شعار الموقع

شرح كتاب الصيام من صحيح ابن خزيمة_23

00:00
00:00
تحميل
49

القارئ:

قال المؤلف -رحمه الله تعالى- ابن خزيمة في كتابه (المسند الصحيح):

"جماع أبواب الأفعال اللواتي تفطِّر الصائم".

بَاب ذِكْر الْبَيَانِ أَنَّ الْحِجَامَةَ تُفْطِّرُ الْحَاجِمَ وَالْمَحْجُومَ جَمِيعًا.

حَدَّثَنَا عَلِي بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، قال: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قال: حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو -يَعْنِي الْأَوْزَاعِيَّ-، قال: حَدَّثَنِي يَحْيَى، قال: حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ الْجَرْمِيُّ أَنَّ أَبَا أَسْمَاءَ الرَّحَبِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وَحَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، قال: حدثَنَا مُبَشِّرٌ -يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ-، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، قال: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قال: حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ الْجَرْمِيُّ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، قال: حَدَّثَنِي ثَوْبَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِثَمَان عَشَرَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى رَجُل يَحْتَجِمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ». هَذَا حَدِيثُ الْوَلِيدِ.

حدثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْد الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ الْعَبَّاسُ: حدثنَا، وَقَالَ الْحُسَيْنُ: أَخْبَرَنا عَبْد الرَّزَّاق، قال: أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْد اللَّه بْنِ قَارِظٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ». سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْد الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِي بْنَ عَبْد اللَّه يَقُولُ: لَا أَعْلَمُ فِي: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» حَدِيثًا أَصَحَّ مِنْ ذا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَرَوَى هَذَا الْخَبَر أَيْضًا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلامٍ عَنْ يَحْيَى.

حَدَّثَنَاه أَحْمَد بْنُ الْحُسَيْنِ الشَّيْبَانِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ أَبُو عُثْمَانَ الرَّهَاوِيُّ، قال: حدثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلامٍ. قَدْ خَرَّجْتُ هَذَا الْبَاب بِتَمَامِهِ فِي (كِتَابِ الْكَبِيرِ).

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَقَدْ ثَبُتَ الْخَبَر عَنِ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ». فَقَالَ بَعْضُ مَنْ خَالَفَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إِنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ. وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ.

وَهَذَا الْخَبَر غَيْر دَالٍّ عَلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ؛ لِأَنَّ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فِي سَفَرٍ، لَا فِي حَضَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مُحْرِمًا مُقِيمًا بِبَلَدِهِ، إِنَّمَا كَانَ مُحْرِمًا وَهُوَ مُسَافِرٌ، وَالْمُسَافِرُ وَإِنْ كَانَ نَاوِيًا لِلصَّوْمِ فقَدْ مَضَى عَلَيْهِ بَعْضُ النَّهَارِ وَهُوَ صَائِمٌ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَإنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ يُفَطِّرَانِهِ، لَا كَمَا تَوَهَّمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا دَخَلَ الصَّوْمُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ إِلَى أَنْ يُتِمَّ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ.

فَإِذَا كَانَ لَهَ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَقَدْ نَوَى الصَّوْمَ، وَقَدْ مَضَى بَعْضُ النَّهَارِ وَهُوَ صَائِمٌ يُفْطِرُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ؛ جَازَ لَهُ أَنْ يَحْتَجِمَ وَهُوَ مُسَافِرٌ فِي بَعْضِ نَهَارِ الصَّوْمِ، وَإِنْ كَانَتِ الْحِجَامَةُ مُفَطِّرَةً. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ لِلصَّائِمِ أَنْ يُفْطِرَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي السَّفَرِ فِي نَهَارٍ قَدْ مَضَى بَعْضُهُ وَهُوَ صَائِمٌ.

ثم قال: أخبرنا أَحْمَد بْنَ عَبْدةَ، قَالَ: حدثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ".

الشيخ:

الحديث السابق تكلم عليه؟ هو حديث صحيح معروف، ماذا قال عليه؟ «أفطر الحاجم والمحجوم»، حديث ثوبان.

القارئ:

قال -أحسن الله إليك-: ثلاثة وستين، قال: "أخرجه الطحاوي في (شرح معنى الآثار)، وابن حبان من طريق الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي به. وأخرجه أحمد، والطحاوي في (شرح المعاني) كذلك، والحاكم والبيهقي من طرق عن الأوزاعي به.

