القارئ:
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا وذرياتنا والسامعين.
قال ابن خُزيمة -رحمه الله تعالى-:
"بَابُ ذِكْرِ أَخْبَارٍ رُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مُجْمَلَةٍ غَيْرِ مُفَسَّرَةٍ"
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ جَعْدَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الْقَارِئَ يَقُولُ: أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ - وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ - «وَرَبِّ الْكَعْبَةِ مَا أَنَا نَهَيْتُ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نَهَى عَنْهَا». قَالَ سَعِيدٌ: عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْقَارِئِ، وَلَمْ يَقُلْ: وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ.
الشيخ:
تخريجه؟
القارئ:
أحسن الله إليك. قال: "صحيح، وقد توبع عبد الله بن عمرو القارئ، أخرجه عبد الرزاق والحميدي وأحمدُ والنسائي وفي الكبرى له، وابن حبان من طرقٍ عن عبد الله بن عمرو القارئ به، وأخرجه الطيالسي وعبد الرزاق وإسحاق بن راهويه وأحمد والنسائي في الكبرى له وأبو يعلى والطحاوي في شرح المعاني وابن حبان من طرق عن أبي هريرة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- به".
الشيخ:
الأعظمي ماذا قال علي؟
القارئ:
قال: "رجاله ثقاتٌ غير عبد الله بن عمرو القاري فلم أجد من وَثَّقه، وقال الحافظ: مقبول يعني عند المتابعة، ثم رأيت ذلك في التعجيل أن ابن حبان ذكره في الثقات، وأن مسلمًا أخرجه له، والحديث أخرجه أحمد، قال: حدثنا سفيان به، فالسند صحيحٌ وتابعه محمد بن جعفر المخزومي عن أبي هريرة أخرجه أحمد، فتح الباري".
الشيخ:
والنهي مجمل، النهي عن صيام الجمعة في الحديث الآخر: «لَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ، وَلَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي».
القارئ:
قال: اختلف العلماء في النهي الوارد في صيام يوم الجمعة.....
الشيخ:
هذا الفحل؟
القارئ:
نعم. فمنهم من منع إفراده بصيام نقله الطيب الطبري عن أحمد بن المنذر، ونقل ابن المنذر وابن حزم منع صومه عن علي، وأبي هريرة وسلمان وأبي ذر.
قال ابن حزم: "لا نعلم له مخالفًا من الصحابة".
وذهب الجمهور إلى أن النهي فيه للتنزيه. وعن مالك وأبي حنيفة: لا يكره، قال مالك: "لم أسمع أحدًا ممن يُقتدى به ينهى عنه".
قال النووي: "فهذا الذي قاله -أي مالك- هو الذي رآه، وقد رأى غيره خلاف ما رآه هو، والسُّنَة مقدمة على ما رآه هو وغيره، وقد ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة فيتعين القول به، ومالكٌ معذور فإنه لم يبلغه الحديث".
قال الداوودي من أصحاب مالك: "لم يبلغ مالكًا هذا الحديث ولو بلغه لم يخالفه".
واستدل الحنفية بحديث ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كان رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وقلما كان يُفطر يوم الجمعة»، وليس فيه حُجَّة؛ لأنه يُحتمل أن يريد كان لا يتعمد فطره إذ وقع في الأيام التي كان يصومها، ولا يضاد ذلك كراهة إفراده بالصوم جمعًا بين الأحاديث.
والمشهور عن الشافعية وجهان:
أحدهما: ونقله المُزني عن الشافع أنه لا يُكره إلَّا لمن أضعفه صومه عن العبادة التي تقع فيه من الصلاة والدعاء والذكر.
والثاني: هو الذي صححه المتأخرون كقول الجمهور". انتهى.
الشيخ:
الصواب أنه منهي عنه، سيأتي حديث جويرية لما رآها صائمة يوم الجمعة، وهذا الذي أفرده، قَالَ: «أَصُمْتِ أَمْسِ؟» - على الخميس - قَالَتْ: لَا، قَالَ: «فَتَصُومِينَ غَدًا؟» قَالَتْ: لَا، قَالَ: «فَأَفْطِرِي». مع حديث: «لَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ، وَلَا ليلتها بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي» فيكون منهي عنه، وأصل النهي للتحريم، بعض العلماء قال: "أنه للتنزيه".
س/ الإفراد؟
ج/ الإفراد إذا أفرد أما إذا صام يومًا قبله أو يومًا بعده معه زال المنع، فلا بأس يجوز صومه، إذا صيام ثلاثة أيام وفي وسطها يوم الجمعة، أو صام الخميس والجمعة، أو الجمعة والسبت؛ فلا بأس.
