({وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠)}
هَذَانِ مَثَلَانِ ضَرَبَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِنَوْعَيِ الْكُفَّارِ، كَمَا ضَرَبَ لِلْمُنَافِقِينَ فِي أَوَّلِ "الْبَقَرَةِ" مِثْلَيْنِ نَارِيًّا وَمَائِيًا، وَكَمَا ضَرَبَ لِمَا يَقَرُّ فِي الْقُلُوبِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ فِي سُورَةِ "الرَّعْدِ" مَثَلَيْنِ مَائِيًّا وَنَارِيًّا، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى كُلٍّ مِنْهَا فِي مَوْضِعِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ).
الشيخ: قر، يقر في القاموس ماذا قال فيها؟ مثلين لما يقر في القلوب.
(وَكَمَا ضَرَبَ لِمَا يَقَرُّ فِي الْقُلُوبِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ فِي سُورَةِ "الرَّعْدِ" مَثَلَيْنِ مَائِيًّا وَنَارِيًّا، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى كُلٍّ مِنْهَا فِي مَوْضِعِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، فَأَمَّا الْأَوَّلُ مِنْ هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ: فَهُوَ لِلْكُفَّارِ الدُّعَاةِ إِلَى كُفْرِهِمُ، الَّذِينَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالِاعْتِقَادَاتِ).
وهم أهل الجهل المركب، والثاني: هم أهل الجهل البسيط، المثل الأول: للجهال الذين جهلهم مركب، والمثل الثاني: للكفار الذين جهلهم بسيط.
(وَلَيْسُوا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى شَيْءٍ، فَمَثَلُهُمْ فِي ذَلِكَ كَالسَّرَابِ الَّذِي يُرَى فِي الْقِيعَانِ مِنَ الْأَرْضِ عَنْ بُعْدٍ كَأَنَّهُ بحر طام.
وَالْقِيعَةُ: جَمْعُ قَاعٍ، كَجَارٍ وجيرَةٍ. وَالْقَاعُ أَيْضًا: وَاحِدُ الْقِيعَانِ، كَمَا يُقَالُ: جَارٌ وَجِيرَانٌ. وَهِيَ: الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ الْمُتَّسِعَةُ الْمُنْبَسِطَةُ، وَفِيهِ يَكُونُ السَّرَابُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ. وَأَمَّا الْآلُ فَإِنَّمَا يَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ).
الطالب: وأما الأول.
الشيخ: وأما الأول، نعم.
(وَأَمَّا الْأولُ فَإِنَّمَا يَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ، يُرَى كَأَنَّهُ مَاءٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا رَأَى السَّرَابَ مَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْمَاءِ، حَسِبَهُ مَاءً فَقَصَدَهُ لِيَشْرَبَ مِنْهُ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ {لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا}، فَكَذَلِكَ الْكَافِرُ يَحْسَبُ أَنَّهُ قَدْ عَمِلَ عَمَلًا وَأَنَّهُ قَدْ حَصَّل شَيْئًا، فَإِذَا وَافَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَحَاسَبَهُ عَلَيْهَا، وَنُوقِشَ عَلَى أَفْعَالِهِ، لَمْ يَجِدْ لَهُ شَيْئًا بِالْكُلِّيَّةِ قَدْ قُبل، إِمَّا لِعَدَمِ الْإِخْلَاصِ، وَإِمَّا لِعَدَمِ سُلُوكِ الشَّرْعِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الْفَرْقَانِ: ٢٣]).
الطالب: الآل يا شيخ، هو يعرف الآل أنه يكون مقابل القيع، الآل يكون في أول النهار، يعني كالسراب يكون في أول النهار.
الشيخ: كلمة الآل ما معناها؟ هو ذكر الأول، ذكر أولًا قال.
الطالب: قال: فأما الأول من هذين المثالين.
الشيخ: اقرأ فأما الأول من هذين المثالين.
(فَأَمَّا الْأَوَّلُ مِنْ هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ: فَهُوَ لِلْكُفَّارِ الدُّعَاةِ إِلَى كُفْرِهِمُ، الَّذِينَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالِاعْتِقَادَاتِ، وَلَيْسُوا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى شَيْءٍ، فَمَثَلُهُمْ فِي ذَلِكَ كَالسَّرَابِ الَّذِي يُرَى فِي الْقِيعَانِ مِنَ الْأَرْضِ عَنْ بُعْدٍ كَأَنَّهُ بحر طام، وَالْقِيعَةُ: جَمْعُ قَاعٍ، كَجَارٍ وجيرَةٍ. وَالْقَاعُ أَيْضًا: وَاحِدُ الْقِيعَانِ، كَمَا يُقَالُ: جَارٌ وَجِيرَانٌ. وَهِيَ: الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ الْمُتَّسِعَةُ الْمُنْبَسِطَةُ، وَفِيهِ يَكُونُ السَّرَابُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ. وَأَمَّا الْآلُ فَإِنَّمَا يَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ، يُرَى كَأَنَّهُ مَاءٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا رَأَى السَّرَابَ مَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْمَاءِ، يحَسبَهُ مَاءً فَقَصَدَهُ لِيَشْرَبَ مِنْهُ).