وأخرجه الطيالسي، وعبد الرزاق، وأحمد، والدارمي، وأبو داود، وابن ماجه، وابن الجارود، والطبراني في (الكبير)، والحاكم، والبيهقي من طرق عن يحيى بن أبي كثير به. وأخرجه عبد الرزاق، وأحمد، وأبو داود، والنسائي في (الكبرى)، والطحاوي في (شرح المعاني)، والطبراني في (الكبير)، والبيهقي من طرق عن ثوبان به".

والحديث الثاني -أحسن الله إليك- قال: "هو صحيح، وأخرجه الحاكم من طريق المُصَنِّف، وأخرجه أحمد، والترمذي، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي من طريق معمر بهذا الإسناد. وأخرجه البيهقي من طرق عن رافع بن خديج به".

الشيخ:

حديث ثوبان، وحديث رافع حديث صحيح، «أفطر الحاجم والمحجوم». أكمل.

القارئ:

أحسن الله إليك.

"وأن أَحْمَد بْنَ عَبْدةَ حدثنا، قَالَ: حدثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، قال: حدثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَى عَلَى نَهَرٍ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ وَالْمُشَاةُ كَثِيرٌ، وَالنَّاسُ صِيَامٌ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَإِذَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اشْرَبُوا. فَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ. قَالَ: إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي رَاكِبٌ، وَأَنْتُمْ مُشَاةٌ، وَإِنِّي أَيْسَرُكُمُ، اشْرَبُوا. فَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ مَا يَصْنَعُ، فَلَمَّا أَبَوْا حَوَّلَ وَرِكَهُ، فَنَزَلَ وَشَرِبَ، وَشَرِبَ النَّاسُ».

الشيخ:

تخريجه.

القارئ:

قال: "هذا حديث صحيح، وسماع يزيد بن زريع من الجريري قبل الاختلاط، وأخرجه أحمد وأبو يعلى وابن حبان".

ثم قال ابن خزيمة: "وَخَبَر ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ خَرَّجْتُهُمَا فِي كِتَابِ الصِّيَامِ فِي (كِتَابِ الْكَبِيرِ). أَفَيَجُوز لِجَاهِلٍ أَنْ يَقُولَ: الشُّرْبُ جَائِزٌ لِلصَّائِمِ، وَلَا يُفَطِّرُ الشُّرْبُ الصَّائِمَ؛ إِذِ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَمَرَ أَصْحَابهُ وَهُوَ صَائِمٌ بِالشُّرْبِ، فَلَمَّا امْتَنَعُوا شَرِبَ وَهُوَ صَائِمٌ، وَشَرِبُوا؟!

فَمَنْ يَعْقِلُ الْعِلْمَ، وَيَفْهَمُ الْفِقْهَ يَعْلَمُ أَنَّ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَارَ مضطرًّا وَأَصْحَابهُ لشُرْبِ الْمَاءِ".

الشيخ:

يعني قصد المؤلف: الرد على من قال: إن من صام أول النهار، ثم سافر ليس له أن يفطر حتى يتم هذا اليوم، وإذا جاء اليوم الثاني وهو في السفر جاز له أن يفطر، أما اليوم الأول الذي صامه لا بد له أن يتمه. هنا يقول: لا، يجوز للإنسان أن يفطر، فإذا أفطر بالأكل والشرب، فإنه يفطر بالحجامة أيضًا، هذا مقصوده.

ومن ذلك القصة؛ قصة النبي جاء على نهر والناس صيام، وقد شق عليهم، فقال: أفطروا. فنظروا إليه، فلما لم يفطروا نزل فشرب، وشربوا، فأفطر وإن كان صام أوله، فيرد على من قال: اليوم الذي صامه أوله لا بد أن يتمه. يجوز أن يفطر اليوم الذي صام أوله سواءً صام أوله في الحضر، أو صامه في السفر، واحد.

قصده من هذا: حتى يُبين أن الحجامة مثل الأكل والشرب، فإذا أفطر بالأكل والشرب أفطر بالحجامة.

القارئ:

أحسن الله إليك.