س/ إذا وافق يوم عرفة؟
ج/ إذا وافق في يوم عرفة وفي يوم عاشوراء مثلًا هذا بعض العلماء قال: لا بأس يصومه؛ لأنه ما صام من أجل يوم الجمعة، إنما صام من أجل إنه يوم عرفة مثلًا، ولكن الأحوط يصوم يوم قبله.
س: يصوم يوم ويفطر يوم، صيام داود؟
ج/ كذلك يصوم يوم ويفطر يوم (06:31). والعيد لا بد أنه عيد الأسبوع.
القارئ:
أحسن الله إليك. قال رحمه الله تعالى:
"بَابُ ذِكْرِ الْخَبَرِ الْمُفَسَّرِ فِي النَّهْيِ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ «وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ إِذَا أُفْرِدَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بِالصِّيَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصَامَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ»"
الشيخ:
المُفَسِّرِ أو يصلح المُفَسَرِ.
القارئ:
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا وَقَبْلَهُ يَوْمٌ، أَوْ بَعْدَهُ يَوْمٌ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَمُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ].
الشيخ:
تخريجه؟
القارئ:
أحسن الله إليك. قال: "صحيح أخرجه البخاري ومسلم".
الشيخ:
فقط؟
القارئ:
ثم ذكر أبو داود وابن ماجه والترمذي والنسائي وأحمد وابن حبان والبيهقي والبغوي.
الشيخ:
هذا حديث صحيح. بقي النهي: هل هو للتحريم أو للتنزيه قول لأهل العلم. نعم.
القارئ:
"بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ «وَأَنَّ النَّهْيَ عَنْ صِيَامِهِ إِذْ هُوَ عِيدٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجُمُعَةِ، وَبَيْنَ الْعِيدَيْنِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى..........."
الشيخ:
العيدين: الفطر والأضحى لا يجوز صومهما بحال. لا في سفر ولا في حضر، ولا في قضاء واجب ولا في نفل. أما يوم الجمعة يختلف.
القارئ:
"إِذْ جَاءَ بِنَهْيِ صَوْمِهِمَا مُفَردًا، وَلَا مَوْصُولًا بِصِيَامٍ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ»"
الشيخ:
إذ جاء النهي عن صومهما مفردًا أو مواصلًا ممنوع، عيد الفطر وعيد الأضحى، سواء مفردة أو مواصلة، بخلاف الجمعة.
القارئ:
أحسن الله إليك.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ لُدَيْنٍ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ، فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ، إِلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «أَبُو بِشْرٍ هَذَا شَامِيٌّ، لَيْسَ بِأَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ صَاحِبِ شُعْبَةَ، وَهُشَيْمٍ».
قال: "إسناده حسن وأبو بشر هو مؤذن مسجد دمشق، وثَّقه العجلي، وذكره ابن حبان في (الثقات)، وروى عنه ثلاثة فحديثه لا ينزل عن رتبة الحسن، وشيخه عامر بن لُدين في (تعجيل المنفعة)، وثَّقه ابن حبان وقال: العجلي: شامي تابعي ثقة، أخرجه إسحاق وأحمد وابن أبي عاصم في الآحادِ والمثاني والطحاوي في شرح المعاني والحاكم".
أحسن الله إليك هنا في حاشية قال: "اختلف في سبب النهي عن إفراده على أقوال:
أحدهما: لكونه يوم عيد والعيد لا يصام واستشكل ذلك مع الإذن بصيامه مع غيره، وأجاب العلامة ابن القيِّم وغيره بأن شبهه بالعيد لا يستلزم استوائه معه من كل جهة، فمن صام معه غيره انتفت عنه صورة التحري بالصوم.
ثانيها: لئلا يضعف عن العبادة، وهذا اختاره النووي.
ثالثها: خوف المبالغة في تعظيمه، وقيل غير ذلك، والأقوال وأولاها بالصواب أولها، وقد ورد فيه صريحًا حديثان أحدهما حديثان: الحديث الأول: حديث الباب، والثاني: رواه ابن أبي شَيبة بإسنادٍ حَسن عن علي وقال: "من كان منكم متطوعًا من الشهر فليصم يوم الخميس ولا يصم يوم الجمعة، فإنه يوم طعام وشراب وذكر" انتهى بفتح الباري.
قال -رَحِمهُ اللهُ تَعالى-:
"بَابُ أَمْرِ الصَّائِمِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُفْرَدًا بِالْفِطْرِ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ النَّهَارِ"
الشيخ:
بارك الله فيك. وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع بالعلم النافع والعمل الصالح، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهدُ أن لا إله إلَّا الله، أستغفرك وأتوب إليك.