بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
يقول الإمام ابن خزيمة -رحمه الله- في صحيحه:
قارئ المتن: بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا أَبَاحَ لِلْمُحْرِمِ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا أَسْفَلُ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، لَا أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُ لُبْسَ الْخُفَّيْنِ اللَّذَيْنِ لَهَا سَاقَانِ، وَإِنَّ شُقَّ أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْخُفَّيْنِ شَقًّا، وَتُرَكَ السَّاقَيْنِ فَلَمْ يُبَانَا مِمَّا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ النَّاسِ.
شرح الشيخ: يعني لا يبيح لبس الخفين لهما ساقان، ولو شُقا أسفل الكعبين، مادام الساقان موجودان، فلم يبانا، وتُرك الساقان، (وَإِنَّ شُقَّ أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْخُفَّيْنِ شَقًّا، وَتُرَكَ السَّاقَيْنِ فَلَمْ يُبَانَا مِمَّا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ النَّاسِ).
قارئ المتن: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، قال: حدثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قال: حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا نَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ إِذَا أَحْرَمْنَا؟ فَقَالَ: «لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا البرنس، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا الْقَلَانِسَ» ...
الشيخ: ولا البرانس.
مداخلة: عندي: البُرنسَ.
قارئ المتن: قال: «ولا البُرنس، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا الْقَلَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ إِلَّا أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلَانِ فَلْيَلْبَسْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ».
وَفِي خَبَرِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ الَّذِي أَمْلَيْتُهُ قَبْلُ: «فَلْيَلْبَسْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ»، وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْهُمَا يَعْنِي الْخُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ»، حدثنا أَبُو هَاشِمٍ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَا: حدثنا إِسْمَاعِيلُ قال: أخبرنا أَيُّوبُ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- فِي هَذَا الْخَبَرِ، وقال: «فَلْيَقْطَعْهُمَا حتى يَجْعَلُهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ».
حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَدْ خَرَّجْتُ طُرُقَ هَذَا اللَّفْظِ فِي كِتَابِ الْكَبِيرِ، (ح)، وَفِي خَبَرِ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ»، قال: حدثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنِ الْعَلَاءِ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَا: حدثنا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ.
شرح الشيخ: والحديث في الصحيح، حديث النهي عن لبس الخفين في الصحيحين، الحديث الأول: حديث ابن عمر، الشيخ محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، رواه البخاري عندك؟
مداخلة: نعم، رواه أحمد، والبخاري، والنسائي، والطحاوي، والبيهقي.
الشيخ: والثاني، في خبر سالم كذلك، النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس في المدينة قبل الحج، وقال: «من لم يجد نعلين، فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين»، ثم خطب الناس في حجة الوداع وقال: «من لم يجد نعلين فليلبس الخفين»، ولم يقل وليقطعهما، فاختلف العلماء في الجمع بينهما.
فذهب الجمهور إلى حمل المطلق على المقيد، قالوا: يُحمل المطلق على المقيد، يجب القطع، على القاعدة الأصولية.
وقال آخرون من أهل العلم: لا يجب؛ لأن خطبته في حجة الوداع حضرها من لم يحضر خطبته في المدينة، فحملوه على الاستحباب.
والمؤلف -رحمه الله- كأنه مشى على مذهب الجمهور؛ لأنه في الترجمة الأولى، أو في التراجم السابقة، قال: (بَابُ الرُّخْصَةِ فِي لُبْسِ الْمُحْرِمِ السَّرَاوِيلَ عِنْدَ الْإِعْوَازِ مِنَ الْإِزَارِ وَالْخُفَّيْنِ عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ النَّعْلَيْنِ)، ثم ذكر في الترجمة التي بعدها: (إِبَاحَةِ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ لِمَنْ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ)، وأنه أباح للمُحرِم لبس الخفين المقطوع أسفل الكعبين، على ما ذهب إليه الجمهور أنه يقطعهما أسفل من الكعبين.
والمؤلف في الترجمة قال: (الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا أَبَاحَ لِلْمُحْرِمِ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا أَسْفَلُ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، لَا أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُ لُبْسَ الْخُفَّيْنِ اللَّذَيْنِ لَهَا سَاقَانِ، وَإِنَّ شُقَّ أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْخُفَّيْنِ شَقًّا، وَتُرَكَ السَّاقَيْنِ فَلَمْ يَبَانَا مِمَّا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ النَّاسِ)؛ يعني يقول: ليس له لبس الخفين اللذين لهما ساقان، وإن شُق أسفل الكعبين شقًّا، والساقان باقيان، فلابد من إزالة الساقين حتى تكون مثل النعلين.