"فَمَنْ يَعْقِلُ الْعِلْمَ، وَيَفْهَمُ الْفِقْهَ يَعْلَمُ أَنَّ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَارَ مضطرًّا وَأَصْحَابهُ لشُرْبِ الْمَاءِ، وَقَدْ كَانُوا نَوَوَا الصَّوْمَ، وَمَضَى بِهِمْ بَعْضُ النَّهَارِ، وَكَانَ لَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا إِذْ كَانُوا فِي السَّفَرِ لَا فِي الْحَضَرِ، وَكَذَلِكَ كَانَ لِلنَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَحْتَجِمَ وَهُوَ صَائِمٌ فِي السَّفَرِ، وَإِنْ كَانَتِ الْحِجَامَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ؛ لِأَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ الشُّرْبُ وَإِنْ كَانَ الشُّرْبُ مُفْطِّرًا جَازَ لَهُ الْحِجَامَةُ وَإِنْ كَانَ بِالْحِجَامَةِ مُفْطِرًا.

فَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْفِطْرَ مِمَّا يَدْخُلُ، وَلَيْسَ مِمَّا يَخْرُجُ؛ فَهَذَا جَهْلٌ وَإِغْفَالٌ مِنْ قَائِلِهِ".

الشيخ:

(00:16:48) بعضهم يقول من جهله الفطر للذي يدخل الجسم، لا الذي يخرج منه، الحجامة إخراج، والصوم إنما يكون مما يولج، لا مما يخرج، فإذا أدخلت في جسدك شيئًا تفطر، أما إذا أخرجت لا يضرك. يقول: هذا كلام أهل الجهل، ما هو بصحيح، المقصود: الحائض والنفساء تُفطر، والدم إخراج.

القارئ:

لكن تعميمه -أحسن الله إليك- للعراقيين؛ يعني الأحناف؟

الشيخ:

نعم.

القارئ:

معروف إذا قال: الكوفيون.

الشيخ:

هم الكوفيون. أعد العبارة.

القارئ:

أحسن الله إليكم.

"فَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْفِطْرَ مِمَّا يَدْخُلُ، وَلَيْسَ مِمَّا يَخْرُجُ؛ فَهَذَا جَهْلٌ وَإِغْفَالٌ مِنْ قَائِلِهِ".

الشيخ:

يعني مما يدخل الإنسان في جسده، لا مما يخرج منه.

القارئ:

"وَتَمْوِيهٌ عَلَى مَنْ لَا يُحْسِنُ الْعِلْمَ، وَلَا يَفْهَمُ الْفِقْهَ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ قَائِلِهِ خِلَافُ دَلِيلِ كِتَابِ اللَّه تعالى، وَخِلَافُ سُنَّةِ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَخِلَافُ قَوْلِ أَهْلِ الصَّلَاةِ مِنْ أَهْلِ اللَّه جَمِيعًا إِذَا جُعِلَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا.

قَدْ دَلَّ اللَّه فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ هِيَ الْجِمَاعُ فِي نَهَارِ الصِّيَامِ، وَالنَبِيّ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَوْجَبَ عَلَى الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ عِتْقَ رَقَبَةٍ إِنْ وَجَدَهَا، وَصِيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِنْ لَمْ يَجِدِ الرَّقَبَةَ، أَوْ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا إِنْ لَمْ يَسْتَطِيعِ الصَّوْمَ، وَالْمُجَامِعُ لَا يَدْخُلُ جَوْفَهُ شَيْءٌ فِي الْجِمَاعِ، إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْهُ مَنِيٌّ إِنْ أَمْنَى، وَقَدْ يُجَامِعُ مِنْ غَيْر إِمْنَاءٍ فِي الْفَرْجِ، فَلَا يَخْرُجُ مِنْ جَوْفِهِ أَيْضًا مَنِيٌّ".

الشيخ:

ومع ذلك يفطر.

القارئ:

"وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ مِنْ غَيْر إِمْنَاءٍ يُفَطِّرُ الصَّائِمَ، وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَلَا يَدْخُلُ جَوْفَ الْمُجَامِعِ شَيْءٌ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ جَوْفِهِ شَيْءٌ".

الشيخ:

يعني يرد على من قال: إن الفطر يكون مما يدخل في الجسد، لا مما يخرج منه.

القارئ:

"إِذَا كَانَ الْمُجَامِعُ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَالنَبِيّ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَعْلَمَ أَنَّ الْمُسْتَقِيءَ عَامِدًا يُفَطِّرُهُ الِاسْتِقَاءُ على العمد".

الشيخ:

يعني المتقيّء، الذي يتقيَّأ، إذا تقيّأ عامدًا، «من استقاء عامدًا فيقض، ومن ذرعه القيء فلا شيء عليه»، «الْمُسْتَقِيءَ»؛ يعني يستدعي القيء بأن يعصر بطنه فيتقيأ، أو يشم شيئًا يتقيأ به، هذا يكون يفطر.

