قارئ المتن:
أحسن اللهُ إليكم، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِم، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ محمد بن إسحاق بن خزيمة -رحمه الله تعالى- في كتابه الصحيح:
"جُمَّاعُ أَبْوَابِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ"
بَابُ اسْتِحْبَابِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَالْفِطْرِ لِمَنْ ضَعُفَ عَنْهُ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ يَعْنِي الثَّقَفِيَّ، ح وَحَدَّثَنَا بُنْدَارٌ أَيْضًا، حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ قَالَا: حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ، ح وَحَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَهُوَ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: «سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، فَلَمْ يَعِبِ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ، وَلَا الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ»، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ أَنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ، وَمَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ فَذَلِكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ" هَذَا حَدِيثُ الثَّقَفِيِّ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي رَمَضَانَ، وَلَمْ يَقُلْ سَالِمُ بْنُ نُوحٍ: جَمِيلٌ"، وَقَالَ: يَرَوْنَ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ: «كُنَّا نَغْدُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَقُلْ: فِي رَمَضَانَ».
الشيخ:
ماذا قال عليه؟
القارئ:
"صحيح أخرجه مسلم وأبو يعلى وأحمد والبيهقي من طريق إسماعيل بن إبراهيم به".
الشيخ:
هو دليل لما ترجم له المؤلف من أنه في السفر يُستحب الصيام لمن قوي عليه، ويكره الصيام لمن شق عليه، فمن شق عليه الصيام فيُكره في حقه، ومن لم يشق عليه فيستحب في حقه.
وقال آخرون من أهل العلم: "الفطر أفضل، يستحب الفطر، ولو لم يشق عليه".
وهي مسألة خلاف بين أهل العلم، وما ذهب إليه أبو خزيمة -رحمه الله- حسن؛ لأنه إذا صام ولا سيما في رمضان يكون هذا أسرع في براءة الذمة وأنشط له إذا كان يصوم مع الناس يكون يبقى دين عليه(2:48)، إذا كان لا يجد مشقة، وإن كان يجد مشقة فالفطر أفضل، ويكره في حقه الصوم؛ لما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- أعرج وضلل عليه في السفر فقال: «ما هذا؟ قالوا: رجلٌ صائم، قال: ليس من البر الصيام في السفر».
القارئ:
"بَابُ اسْتِحْبَابِ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ إِذَا عَجَزَ عَنْ خِدْمَةِ نَفْسِهِ إِذَا صَامَ"
الشيخ:
أو خدمة غيره.
القارئ:
حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْحَدَّادِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ -اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَأُتِيَ بِطَعَامٍ، فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: «ادْنُوَا فَكُلَا»، فَقَالَا: إِنَّا صَائِمَانِ، فَقَالَ: «اعْمَلُوا لِصَاحِبَيْكُمُ، ارْحَلُوا لِصَاحِبَيْكُمُ، ادْنُوَا فَكُلَا» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «هَذَا الْخَبَرُ أَيْضًا مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي ذَكَرْتُ قَبْلُ أَنَّ لِلصَّائِمِ فِي السَّفَرِ الْفِطْرَ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ النَّهَارِ إِذِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَمَرَهُمَا بِالْأَكْلِ بَعْدَ مَا أَعْلَمَاهُ أَنَّهُمَا صَائِمَانِ».
الشيخ:
ادْنُوا أم ادْنُوَا؟
القارئ:
ادْنُوَا.
الشيخ:
نعم.
إنا صائمين.
قال بعض العلماء: "إنه إذا صام بالنهار فيجب عليه أن يُتمه".
والصواب: أنه لا يجب كما أنه في الحديث بأنهما صاما في أول النهار وأمرهما قال: «ادنوَا فكلا»، وفيه دليل على أن الفطر أفضل لما شق عليه؛ ولهذا قال: «اعْمَلُوا لِصَاحِبَيْكُمُ» كأنه شق عليهما، يعني اخدماهم.
القارئ:
أحسن الله إليك.
حاشية: "إسناده معلول بالإرسال، وقد انفرد بوصله أبو داوود الحَفري، وغيره من الثقات أرسلوه ولم يُسندوه وقال النسائي عن الرواية الموصولة: "هذا خطأ لا نعلمُ أحدًا تابع أبي داوود على هذه الرواية".
والصواب المرسل، وأخرجه أحمد، والنسائي وفي الكبرى له، وابن حبان، والحاكم في المستدرك، والبيهقي وأخرجه النسائي وفي الكبرى له من طريق أبي سَلمة مرسلا.
الشيخ:
النسخة الأخرى؟
الطالب:
(05:55).
الشيخ:
أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ (05:55). فقط؟ وأيضًا كان معلوم من جهة المتن، ممكن الرسول -عَلَيهِ الصَلاة والسَّلام- يأمرهم بالإفطار ويؤكد عليهم ولا يفطران؟ ما يمكن.