الشيخ: ما معنى الآل هنا في هذا الموضع؟ أما الآل، وكذلك الأول، هذا ولا هذا.
الطالب: الظاهر أنه شيخنا الذي يوازي السراب، كأن السراب يقول: بعد نصف النهار، والآل قبل نصف النهار.
الطالب: يعني هو السراب في أول النهار يسمى آل، والسراب بعد نصف السراب بهذا الاسم.
الطالب: كأنه هذا الذي يقصده يا شيخ.
الشيخ: السراب في أول النهار يسمى سراب.
الطالب: بعد منتصف النهار يسمى سراب.
الشيخ: شوف كلمة الآل في القاموس، هل فيها هذا المعنى؟
الطالب: في لسان العرب قال: أما السراب الآل، وقيل: السراب الذي يكون نصف النهار لاطئًا بالأرض لاصقًا بها كأنه ماء جار، والآل الذي يكون في الضحى يرفع الشقوص ويزهاها، كالماء بين السماء والأرض.
الشيخ: يعني في قولان: قيل: السراب هو الآل، وقيل: لا يسمى الآل إلا إذا كان بعد نصف النهار، وقيل: بعد نصف النهار ويكون في الضحى أيضًا، كيف؟
الطالب: لا، السراب هو الذي يكون بعد نصف النهار.
الشيخ: وقيل: الذي يكون بعد نصف النهار؟
الطالب: وقيل: السراب الذي يكون نصف النهار، والآل الذي يكون في الضحى، أحسن الله إليكم في القاموس في قر، في المكان يقر بالكسر والفتح، يقِر يقَر، فيها الوجهان.
(وَأَمَّا الْآلُ فَإِنَّمَا يَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ، يُرَى كَأَنَّهُ مَاءٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).
في أول النهار يعني في الضحى، وقيل: إنه يكون في آخر النهار.
(فَإِذَا رَأَى السَّرَابَ مَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْمَاءِ، يحَسبَهُ مَاءً قَصَدَهُ لِيَشْرَبَ مِنْهُ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ {لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا}، فَكَذَلِكَ الْكَافِرُ يَحْسَبُ أَنَّهُ قَدْ عَمِلَ عَمَلًا وَأَنَّهُ قَدْ حَصَّل شَيْئًا، فَإِذَا وَافَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَحَاسَبَهُ عَلَيْهَا، وَنُوقِشَ عَلَى أَفْعَالِهِ، لَمْ يَجِدْ لَهُ شَيْئًا بِالْكُلِّيَّةِ قَدْ قُبل، إِمَّا لِعَدَمِ الْإِخْلَاصِ، وَإِمَّا لِعَدَمِ سُلُوكِ الشَّرْعِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الْفَرْقَانِ: ٢٣].
وَقَالَ هَاهُنَا: {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}. وَهَكَذَا رُوي عَنْ أُبي بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّهُ يُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْر ابْنَ اللَّهِ. فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ، مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقُولُونَ: أَيْ رَبَّنَا، عَطشنا فَاسْقِنَا. فَيُقَالُ: أَلَا تَرَوْنَ؟ فَتُمَثَّلُ لَهُمُ النَّارُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يُحَطِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَنْطَلِقُونَ فَيَتَهَافَتُونَ فِيهَا.
وَهَذَا الْمِثَالُ مِثَالٌ لِذَوِي الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ. فَأَمَّا أَصْحَابُ الْجَهْلِ الْبَسِيطِ).
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
في هذا المثل في أصحاب الجهل المركب، وهم الكفار الذين يدعون إلى كفرهم، ويظنون أنهم على حق ويجتهدون اجتهادًا عظيمًا في دعوة الناس إلى دينهم، يظنون أنهم على الحق، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104)﴾[الكهف:103/104]، وقال سبحانه: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ(30)﴾[الأعراف:28/30].
يدعون إلى دينهم، ويعتقدون أنهم على حق، ولذلك يبذلون جهودًا عظيمة في الدعوة إلى دينهم، مثل جمعيات النصارى، جمعيات المبشرين الآن، يسمونهم مبشرين النصارى، ماذا يعملون؟ جهود، يذهبون إلى البلدان الفقيرة، ويفتحون مستشفيات عندهم، ويوزعون عليهم الأموال، ويدعونهم إلى دينهم، ويفرحون فرحًا عظيمًا إذا دخل بعض الناس في دينهم، بعضهم يقول: في بعض البلدان هناك وجدت عجوز من النصارى جالسة لمدة خمسة عشر سنة في مكان ليس فيه شيء من متطلبات الحياة، وصابرة على شظف العيش والشدة، تدعوا إلى دينها، كل هذه المدة الطويلة تدعوا إلى دينها، يحسبون أنهم على هدى، وهم على ضلال، هذا هو الجهل المركب، الجهل المركب هو الذي لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، أما صاحب الجهل البسيط فهو الذي لا يعلم، جاهل، هذا صاحب جهل، لكن أشد منه الذي لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، هؤلاء يدعون إلى دينهم، ويظنون أنهم على الحق، يظنون أنهم على هدى، فهم لا يدرون أنهم على ضلالة، ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾[الكهف:104].
