القارئ:
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام الحافظ ابن خزيمة -رحمه الله تعالى- في كتابه (الصحيح):
"جماع أبواب الصوم في السفر".
"بَاب التَّغْلِيظِ فِي تَرْكِ سُنَّةِ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَغْبَةً عَنْهَا، وَجَائِزٌ أَنْ يُسَمَّى تَارِكُ السُّنَّةِ عَاصِيًا إِذَا تَرَكَهَا رَغْبَةً عَنْهَا، لَا أن يتَرْكهَا؛ إِذِ التَّرْكُ غَيْر مَعْصِيَةٍ، وَفِعْلُهَا فَضِيلَةٌ".
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْد اللَّه بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، عَنِ النَبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي».
الشيخ:
هذا في الصحيح؟
القارئ:
نعم، قال أحسن الله إليك.
الشيخ:
جزء من حديث في الصحيحين؟
القارئ:
نعم. قال: "حديث صحيح، ورد هذا الحديث بنفس الإسناد والمتن عَنْ عَبْد اللَّه بْنِ عمرو، وعَنْ عَبْد اللَّه بْنِ عُمَرَ كذلك، ولم نعثر لطريق أخرى عن ابن عمر عند غير ابن خزيمة. والله أعلم".
الشيخ:
ماذا؟
القارئ:
قال: "هذا الحديث صحيح. ثم قال: ورد هذا الحديث بنفس الإسناد والمتن برقم عَنْ عَبْد اللَّه بْنِ عمرو، وبرقم عَنْ عَبْد اللَّه بْنِ عُمَرَ".
الشيخ:
سبق هنا في صحيح ابن خزيمة؟
القارئ:
نعم، ولم نعثر لطريق أخرى عن ابن عمر عند غير ابن خزيمة. والله أعلم.
الشيخ:
وهذا عام، الحديث فيه عموم، «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»؛ أن من ترك السُّنَّة ولو كانت غير واجبة رغبة عنها؛ فإنه لا يجوز، وقد يسمى عاصيًا.
أما إذا تركها لا رغبة عنها؛ هذا لا يضره، ترك الأفضل.
مناقشة: ما معنى رغبة عنها؟
الشيخ:
رغبة عنها يعني لا يريدها، ولا يَقبلها.
القارئ:
ثم ذكر رحمه الله تعالى: "بَاب ذِكْر إِسْقَاطِ فَرْضِ الصَّوْمِ عَنِ الْمُسَافِرِ؛ إِذْ هُوَ مُبَاحٌ لَهُ الْفِطْرُ فِي السَّفَرِ عَلَى أَنْ يَصُومَ فِي الْحَضَرِ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، لَا أَنَّ الْفَرْضَ سَاقِطٌ عَنْهُ، لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَتُهُ".
الشيخ:
الأصل في هذا قول الله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184].
والصواب الذي عليه الجمهور: أنه يجوز الصوم في السفر، ويجوز الفطر، ولكن إذا شق عليه الصوم في السفر فإنه مكروه، يُكره في حقه سواءً كان فرضًا أو نفلًا، وإذا لم يشق فإنه يصوم فرضًا أو نفلًا.
أما ما ذهب إليه طائفة من الظاهرية أنه لا يجوز الصوم في السفر؛ فهذا قول ضعيف، مخالف للنصوص.
القارئ:
أحسن الله إليك.
"قَالَ اللَّه تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184].
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رحمه الله: "خَبَر أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْقُشَيْرِيِّ خَرَّجْتُهُ بَعْدُ فِي إِبَاحَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ لِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ".
الشيخ:
يعني سيأتي.
القارئ:
نعم.
"بَاب ذِكْر الْبَيَانِ أَنَّ الْفِطْرَ.......".
الشيخ:
علَّق عليه في الحاشية؟
القارئ:
لم يعلِّق عليه.
الشيخ:
ماذا قال عليه؟
مناقشة: قال: "إسناده ضعيف؛ لجهالة الواسطة بين أبي قلابة وأنس بن مالك".
الشيخ:
في الحامل؟
مناقشة: نعم.
الشيخ:
في الحامل والمرضع؟
مناقشة: في الحامل والمرضع، نعم.
الشيخ:
ماذا يقول؟
مناقشة: قال: إسناده ضعيف؛ لجهالة الواسطة بين أبي قلابة وأنس بن مالك، وهو غير الأنصاري خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما سيُبينه المؤلف رحمه الله تعالى. هذا كلام الشيخ الألباني رحمه الله.
وقال كذلك في نفس الحديث بإسناد ثان: قال: "إسناده ضعيف؛ لعنعنة أبي قلابة، وهو مذكور بالتدليس، وقد دلت الرواية السابقة أن بينهما قريبة لأنس بن مالك، لكن الحديث قوي بالطريق الذي بعده".
الشيخ:
في الحامل والمرضع، رواه أبو داود أيضًا في الحامل والمرضع إذا خافت على نفسها وولدها أفطرت، وأطعمت عن كل يوم مسكينًا، سيأتي.
