قارئ المتن:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام/ أبو بكر بن خزيمة رحمه الله تعالى في صحيحه:
باب ذكر خبر روي عن النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- في تسمية الصُّوام في السفر عصاة من غير ذكر العلة التي أسماهم بهذا الاسم توهم بعض العلماء أن الصوم في السفر غير جائز لهذا الخبر
حدثنا محمد بن بشار بندار حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة فصاح حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شربه فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام قال: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ».
حدثناه الحسين بن عيسى البسطامي حدثنا أنس بن عياض عن جعفر بن محمد بهذا الإسناد.
الشيخ:
تخريجه؟
القارئ:
قال المُحَشِّي: "صحيحٌ أخرجه ابن حبان من طريق المُصَنِّف وأخرجه الشافعي في مسنده، والطيالسي والحميدي ومسلم والترمذي والنسائي وفي الكبرى له، وأبو يعلى والطحاوي في شرح معاني الآثار، والحاكم والبيهقي وفي المعرفة وفي دلائل النبوة له، والبغوي في شرح السُنَّة".
الشيخ:
هذا تخريج الفحل؟
القارئ:
نعم، أحسن الله إليك.
الشيخ:
هو الحديث الصحيح المعروف وذلك في غزوة الفتح فإن النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- صام حتى بلغ كراغ الغميم (مكان)، ثم أفطر وأمر الناس بالفطر، وبلغه أن أُناسًا......
وجاء في روايات أخرى أنه بعد ذلك صام أُناس والنبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- قال في مراحل:
في مرحلة قال: «أفطروا فإن الفطر أعون لكم» يعني في لقاء العدو، ثم لما قرب ألزمهم بالفطر، ثم قيل له: "إن أُناسًا صاموا" فقال: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» ذكرها مرتين أو ثلاثة.
فهم بعض الناس يقول المؤلف: "أن الصوم في السفر لا يجوز"، النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- صام في السفر والصحابة صاموا، الحديث: «أن النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- كان يصوم في اليوم شديد الحر هو وعبد الله بن رواحة»، وكذلك: «كان الصحابة يصومون فمنهم الصائم والمفطر فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم»، لكن إذا شق الصوم فهو مكروه.
لكن في هذه القصة: أنهم ذهبوا لملاقاة العدو، فالفطر أقوى؛ ولهذا لما خالفوا أمر النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- وصاموا قال: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ»، المؤلف يقول: "فهم بعض الناس أن الصوم في السفر ممنوع، ليس ممنوع الصوم في السفر، فيه تفصيل:
يجوز الصوم، ويجوز الفطر، إلَّا إذا شق الصوم؛ فيكون مكروه، لكن في هذه قصة لملاقاة العدو أمرهم النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- بالفطر؛ فلذلك لما صاموا قال: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ».
أحد الحضور:
سؤال: يكون عام في حالة الحرب ولقاء العدو عدم الصيام؟
الإجابة:
نعم، ما ينبغي الصوم في ملاقاة العدو، ينبغي الفطر؛ لأنه أعون.
القارئ:
بابُ: الدليل على أن النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- إنما سماهم عصاةً إذ أمرهم بالإفطار وصاموا، ومن أمر بفعل وإن كان الفعل مباحًا فرضًا واجبًا فترك ما أمر به من المباح جاز أن يسمى عاصيا
"حدثنا أحمد بن سِنان الواسطي حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حماد عن أبي الزبير عن جابر: أن النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- سافر في رمضان فاشتد الصوم على رجل من أصحابه فجعلت راحلته تهيم به تحت الشجر فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يفطر ثم دعا النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- بإناء فوضعه على يده ثم شرب والناس ينظرون".
"حدثنا بندار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت: رخَّصَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأمر فرغب عنه رجال فقال: «ما بال رجال آمرهم بالأمر يرغبون عنه والله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية»".
قال أبو بكر: وفي خبر أبي سعيد: أن النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- أتى على نهر من ماء السماء من هذا الجنس أيضا قال في الخبر: «إنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إنِّي رَاكِبٌ وأنتم مُشَاة إنِّي أَيْسَرُكُمْ» فهذا الخبر دل على أن النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- صام وأمرهم بالفطر في الابتداء إذ كان الصوم لا يشق عليه إذ كان راكبًا له ظهر لا يحتاج إلى المشي وأمرهم بالفطر إذ كانوا مشاة يشتد عليهم الصوم مع الرجَّالة فسماهم -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- عصاة، إذ امتنعوا من الفطر بعد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- إياهم بعد علمة أن يشتد الصوم عليهم إذ لا ظهر لهم وهم يحتاجون إلى المشي".