القارئ:

أحسن الله إليك.

"وَاتَّفَقَ أَهْلُ الصَّلَاةِ وَأَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِقَاءَ عَلَى الْعَمْدِ يُفَطِّرُ الصَّائِمَ، وَلَوْ كَانَ الصَّائِمُ لَا يُفَطِّرُهُ إِلَّا مَا يَدْخُلُ جَوْفَهُ كَانَ الْجِمَاعُ وَالِاسْتِقَاءُ لَا يُفَطِّرَانِ الصَّائِمَ.

وَجَاءَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَهْلِ بِأُعْجُوبَةٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَزَعَمَ أَنَّ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا قَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ: فَالْغِيبَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ؟ زَعَمَ أَنَّهَا لَا تُفْطِرُ الصَّائِمَ. فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنْ كَانَ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَكَ إِنَّمَا قَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ، وَالْغِيبَةُ عِنْدَكَ لَا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ.

 فَهَلْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّه يَزْعُمُ أَنَّ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْلَمَ أُمَّتَهُ أَنَّ الْمُغْتَابَيْنِ مُفْطِرَانِ، وَهو يَقُولُ هُوَ: بَلْ هُمَا صَائِمَانِ غَيْر مُفْطِرَيْنِ؟! فَخَالَفَ النَبِيَّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي أَوْجَبَ اللَّه عَلَى الْعِبَادِ طَاعَتَهُ وَاتِّبَاعَهُ، وَوَعَدَ الْهُدَى عَلَى اتِّبَاعِهِ، وَأَوْعَدَ عَلَى مُخَالِفِيهِ، وَنَفَى الْإِيمَانَ عَمَّنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ حَرَجًا مِنْ حُكْمِهِ.

 فَقَالَ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء:65]، وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّه -جَلَّ وَعَلَا- لِأَحَدٍ خِيَرَةً فِيمَا قَضَى اللَّه وَرَسُولُهُ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب:36].

 وَالْمُحْتَجُّ بِهَذَا الْخَبَر إِنَّمَا صَرَّحَ بِمُخَالَفَةِ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ نَفْسِهِ بِلَا شُبْهَةٍ وَلَا تَأْوِيلٍ يَحْتَمِلُ الْخَبَر الَّذِي ذَكَرَهُ إِذْا زَعَمَ أَنَّ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا قَالَ لِلْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ: مُفْطِرَانِ لِعِلَّةِ غِيبَتِهِمَا، ثُمَّ هُوَ زَعَمَ أَنَّ الْغِيبَةَ لَا تُفَطِّرُ؛ فَقَدْ جَرَّدَ مُخَالَفَته النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلَا شُبْهَةٍ وَلَا تَأْوِيلٍ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه: «رَخَّصَ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ، وَالْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ».

ثم بدأ بالأحاديث، وأطال فيها.

الشيخ:

بعدها حديث ماذا؟

القارئ:

كلها أحاديث الحجامة.

الشيخ:

المؤلف -رحمه الله- انشرح صدره في هذه المسألة، وأطال، ومذهب جمهور العلماء على أن الحجامة لا تفطر، مذهب الجمهور، وجمع من الصحابة أنها لا تفطر، أن الحجامة لا تفطر الصائم، وهو مروي عن جمع من الصحابة أن الحجامة لا تفطر الصائم.

والقول الثاني: أنها تفطِّر الصائم لهذا الحديث، وهو حديث صحيح: «أفطر الحاجم والمحجوم». لكن الجمهور يقولون: يحتمل أن يكون هذا كان أولًا.

و«أفطر الحاجم والمحجوم» هذا حديثٌ صحيح، وابن القيِّم -رحمه الله- لما بحث هذه المسألة، وقال: إن حجة الجمهور الآن أن النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- احتجم وهو محرم وهو صائم. قالوا: "هذا دليل على أن الحجامة لا تفطِّر الصائم، وأن «أفطر الحاجم والمحجوم»، كان هذا أولًا".

ابن القيِّم -رحمه الله- قال: لا يتم هذا الاستدلال إلا إذا تمت عدة أمور:

الأمر الأول: أن تثبتوا لنا أن النبي احتجم وهو صحيح مقيم. النبي احتجم وهو محرم وهو صائم؛ يحتمل أنه احتجم وهو محرم؛ لأنه مسافر، والمسافر يجوز له الفطر.

ثانيًا: أنه احتجم؛ يحتمل أنه مريض، احتجم، الحجامة نوع علاج، من العلاج، والمريض له أن يفطر.