القارئ:
ثم ذكر رحمه الله: "بَاب ذِكْر الْبَيَانِ أَنَّ الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ رُخْصَةٌ، لَا أَنَّ حَتْمًا عَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ".
الشيخ:
يعني مخيَّر، ليس إلزام أن يفطر، بل هو مخيَّر بين الصيام والفطر إذا لم يشق عليه.
القارئ:
"حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْد الْأَعْلَى، قال: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْنُ وَهْبٍ؛ ح وَأَخْبَرَني ابن عَبْد الْحَكَمِ أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ أَخْبَرَهُمْ، قال: أَخْبَرَني ابْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي مُرَاوِحٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَميِّ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّه، أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّه، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحٌ عَلَيْهِ».
قَالَ: وَفِي خَبَر مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد الرَّحْمَن بْنِ ثَوْبَانَ".
الشيخ:
تكلم عنه؟ قال: في صحيح مسلم؟ قال: أخرجه مسلم؟
القارئ:
نعم.
الشيخ:
ومن معه؟
القارئ:
والنسائي، وفي الكبرى له، والطبري في (فسيره)، والطحاوي في (شرح معنى الآثار)، والطبراني في (الكبير)، والدارقطني، والبيهقي من طريق أبي مراوح.
الشيخ:
أعد الحديث.
القارئ:
أحسن الله إليك.
قال: "حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْد الْأَعْلَى، قال: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْنُ وَهْبٍ؛ ح وَأَخْبَرَني ابن عَبْد الْحَكَمِ أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ أَخْبَرَهُمْ".
الطالب:
هنا عبد الحكم.
الشيخ:
عبد الحكم.
القارئ:
قال في الحاشية: "وفي نسخة: عبد الحكم. ولعله محمد بن عبد الله بن عبد الحكم. والله أعلم".
"وَأَخْبَرَني ابن عَبْد الْحَكَمِ أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ أَخْبَرَهُمْ، قال: أَخْبَرَني ابْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي مُرَاوِحٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَميِّ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّه، أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّه، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحٌ عَلَيْهِ»".
الشيخ:
وهذا صريح في أنه مخيّر، يرد على بعض الظاهرية الذين يقولون:" لا يجوز الصوم في السفر". هناك طائفة من الظاهرية يقولون: "لا يجوز، ولو صام في السفر وجب عليه القضاء". وقالوا: يدل على ذلك ظاهر الآية: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184].
لكن الجمهور قالوا: التقدير: فأفطر فعليه عدة من أيام أخر، إذا أفطر، والحديث صريح في أنه مخيَّر، والنبي -صلى الله عليه وسلم- مبيِّن، الله -تعالى- قال: ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل:44].
مناقشة غير مسموعة: (00:10:18).
الشيخ:
حديث حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَميِّ.
مناقشة: قال: «أأصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام. فقال: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر».
الشيخ:
في لفظ آخر، نعم.
القارئ:
قَالَ ابن خزيمة: "وَفِي خَبَر مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد الرَّحْمَن بْنِ ثَوْبَانَ".
الشيخ:
التخريج هنا، ما ذكره البخاري؟
الطالب: لم يذكره.
الشيخ:
يمكن أصل اللفظ، يمكن بلفظ آخر.
القارئ:
"قَالَ: وَفِي خَبَر مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد الرَّحْمَن بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ جَابِرٍ بن عبد الله -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَعَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّه الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ؛ فَاقْبَلُوهَا»".
الشيخ:
تخريجه؟
القارئ:
كما قال مسلم، نفس التخريج الأول، هو تكملة للحديث.
أما قال: "وفي خبر محمد". لم يعلق عليه المحشِّي.
الشيخ:
الأخير: «فَعَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّه الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ؛ فَاقْبَلُوهَا».
القارئ:
ما علَّق عليه، أحسن الله إليك.
الشيخ:
استدل بعموم الحديث على أن الفطر رخصة فيجوز، يعني هذا دل بعمومه على أن الفطر رخصة فيجوز، وإذا كان يجوز معناه أنه يجوز الطرف الآخر، وهو الصوم، فيجوز الصوم، ويجوز الفطر.
القارئ:
ثم قال رحمه الله تعالى:
"بَاب اسْتِحْبَاب الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ فِي رَمَضَانَ لِقَبُولِ رُخْصَةِ اللَّه الَّتِي رَخَّصَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ".
الطالب: الأخذ بالرخصة.
الشيخ:
في حديث: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معاصيه»، الرخصة قد تكون.
مناقشة: الجمع في المطر أحسن الله إليك.
الشيخ:
نعم، رخصه بعض الفقهاء، وهناك أيضًا من يرى عدم الجمع في المطر مطلقًا. والذين أجازوا قيدوه بأن يكون المطر قويًّا، يخوض في المياه، ويؤذيه، أو يكون دحض وزلق.
ومن العلماء من قال: لا يُجمَع، وإنما يُصلَّى في الرِّحال.