الشيخ:
الرجَّالة: لأنهم يمشون على أرجلهم.
إذ لا ظهر لهم: يعني لا مركوب لهم.
يعني أمر المُشاة أن يفطروا؛ لأنه يشق عليهم بخلاف الراكب.
المقصود: أن هؤلاء سماهم عصاة؛ لأنهم خالفوا أمر النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- حينما أمرهم بالفطر؛ فسماهم عصاة، ولا يدل ذلك على أن الصيام في السفر ممنوع كما فهم بعض الناس.
ماذا قال عندك؟
حديثين أم ثلاثة؟
القارئ:
أحسن الله إليك.
قال في الحديث الأول: "الحديث صحيح أخرجه أبو يعلى والطحاوي في شرح المعاني".
الشيخ:
أعد الحديث.
القارئ:
"حدثنا أحمد بن سِنان الواسطي حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حماد عن أبي الزبير عن جابر: أن النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- سافر في رمضان فاشتد الصوم على رجل من أصحابه فجعلت راحلته تَهيم به تحت الشجر فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فأمره أن يفطر ثم دعا النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- بإناء فوضعه على يده ثم شرب والناس ينظرون".
الشيخ:
يعني حتى يقتدوا به.
القارئ:
قال عفا الله عنك: "صحيحٌ أخرجه أبو يعلى والطحاوي في شرح المعاني، وابن حِبان، الحاكم".
الشيخ:
حتى تَهيم به تحت الشجر، تكلم عليها؟
القارئ:
لأ، عفا الله عنك.
حديث النبي صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم: «ما بال رجال...» تقدم عفا الله عنك.
الشيخ:
«ما بال رجال» هو نفس الحديث السابق؟
القارئ:
هذا يقول: "تقدم..........
أحد الحضور:
مناقشة غير مفهومة (09:17).
القارئ:
«مَا بَالُ رجالٍ آمُرَهُم بالأمر يرغبون عنه، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً».
الشيخ:
هذا في قصة يمكن الثلاثة أو الأربعة الذين أتوا النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- يسألونه عن عبادته في السر قال بعضهم: "أصلي الليل، ولا أنام"، وقال بعضهم: "أصوم ولا أفطر"، وقال بعضهم: "لا آكل اللحم"، فالنبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- خطب وقال: «إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له، وأعلمُ بما أتقي»، وفي بعضهم: «ما بال رجالٌ يرغبون......».
أشار إلى هذا الحديث الصحيح؟
القارئ:
قال عفا الله عنك: "الحديث الصحيح أخرجه إسحاق بن راهويه، وأحمد، والبخاري وفي الأدب له، ومسلم، والنسائي في الكبرى، وفي عمل اليوم والليلة".
قال المُصَنِّف رحمه الله:
"بابُ: الدليل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أمر أصحابه بالفطر عام فتح مكة إذ الفطر أقوى لهم على الحرب لا أن الصوم في السفر غير جائز"
الشيخ:
نعم، هو هذا الصوم في السفر جائز، وإذا شق؛ فهو مكروه، لكن في هذه القصة أن النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- أمرهم بالفطر؛ لأنه أعون لهم على ملاقاة العدو.
القارئ:
حدثنا عبد الله بن هاشمٍ قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية عن ربيعة بن يزيد حدثني قزعة قال: أتيت أبا سعيد وهو مكثور عليه .......
حاشية عفا الله عنك مكتوب: "إذا كثرت عليه الحقوق والمطالبات".
الشيخ:
قال أتيت على؟
القارئ:
قال: "أتيت أبا سعيد وهو مكثور عليه".
حاشية: مكثور: "إذا كثرت عليه الحقوق والمطالبات" أراد أنه كان عنده جمعٌ من الناس يسألون عن أشياء فكأنهم كان لهم ......
الشيخ:
يعني كثر عنده الناس يسألونه، قال: "مكثور" يعني كثر عليه الناس يسألونه، أو كثرت عليه الديون أو ما أشبه ذلك.
القارئ:
عفا الله عنك.
قال رحمه الله: "فلما تفرق الناس عنه قلت: لا أسألك عما يسالك هؤلاء عنه، وسألته عن الصوم في السفر فقال: سافرناِ مع رسول الله -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- إلى مكة ونحن صيام، فنزلنا منزلًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم»، فكانت رخصة فمنَّا من صام ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلًا آخر فقال: «إنكم مُصَبِّحِي عدوَكم والفطر أقوى لكم فأفطروا»؛ فكانت عزمة فأفطرنا، ثم قال: "فلقد رأيتنا نصوم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك في السفر".