ومن العلماء من ذهب إلى أنه يلبس الخفين ولا يقطعهما، قالوا إن هذا ناسخ لأمره بقطع الخفين، بقطع أسفلهما.
لكن مذهب الجمهور قالوا: يُحمل المطلق على المقيد، والمؤلف هنا ذكر روايات الحديث، فيها التقييد: فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، وفيها: «فَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا»، والمؤلف أعرض عن القول الثاني.
قارئ المتن: بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا رَخَّصَ بِالْأَمْرِ بِقَطْعِ الْخُفَّيْنِ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، إِذْ قَدْ أَبَاحَ لِلنِّسَاءِ لبس الْخُفَّيْنِ وَإِنَّ وَجَدْنَ نِعَالًا...
الشيخ: لبس ساقطة في النسخة الثانية.
قارئ المتن: فَرَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِي لُبْسِ الْخِفَافِ دُونَ الرِّجَالِ.
شرح الشيخ: هذا معلوم، المرأة تلبس الخفين، وتلبس الشراب في الرجلين، لكن ممنوعة من القفازين، وهو شراب اليدين، وهو ما خيط على قدر الكفين، كما أنها ممنوعة من لبس البرقع والنقاب، وهو ما خيط على قدر الوجه، لكن لها أن تغطي يديها بغير الخفين، بعباءتها، أو بثوبها، كما أنها لها أن تغطي وجهها إذا مرّ بها الرجال بغير البرقع والنقاب، بغير المخيط.
قارئ المتن: حدثنا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجَزَرِيُّ بِخَبَرٍ غَرِيبٍ، قال: حدثنا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ، قال: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَدْ كَانَ صَنَعَ ذَلِكَ يَعْنِي قَطْعَ الْخُفَّيْنِ لِلنِّسَاءِ حَتَّى حَدَّثَتْهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الْخُفَّيْنِ.
شرح الشيخ: يعني كأن ابن عمر خفيت عليه السنة في هذا، كان يأمر النساء بقطع الخفين، خفيت عليه السنة، حتى بلغه الحديث عن عائشة أن النبي رخص للنساء، فرجع إلى ذلك، فالمرأة لها أن تلبس الخفين ولو وجدت نعلين، وتلبس شراب الرجلين لا بأس.
مداخلة: المرأة ما تدخل في هذا الحكم؟
الشيخ: لا، هذا خاص بالرجال، المرأة ممنوعة من لبس القفازين لليدين، الحديث هذا فيه إشكال عليه، في سنده أيضًا محمد بن إسحاق، لكن صرّح بالسماع هنا؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: زال الإشكال.
مداخلة: قال: إسناده حسن، محمد بن إسحاق صدوق حسن الحديث، وقد صرّح بالسماع فانتفت شبهة تدليسه، وأخرجه أحمد وأبو داود.
قارئ المتن: بَابُ الرُّخْصَةِ فِي اسْتِظْلَالِ الْمُحْرِمِ وَإِنْ كَانَ نَازِلًا غَيْرَ سَائِرٍ ضِدَّ قَوْلِ مَنْ كَرِهَهُ وَنَهَى عَنْهُ.
حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قال: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمد النُّفَيْلِيِّ، قال: حدثنا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قال: حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَقَالَ أَمَرَ يَعْنِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقُبَّةٍ لَهُ مِنْ شَعْرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةٍ، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةٍ فَنَزَلَ بِهَا.
الشيخ: تخريج الحديث، ماذا قال عليه؟
مداخلة: قال: صحيح.
الشيخ: رواه مسلم؟
مداخلة: قال: "صحيح، أخرجه عبد بن حميد، والدارمي، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، والنسائي، وفي [الكبرى] له، وابن الجارود، والطحاوي في [شرح المعاني]، وفي [شرح المشكل] له، وابن حبان، والبيهقي في [الدلائل]، والبغوي، من طريق حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد به".