وأما المثل الثاني فهو لأصحاب الجهل البسيط، هم الجهال الذين لا يدرون فقط، أما هؤلاء لا يدرون ولا يدرون أنهم لا يدرون.
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة، وغن كنت تدري فالمصيبة أعظم.
(وَهَذَا الْمِثَالُ مِثَالٌ لِذَوِي الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ. فَأَمَّا أَصْحَابُ الْجَهْلِ الْبَسِيطِ وَهُمُ الطَّماطم الْأَغْشَامُ الْمُقَلِّدُونَ لِأَئِمَّةِ الْكُفْرِ).
يعني مثل الله لهم بأن أعمالهم كسراب بقيعة، بقاع، ﴿يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾[النور:39]، يرى السراب من بعد، وكلما قرب منه ابتعد، وهكذا، كلما اقترب ابتعد، حتى يهلك، ثم إذا وصل إليه لم يجد شيئًا، نسأل الله السلامة والعافية، فكذلك الجاهل الذي يدعوا، هؤلاء يدعون إلى دينهم، ويدعون ويدعون، وليسوا على هدى، فإذا وافوا الله يحاسبهم بأعمالهم علموا أن أعمالهم باطلة، وأن أعمالهم حابطة، نسأل الله السلامة والعافية، لماذا؟ لأنهم لم يوحدوا الله، لشركهم أو لأن أعمالهم غير موافقة للشرع، أو للأمرين جميعًا، نسأل الله السلامة والعافية.
(فَأَمَّا أَصْحَابُ الْجَهْلِ الْبَسِيطِ وَهُمُ الطَّماطم الْأَغْشَامُ الْمُقَلِّدُونَ لِأَئِمَّةِ الْكُفْرِ الصُّمِّ الْبُكْمِ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ، فَمَثَلُهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ}: قَالَ قَتَادَةُ: وَهُوَ الْعَمِيقُ. {يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا}).
الطالب: الطماطم جمع طمطم بكسر وسكون فكسر الطاء الثانية، وهو الذي في لسانه عجمة.
الشيخ: انظر أيضًا معنى ذكره، أحيانًا يكون له معنيان أو ثلاثة، ماذا بعد هذا؟ ماذا بعده في القاموس؟ ما في زيادة؟
الطالب: لا، أحسن الله عملك، هذا في حاشية نسخة الشعب، هو الذي في لسانه عجمة.
الشيخ: انظر القاموس.
الطالب: هو الأعجم لا يفصح [00:15:56]
الشيخ: ذكر بأنه هو المقلد لغيره، يأتي بمعنى المقلد لغيره والتابع لغيره بغير هدى، والطماطم جمع طمطم وهو الذي، هنا هو الذي يتبع غيره، يقول الحافظ...
(وَهُمُ الطَّماطم الْأَغْشَامُ الْمُقَلِّدُونَ لِأَئِمَّةِ الْكُفْرِ الصُّمِّ الْبُكْمِ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ).
والأعجمي كذلك، هؤلاء أتباع يتبعون كل ناقع، تبع لهم، جهال تبع لرؤسائهم، الأولى: أهل الجهل المركب، وهم القادة، وهم الذين يدعون إلى الباطل على غير هدى، وهؤلاء مقلدون لهم، تابعون لهم.
(فَمَثَلُهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ}: قَالَ قَتَادَةُ: وَهُوَ الْعَمِيقُ. {يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا}، أَيْ: لَمْ يُقَارِبْ رُؤْيَتَهَا مِنْ شِدَّةِ الظَّلَامِ، فَهَذَا مِثْلُ قَلْبِ الْكَافِرِ الْجَاهِلِ الْبَسِيطِ الْمُقَلِّدِ الَّذِي لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ، وَلَا هُوَ يَعْرِفُ حَالَ مَنْ يَقُودُهُ، بَلْ كَمَا يُقَالُ فِي الْمَثَلِ لِلْجَاهِلِ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ قَالَ: مَعَهُمْ. قِيلَ: فَإِلَى أَيْنَ يَذْهَبُونَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: {يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} يَعْنِي بِذَلِكَ: الْغَشَاوَةَ الَّتِي عَلَى الْقَلْبِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَهِيَ كَقَوْلِهِ: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الْبَقَرَةِ: ٧]، وَكَقَوْلِهِ: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الْجَاثِيَةِ: ٢٣].
وَقَالَ أُبيّ بْنُ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} فَهُوَ يَتَقَلَّبُ فِي خَمْسَةٍ مِنَ الظُّلَمِ: كَلَامُهُ ظُلْمَةٌ، وَعَمَلُهُ ظُلْمَةٌ، وَمَدْخَلُهُ ظُلْمَةٌ، وَمَخْرَجُهُ ظُلْمَةٌ، وَمَصِيرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الظُّلُمَاتِ، إِلَى النَّارِ.
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، والسُّدِّي نَحْوَ ذَلِكَ أَيْضًا).
﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ﴾ [النور:40]، في بحر لجي، عميق مظلم، من فوقه موج، من فوقه سحاب، كم ظلمة؟ ثلاث ظلمات، ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ﴾ [النور:40]، أربع ظلمات، ﴿إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ [النور:40]، لم يقل: لم يرها، لم يكد، لا يقارب رؤيتها، ما يقارب رؤيتها، نسأل الله السلامة والعافية، فهو منغمر في الجهل، لا يدري، كالغشاوة التي تكون على القلب.
(وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} أَيْ: مَنْ لَمْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَهُوَ هَالِكٌ جَاهِلٌ حَائِرٌ بَائِرٌ كَافِرٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ} [الأعراف: ١٨٦] وهذا [في] مُقابلة مَا قَالَ فِي مِثْلِ الْمُؤْمِنِينَ: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَجْعَلَ فِي قُلُوبِنَا نُورًا، وَعَنْ أَيْمَانِنَا نُورًا، وَعَنْ شَمَائِلِنَا نُورًا، وَأَنْ يُعْظِمَ لَنَا نُورًا).
جاء في الدعاء ذكر ما يقوله الذاهب إلى المسجد، قال: «اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، واجعل في بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن شمالي نورًا، ومن فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، اللهم أعطني نورًا، وزدني نورًا»، هذا الدعاء يقال عند الذهاب إلى المسجد، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}، من سلب الله عنه وحرمه من النور فهو يتخبط في الظلمات نسأل الله السلامة والعافية.
({أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٤٢)}.
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ يُسَبِّحه من في السموات وَالْأَرْضِ، أَيْ: مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنَاسِيِّ، وَالْجَانِّ وَالْحَيَوَانِ، حَتَّى الْجَمَادِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الْإِسْرَاءِ: ٤٤].
وَقَوْلُهُ: {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} أَيْ: فِي حَالِ طَيَرَانِهَا تُسَبِّحُ رَبَّهَا وَتَعْبُدُهُ بِتَسْبِيحٍ أَلْهَمَهَا وَأَرْشَدَهَا إِلَيْهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا هِيَ فَاعِلَةٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} أَيْ: كُلٌّ قَدْ أَرْشَدَهُ إِلَى طَرِيقَتِهِ وَمَسْلَكِهِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ.
ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ عَالِمٌ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ؛ وَلِهَذَا (١) قَالَ: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}.
ثُمَّ أخبر تعالى: أن له ملك السماوات وَالْأَرْضِ، فَهُوَ الْحَاكِمُ الْمُتَصَرِّفُ الَّذِي لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَهُوَ الْإِلَهُ الْمَعْبُودُ الَّذِي لَا تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ. {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَحْكُمُ فِيهِ بِمَا يَشَاءُ؛ {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النَّجْمِ: ٣١]، فَهُوَ الْخَالِقُ الْمَالِكُ، أَلَا لَهُ الْحُكْمُ فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ؟).
هذه الآيات الكريمات فيها بيان أن الله سبحانه يسبح له كل شيء، الحيوانات، والجمادات وغيرها، ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾[النور:41]، كل من في السماوات والأرض يسبح الله، والشجر والجبال والدواب، وفي الآية الأخرى: ﴿يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾[النحل:48]، يتفيأ عن اليمين والشمال، هذا سجودها لله، حتى الجمادات كلها تسبح، ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾[التغابن:1]، ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾[النور:41]، الطير وهي الجو أيضًا تعبد الله بعبادتها [00:23:45] ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾[النور:41]، ألهمها الصلاة والتسبيح، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾[النور:41]، لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد، وله ملك السماوات والأرض، مالكهما ومدبرهما، وإليه مرجع العباد ومآلهم، يحكم فيه بحكم العدل يوم القيامة.
({أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنزلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ (٤٣) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأولِي الأبْصَارِ (٤٤)}.
يَذْكُرُ تَعَالَى أَنَّهُ بِقُدْرَتِهِ يَسُوقُ السَّحَابَ أَوَّلَ مَا يُنْشِئُهَا وَهِيَ ضَعِيفَةٌ، وَهُوَ الْإِزْجَاءُ {ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ} أَيْ: يَجْمَعُهُ بَعْدَ تَفَرُّقِهِ، {ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا} أَيْ: مُتَرَاكِمًا، أَيْ: يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، {فَتَرَى الْوَدْقَ} أَيِ الْمَطَرَ {يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} أَيْ: مِنْ خَلَله. وَكَذَا قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ).
رواية حفص: {من خلاله}، وهو المشهور.
(قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ: يَبْعَثُ اللَّهُ الْمُثِيرَةَ فَتَقُمّ الْأَرْضَ قمًّا).
يعني الريح.
(ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ النَّاشِئَةَ فَتُنْشِئُ السَّحَابَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ الْمُؤَلِّفَةَ فَتُؤَلِّفُ بَيْنَهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ [اللَّهُ] اللَّوَاقِحَ فَتَلْقَحُ السَّحَابَ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَقَوْلُهُ: {وَيُنزلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ}: قَالَ بَعْضُ النُّحَاةِ: "مِنِ" الْأُولَى: لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَالثَّانِيَةُ: لِلتَّبْعِيضِ، وَالثَّالِثَةُ: لِبَيَانِ الْجِنْسِ. وَهَذَا إِنَّمَا يَجِيءُ عَلَى قَوْلِ مَنْ ذَهَبَ من الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ: {مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ} وَمَعْنَاهُ: أَنَّ فِي السَّمَاءِ جبالَ بَرَد يُنَزِّلُ اللَّهُ مِنْهَا الْبَرْدَ. وَأَمَّا مَنْ جعل الجبال ههنا عِبَارَةً عَنِ السَّحَابِ، فَإِنَّ "مِنِ" الثَّانِيَةَ عِنْدَ هَذَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ أَيْضًا، لَكِنَّهَا بَدَل مِنَ الْأُولَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: {فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ} يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {فَيُصِيبُ بِهِ} أَيْ: بِمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ نَوْعَيِ الْبَرَدِ وَالْمَطَرِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: {فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ} رَحْمَةً لَهُمْ، {وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ} أَيْ: يُؤَخِّرُ عَنْهُمُ الْغَيْثَ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {فَيُصِيبُ بِهِ} أَيْ: بِالْبَرَدِ نِقْمَةً عَلَى مَنْ يَشَاءُ لِمَا فِيهِ مِنْ نَثْرِ ثِمَارِهِمْ وَإِتْلَافِ زُرُوعِهِمْ وَأَشْجَارِهِمْ. وَيَصْرِفُهُ عَمَّنْ يَشَاءُ [أَيْ:] رَحْمَةً بِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ} أَيْ: يَكَادُ ضَوْءُ بِرِقِهِ مِنْ شِدَّتِهِ يَخْطِفُ الْأَبْصَارَ إِذَا اتَّبَعَتْهُ وَتَرَاءَتْهُ).
سبحان الله! الحكم العظيمة، ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا﴾ [النور:43]، يمر بثلاث حالات: يزجيه، الإجزاء ضعيف، ويكون متفرق، ثم يؤلف، ثم يتراكم، فأولًا: الله تعالى يزجيه، يسوق الريح، فتتجمع سحاب متفرق، ثم المرحلة الثانية: يؤلف بينه، يكون هذا السحاب المتفرق قطعًا صغيرة فتتألف وتجتمع، ثم المرحلة التي بعد ذلك تتراكم، ﴿فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ﴾[النور:43]، الودق: المطر يخرج من خلاله، ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ﴾[النور:43]، إما أن يصيب المطر من يشاء، ويصرفه عمن يشاء، يصيب المطر من يشاء فيفرحون، وتحيا بلادهم، ويصرفه عمن يشاء فلا يصيبهم فيمحلون، أو يصيب البرد قومًا فيكون عقوبة لهم، ويصرفه عمن يشاء رحمة بهم، ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ﴾[النور:43]، البرق من شدته يخطف الأبصار إلى تراءت.
(وَقَوْلُهُ {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} أَيْ: يَتَصَرَّفُ فِيهِمَا، فَيَأْخُذُ مِنْ طُولِ هَذَا فِي قِصَرِ هَذَا حَتَّى يَعْتَدِلَا ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْ هَذَا فِي هَذَا، فَيَطُولُ الَّذِي كَانَ قَصِيرًا، وَيَقْصُرُ الَّذِي كَانَ طَوِيلًا. وَاللَّهُ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي ذَلِكَ بِأَمْرِهِ وَقَهْرِهِ وَعِزَّتِهِ وَعِلْمِهِ.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأولِي الأبْصَارِ} أَيْ: لَدَلِيلًا عَلَى عَظَمَتِهِ تَعَالَى، كَمَا قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ} [آلِ عِمْرَانَ: ١٩٠]. وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ).
يأخذ من طول هذا في هذا، ومن طول هذا في هذا، والله تعالى له الحكمة وما يترتب على ذلك من المصالح التي تعود إلى الخلق والحيوانات والنباتات، فيأخذ من طول النهار، يأخذ الليل من طول النهار ويزيد في فصل الخريف، فيطول فصل الشتاء، وينتهي في نهاية شدة البرد، ثم يعود مرة أخرى فيأخذ النهار من الليل، حتى يعتدلان في فصل الربيع، ثم يجعل النهار يطول، والليل ينقص، حتى ينتهي النهار في الطول، ثم يأخذ الليل منه حتى يتساويان في فصل الخريف، فهناك تساويان في فصل الخريف وفصل الربيع، في فصل الربيع برج الحمل، واحد الحمل يتساوى الليل والنهار، اثنا عشر ساعة، من طلوع الشمس إلى غروب الشمس اثنا عشر ساعة، ومن غروب الشمس إلى طلوع الشمس اثنا عشر ساعة، في فصل الخريف واحد الميزان، وهو بدء الدراسة، واحد الميزان يتساوى الليل والنهار، ثم بعد ذلك يأخذ الليل في الطول، وفي فصل الربيع يتساويان، ثم يأخذ النهار في الطول، حتى يطول النهار في فصل الصيف جدًا، ويطول الليل في فصل الشتاء جدًا، ويترتب على هذا دوران السنة، ودوران الفصول، عشرة أيام تدور عليها السنة وهكذا، ويكون الانقلاب الشتوي في حدود ثلاثين سنة، يكون الشتاء في زمن الصيف، والصيف في زمن الشتاء، [00:32:28]، فمن عاش يكون رمضان في شدة البرد، وبعد ثلاثين سنة يكون في شدة الحر، وهكذا، فمن عاش مئة سنة يحصل على الدوران ثلاثة مرات، كل ثلاثون سنة يحصل انقلاب، انقلاب الشتوي، والانقلاب الصيفي، يكون الصيف في زمن الشتاء، والشتاء في زمن الصيف، ولله الحكمة البالغة، يترتب على هذا مصالح للأجساد والحيوانات وللنبات، الله تعالى له الحكمة البالغة.
({وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٥)}.
يَذْكُرُ تَعَالَى قُدْرَتَهُ التَّامَّةَ وَسُلْطَانَهُ الْعَظِيمَ، فِي خَلْقِهِ أَنْوَاعَ [الْمَخْلُوقَاتِ]. عَلَى اخْتِلَافِ أَشْكَالِهَا وَأَلْوَانِهَا، وَحَرَكَاتِهَا وَسُكَنَاتِهَا، مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ، {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} كَالْحَيَّةِ وَمَا شَاكَلَهَا، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ} كَالْإِنْسَانِ وَالطَّيْرِ، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} كَالْأَنْعَامِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} أَيْ: بِقُدْرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}).
﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ﴾[النور:45]، كل الدواب التي تدب على الأرض خلقها الله من ماء، ومع ذلك فهي مختلفة، فمن من يمشي على بطنه؛ كالحية، ومن يمشي على رجلين؛ كالإنسان والطير، ومنهم من يمشي على أربع؛ كالدواب وغيرها، له الحكمة البالغة، يخلق الله ما يشاء سبحانه.
({لَقَدْ أَنزلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٦)}.
يُقَرِّرُ تَعَالَى أَنَّهُ أَنَزَلَ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنَ الْحِكَمِ وَالْأَمْثَالِ الْبَيِّنَةِ الْمُحْكَمَةِ، كَثِيرًا جَدًّا، وَأَنَّهُ يُرْشِدُ إِلَى تَفَهُّمِهَا وَتَعَقُّلِهَا أُولِي الْأَلْبَابِ وَالْبَصَائِرِ وَالنُّهَى؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}).
كثير من الأمثال يضربها الله تعالى، والحكم يبينها للناس، ينتقل الإنسان من المثل الحسي إلى المثل المعنوي، فيها من الحكم والأسرار، {لَقَدْ أَنزلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٦)} [النور/46]، قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾[العنكبوت:43]، كان أحد السلف إذا لم يعرف المثل بكى، وقال: يقول الله: ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾[العنكبوت:43]، الأمثال فيها مواعظ وعبر عظيمة.
({وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (٥٢)}.
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ، الَّذِينَ يُظْهِرُونَ خِلَافَ مَا يُبَطِنُونَ، يَقُولُونَ قَوْلًا بِأَلْسِنَتِهِمْ: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} أَيْ: يُخَالِفُونَ أَقْوَالَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ، فَيَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}.
وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} أَيْ: إِذَا طُلِبُوا إِلَى اتِّبَاعِ الْهُدَى، فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، أَعْرَضُوا عَنْهُ وَاسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ عَنِ اتِّبَاعِهِ. وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النِّسَاءِ: ٦٠، ٦١].
وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ رَوْحِ بْنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَة مَرْفُوعًا: «مَنْ دُعي إِلَى سُلْطَانٍ فَلَمْ يُجِبْ، فَهُوَ ظَالِمٌ لَا حَقَّ لَهُ»).
هذا ضعيف، رواية الحسن عن سمرة منقطع، ماذا قال عليه؟
الطالب: أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، قال الهيثمي في المجمع: فيه روح بن عطاء، وثقه ابن عدي وضعفه الأئمة.
الشيخ: بس، فيه رواية الحسن عن سمرة، ضعيف.
الطالب: ضعيف، أحسن الله إليك، روح بن عطاء ضعيف.
الشيخ: وكذلك أيضًا، فيه ضعيفان، وفيه رواية الحسن منقطع عن سمرة، الآية كافية، معناها كافي.
(وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ}، أَيْ: وَإِذَا كَانَتِ الْحُكُومَةُ لَهُمْ لَا عَلَيْهِمْ، جَاؤُوا سَامِعِينَ مُطِيعِينَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {مُذْعِنِينَ} وَإِذَا كَانَتِ الْحُكُومَةُ عَلَيْهِ أَعْرَضَ وَدَعَا إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ، وَأَحَبَّ أَنْ يَتَحَاكَمَ إِلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُرَوِّجَ بَاطِلَهُ ثَمّ. فَإِذْعَانُهُ أَوَّلًا لَمْ يَكُنْ عَنِ اعْتِقَادٍ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ، بَلْ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِهَوَاهُ؛ وَلِهَذَا لَمَّا خَالَفَ الْحَقُّ قَصْدَهُ، عَدَلَ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} يَعْنِي: لَا يَخْرُجُ أَمْرُهُمْ عَنْ أَنْ يَكُونَ فِي الْقُلُوبِ مَرَض لَازِمٌ لَهَا، أَوْ قَدْ عَرَضَ لَهَا شَكٌّ فِي الدِّينِ، أَوْ يَخَافُونَ أَنْ يَجُورَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَلَيْهِمْ فِي الْحُكْمِ. وَأَيًّا مَا كَانَ فَهُوَ كُفْرٌ مَحْضٌ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِكُلٍّ مِنْهُمْ، وَمَا هُوَ عَلَيْهِ مُنْطَوٍ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ.