أبو بكر وعمر لا يخالفان النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- يقول: "أفطرا" ويمتنعا، يقول: أفطرا، وكرر عليهم لا يمكن هذا، هذا نكارة في المتن، والنكارة في المتن تدل على عدم الصحة في السند.
أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ انفرد به، ولا يمكن للشيخين أن يخالفا النبي -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- وهو يأمرهم بالفطر.
لكن الدليل على هذا كراهة الصيام في السفر حديث: «ليس من البر الصيام في السفر» هذا الدليل على كراهة الصيام لمن شق عليه.
سقط حين قال: «ذهب المفطرون ولهم الأجر» لما سقط الصوام وخدمهم المفطرون، قال: «ذهب المفطرون ولهم الأجر».
القارئ:
"بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُفْطِرَ الْخَادِمَ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّائِمِ الْمَخْدُومِ فِي السَّفَرِ"
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ كُرَيْبٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ مُوَرِّقٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي السَّفَرِ، فَصَامَ بَعْضٌ وَأَفْطَرَ بَعْضٌ، فَتَحَزَّمَ الْمُفْطِرُونَ وَعَمِلُوا، وَضَعُفَ الصُّوَّامُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ: «ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ».
حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ مُوَرِّقٍ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ شَدِيدِ الْحَرِّ، فَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ، وَأَكْثَرُنَا ظِلًّا صَاحِبُ الْكِسَاءِ يَسْتَظِلُّ بِهَا الصَّائِمُونَ، وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ، فَضَرَبُوا الْأَبْنِيَةَ، وَسَقُوا الرِّكَابَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ».
الشيخ:
تخريجه؟
القارئ:
أحسن الله إليك.
الأول قال: "حديثٌ صحيح أخرجه مسلم من طريق حفص بن غِياث عن عاصم به، وأخرجه البخاري وأبو عَوانة من طريق أنس بن مالك، وسيأتي".
والثاني عفا الله عنك قال: "مسلم والنسائي وفي الكبرى له والطحاوي في شرح معاني الآثار وابن حِبان".
الشيخ:
هذا فيه دليل على أن الفطر أفضل في هذه الحالة؛ لأنه في يوم شديد الحر وسقط الصوام وخدمهم المفطرون، سقوا الرِكاب، وبنوا الخيام، وسقوا الإبل، وخدموا إخوانهم، وأحضروا لهم الطعام، والصائمون جالسون ما يستطيعون، فقال النبي: «ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ». فيه دليل على أن الفطر أفضل في هذه الحالة.
الترجمة إيش؟
القارئ:
"بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُفْطِرَ الْخَادِمَ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّائِمِ الْمَخْدُومِ فِي السَّفَرِ"
الشيخ:
فصار المفطرون يخدمون إخوانهم، والصوام مخدومون، فصار المفطر الخادم أفضل من الصائم المخدوم.
الدليل قول النبي صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم: «ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ». يعني فاقوا على الصوَّام.
القارئ:
"بَابُ الرُّخْصَةِ فِي صَوْمِ بَعْضِ رَمَضَانَ، وَفِطْرِ بَعْضٍ فِي السَّفَرِ"
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: "صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ ثُمَّ أَفْطَرَ".
الشيخ:
نعم، هذا فيه دليل على أنه لا بأس أن يصوم بعض رمضان ويفطر بعضه، ولا بأس أن يصوم يومًا ويفطر بعضه، وهذا فيه أن بعض العلماء يرى أن اليوم الذي تصوم أوله لا بد أن تتمه، وإنما تفطر اليوم الذي صمت من أوله في السفر، أما إذا صمت في الحضر ثم سافرت فإنك تتمه.
وهذا ليس بصحيح، والصواب: الجواز كما دلت عليه الأحاديث، وكذلك أيضًا من صام بعض رمضان له أن يفطر بعضه في السفر.
يعني لا بأس أن يصوم بعض رمضان ويُفطر بعضه، هل هناك أحد قال بأنه لا يجوز إذا صام أول رمضان في البلد ثم سافر فلا يصوم يُكمل؟ بعضهم قال ذلك.
وكذلك اليوم الذي يصوم أوله وهو في الحضر ثم يسافر له أن يُفطر.
وقال بعض العلماء: "لا يجوز، لا بد أن يتم اليوم الذي صامه".
والصواب: الجواز في هذا وهذا.
القارئ:
وقال رحمه الله تعالى:
"بَابُ ذِكْرِ خَبَرٍ تَوَهَّمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ نَاسِخٌ لِإِبَاحَةِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ"
الشيخ:
بارك الله فيك، قف على هذا، وَفْقَ الله الجميع إلى طاعته، ورزق الله الجميع بالعلم النافع والعمل الصالح. سبحانك الله وبحمدك، أشهدُ أن لا إله إلَّا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.