شرح الشيخ: فيه دليل على أنه لا بأس باستظلال المُحرِم، ولو كان نازلًا، يستظل بالخيمة، النبي -صلى الله عليه وسلم- كذلك ظُلل عليه وبثوب يوم العيد، قبل أن يتحلل، فلا بأس باستظلال المُحرِم سواء كان راكبًا أو نازلًا، لكن الحنابلة يقولون: له أن يستظل بشيء لا يتحرك بحركته، يستظل بالخيمة، يستظل بظل الشجرة، أما ما يتحرك بحركته فليس له ذلك، كالسيارة، والشمسية.
والصواب أنه لا فرق بينها، وأنه يجوز، وهذا هو عليه العمل، وذهب إلى هذا الشيعة، الشيعة يرون أنه لا يستظل بهذا، ولذلك تجدهم يُحرِمون بسيارات مكشوفة، يطبقون مذهبهم في هذا، فلا يرون استظلال المُحرِم بما يتحرك بحركته، لكن يستظل بالخيمة الثابتة، لا بأس، وبظل الشجرة، لكن بسيارة تمشي أو شمسية وهو يمشي ممنوع عندهم، وهو على المذهب هذا، مذهب الحنابلة.
والصواب: الجواز، لا فرق بينها، النبي -صلى الله عليه وسلم- ظُلل عليه وهو يمشي في منى يوم العيد، ظلله أسامة وبلال بثوب.
والمؤلف قال: (بَابُ الرُّخْصَةِ فِي اسْتِظْلَالِ الْمُحْرِمِ وَإِنْ كَانَ نَازِلًا غَيْرَ سَائِرٍ ضِدَّ قَوْلِ مَنْ كَرِهَهُ وَنَهَى عَنْهُ)، يعني قصده يرد على من منع من ذلك.
مداخلة: في نسخة الأعظمي، سقطت محمد في الإسناد، عبد الله بن محمد النفيلي، كذلك شيخنا: فضُربت له بنمرة، عندنا بخمرة.
الشيخ: مكتوب بخمرة، تُعدل.
مداخلة: نمرة.
الشيخ: نعم.
قارئ المتن: بَابُ إِبَاحَةِ اسْتِظْلَالِ الْمُحْرِمِ وَإِنْ كَانَ رَاكِبًا غَيْرَ نَازِلٍ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ، عَنْ زَيْدٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ الْأَحْمَسِيِّ، عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ أنها حدثته -رضي الله عنها- قَالَتْ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَبِلَالًا يَقُودُ أَحَدُهُمَا بِخِطَامِ رَاحِلَتِهِ وَالْآخَرُ رَافِعًا ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ.
الشيخ: الحديث صحيح، ماذا قال على تخريجه؟
مداخلة: صحيح، أخرجه أحمد ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وفي الكبرى له، والطبراني في [الكبير]، والبيهقي.
الشيخ: وهو حديث صحيح، وفيه جواز استظلال المُحرِم وإن كان راكبًا خلافًا لمذهب الحنابلة، ولما ذهب إليه الشيعة من أنه لا يستظل إذا كان راكب، وإنما يستظل إذا كان نازل.
قارئ المتن: بَابُ إِبَاحَةِ أَبْدَالِ الْمُحْرِمِ ثِيَابَهُ فِي الْإِحْرَامِ وَالرُّخْصَةِ فِي لُبْسِ الْمُمَشَّقِ مِنَ الثِّيَابِ وَإِنْ كَانَ الْمُمَشَّقُ مَصْبُوغًا، غَيْرَ أَنَّهُ مَصْبُوغٌ بِالطِّينِ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قال: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا نَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ إِذَا أَهْلَلْنَا مَا لَمْ نُهِلَّ فِيهِ، وَنَلْبَسُ الْمُمَشَّقَ إِنَّمَا هُوَ طِينٌ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قال: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: كُنَّا نَلْبَسُ إِذَا أَهْلَلْنَا مَا لَمْ يَمَسَّهُ طِيبٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ، وَنَلْبَسُ الْمُمَشَّقَ إِنَّمَا هُوَ مُطيّنٌ.
الشيخ: في نسخة: إنما هو طين.
مداخلة: في نسخة الفحل كذلك: طين.
الشيخ: عندك مُطيّن هذه؟
مداخلة: عندي مطيّن.
الشيخ: أي نسخة؟
مداخلة: نسخة دار التغسيل.
الشيخ: الممشق: المصبوغ، ماذا قال على الممشق؟ المصبوغ؟ يعني لا بأس بلبس الثوب المصبوغ.
