قارئ المتن:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام/ الحافظ ابن خزيمة -رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته- في كتابه الصحيح:
"جُمَّاعُ أَبْوَابِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ، مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ عِنْدَ الْمُسَافِرِ".
ثم قال رحمه الله تعالى:
"بَابُ: ذِكْرِ خَبَرٍ تَوَهَّمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ نَاسِخٌ لِإِبَاحَةِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ"
قال رحمه الله:
"حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، ح وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- قَالَ: «صَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْكَدِيدَ أَفْطَرَ».
قال أبو بكر رحمه الله: "وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" هَذَا حَدِيثُ عَبْدِ الْجَبَّار.
وَزَادَ: قَالَ سُفْيَانُ رحمه الله: "لَا أَدْرِي هَذَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-، أَوْ مِنْ قَوْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَوْ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ؟".
ثم قال رحمه الله: "بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ: «وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ» لَيْسَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ".
الشيخ:
تخريجه؟
القارئ:
تخريج الحديث الأول أحسن الله إليك قال: .....
الشيخ:
سبق في تراجم سابقة أنه حديث صحيح. رواه الشيخان، لكن ما بين وجه الاستدلال. قال باب إيش؟
القارئ:
"بَابُ: ذِكْرِ خَبَرٍ تَوَهَّمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ نَاسِخٌ لِإِبَاحَةِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ"
الشيخ:
حدثنا..
القارئ:
"حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، ح وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- قَالَ: «صَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْكَدِيدَ أَفْطَرَ».
الشيخ:
يعني وجه الدلالة قالوا أن هذا لما أفطر وأمر الناس بالفطر دل على أن هذا ناسخٌ للصوم، وأنه لا يجوز الصيام في السفر، وقالوا: "إن هذا في حجة الوداع في السنة الثامنة من الهجرة، لكن جاء أن النبي سافر بعد ذلك أسفار وصام وصام بعض الناس، الصحابة منهم المفطر ومنهم الصائم، فلا يعيب المفطر على الصائم ولا الصائم على المفطر.
فهذا ليس فيه دليل على أن الفطر ناسخٌ للصوم.
القارئ:
قال أبو بكر رحمه الله: "وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
الشيخ:
"وإنما يؤخز بالآخر فالآخِر" هذا أحسن.
القارئ:
هَذَا حَدِيثُ عَبْدِ الْجَبَّار.
وَزَادَ: قَالَ سُفْيَانُ رحمه الله: "لَا أَدْرِي هَذَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، أَوْ مِنْ قَوْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَوْ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ؟".
الشيخ:
عبد الجبار في السند؟
القارئ:
نعم. قال: "حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ".
ثم قال رحمه الله: "بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ: «وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ» لَيْسَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ".
قال: "حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، ح وَحَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْمَدِينَةِ يُرِيدُ مَكَّةَ، فَصَامَ حَتَّى أَتَى عُسْفَانَ، فَدَعَا بِإِنَاءٍ، فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم، حَتَّى نَظَرَ إِلَيْهِ النَّاسُ، ثُمَّ أَفْطَرَ صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم".
وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يَقُولُ: "مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ". هَذَا حَدِيثُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ يُوسُفُ: "سَافَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ، فَشَرِبَ نَهَارًا لِيَرَاهُ النَّاسُ، ثُمَّ أَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: "صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ، وَأَفْطَرَ، وَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رحمه الله: «هَذَا الْخَبَرُ يُصَرِّحُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- كَانَ يَرَى صَوْمَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي السَّفَرِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَإِفْطَارَهُ بَعْدُ، هَذَا مِنَ الْجِنْسِ الْمُبَاحِ أَنَّ كِلَا الْفِعْلَيْنِ جَائِزٌ، لَا أَنَّ إِفْطَارَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ عُسْفَانَ كَانَ نَسْخًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ صَوْمِهِ صَلَى الله عليه وسلم».
الشيخ:
يعني لأنه مُخير النصوص دلت على أنه مُخير بين الصيام وبين الفطر، فليس فيه تصريح بأنه ناسخ.