ثالثًا: يحتمل أن صومه صوم نفل، والصائم نفلًا له أن يفطر، أمير نفسه.

رابعًا: يحتمل أن يكون «أفطر الحاجم والمحجوم»؛ كان أولًا.

فإذا تمت هذه الأمور الأربعة، إذا أثبتم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم في صيام الفرض، وليس مريضًا، ولا مسافرًا، وقوله: «أفطر الحاجم والمحجوم»؛ كان أولًا قبل أن يحتجم.

إذا أثبتم هذه الأمور الأربعة نقول: "إن الحجامة لا تفطر". إذا تمهدت هذه الأمور الأربعة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم في الفريضة، وليس في صيام نفل، وليس مريضًا، ولا مسافرًا، وكان هذا بعد أن قال: «أفطر الحاجم والمحجوم»؛ فإذا أثبتم هذه الأمور الأربعة أمكن أن يقال: إن الحجامة لا تفطر؛ وإلا فإنها تفطر.

وهو مذهب الإمام أحمد -رحمه الله-، وانتصر له شيخ الإسلام، وابن القيِّم أن الحجامة تفطر، وابن خزيمة كذلك من الشافعية، وجماعة كذلك انتصروا لهذا، والحجامة فيها كلام كثير لأهل العلم، كثير من العلماء يرون أنها لا تفطر.

 وسحب الدم من الصائم مقيس على الحجامة، قيل: "إنها تفطر". وكذلك الفصد، فإنها تكون حكمها حكمه.

المؤلف -رحمه الله- هنا......

 أعد كلام المؤلف باب ماذا؟ أول ما قرأت.

القارئ:

"بَاب ذِكْر الْبَيَانِ أَنَّ الْحِجَامَةَ تُفْطِرُ الْحَاجِمَ وَالْمَحْجُومَ جَمِيعًا".

الشيخ:

وبعضهم تأول، «أفطر الحاجم والمحجوم»؛ قال: أي المغتابان، «أفطر الحاجم والمحجوم»؛ لأنهما مغتابان، والغيبة تفطر، وإلا ليس لأجل الدم. وهذا تأويل.

وبعضهم أيضًا تأول، قال: «أفطر الحاجم والمحجوم»؛ المحجوم يسحب منه الدم، لكن الحاجم كيف يفطر؟ قالوا: "لأنه يمص الدم، فيذهب إلى حلقه شيء من البخار". فقالوا: إنه وجد الآن آلات في العصر الحاضر يحجم عن طريق الآلة، ولا يمص، فكيف يفطر؟ قالوا: إنه أفطر عقوبة له؛ لمخالفة النبي صلى الله عليه وسلم.

المقصود: أن الحجامة فيها كلام كثير لأهل العلم، ومر في سنن أبي داود، وحققنا فيه رسالة في الصيام، ذكرنا فيها التحقيق في هذا. أعد كلام ابن خزيمة علينا. اقرأ أول ما قرأت.

القارئ:

"بَاب ذِكْر الْبَيَانِ أَنَّ الْحِجَامَةَ تُفْطِرُ الْحَاجِمَ وَالْمَحْجُومَ جَمِيعًا".

الشيخ:

هكذا ابن خزيمة -رحمه الله- من القائلين بأنها تفطر، هو من الشافعية؛ لأنه شافعي. مع الإمام أحمد.

القارئ:

ذكر الأحاديث.

الشيخ:

اقرأ ما قرأته، أعد.

القارئ:

"حَدَّثَنَا عَلِي بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، قال: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قال: حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو -يَعْنِي الْأَوْزَاعِيَّ-، قال: حَدَّثَنِي يَحْيَى، قال: حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ الْجَرْمِيُّ أَنَّ أَبَا أَسْمَاءَ الرَّحَبِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وَحَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، قال: حدثَنَا مُبَشِّرٌ -يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ-، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، قال: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قال: حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ الْجَرْمِيُّ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، قال: حَدَّثَنِي ثَوْبَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِثَمَانَ عَشَرَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى رَجُل يَحْتَجِمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ». هَذَا حَدِيثُ الْوَلِيدِ".

الشيخ:

هذا حديث ثوبان، وهو حديث صحيح، وهذا الظاهر قاله متأخرًا في آخر حياته، وأما فطر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مسافر ومريض، نوع من المرض؛ ولأنه مسافر، والمسافر له أن يفطر.