وَقَوْلُهُ: {بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} أَيْ: بَلْ هُمُ الظَّالِمُونَ الْفَاجِرُونَ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ مُبَرَّآنِ مِمَّا يَظُنُّونَ وَيَتَوَهَّمُونَ مِنَ الْحَيْفِ وَالْجَوْرِ، تَعَالَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْ ذَلِكَ).
هذه صفات المنافقين، هذه الآية في صفات المنافقين، ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾[النور:47]، أي: بألسنتهم، ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون بأفعالهم، أفعالهم تخالف الأقوال، ولهذا نهى الله سبحانه وتعالى المؤمنين أن يقولوا شيئًا ويخالفوه بأفعالهم، قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ(3)﴾[الصف:2/3]، قال سبحانه عن شعيب: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾[هود:88]، ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾[النور:47]، يعني ليست هذه صفات المؤمنين، ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا﴾[النور:47]، ثم يتولون، ويعرضون بأفعالهم، قال الله: ﴿وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾[النور:47]، ليست هذه صفات المؤمنين، إنما صفات المؤمنين كما قال بعده بآيات، ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[النور:51].
﴿وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ﴾[النور:48]، إذا دعوا إلى التحاكم إلى شرع الله أعرضوا، إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون، ﴿وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ﴾[النور:49]، إذا كان لهم الحق أذعنوا، وإذا كان الحكومة ليست عليهم أعرضوا، فإذعانهم هذا ليس انقيادًا، إنما إذعانهم من أجل الهوى، إذعانهم إذا كانت الحكومة لهم؛ لأنه وافق هواهم وما يريدون، وإذا وافقت الحكومة أهوائهم تولوا وأعرضوا، هذه صفات المنافقين، ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾[النور:47]، نفى عنهم الإيمان، ﴿وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ﴾[النور:48]، يعرضون، لا يطلبون حكم الله وحكم رسوله، وإذا كان لهم الحق أذعنوا لمخالفته هواهم، ﴿وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(50)﴾[النور:49/50]، لا يخلو أمرهم عن واحد من ثلاثة أمور:
إما في قلوبهم مرض، وهو مرض النفاق، أو عندهم الشك والريب، ليس عندهم إيمان وليس عندهم يقين، أو يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله، أو يخافون من الظلم، وأن الله ظلمهم، يخافون من الظلم من الله ورسوله، ﴿أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[النور:50]، بل أي: الحكم عليهم بأنهم هو الظلمة، هم الذين وقعوا في الظلم، وهو الظلم والكفر والشرك الذي هو أعظم الظلم، ﴿أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[النور:50]، لا تخلو حالهم من الأمور الثلاثة، وقد تجتمع عليهم الثلاث أمور، في قلوبهم مرض، في قلوبهم شك، وهم أيضًا يخافون من الظلم، وأن الله ظلمهم، وأن الله غفور رحيم، نسأل الله السلامة والعافية، حكم عليهم بالظلم، والظلم يدخل فيه الشرك الذي هو أعظم الظلم، قال تعالى عن لقمان: ﴿يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾[لقمان:13]، أعظم الظلم، الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، والمشرك وقع في أعظم الظلم، حيث وضع العبادة لغير مستحقها.
(قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُبَارَكٌ، حدثنا الحسن قال: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجُلِ مُنَازَعَةٌ، فَدُعِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحِقّ أَذْعَنَ، وَعَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَقْضِي لَهُ بِالْحَقِّ. وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَظْلِمَ فدُعي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَضَ، وَقَالَ: أنطلقُ إِلَى فُلَانٍ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَيْءٌ، فدُعِي إِلَى حَكَم مِنْ حُكَّام الْمُسْلِمِينَ فَأَبَى أَنْ يُجِيبَ، فَهُوَ ظَالِمٌ لَا حَقَّ لَهُ».
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَهُوَ مُرْسَلٌ).
والمرسل ضعيف، ماذا قال عليه؟
الطالب: رواه عبد بن حميد، وابن المنذر عن الحسن وأم سلمة.
الشيخ: مراسيل الحسن ضعيفة جدًا.
الطالب: وقال: سنده ضعيف، أخرجه ابن أبي حاتم [00:47:46]
الشيخ: على كل حال الآية واضحة لا حاجة إلى المرسل.
(ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ صِفَةِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَجِيبِينَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، الَّذِينَ لَا يَبْغُونَ دِينًا سِوَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فَقَالَ: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} أَيْ: سَمْعًا وَطَاعَةً؛ وَلِهَذَا وَصْفَهُمْ تَعَالَى بِفَلَاحٍ، وَهُوَ نَيْلُ الْمَطْلُوبِ وَالسَّلَامَةُ مِنَ الْمَرْهُوبِ، فَقَالَ: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} ذُكر لَنَا أَنَّ عُبَادة بْنَ الصَّامِتِ -وَكَانَ عَقَبيَّا بَدْرِيًّا، أَحَدَ نُقَبَاءِ الْأَنْصَارِ -أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِابْنِ أَخِيهِ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ: أَلَا أُنَبِّئُكَ بِمَاذَا عَلَيْكَ وَمَاذا لَكَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ، فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ).