القارئ:
"بَابُ ذِكْرِ دَلِيلٍ ثَانٍ عَلَى أَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفِطْرِ عَامَ الْفَتْحِ لَمْ يَكُنْ بِنَاسِخٍ لِإِبَاحَتِهِ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ".
الشيخ:
قبل ذلك نفس التخريج؟
القارئ:
نعم.
التخريج أحسن الله إليك، قال: "صحيح، أخرجه أحمد من طريق عُبيدة بن حُميد عن منصور به، وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وفي الكبرى له والبيهقي من طريق جرير عن منصور به، وأخرجه أحمد والبخاري وأبو داوود وابن ماجه والنسائي وفي الكبرى له، وأبو يعلى والطحاوي في شرح معنى الآثار، وابن حِبان والطبراني في الكبير من طرق عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا".
"بَابُ ذِكْرِ دَلِيلٍ ثَانٍ عَلَى أَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفِطْرِ عَامَ الْفَتْحِ لَمْ يَكُنْ بِنَاسِخٍ لِإِبَاحَتِهِ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ".
خَبَرُ قَزْعَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: "وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَصُومُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمْلَيْتُهُ قَبْلُ".
الشيخ:
تخريجه؟
القارئ:
قال أحسن الله إليك: "انظر إلى حديث كذا، لكن ....... ".
الطالب:
أخرجه مسلم وأبو داوود وأحمد ......
الشيخ:
قَالَ: "وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَصُومُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ ................ .
القارئ:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: "وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَصُومُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمْلَيْتُهُ قَبْلُ".
في المُحَشِّي جاء بتعليق للنووي، قال النووي: "إذا دخل على الإنسان شهر رمضان وهو مقيمٌ جاز له أن يسافر ويفطر، هذا مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد والعلماء كافة، إلَّا ما حكاه أصحابنا عن أبي مخلد التابعي -رحمه الله- أنه لا يسافر، فإن سافر لزمه الصوم وحرم الفطر.....
الشيخ:
يقول لا يسافر، إذا دخل عليه رمضان يكمل في بلده، فإن سافر لزمه الصوم، ولا يسعه الفطر.
القارئ:
وعن عبيدة السلماني وسُويد بن غَفلة أنه يلزمه الصوم بقية الشهر، ولا يمتنع السفر لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة:185] دليلنا ......
الشيخ:
هذا ضعيف.
القارئ:
نعم.
قوله:
﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة:185]، وفي الصحيحين أن رسول الله -صَلىَ اللهُ عليهِ وسلم- خرج في غزوة الفتح في رمضان مسافرًا وأفطر، والآية التي احتج بها محمولة على مَن شهد كل الشهر في البلد، وهو حقيقة الكلام فإن شهد بعضه لزم صوم ما شهد منه في البلد، ولا بد من هذا التفسير للجمع بين الأدلة. انظر مجموع شرح المهذب.
ثم قال رحمه الله:
"بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ لِمَنْ قَدْ صَامَ بَعْضَهُ فِي الْحَضَرِ، خِلَافَ مَذْهَبِ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ إِذَا كَانَ قَدْ صَامَ بَعْضَهُ فِي الْحَضَرِ، تَوَهَّمَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185] أَنَّ مَنْ شَهِدَ بَعْضَ الشَّهْرِ وَهُوَ حَاضِرٌ غَيْرُ مُسَافِرٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ جَمِيعِ الشَّهْرِ، وَإِنْ سَافَرَ فِي بَعْضِهِ".
الشيخ:
بارك الله فيك.
الحاصل: أن الإنسان مُخير بين الصيام وبين الفطر، والصيام أفضل، وقيل أن الفطر أفضل إلَّا إذا شق عليه فإنه يُكره في حقه الصيام، هذا هو الصيام الذي دلت عليه النصوص، والذي عليه الأئمة والعلماء.
سؤال:
إذا أتى بلدة وهو مسافر جلس فيها يومين يأخذ حكم المسافر؟
الإجابة:
نعم، يجلس يومين أو ثلاثة أو أربعة حكمه مسافر له أن يفطر وله أن يصوم، فإن نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام، فإنه لزمه الصوم صار مقيم ويلزمه الإتمام.