مداخلة: ثوبٌ ممشق: مصبوغ بالمشق، وهو طين أحمر، انتهى.
الشيخ: ماذا قال على حديث جابر؟ إسناده صحيح، صرح بن جريج وأبو الزبير بالتحديث.
مداخلة: صحيح، قال: وابن جريج، وأبو الزبير صرحا بالسماع، وأخرجه البيهقي.
الشيخ: وصرح ابن جريج وأبو الزبير بالتحديث في الطريق الثاني، ومحمد بن بكر هو البرساني، ومحمد بن معمر وهو البحراني، وكلهم من رجال الشيخ، هذا قاله الشيخ/ ناصر، أعد، حدثنا محمد بن معمر.
قارئ المتن: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قال: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: كُنَّا نَلْبَسُ إِذَا أَهْلَلْنَا مَا لَمْ يَمَسَّهُ طِيبٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ، وَنَلْبَسُ الْمُمَشَّقَ إِنَّمَا هُوَ مُطيّنٌ.
شرح الشيخ: الحديث الأول: إنما هو طين، هنا: إنما هو مطين، فيه: أنه لا بأس للمُحرِم أن يغسل ثيابه، ويبدلها بغيرها، يلبس المصبوغ بصبغ، لا بأس بذلك.
قارئ المتن: بَابُ إِبَاحَةِ تَغْطِيَةِ الْمُحْرِمَةِ وَجْهَهَا مِنَ الرِّجَالِ، بِذِكْرِ خَبَرٍ مُجْمَلٍ، أَحْسَبُهُ غَيْرَ مُفَسَّرٍ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ كُرَيْبٍ قال: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حُمَيْدٍ قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ -رضي الله عنها- قَالَتُ: كُنَّا نُغَطِّي وُجُوهَنَا مِنَ الرِّجَالِ، وَكُنَّا نَمْتَشِطُ قَبْلَ ذَلِكَ في الإحرام.
الشيخ: في الإحرام عندك؟
مداخلة: يقول: ليس في الأصل، والمثبت من [المستدرك].
الشيخ: ماذا قال على تخريجه؟
مداخلة: صحيح، أخرجه الحاكم.
الشيخ: المرأة المُحرِمة ممنوعة من تغطية وجهها بالبرقع والنقاب، وهو المخيط على قدر الوجه، لكن ليست ممنوعة من تغطيته بغير المخيط، وفي الباب حديث عائشة في سنن أبي داود: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُحرمات، فإذا حاذونا أسدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه، ما أشار إليه في الحاشية؟ لكن تكلموا في سنده.
حديث عائشة عند أبي داود، كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُحرمات، فإذا حاذونا أ سدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه، والشاهد هذا أيضًا.
مداخلة: سيذكره يا شيخ، وقد روي.... يزيد بن أبي زياد، في الباب الثاني يا شيخ.
الشيخ: في الباب الذي بعده؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: والفقهاء يقولون: إحرام المرأة في وجهها فلا تغطي وجهها، وإن اضطرت إلى تغطية وجهها تحرص على ألا يمس الخمار وجهها، وكانوا يفتونها بذلك في المذهب، فكانت المرأة تجعل عصابة على رأسها حتى يرتفع الغطاء، حتى لا يمس وجهها، عصابة كذا على الرأس، ثم تنزل الخمار، فيكون الخمار بعيد العصابة تبعده، لا يمسها الخمار.
ذهب الباقين، قالوا: لا بأس أن تغطي وجهها ولو مسّ الخمار وجهها، ليس عليها شيء، ليس فيه دليل على أنه لا يمس الخمار وجهها، لذلك ابن خزيمة -رحمه الله- هنا ما قيّده، قال: (إِبَاحَةِ تَغْطِيَةِ الْمُحْرِمَةِ وَجْهَهَا مِنَ الرِّجَالِ).
مداخلة: سيقيدها في الباب الثاني.
الشيخ: في الباب الذي بعده؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: يقول: لا يمسسها الثوب، قيَّد التغطية بغير انتقاب ولا يمسسها الثوب، اقرأ الباب الذي بعده.
قارئ المتن: بَابُ ذِكْرِ الْخَبَرِ الْمُفَسِّرِ لِهَذِهِ اللَّفْظَةِ الَّتِي حَسَبْتُهَا مُجْمَلَةً، وَالدَّلِيلِ أَنَّ لِلْمُحْرِمَةِ تَغْطِيَةَ وَجْهِهَا مِنْ غَيْرِ انْتِقَابٍ وَلَا إِمْسَاسِ الثَّوْبِ، أو الْخِمَارُ الَّذِي تَسْتُرُ بِهِ وَجْهَهَا.