الشيخ:
يعني أبو سعيد بيَّن أن السفر هذا في فتح مكة لملاقاة العدو، والمنزل الأول لما كانوا بعيدين فيها رُخصة قال: «إنكم قربتم من عدوكم والفطر أقوى لكم»، فمنهم من صام ومنهم من أفطر.
ثم لمَّا قربوا قال: «إنكم مُصَبِّحِي عدوَكم، فَأفطروا» فلما صام الناس قال: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ»، وليس المراد: أن الصيام في السفر ممنوع، لأ، لكن في ملاقاة العدو، وسيلاقون العدو، ولا يشمل هذا جميع الأسفار.
القارئ:
قال أبو بكر: "فهذا الخبر بَيْنٌ واضح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سماهم عصاة؛ إذ عزم عليهم في الفطر ليكون أقوى لهم على عدوهم إذ قد دنوا منهم ويحتاجون إلى محاربتهم فلم يأتمروا لأمره؛ لأن خبر جابر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- في عام الفتح، وهذا الخبر في تلك السفرة أيضًا فلما عزم النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- عليهم بالفطر؛ ليكون الفطر أقوى لهم، فصاموا حتى كان يغشى على بعضهم ويحتاج إلى أن يظل وينضح الماء عليه فيضَّعُفوا عن محاربة عدوهم جاز أن يسميهم عصاة إذ أمرهم بالتقوي لعدوهم فلم يطيعوا ولم يتقووا لهم".
الشيخ:
يقول: لأن خبر جابر؟
القارئ:
لأن خبر جابر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- في عام الفتح، وهذا الخبر في تلك السفرة أيضًا.
الشيخ:
وأين خبر جابر؟ الحديث الأول؟
القارئ:
نعم، حديث جابر الأول الذي تقدم.
الشيخ:
قال أبو بكر...
القارئ:
قال أبو بكر: "فهذا الخبر بَيْنٌ واضح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سماهم عصاة؛ إذ عزم عليهم في الفطر ليكون أقوى لهم على عدوهم إذ قد دنوا منهم ويحتاجون إلى محاربتهم فلم يأتمروا لأمره؛ لأن خبر جابر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- في عام الفتح، وهذا الخبر في تلك السفرة أيضًا فلما عزم النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- عليهم بالفطر....
الشيخ:
يعني لما أمرهم بالفطر وجب عليهم أن يمتثلوا أمره، هذا أمر خاص في هذه الغزوة وليس المراد في كل سفر.
القارئ:
ليكون الفطر أقوى لهم، فصاموا حتى كان يغشى على بعضهم ويحتاج إلى أن يظل وينضح الماء عليه فيضَّعُفوا عن محاربة عدوهم جاز أن يسميهم عصاة إذ أمرهم بالتقوي لعدوهم فلم يطيعوا ولم يتقووا لهم".
الشيخ:
فلهذا سماهم عصاة، أما الأسفار الأخرى فهذا على حسب حال الإنسان، إن كان الإنسان ما عليه مشقة فهو مُخير بين الصيام والفطر في السفر وأيهما أفضل؟
قولان لأهل العلم:
- من العلماء من قال: "الفطر أفضل؛ لأنه فيه أخذٌ بالرُخصة".
- ومنهم من قال: "الصيام أفضل؛ لأنه أسرع لبراءة الذمة، وأنه فعل النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- وفعل بعض أصحابه، وأنه أنشط له إذا صام مع الناس".
- ومنهم من قال: "على حدٍ سواء".
القارئ:
يعني -عفا الله عنك- وجهٌ أنهم عُصاة أن النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- أمرهم؟
الشيخ:
نعم، أمرهم وخالفوا أمره، والحكمة معروفة واضحة: أن الصيام يُضعفهم عن ملاقاة العدو.
القارئ:
ما يكون هذا مضطرد عفا الله عنك؟
الشيخ:
إذا شق على الإنسان؛ مكروه، مثل: حديث: «ليس مِن البرِ الصيام في السفر» لما رأى رجلًا قد ظُلل عليه، فقال: «ما هذا؟» قالوا: "صائم"، قال: «ليس من البرِ الصيام في السفر» مكروه إذا كان يشق عليه، لكن في هذه الغزوة -غزوة الفتح- هنا خالفوا، ظاهره أنه مُحَرْم، وأنه لا يجوز لهم مخالفة الأمر.
القارئ:
قال أبو بكر:
"بابُ: التغليظ في ترك سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- رغبة عنها وجائز أن يُسَمْىَ تاركُ السُنَّة عاصيًا إذا تركها رغبة عنها لا بتركها إذ الترك غير معصية وقطعها فضيلة".
الشيخ:
بارك الله فيك، وَفْقَ الله الجميع إلى طاعته، ورزق الله الجميع من واسع فضله، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهدُ أن لا إله إلَّا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.