْثَى مِنْ لُحوم الغَوَافل...).
هذا مدح لعائشة، حصان يعني حصينة، رزان يعني كاملة العقل، ما تزن بريبة يعني ما تتهم بريبة.
حصان رزان ما تزن بريبة *** وتصبح غرثى يعني خالية، من لحوم الغوافل يعني ما تغتاب أحدًا.
يعني هذا من الثناء عليها.
حَصَان رَزَانٌ مَا تُزَنّ بِرِيبَةٍ ... وتُصْبح غَرْثَى مِنْ لُحوم الغَوَافل
(فَقَالَتْ: أَمَّا أَنْتَ فَلَسْتَ كَذَلِكَ).
من باب وجدت في نفسها، قالت: أنت لست كذلك، يعني كأنها تعتب عليه دخوله في ذلك الأمر.
(وَفِي رِوَايَةٍ: لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ قَزْعَة، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا سَمِعْتُ بِشَيْءٍ أَحْسَنَ مِنْ شِعْرِ حِسَّانَ، وَلَا تَمَثَّلْتُ بِهِ إِلَّا رَجَوْتُ لَهُ الْجَنَّةَ، قَوْلُهُ لِأَبِي سُفْيَانَ -يَعْنِي ابْنَ [الْحَارِثِ] بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -:
هَجَوتَ مُحَمَّدا فَأجبتُ عَنْهُ ... وَعندَ اللَّهِ فِي ذَاكَ الجزاءُ ...
فَإنَ أَبِي وَوَالده وعِرْضي ... لعرْضِ مُحَمَّد مِنْكُمْ وقاءُ ...).
فإن أبي وولده وعرضي وقاء، رضي الله عنه، البيت هذا فإن أبي وولده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء.
(أَتَشْتُمُه، ولستَ لَه بكُفءٍ؟ ... فَشَرُّكُمَا لخَيْركُمَا الفدَاءُ ...
لِسَانِي صَارمٌ لَا عَيْبَ فِيه ... وَبَحْرِي لَا تُكَدِّرُه الدِّلاءُ ...
فَقِيلَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَيْسَ هَذَا لَغْوًا؟ قَالَتْ: لَا إِنَّمَا اللَّغْوُ مَا قِيلَ عِنْدَ النِّسَاءِ. قِيلَ: أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، قَالَتْ: أَلَيْسَ قَدْ أَصَابَهُ [عَذَابٌ] عَظِيمٌ؟ [أَلَيْسَ] قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ وكُنِّع بِالسَّيْفِ؟ تَعْنِي: الضَّرْبَةَ الَّتِي ضَرَبَهُ إِيَّاهَا صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ [السُّلَمِيُّ]، حِينَ بَلَغَهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ فِي ذَلِكَ، فَعَلَاهُ بِالسَّيْفِ، وَكَادَ أَنْ يَقْتُلَهُ).
يعني الصواب أن الحد هذا له طهارة، طهارة له، وأن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي، وعده الله بالعذاب الأليم في الآخرة، رحمه الله أطال في هذا، ذكر روايات متعددة.