الشيخ: أو؟
مداخلة: عندنا (إذ).
الشيخ: هنا المكتوب: إذ.
مداخلة: قال: في الأصل: إذ، ولعل الصواب ما أثبتناه.
الشيخ: النسخة الثانية؟
مداخلة: كذلك (إذ).
الشيخ: والظاهر: أو الخمار.
قارئ المتن: قال: وَالدَّلِيلِ أَنَّ لِلْمُحْرِمَةِ تَغْطِيَةَ وَجْهِهَا مِنْ غَيْرِ انْتِقَابٍ وَلَا إِمْسَاسِ الثَّوْبِ، أو الْخِمَارُ الَّذِي تَسْتُرُ بِهِ وَجْهَهَا، بَلْ تُسْدِلُ الثَّوْبَ مِنْ فَوْقَ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، أَوْ تَسْتُرُ وَجْهَهَا بِيَدِهَا أَوْ بِكُمِّهَا أَوْ بِبَعْضِ ثِيَابِهَا، مُجَافِيَةٌ يَدَهَا عَنْ وَجْهِهَا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِي زَجْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُحْرِمَةَ عَنِ الِانْتِقَابِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلْمُحْرِمَةِ تَغْطِيَةُ وَجْهِهَا بِإِمْسَاسِ الثَّوْبِ وَجْهِهَا.
شرح الشيخ: الظاهر أن المؤلف مع الفقهاء الذين يرون أنه لا يمس الخمار وجهها، وذكر ابن القيم -رحمه الله- هنا أنه لا بأس أن تغطي وجهها بغير النقاب، وأن وجه المرأة كبدن المُحرِم الرجل، كما أن المُحرم لا يغطي بدنه بمخيط، يغطي بدنه بالإزار والرداء، فكذلك المرأة المُحرِمة، لا تغطي وجهها بالنقاب المخيط، ولكن تغطي وجهها بغير المخيط عند الرجال الأجانب، تغطي وجهها بخمارها، أعد.
قارئ المتن: بَابُ ذِكْرِ الْخَبَرِ الْمُفَسِّرِ لِهَذِهِ اللَّفْظَةِ الَّتِي حَسَبْتُهَا مُجْمَلَةً، وَالدَّلِيلِ أَنَّ لِلْمُحْرِمَةِ تَغْطِيَةَ وَجْهِهَا مِنْ غَيْرِ انْتِقَابٍ وَلَا إِمْسَاسِ الثَّوْبِ، أو الْخِمَارُ الَّذِي تَسْتُرُ بِهِ وَجْهَهَا، بَلْ تُسْدِلُ الثَّوْبَ مِنْ فَوْقَ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، أَوْ تَسْتُرُ وَجْهَهَا بِيَدِهَا أَوْ بِكُمِّهَا أَوْ بِبَعْضِ ثِيَابِهَا، مُجَافِيَةٌ يَدَهَا عَنْ وَجْهِهَا.
الشيخ: بكمها أو بيدها، يدها ما تستر الوجه.
مداخلة: يقول: في الأصل بيدي، وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه.
قارئ المتن: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِي زَجْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُحْرِمَةَ عَنِ الِانْتِقَابِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلْمُحْرِمَةِ تَغْطِيَةُ وَجْهِهَا بِإِمْسَاسِ الثَّوْبِ وَجْهِهَا.
وَقَدْ رَوَى يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ -وَفِي الْقَلْبِ مِنْهُ- عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ، فَإِذَا مَرَّ بِنَا الرَّكْبُ سَدَلْنَا الثَّوْبَ عَلَى وَجْهِنَا.
قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي زِيَادٍ (ح)، وَحَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قال: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ (ح)، وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ، قال: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ جَمِيعًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ قَالَ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: فَإِذَا جَاوَزْنَا نزعناها، وَفِي حَدِيثِ هُشَيْمٍ: فَإِذَا جَاوَزْنَا كَشَفْنَاهُ.