القارئ:

"حدثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْد الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ الْعَبَّاسُ: حدثنَا، وَقَالَ الْحُسَيْنُ: أَخْبَرَنا عَبْد الرَّزَّاق، قال: أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْد اللَّه بْنِ قَارِظٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»".

الشيخ:

هذا حديث رافع كذا حديث صحيح، حديث ثوبان، وحديث رافع بن خديج: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ».

القارئ:

"سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْد الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِي بْنَ عَبْد اللَّه يَقُولُ: لَا أَعْلَمُ فِي: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» حَدِيثًا أَصَحَّ مِنْ ذا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَرَوَى هَذَا الْخَبَر أَيْضًا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَامٍ عَنْ يَحْيَى.

حَدَّثَنَاه أَحْمَد بْنُ الْحُسَيْنِ الشَّيْبَانِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ أَبُو عُثْمَانَ الرَّهَاوِيُّ، قال: حدثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَامٍ. قَدْ خَرَّجْتُ هَذَا الْبَاب بِتَمَامِهِ فِي (كِتَابِ الْكَبِيرِ).

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَقَدْ ثَبُتَ الْخَبَر عَنِ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»".

الشيخ:

المؤلف يرى صحة الأحاديث، وهي صحيحة، «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ».

القارئ:

"أَنَّهُ قَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ». فَقَالَ بَعْضُ مَنْ خَالَفَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إِنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ".

الشيخ:

وسبق أنه في السفر يجوز الفطر، وأيضًا يحتمل أنه في صيام النافلة، وكذلك أيضًا يحتاج للعلاج؛ لأنه مريض، وليس في صيام رمضان. كل هذه الاحتمالات كلها موجودة.

القارئ:

"لِأَنَّ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فِي سَفَرٍ، لَا فِي حَضَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مُحْرِمًا مُقِيمًا بِبَلَدِهِ، إِنَّمَا كَانَ مُحْرِمًا".

الشيخ:

كان مُحرِمًا، لو كان في المدينة ما كان مُحرِم.

القارئ:

"إِنَّمَا كَانَ مُحْرِمًا وَهُوَ مُسَافِرٌ، وَالْمُسَافِرُ وَإِنْ كَانَ نَاوِيًا لِلصَّوْمِ فقَدْ مَضَى عَلَيْهِ بَعْضُ النَّهَارِ وَهُوَ صَائِمٌ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَإنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ يُفَطِّرَانِهِ، لَا كَمَا تَوَهَّمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا دَخَلَ الصَّوْمُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ إِلَى أَنْ يُتِمَّ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ".

الشيخ:

هذا قول ضعيف، بعض العلماء يقول: "اليوم الذي صام أوله، ثم سافر؛ يجب عليه أن يتمه، ولا يفطر"، لكن متى يفطر؟ إذا أدركه السفر من أول النهار إلى آخره، ونوى الفطر، هذا الذي يفطر، أما اليوم الذي صام أوله لا بد أن يتمه. وهذا قول ضعيف، ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما خرج من المدينة وهو صائمون أمرهم بالفطر.

القارئ:

ثم قال: "أن أَحْمَد بْنَ عَبْدةَ حدثنا، قَالَ: حدثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، قال: حدثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَى عَلَى نَهَرٍ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ وَالْمُشَاةُ كَثِيرٌ، وَالنَّاسُ صِيَامٌ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَإِذَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اشْرَبُوا. فَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ. قَالَ: إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي رَاكِبٌ، وَأَنْتُمْ مُشَاةٌ، وَإِنِّي أَيْسَرُكُمُ، اشْرَبُوا. فَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ مَا يَصْنَعُ، فَلَمَّا أَبَوْا حَوَّلَ وَرِكَهُ، فَنَزَلَ وَشَرِبَ، وَشَرِبَ النَّاسُ»". صلى الله عليه وسلم.

الشيخ:

تكلم على قصة النهر هذه؟ علق عليه؟

القارئ:

نعم أحسن الله إليك، قال: حديث صحيح، وسماع يزيد بن زُريع من الجُريري قبل الاختلاط.

الشيخ:

أكمل.

القارئ:

"وَخَبَر ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ خَرَّجْتُهُمَا فِي كِتَابِ الصِّيَامِ فِي (كِتَابِ الْكَبِيرِ). أَفَيَجُوز لِجَاهِلٍ أَنْ يَقُولَ: الشُّرْبُ جَائِزٌ لِلصَّائِمِ، وَلَا يُفَطِّرُ الشُّرْبُ الصَّائِمَ؛ إِذِ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَمَرَ أَصْحَابهُ وَهُوَ صَائِمٌ بِالشُّرْبِ، فَلَمَّا امْتَنَعُوا شَرِبَ وَهُوَ صَائِمٌ، وَشَرِبُوا؟!