يعني ولاة الأمور.
(ومَنْشَطك وَمَكْرَهِكَ، وَأَثَرَةً عَلَيْكَ. وَعَلَيْكَ أَنْ تُقِيمَ لِسَانَكَ بِالْعَدْلِ، وَأَلَّا تُنَازِعَ الأمرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ يَأْمُرُوكَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ بَوَاحا، فَمَا أُمِرْتَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ، فَاتَّبِعْ كِتَابَ اللَّهِ).
تنازع الأمر أهله، يعني تنازع ولاة الأمور في الحكم، والخروج عليهم، تنازع الأمر أهله، وهم أهله، إلا أن تؤمر بمعصية فلا تطع في المعصية، ولكن ليس معنى ذلك الخروج، ولكن لا يطيعه في خصوص المعصية، ولا يخرج عليه، ولا يؤلب الناس عليه، ولا يمتنع من طاعته في الأمور المباحة، وفي الواجبات، إذن ما في خصوص للمعصية، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعة في المعروف، وألا تنازع الأمر أهله.
وَأَلَّا تُنَازِعَ الأمرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ يَأْمُرُوكَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ بَوَاحا).
المراد بمعصية الله هنا الكفر؛ لقوله: بواحًا، كما في الحديث الآخر: «إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان»، والكفر هنا معصية الكفر، بدليل قوله: بواحًا.
(فَمَا أُمِرْتَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ، فَاتَّبِعْ كِتَابَ اللَّهِ).
الشيخ: ماذا قال عن هذا الكلام كلام عبادة؟ الوصية ماذا قال عليها؟ تخريجها؟ تكلم عليه؟ ما ذكر سند؟ كلامه صحيح، يوافق الأحاديث، كلام عبادة.
الطالب: حديث عبادة في الصحيح؟
الشيخ: حديث: «إلا أن تروا كفرًا بواحًا»، هذا عن عبادة أو عن غيره؟ هو في الصحيح معروف، لكن هل هو عن عبادة أو عن غيره؟ لكن هذا الكلام يوافقه.
الطالب: «بايعت رسول الله على المنشط والمكره».
الشيخ: الراوي عبادة؟
الطالب: أظن.
الشيخ: لكن المعنى صحيح، هذا يوافقه.
(وَقَالَ قَتَادَةُ: وَذُكر لَنَا أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: لَا إِسْلَامَ إِلَّا بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَلَا خَيْرَ إِلَّا فِي جَمَاعَةٍ، وَالنَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَلِلْخَلِيفَةِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً).
الشيخ: هكذا للخليفة؟
الطالب: نعم.
(وَقَالَ قَتَادَةُ: وَذُكر لَنَا أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: لَا إِسْلَامَ إِلَّا بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَلَا خَيْرَ إِلَّا فِي جَمَاعَةٍ، وَالنَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَلِلْخَلِيفَةِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً.
قَالَ: وَقَدْ ذُكر لَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ يَقُولُ: عُروة الْإِسْلَامِ شهادةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وإقامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَالطَّاعَةُ لِمَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ.
رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِي وُجُوبِ الطَّاعَةِ لِكِتَابِ اللَّهِ [وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَلِلْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالْأَئِمَّةِ إِذَا أَمَرُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ] كَثِيرَةٌ جَدًّا، أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ فِي هَذَا الْمَكَانِ.
وَقَوْلُهُ {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أَيْ: فِيمَا أَمَرَاهُ بِهِ وَتَرْكِ مَا نَهَيَاهُ عَنْهُ، {وَيَخْشَ اللَّهَ} فِيمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ، {وَيَتَقِهِ} فِيمَا يَسْتَقْبِلُ.
وَقَوْلُهُ {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} يَعْنِي: الَّذِينَ فَازُوا بِكُلِّ خَيْرٍ، وأمنُوا مَنْ كُلِّ شَرٍّ فِي الدنيا والآخرة).
أن يطيع الله ورسوله بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، ويخشى الله فيما مضى، ويتقه في المستقبل يكون يخشى الله، يعني تخصيصًا؛ لأنها قارن معها ويتقه في المستقبل، والخشية تشمل المستقبل.
(وَقَوْلُهُ {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أَيْ: فِيمَا أَمَرَاهُ بِهِ وَتَرْكِ مَا نَهَيَاهُ عَنْهُ، {وَيَخْشَ اللَّهَ} فِيمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ، {وَيَتَقِهِ} فِيمَا يَسْتَقْبِلُ.
وَقَوْلُهُ {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} يَعْنِي: الَّذِينَ فَازُوا بِكُلِّ خَيْرٍ، وأمنُوا مَنْ كُلِّ شَرٍّ فِي الدنيا والآخرة).
هذا هو الفوز، نسأل الله أن يجعلنا منهم، إذا أطاعوا الله ورسوله، اتصفوا بالخشية والتقوى، فخشوا الله واتقوه، وأطاعوه فيما أمرهم واجتنبوا نهيه، وخشوه في الماضي، وتابوا من الذنوب والمعاصي، واتقوه في المستقبل، فحذروا من المعاصي، واستقاموا على طاعة الله، هذا هو الفوز، أولئك هم الفائزون، ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾[النور:52]، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.