الشيخ: ماذا قال على تخريجه؟
مداخلة: قال: "إسناده ضعيف، لضعف يزيد بن أبي زياد، أخرجه ابن ماجه من طريق ابن إدريس عن يزيد بن أبي زياد به، وأخرجه إسحاق بن راهويه وابن الجارود من طريق جرير عن يزيد بن أبي زياد به، وأخرجه أحمد وأبو داود، والبيهقي من طريق هشيم عن يزيد بن أبي زياد به، وأخرجه ابن ماجه والدارقطني من طريق يزيد بن أبي زياد به"، انتهى.
شرح الشيخ: الحديث ضعيف، الحديث فيه إسدال الثوب، لكن الحديث فيه ضعف، لكن القول بأن لا يمس الخمار وجهها ليس عليه دليل، وقولنا: إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها، هذا قول لبعض العلماء، ليس حديثًا، قال بعض التابعين: إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها.
وقالوا: إن وجه المرأة مثل رأس الرجل، كما أن الرجل لا يغطي رأسه، كذلك المرأة لا تغطي وجهها، وإن اضطرت إلى التغطية فإنها تجعل شيء يمنع أن يمس الخمار وجهها، قال ابن القيم -رحمه الله-: هذا ليس عليه دليل، ولم يقل النبي -صلى الله عليه وسلم- إحرام الرجل في رأسه، والمرأة في وجهها.
وليس وجه المرأة كرأس الرجل، وإنما هو كالبدن، كما أن المُحرِم الرجل لا يغطي بدنه بالمخيط، فكذلك المرأة لا تغطي وجهها بالمخيط، إيجاب أو القول بأنه لا يمس الثوب الوجه، هذا فيه مشقة، فيه صعوبة، وليس عليه دليل، فهذا اجتهاد من بعض العلماء، والمؤلف سكت عن هذا، قال: (وَالدَّلِيلِ أَنَّ لِلْمُحْرِمَةِ تَغْطِيَةَ وَجْهِهَا مِنْ غَيْرِ انْتِقَابٍ وَلَا إِمْسَاس)، مشى على ما مشى عليه الفقهاء، وهو من فقهاء الشافعية، هو شافعي.
مداخلة: كأن للحديث علة أخرى، يزيد بن أبي زياد مدلس، اتُهم بالتدليس، ذكر في مراتب المدلسين، أن الدارقطني والحاكم وغيرهما وصفوه بالتدليس.
شرح الشيخ: المؤلف يقول: (وَقَدْ رَوَى يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَفِي الْقَلْبِ مِنْهُ)، ما اطمأن المؤلف إليه، الحديث فيه الإسدال؛ يعني إسدال الثوب على وجهها، لكن الأصل أنها تغطي وجهها كما في الترجمة: (إِبَاحَةِ تَغْطِيَةِ الْمُحْرِمَةِ وَجْهَهَا مِنَ الرِّجَالِ)، هذا هو الأصل، والقول بأنه لا يمس الخمار وجهها، هذا اجتهاد من بعض الفقهاء ليس عليه دليل، والمؤلف تبعهم في هذا.
قارئ المتن: بَابُ اسْتِحْبَابِ دُخُولِ مَكَّةَ نَهَارًا، اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَالْبَيْتُوتَةِ قُرْبَ مَكَّةَ إِذَا انْتَهَى الْمَرْءُ بِاللَّيْلِ إِلَى ذِي طِوًى لِيَكُونَ دُخُولُهُ مَكَّةَ نَهَارًا لَا لَيْلًا.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قال: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ بَاتَ بِذِي طِوًى حَتَّى أَصْبَحَ فَدَخَلَ مَكَّةَ.
شرح الشيخ: العلماء يقولون: فيه سنة الاغتسال أيضًا، كان النبي إذا دخل بات بذي طوى، ثم اغتسل لدخول مكة، ذي طوى الآن صار حي الزاهر بمكة، في ذلك الوقت ما فيه بنيان، الآن فيه أحياء، إذا تيسر له الآن، قد لا يتيسر، الآن تغيرت الأحوال، وتغيرت الطرق والمراكب، صارت المراكب السريعة الآن، النبي -صلى الله عليه وسلم- اغتسل في ذي الحليفة، ثم سافر تسعة أيام، ثم اغتسل، ثم بات بمكة، واغتسل، نحن الآن في ساعة واحدة يصل.
المؤلف قال: هذا من باب الاستحباب، استحباب دخول مكة نهارًا، واستحباب البيتوتة قرب مكة، يعني الذي يريد دخول مكة يبيت قريبًا منها حتى يدخلها نهارًا، واستحباب الاغتسال أيضًا، استحباب دخولها نهارًا وذلك بأن يبيت قربها، واستحباب الاغتسال.