فَمَنْ يَعْقِلُ الْعِلْمَ، وَيَفْهَمُ الْفِقْهَ يَعْلَمُ أَنَّ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَارَ مضطرًّا وَأَصْحَابهُ لشُرْبِ الْمَاءِ، وَقَدْ كَانُوا نَوَوَا الصَّوْمَ، وَمَضَى بِهِمْ بَعْضُ النَّهَارِ، وَكَانَ لَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا إِذْ كَانُوا فِي السَّفَرِ لَا فِي الْحَضَرِ، وَكَذَلِكَ كَانَ لِلنَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَحْتَجِمَ وَهُوَ صَائِمٌ فِي السَّفَرِ، وَإِنْ كَانَتِ الْحِجَامَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ".

الشيخ:

يعني يقول: "الحجامة مثل الأكل والشرب، إذا كان الأكل والشرب يفطر؛ فكذلك الحجامة تفطر"، ولا يمكن أن يقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لهم: «اشربوا». وهم امتنعوا؛ يقول هذا والأكل والشرب غير جائز لهم، لو كان جائز ما امتنعوا، دل على أن الصائم ولو كان في السفر له أن يكمل ويتم صيامه، وله أن يفطر.

القارئ:

"لِأَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ الشُّرْبُ وَإِنْ كَانَ الشُّرْبُ مُفْطِّرًا جَازَ لَهُ الْحِجَامَةُ وَإِنْ كَانَ بِالْحِجَامَةِ مُفْطِرًا.

فَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْفِطْرَ مِمَّا يَدْخُلُ، وَلَيْسَ مِمَّا يَخْرُجُ؛ فَهَذَا جَهْلٌ وَإِغْفَالٌ مِنْ قَائِلِهِ".

الشيخ:

مما يدخل الجسم، لا مما يخرج منه؛ يعني هذا ليس على إطلاقه.

القارئ:

"وَتَمْوِيهٌ عَلَى مَنْ لَا يُحْسِنُ الْعِلْمَ، وَلَا يَفْهَمُ الْفِقْهَ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ قَائِلِهِ خِلَافُ دَلِيلِ كِتَابِ اللَّه -تعالى-، وَخِلَافُ سُنَّةِ النَبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخِلَافُ قَوْلِ أَهْلِ الصَّلَاةِ مِنْ أَهْلِ اللَّه جَمِيعًا إِذَا جُعِلَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا.

قَدْ دَلَّ اللَّه فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ هِيَ الْجِمَاعُ فِي نَهَارِ الصِّيَامِ، وَالنَبِيّ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَوْجَبَ عَلَى الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ عِتْقَ رَقَبَةٍ إِنْ وَجَدَهَا، وَصِيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِنْ لَمْ يَجِدِ الرَّقَبَةَ، أَوْ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا إِنْ لَمْ يَسْتَطِيعِ الصَّوْمَ، وَالْمُجَامِعُ لَا يَدْخُلُ جَوْفَهُ شَيْءٌ فِي الْجِمَاعِ، إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْهُ مَنِيٌّ إِنْ أَمْنَى، وَقَدْ يُجَامِعُ مِنْ غَيْر إِمْنَاءٍ فِي الْفَرْجِ، فَلَا يَخْرُجُ مِنْ جَوْفِهِ أَيْضًا مَنِيٌّ.

 وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ مِنْ غَيْر إِمْنَاءٍ يُفَطِّرُ الصَّائِمَ، وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَلَا يَدْخُلُ جَوْفَ الْمُجَامِعِ شَيْءٌ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ جَوْفِهِ شَيْءٌ، إِذَا كَانَ الْمُجَامِعُ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَالنَبِيّ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَعْلَمَ أَنَّ الْمُسْتَقِيءَ عَامِدًا يُفَطِّرُهُ الِاسْتِقَاءُ، وَاتَّفَقَ أَهْلُ الصَّلَاةِ وَأَهْلُ الْعِلْمِ".

الشيخ:

الصلاة أم الصلاح؟

القارئ:

"وَاتَّفَقَ أَهْلُ الصَّلَاةِ وَأَهْلُ الْعِلْمِ".

مناقشة غير مسموعة: (00:40:56).