مداخلة: قال: صحيح، أخرجه أحمد، والدارمي، والبخاري، ومسلم، وابن حبان، والبيهقي من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع به، انتهى.
قارئ المتن: بَابُ اسْتِحْبَابِ دُخُولِ مَكَّةَ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا اسْتِنَانًا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِذْ فِي الِاقْتِدَاءِ الْخَيْرُ الَّذِي لَا يُعْتَاضُ مِنْهُ أَحَدٌ تَرَكَ الِاقْتِدَاءَ بِهِ.
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَدْخُلُ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا، وَيَخْرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى.
شرح الشيخ: وهذا لو تيسر الآن، يومها كان المراكب على الإبل، الآن الدخول والخروج في مسارات السيارت، وهذا من باب الاستحباب لما كان مع المراكب، الآن تغيرت الأمور، صار الإنسان يأتي بالسيارة، السيارة لها مسارات خاصة، دخل من الثنية العليا، وخرج من الثنية السفلى.
مداخلة: الثنية السفلى هي التي تُعرف اليوم بالكُدَيّ.
الشيخ: كَدى وكُدى، أهل مكة يقولون: افتح وادخل، واضمم واخرج، كَدى: الثنية العليا، كُدى: الثنية السفلى، الكُديّ هذا آخر، غير، دخل من كَدى، وخرج من كُدى، افتح وادخل، واضمم واخرج.
المؤلف -رحمه الله- يذكر أن الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- الخير الذي لا يُعتاض، (الَّذِي لَا يُعْتَاضُ مِنْهُ أَحَدٌ تَرَكَ الِاقْتِدَاءَ)، يعني يقول أن الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- يحصل للمقتدي ويفوت على من لم يقتدي، وإن كان مستحبًّا.
قارئ المتن: بَابُ اسْتِحْبَابِ الِاغْتِسَالِ لِدُخُولِ مَكَّةَ، إِذِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اغْتَسَلَ عِنْدَ إِرَادَتِهِ دُخُولَ مَكَّةَ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي الْحَنَفِيَّ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أنه قَالَ: أَهَلَّ مَرَّةً مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ عِنْدِ الشَّجَرَةِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا جَاءَ ذَا طُوًى بَاتَ حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدًى، وَخَرَجَ حِينَ خَرَجَ مِنْ كُدًى مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ.
الشيخ: ماذا قال على تخريجه؟ رواه البخاري ومسلم، صحيح، الحديث الذي بعده.
قارئ المتن: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ قال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- كَانَ إِذَا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَرُحِلَتْ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَأَهَلَّ، ثُمَّ يُلَبِّي حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْحَرَمَ أَمْسَكَ حَتَّى إِذَا أَتَى ذَا طُوًى بَاتَ بِهِ قَالَ: فَيُصَلِّي بِهِ الْغَدَاةَ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ، وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- فَعَلَ ذَلِكَ.
شرح الشيخ: الغداة، صلاة الفجر، زعم يعني قال، والحديث أيضًا صحيح.
مداخلة: يُستفاد من هذا الحديث أن التلبية تنقطع عند دخول مكة؟
الشيخ: نعم، قال: إذا بلغ الحرم، وقيل: إذا شرع في الطواف.
قارئ المتن: بَابُ قَطْعِ التَّلْبِيَةِ فِي الْحَجِّ عِنْدَ دُخُولِ الْحَرَمِ إِلَى الْفَرَاغِ مِنَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
شرح الشيخ: صرح بـ (عِنْدَ دُخُولِ الْحَرَمِ)، المؤلف صرّح بهذا أخذًا من قوله: حتى إذا بلغ الحرم.
قارئ المتن: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ قال: حَدَّثَنَا عَمِّي قال: حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ قَالَ: حَجَجْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنهما- بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً قَالَ: قُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكَ أَرْبَعَ خِصَالٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ: رَأَيْتُكَ إِذَا أَهْلَلْتَ، فَدَخَلْتَ الْعَرْشَ قَطَعْتَ التَّلْبِيَةَ قَالَ: صَدَقْتَ يَا ابْنَ حُنَيْنٍ، خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا دَخَلَ الْعَرْشَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ، فَلَا تَزَالُ تَلْبِيَتِي حَتَّى أَمُوتَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ كُنْتُ أَرَى لِلْمُعْتَمِرِ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ أَوَّلَ مَا يَبْتَدِئُ الطَّوَافَ لِعُمْرَتِهِ لِخَبَرِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُمْسِكُ عَنِ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ إِذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ.
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ قَالَا: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قال: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ: عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَلَمَّا تَدَبَّرْتُ خَبَرَ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ كَانَ فِيهِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ كَانَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ دُخُولِ عُرُوشِ مَكَّةَ.
شرح الشيخ: يعني البيوت.
قارئ المتن: وَخَبَرُ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ أَثْبَتُ إِسْنَادًا مِنْ خَبَرِ عَطَاءٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى لَيْسَ بِالْحَافِظِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيهًا عَالِمًا، فَأَرَى لِلْمُحْرِمِ كَانَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا جَمِيعًا قَطْعَ التَّلْبِيَةِ عِنْدَ دُخُولِ عُرُوشِ مَكَّةَ، فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا لَمْ يَعُدْ إِلَى التَّلْبِيَةِ، وَإِنْ كَانَ مُفْرَدًا أَوْ قَارِنًا عَادَ إِلَى التَّلْبِيَةِ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- كَالدَّالِ عَلَى أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَطَعَ التَّلْبِيَةَ فِي حَجَّتِهِ إِلَى الْفَرَاغِ مِنَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
حَدَّثَنَاهُ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قال: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ: قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَدَعُ التَّلْبِيَةَ إِذَا دَخَلَ الْحَرَمَ، وَيُرَاجِعَهَا بَعْدَ مَا يَقْضِي طَوَافَهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
الشيخ: ماذا قال على التخريج؟ الحديث الأول، باب قطع التلبية، حديث عبيد بن حنين.
مداخلة: عندنا ابن جريج.
مداخلة: كذا في نسخة الفحل، جريج كذلك.
مداخلة: عن عبيد بن جريج.
الشيخ: ماذا قال عليه؟
مداخلة: قال: صحيح، أخرجه مسلم من طريق ابن قسيط به، انتهى.
الشيخ: المؤلف كان يرى أنه لا يقطع التلبية إلا إذا استلم الحجر، ثم رجع عن ذلك وأفتى بأنه يقطع التلبية عند دخول مكة.
خبر ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس، تكلم عليه؟
مداخلة: نعم، قال: إسناده ضعيف، لشدة ضعف حفظ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو معلول بالوقف، فقد قال الشافعي: هِبنا روايته لأنا وجدنا حفاظ المكيين يقفونه على ابن عباس.
وقال البيهقي: رفعه خطأ، وكان ابن أبي ليلى هذا كثير الوهم، وخاصة إذا روى عن عطاء، فيخطئ كثيرًا، ضعّفه أهل النقل مع كبر محلّه في الفقه.
حديث ابن عباس: أخرجه الشافعي في مسنده، وأبو داود، والترمذي، وأبو يعلى، وابن الجارود، والبيهقي عن ابن عباس مرفوعًا، وأخرجه البيهقي عن ابن عباس موقوفًا بأسانيد صحيحة.
الشيخ: أين حديث ابن عباس؟
مداخلة: الظاهر هذا الذي تكلم عليه، عن محمد بن أبي ليلى.
مداخلة: كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر.
الشيخ: هذا ضعيف، لكن حديث ابن عباس؟
مداخلة: هو هذا يا شيخنا، خبر ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس، هذا ذكر صحيح وقفًا.
الشيخ: المؤلف كان يرى هذا، فلما تبيّن له ضعفه رجع عنه، قال أبو بكر: فلما تدبرت...
قارئ المتن: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَلَمَّا تَدَبَّرْتُ خَبَرَ عُبَيْدِ بْنِ جريج ...
الشيخ: خطأ حنين؟
مداخلة: نعم.
قارئ المتن: كَانَ فِيهِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ كَانَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ دُخُولِ عُرُوشِ مَكَّةَ.
وَخَبَرُ عُبَيْدِ بْنِ جريج أَثْبَتُ إِسْنَادًا مِنْ خَبَرِ عَطَاءٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى لَيْسَ بِالْحَافِظِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيهًا عَالِمًا.
الشيخ: خبر ابن جريج أثبت إسنادًا، وفق الله الجميع.