الشيخ:

بالتاء؟ طيب.

القارئ:

"عَلَى أَنَّ الِاسْتِقَاءَ عَلَى الْعَمْدِ يُفَطِّرُ الصَّائِمَ، وَلَوْ كَانَ الصَّائِمُ لَا يُفَطِّرُهُ إِلَّا مَا يَدْخُلُ جَوْفَهُ".

الشيخ:

الأقرب: أهل الصلاح والعلم.

مناقشة غير مسموعة: (00:41:15).

الشيخ:

من أهل العلم. كذا؟

القارئ:

نعم.

الشيخ:

طيب، قد تكون أقرب.

القارئ:

"وَجَاءَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَهْلِ بِأُعْجُوبَةٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ".

الشيخ:

يعني هو قصده أن يرد على من قال: الصوم مما يدخل، لا مما يخرج، المستقيء استقاء ومع ذلك يفطر، والمجامع.

القارئ:

"وَجَاءَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَهْلِ بِأُعْجُوبَةٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَزَعَمَ أَنَّ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا قَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ: فَالْغِيبَةُ تُفْطِّرُ الصَّائِمَ؟ زَعَمَ أَنَّهَا لَا تُفْطِّرُ الصَّائِمَ".

الشيخ:

يعني يتناقض، قال: "لأنها مغتابان". ثم يقول: "الغيبة لا تفطر الصائم". صار تناقض، بعضهم ينقض الآخر، يقال: لماذا أفطر؟ يقولون: "لأنهما يغتابان الناس". فنقول: "الغيبة تفطر؟" قال: لا. تناقض!

القارئ:

"فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنْ كَانَ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَكَ إِنَّمَا قَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ، وَالْغِيبَةُ عِنْدَكَ لَا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ".

الشيخ:

على قول بعض العلماء: "أنها تفطر". ولكن ضعيف. هناك قول لبعض العلماء أن الغيبة تفطر الصائم. ولكن قول ضعيف.

القارئ:

فَهَلْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّه يَزْعُمُ أَنَّ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْلَمَ أُمَّتَهُ أَنَّ الْمُغْتَابَيْنِ مُفْطِرَانِ، وَهو يَقُولُ هُوَ: بَلْ هُمَا صَائِمَانِ غَيْر مُفْطِرَيْنِ؟! فَخَالَفَ النَبِيَّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي أَوْجَبَ اللَّه عَلَى الْعِبَادِ طَاعَتَهُ وَاتِّبَاعَهُ، وَوَعَدَ الْهُدَى عَلَى اتِّبَاعِهِ، وَأَوْعَدَ عَلَى مُخَالِفِيهِ، وَنَفَى الْإِيمَانَ عَمَّنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ حَرَجًا مِنْ حُكْمِهِ.

 فَقَالَ تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء:65]، وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّه -جَلَّ وَعَلَا- لِأَحَدٍ خَيْرَةً فِيمَا قَضَى اللَّه وَرَسُولُهُ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب:36].

 وَالْمُحْتَجُّ بِهَذَا الْخَبَر إِنَّمَا صَرَّحَ بِمُخَالَفَةِ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ نَفْسِهِ بِلَا شُبْهَةٍ وَلَا تَأْوِيلٍ يَحْتَمِلُ الْخَبَر الَّذِي ذَكَرَهُ إِذْا زَعَمَ أَنَّ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا قَالَ لِلْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ: مُفْطِرَانِ لِعِلَّةِ غِيبَتِهِمَا، ثُمَّ هُوَ زَعَمَ أَنَّ الْغِيبَةَ لَا تُفَطِّرُ؛ فَقَدْ جَرَّدَ مُخَالَفَته النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلَا شُبْهَةٍ وَلَا تَأْوِيلٍ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه: رَخَّصَ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ، وَالْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ".

الشيخ:

أطال رحمه الله، الحاصل أنه انتصر لهذه المسألة -رحمه الله- من الشافعية، والمسألة فيها خلاف، الجمهور على أنها لا تفطر، فيها خلاف شديد.

مناقشة غير مسموعة: (00:45:16). الحجامة

الشيخ:

إذا أكل وشرب ما فيه إشكال.

مناقشة غير مسموعة: (00:45:29).

الشيخ:

مريض، نوع من المرض.

مناقشة:

 ابن خزيمة شافعي؟

الشيخ:

شافعي، نعم.

مناقشة: هنا خالف.

الشيخ:

يخالف بعض الشافعية.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد