شعار الموقع

شرح كتاب المناسك من صحيح ابن خزيمة_13

00:00
00:00
تحميل
66

قارئ المتن: فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: سَأَلَ النَّاسُ الَّذِينَ كَانُوا يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَطُوفَ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ نُؤْمَرْ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 158] فَأَرَاهَا نَزَلَتْ فِي هَؤُلَاءِ وَفِي هَؤُلَاءِ، حدثَنَاهُ الْمَخْزُومِيُّ، حدثنا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بِنَحْوِهِ دُونَ قِصَّةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

الشيخ: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبق قرأنا بالأمس هذه الترجمة، فقهها: أنَّ هذه الآية وهي قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾[البقرة:158] أنَّ الله تعالى رفع الجُناح في الطواف بين الصفا والمروة؛ لإزالة اعتقاد أهل الجاهلية الذين كانوا يعبدون الأصنام، ويُهلون لمناة، وكان في الجاهلية جعلوا صنمين؛ أحدهما: إيساف، والثانية: نائلة على الصفا، وعلى المروة، فلما جاء الإسلام تحاشوا، أو تحاموا أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى هذه الآية لرفع الجناح، أُزيلت الأصنام.

وفهم عروة بن الزبير من الآية فَهم خلاف ما دلت عليه الآية، فصححت له عائشة -رضي الله عنها- وهي خالته أم المؤمنين، وبَيَنت له أنهم كانوا في الجاهلة يُهلون لمناة، ثم يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام تحرجوا من الطواف بينهما، فأنزل الله هذه الآية.

وذكر المؤلف قول آخر غير قول عائشة، وهو قول الزُهري: (سَأَلَ النَّاسُ الَّذِينَ كَانُوا يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَطُوفَ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ نُؤْمَرْ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾) الزهري قال لمَّا حَدث أبا بكر عنها قال: (إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ) فأنزل الله -عزَّ وجلَّ- هذه الآية، نزلت في هؤلاء وهؤلاء؛ في الذين تَحرجوا من الطواف بينهما، وفي الذين قالوا: (أُمِرْنَا أَنْ نَطُوفَ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ نُؤْمَرْ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ).

نعم، والحديث -كما سبق- في الصحيحين.

قارئ المتن: حدثنا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّ الْأَنْصَارَ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا هُمْ وَغَسَّانُ يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ فَتَحَرَّجُوا أَنْ يَطَّوَّفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَكَانَ ذَلِكَ سُنَّةً فِي أَيَّامِهِمْ مَنْ أَحْرَمَ لِمَنَاةَ لمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَأَنَّهُمْ حِينَ أَسْلَمُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 158] إِلَى قَوْلِهِ ﴿شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 158] قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ: هِيَ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

شرح الشيخ: (هِيَ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ) قولها: (سُنة) يعني سُنة شَرعها الله، والسُنة في هذا تشمل الواجب، والمستحب، وهو ركن السعي بين الصفا والمروة، ركن في الحج، وركن في العُمرة عند جمهور العلماء.

وقالت: (هِيَ سُنَّةٌ) يعني إنها سنةٌ مشروعة، وليس المراد أنها السُنة التي قال الفقهاء: أن من تركها فلا شيء عليه.

في هذا قول عائشة -رضي الله عنها- هنا: أنَّ الأنصار كانوا قبل أن يُسلموا في الجاهلية يُهلون لمناة، مناة صنم في المُشلل، يعبده أهل المدينة ومن حولهم في الجاهلية، كما أن العُزى شجرة يعبدها أهل مكة ومن حولهم، وكذلك أيضًا أهل الطائف لهم صنم، لهم اللات، وهذه الأصنام الثلاثة الكبيرة ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى (20)﴾[النجم:19-20].

وسبق أنَّ الأصنام كثرت قُبيل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأنقذ الله تعالى البشرية من الشرك ببعثة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فأزال الأصنام، حتى كان كل قبيلة لها صنم، بل كل أهل بيت لهم صنم كما سبق.

نعم، قال أبو بكر، وهو المؤلف ابن خزيمة.

قارئ المتن: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ مَنْ كَانَ يُهِلُّ لِمَنَاةَ، وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ مِنَ الطَّوَافِ بَيْنَهُمَا لَا أَنَّهُمُ كَانُوا يَطُوفُونَ بَيْنَهُمَا كَخَبَرِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ رِوَايَةِ يُونُسَ، وَمُتَابَعَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ إِيَّاهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى،

شرح الشيخ: (وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ رِوَايَةِ يُونُسَ، مُتَابَعَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ إِيَّاهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى)، الأولىّ حذف الواو كما موجود في هذه النسخة.

قارئ المتن: وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ رِوَايَةِ يُونُسَ، مُتَابَعَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ إِيَّاهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، سَأُخَرَّجُ خَبَرَ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا الْبَابَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَخَبَرُ عَاصِمٍ عَنْ أَنَسٍ دَالٌ أَيْضًا أَنَّ الْأَنْصَارَ كَانُوا هُمُ الَّذِينَ يَتَحَرَّجُونَ مِنَ الطَّوَافِ بَيْنَهُمَا قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ.

شرح الشيخ: رواية يونس السابقة قال: (حدثنا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ).

قارئ المتن: حدثنا بِخَبَرِ عَاصِمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَتِ الْأَنْصَارُ يَكْرَهُونَ أَنْ يَطَّوَّفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى نَزَلَتْ ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 158] زَادَ سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ: فَطَافُوا.

الشيخ: التخريج هنا أخرجه مسلم من طريق عاصم.

القارئ: قال: "أخرجه عبد بن حُميد، والبخاري، ومسلم".

الشيخ: أخرجه الشيخان، هنا اقتصر على مسلم، وهو الصحيح أخرجه الشيخان.

القارئ: "وهو متفق على صحته، والطحاوي في [شرح المُشكل]، والحاكم، والبيهقي".

الشيخ: متابعة هشام بن عروة؟

القارئ: متابعة هشام بن عروة الحديث الذي قبله، قال: "صحيح، أخرجه مسلم من طريق بن وهب، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن عروة به"، الحديث الذي قبله؟

الشيخ: نعم.

قارئ المتن: بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ عَائِشَةَ لَمْ تُرِدْ بِقَوْلِهَا: «هِيَ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَنَّ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا سُنَّةٌ يَتِمُّ الْحَجُّ بِتَرْكِهِ

شرح الشيخ: يعني ليس المراد بقولها: (سُنَّةٌ) إنها سنةٌ إذا تركها فلا شيء عليه، مستحبة، السُنة تأتي بمعنى إن الفقهاء المتأخرين يريدون به: ما أُثيب فاعله، ولا يُعاقب تاركه.

وتأتي السُنة بمعنى: أنها تشمل الواجب والمُستحب.

مراد عائشة إنها سُنة هنا يعني؛ سُنةٌ شَرعها الله تعالى، بصرف النظر عن حكمها، هل هو واجب، أو ركن، أو مستحب.

السعي بين الصفا والمروة سنةٌ واجبة، وهو ركن عند جمهور العلماء، ومن العلماء من قال: إنه واجب.

فالمؤلف يُبين أن معنى قول عائشة: (سُنَّة) ليس المراد السُنة التي اصطلح عليها الفقهاء، وهي المستحب، وإنما المراد سنةٌ شَرعها الله تعالى، وهو أمرٌ حتمٌ لا بُدَّ منه للمعتمر، والحاج لا بُدَّ أن يطوف بين الصفا والمروة.

قارئ المتن: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ كُرَيْبٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا أَرَى عَلَيَّ مِنْ جُنَاحٍ أَنْ لَا أَتَطَوَّفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَتْ: وَلِمَ؟ قُلْتُ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ ﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾[البقرة: 158]، فَقَالَتْ: لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ لَكَانَ، ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ إِنَّمَا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي أُنَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانُوا إِذَا أَهَلُّوا أَهَلُّوا لِمَنَاةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَطَّوَّفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا قَدِمُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَجِّ ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، فَلَعَمْرِي مَا أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 158] فَهُمَا مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْلُهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ تُرِيدُ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ فِي دِينِهِمْ.

شرح الشيخ: وهذا لمتابعة هشام بن عروة، ذكر المؤلف: والدليل على صحة رواية يونس متابعة هشام بن عروة.

وفيه بيان أنَّ قول عائشة: (سُنة) المراد أنها سُنةٌ واجبة، ولهذا قالت: (فَلَعَمْرِي مَا أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) هذا للتأكيد، وليس المراد القَسم، تأتي (لعمري) إذا أُريد بها القَسم قد تكون قَسمًا، وتأتي لتأكيد الكلام، والعمر؛ الحياة، ولكن ليس المقصود هنا القَسم.

جاءت كذلك أيضًا في سورة يونس، جاء لعائشة -رضي الله عنها- قالت: (فَلَعَمْرِي مَا أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) يعني ما يصح حجه حتى يأتي بهذا الركن، فدلَّ هذا على أن قولها: (سُنة) مقصدها؛ سُنةٌ شَرعها الله، وهي واجبة؛ ولذلك قال المؤلف: (قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْلُهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ تُرِيدُ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ فِي دِينِهِمْ).

تخريجه عندك؟

القارئ: قال: "صحيحٌ أخرجهُ مالكٌ في [الموطأ] برواية الليث، وإسحاق بن راهويه، والبخاري، ومسلم، وأبو داود".

الشيخ: صحيح، هنا اقتصر على رواه الشيخان وغيرهما.

قارئ المتن: بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ السَّعْيَ الَّذِي ذَكَرْتُ أَنَّهُ وَاجِبٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، سَعْيًا كَانَ أَوْ مَشْيًا بِسَكِينَةٍ وَتُؤَدَةٍ، وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ السَّعْيَ الَّذِي هُوَ سُرْعَةُ الْمَشْيِ فِي الْوَادِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وُجُوبًا يُحْرِجُ تَارِكَهُ، وَأَنَّ الْمَشْيَ بَيْنَهُمَا جَائِزٌ، وَهَذَا مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي كُنْتُ أَعْلَمْتُ أَنَّ اسْمَ السَّعْيِ قَدْ يَقَعُ عَلَى الْمَشْيِ عَلَى السَّكِينَةِ وَالتُّؤَدَةِ، وَيَقَعُ عَلَى سُرْعَةِ الْمَشْيِ، وَاسْتَدْلَلْتُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: 9]، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُوَلَّى..

شرح الشيخ: (الْمُوَلَّى) المُولى هو الله، ولاّهُ الله بيانه، قال: ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾[النحل:44].

قارئ المتن: بَيَانَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْوَحْيِ، أَنَّ هَذَا السَّعْيَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ الْمُضِيُّ، وَالْمَشْيُ ...

الشيخ: قف، (وَالْمَشْيُ) هذا كلام جديد.

قارئ المتن: وَالْمَشْيُ إِلَى الْجُمُعَةِ عَلَى السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ بِقَوْلِهِ: «إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ» فَلَوْ كَانَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا أَمَرَ بِسُرْعَةِ الْمَشْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَمَا قَالَ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَأْتُوهَا تَمْشُونَ، وَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ».

شرح الشيخ: النسخة هذه فيها مكررة، إذا أتيتم الصلاة فأتوها تمشون، وفيه: لا تمشون. هذه زائدة، ولا تأتوها تسعون، ذكرها عندك في الحاشية؟

القارئ: لا، ذكرها في الموضوع فقط.

قارئ المتن: «إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَأْتُوهَا تَمْشُونَ، وَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ» وَكُنْتُ أَعْلَمْتُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِوعِ أَنْ جَائِزٌ أَنْ يَقَعَ اسْمُ الْوَاحِدِ عَلَى فِعْلَيْنِ، أَحَدُهُمَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالْآخَرُ مَأْمُورٌ بِهِ، إِذِ اسْمُ السَّعْيِ قَدْ يَقَعُ عَلَى الْمَشْيِ عَلَى السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَعَلَى سُرْعَةِ الْمَشْيِ الَّذِي هُوَ هَرْوَلَةٌ، فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَا بِالسَّعْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَزَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّعْيِ إِلَى الصَّلَاةِ، فَالسَّعْيُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْمَشْيُ الَّذِي هُوَ ضِدَّ الْهَرْوَلَةِ، وَالسَّعْيُ الَّذِي زَجَرَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ إِتْيَانِ الصَّلَاةِ هُوَ سُرْعَةُ الْمَشْيِ الَّذِي هُوَ شِبْهُ الْهَرْوَلَةِ أَوِ الْهَرْوَلَةُ.

شرح الشيخ: فقه هذه الترجمة: أنَّ السعي له معنيان:

المعنى الأول: المُضي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَة﴾[الجمعة:9] كما في هذه الآية، وفي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا﴾[الجمعة:9] يعني: أمضوا،  وكذلك أيضًا السعي بين الصفا والمروة كذلك مُضي.

ويأتي بمعنى آخر: بمعنى الهرولة، وهو المذكور في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا سمعتم الإقامة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وآتوها وأنتم تمشون» فالمضي إلى الجمعة مشي، وكذلك أيضًا المضي إلى الصلاة كذلك مشي، والسعي بين الصفا والمروة مشي إلا بين العلمين كما سبق.

والمؤلف يبين هذا، يُبين أن السعي الذي هو واجب بين الصفا والمروة معناه: المُضي، وليس معناه الهرولة إلا بين العلمين كما سبق، أما الهرولة يقول: ليس واجب وجوب حتمي، الهرولة مستحب بين العلمين، فالهرولة مستحب ولو تركها فلا شيء عليه.

ولهذا قال المؤلف: (وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ السَّعْيَ الَّذِي هُوَ سُرْعَةُ الْمَشْيِ فِي الْوَادِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وُجُوبًا يُحْرِجُ تَارِكَهُ) يُحرج تاركة؛ يعني لأنه ليس بواجب، وأنَّ المشي بينهما جائز، وذلك لأن اسم السعي له معنيان، هذا في فقه الترجمة.

قارئ المتن: حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُنْذِرٍ، حدثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، حدثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ جُمْهَانَ السُّلَمِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَمْشِي فِي الْمَسْعَى، فَقُلْتُ..

الشيخ: عندك (قال: فقلت)؟

القارئ: قال: في نسخة سقطت من نسخة ميم.

قارئ المتن: قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ تَمْشِي فِي الْمَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَالَ: لَئِنْ سَعَيْتُ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْعَى، وَلَئِنْ مَشَيْتُ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي، وَأَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ.

قال الألباني: حديث صحيح ورجاله ثقات غير كثير بن جهمان لم يوثقه غير ابن حبان لكن تابعه سعيد بن جبير كما يأتي بعد حديث.

الشيخ: تخريجه عندك؟

القارئ: قال: "صحيح، وقد تُوبع كثير بن جُمهان، وأخرجه الترمذي من طريق بن فُضيل عن عطاء بن السائب عن كثير بن جُمهان به، وأخرجه الترمذي من طريق ابن فُضيل عن عطاء بن السائب عن كثير بن جُمهان به، وأخرجه أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، والبيهقي من طرقٍ عن عطاء بن السائب به".

الشيخ: هذا حديث صحيح، الشيخ ناصر قال: "حديث صحيح، رجاله ثقات غير كثير بن جمهان، لم يُوثقه غير ابن حبان لكن تابعه سعيد بن جبير، وهو في الترمذي، وكذلك أبو داود، وابن ماجة في [المناسك]".

وفيه: أنَّ عُمر -رضي الله عنه- يمشي بين الصفا والمروة ولم يهرول؛ قال: لأنه يشق عليه الهرولة، دلَّ على أن الهرولة بين العلمين يعني بين العلمين ليس بواجب وإنما مستحب لمن قَدر، والمرأة لا تهرول، والعاجز كذلك لا يُهرول.

قارئ المتن: حدثنا أَبُو مُوسَى، حدثنا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ جُمْهَانَ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَمْشِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقُلْتُ لَهُ: فَقَالَ: إِنْ أَمْشِ فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي وَإِنْ أَسْعَ فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْعَى.

قال الألباني: حديث صحيح ورجاله ثقات كالذي قبله

شرح الشيخ: هذا كالذي قبله، يكون حديث صحيح كالذي قبله، يعني نمشي فقد رأيت الرسول يمشي مشيًا بين الصفا والمروة، وإن أسع وأُهرول فقد رأيته يهرول بين العلمين، جمع بينهما، النبي -صلى الله عليه وسلم- سعى بين الصفا والمروة، وبين العلمين يهرول، حتى إنه تدور به إزاره -عليه الصلاة والسلام-، فالهرولة بين الصفا والمروة ما بين العلمين مستحب وليس بواجب.

قارئ المتن: وحدثنا أَبُو مُوسَى فِي عَقِبِهِ، حدثنا الضَّحَّاكُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، نَحْوَهُ

الشيخ: قال: حدثنا

القارئ: قال: حَدثنا أبو موسى في عَقِبِهِ

الشيخ: عندك حدثنا عُقبَه ولا ...؟

القارئ: قال: في عَقِبِهِ، بكسر القاف، والباء، والهاء.

الشيخ: ضبطها ولا الشكل؟

القارئ: لا، الشكل فقط.

الشيخ: لا، الشكل ما عليه عمدة، ماذا يوجد عندك؟ كذا في عَقِبِهِ، حَدثنا موسى.

القارئ: حدثنا أبو موسى في عَقِبِهِ.

الشيخ: ما في حدثنا؟ النسخة الثانية فيها: حدثنا أبو موسى، ولكن (في عَقبِهِ) ما في (حدثنا)؟

القارئ: (وحدثنا) بالواو، وحدثنا أبو موسى في عَقبه.

الشيخ: النسخة الثانية؟

القارئ: الفحل، وغيرها، والتأصيل.

الشيخ: قال: حدثنا الضحاك ...

قارئ المتن: حدثنا الضَّحَّاكُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، نَحْوَهُ.

ولذلك هنا قال: إسناده أيضًا صحيح، وأورده الشيخ ناصر في صحيح ابن حبان، قال: [00:27:02] سعيد بن جُبير.

يُراجع هذا في أبي داود (في عَقِبِهِ) الحديث في أبي داود، اسأل هكذا (في عقبِهِ) بالجوال.

مداخلة: عندي طبعة الأعظمي في الطبعة الثالثة (في عَقِبِهِ)، صححها بعد ذلك.

الشيخ: ماذا قال الأعظمي في التصحيح الأخير؟

مداخلة: لم يعلق عليه قال: وحدثنا أبي في عقِبِهِ.

الشيخ: إذًا (في عقِبِهِ) ما المراد بـ (في عقِبِهِ)؟

مداخلة: يعني هذا الخبر أتى في أبنائه من بعده؟

الشيخ: في عقِبِهِ: يعني معنى الحديث السابق؟ محتمل، يُراجع في صحيح أبي داود، الشيخ ناصر قال: أوردته في صحيح أبي داود.

قارئ المتن: وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، حَدَّثَنِي قَتَادَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعَى عَامًا وَمَشَى عَامًا حدثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أبو الْمُغِيرَةُ حدثنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ.

الشيخ: عندك قال: (أبو المغيرة)؟

القارئ: نعم.

الشيخ: تكلم عليها؟ النسخة الثانية: المغيرة.

القارئ: لا، هنا قال: أبو المغيرة، كل الطبعات المغيرة إلا نسخة الفحل قال: أبو المغيرة.

الشيخ: ماذا قال في التخريج؟ إسناده ضعيف.

القارئ: أحسن الله إليك، قال: إسناده ضعيف؛ لضعف سعيد بن بشير وهو الأزدي.

 

 

شرح الشيخ: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعَى عَامًا وَمَشَى عَامًا)، سعيد بن بشير ضعيف، معروف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سعى ومشى، مشى بين الصفا والمروة، وسعى يعني هرول بين العلمين، وهذا الحديث يقول: (سَعَى عَامًا وَمَشَى عَامًا) يعني عامًا هرول في السعي، وعامًا لم يُهرول، هذا ضعيف، سعيد بن بشير يُضعفه.

الصواب: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- مشى وسعى، مشى بين الصفا والمروة، وسعى يعني هرول، فلا يُعتمد رواية سعيد بن بشير.

قارئ المتن: بَابُ ذِكْرِ إِسْقَاطِ الْحَرَجِ عَنِ السَّاعِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ جَهْلًا بِأَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ السَّعْيِ

حدثنا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حدثنا جَرِيرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَهُوَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا، وَكَانَ النَّاسُ يَأْتُونَهُ، فَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعَيْتُ قَبْلَ أَنْ أَطُوفَ أَوْ أَخَّرْتُ شَيْئًا أَوْ قَدَّمْتُ شَيْئًا، وَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ: «لَا حَرَجَ لَا حَرَجَ» إِلَّا رَجُلٌ اقْتَرَضَ مِنْ عِرْضِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ، وَهُوَ ظَالِمٌ فَذَاكَ الَّذِي حَرِجَ وَهَلَكَ.

قال الأعظمي: إسناده صحيح

شرح الشيخ: قوله: (اقْتَرَضَ) قالوا: المراد أنه اغتابه.

الحديث هنا الشيخ ناصر صحَّ الإسناد، صحيح؟

القارئ: نعم، أحسن الله إليك.

الشيخ: رواه أبو داود، ماذا قال عندك؟

القارئ: قال: "صحيحٌ أخرجه أبو داود، والطحاوي في شرح المعاني من طريق أبي إسحاق عن زياد بن علاقة به".

الشيخ: المؤلف ذكر أن هذا خاصٌ بالجاهل، الجاهل إذا سعى يوم العيد قبل الصفا والمروة فلا حرج عليه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام للناس يسألونه، فما سُئل عن شيء قُدم إلا قال: لا حرج، سُئل عن تقديم الحلق على الذبح، تقديم أيضًا كذلك الحلق على الرمي، تقديم السعي على الطواف، فقال: لا حرج، لا حرج.

هذا خاصٌ بالطواف، وفيه خلاف في الحج، الجمهور أظن يمنعون من تقديم السعي على ...، أظن بعضهم يرى ضعف الحديث، أحتاج إلى تخريج الحديث، زيادة تخريج، قال: إسناده صحيح عندك؟

القارئ: نعم، قال: إسناده صحيح أبو داود، والطحاوي في شرح المعاني من طريق أبي إسحاق عن زياد بن علاقة به.

الشيخ: المؤلف قيده بإسقاط الحرج عن الساعي بينهما إذا كان جاهلًا، إذا كان يجهل أن الطواف يكون قبل السعي، أما إذا كان عالم فلا؛ لأنه ما سأل عما قُدم ويؤخر، والجمهور يرون أنه إذا قدم بعضها على بعض ولو كان عالمًا ما عدا السعي.

السعي هنا ...، يعني تقديم الحلق أو الذبح أو الطواف، أو الرمي، إذا قدم بعضها على بعض فلا حرج، فلا حرج ولو كان عالمًا، لكن السعي هنا قال: (إِلَّا رَجُلٌ اقْتَرَضَ مِنْ عِرْضِ رَجُلٍ) المؤلف قيدها بالجهل، إسقاط الحرج عمن سعى بين الصفا والمروة قبل الطواف بالبيت جهلًا، جهلًا بأن الطواف بالبيت قبل السعي، إذا كان جاهل ولا يدري أن الطواف يسبق السعي فلا حرج عليه.

ومفهومه: أنه لو كان عالمًا فلا يصح، والمسألة تحتاج إلى مراجعة المعنى في [المُغني] لابن قُدامة.

مداخلة: يوجد تعليق للبيهقي في السنن عن الحديث، قال البيهقي في [السنن الكبرى]: "هذا اللفظ: (سَعَيْتُ قَبْلَ أَنْ أَطُوفَ)؛ غريبٌ تفرد به جرير عن الشيباني، فإن كان محفوظًا فكأنه سأله عن رجلٍ سعى عقيب طواف القدوم قبل طواف الإفاضة، فقال: لا حرج، والله أعلم".

الشيخ: قدم السعي بعد طواف القدوم، هذا هو الظاهر، الجمهور يرون هذا، ومن العلماء من اعتمد ذلك، وكان سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- يفتي بأنه لا حرج من قَدَّم السعي يوم العيد على الطواف.

الحنابلة يقولون: لا يصح، حملوه على أنه قَدم السعي على طواف الإفاضة، وأتى به بعد طواف القدوم، كلام البيهقي هذا هو كلام الجمهور، قال البيهقي أعد.

مداخلة: قال البيهقي: "هذا اللفظ: (سَعَيْتُ قَبْلَ أَنْ أَطُوفَ)؛ غريبٌ تفرد به جرير عن الشيباني، فإن كان محفوظًا فكأنه سأله عن رجلٍ سعى عقيب طواف القدوم قبل طواف الإفاضة، فقال: لا حرج، والله أعلم".

الشيخ: وهذا ما فيه إشكال إذا قدمه، ولا سيمَّا القارن، والمُفرد، إذا قدما السعي بعد طواف القدوم فلا بأس، ويأتي بطواف الإفاضة يوم العيد.

مداخلة: كذلك البغوي في [شرح السُنة] قال: "وهذا عند العامة أن يكون قد سعى عقيب طواف القدوم قبل الوقوف بعرفة، ويكون محسوبًا له، ولا يجب عليه أن يُعيده بعد طواف الإفاضة، فأما من لم يكن سعى عقيب طواف القدوم فسعيه بعد الوقوف بعرفة لا يُحسب قبل طواف الإفاضة".

الشيخ: وهذا قول الجمهور، انظر كلام ابن قدامة في [المُغني] يرى أن هذا يتفرد به، السعي قبل أن يطوف تفرد به ...، ماذا قال؟ جرير عن الشيباني؟

مداخلة: نعم.

الشيخ: عن أبي إسحاق والشيباني.

مداخلة: ممكن الساعي إذا مفردًا أو قارنًا؟

الشيخ: إذا مفرد أو قارن لا إشكال فيه، لكن الكلام في المتمتع، المتمتع إذا سعى قبل الطواف، قَدم طواف يوم العيد، آخر السعي على الطواف هذا هو المحل.

المؤلف هنا: يَسقط الحرج عنه، ومن العلماء من اعتمد هذا، ومنهم شيخنا -رحمه الله- سماحة الشيخ يُفتي بهذا: بأنه إذا سعى يوم العيد أجزئه.

مداخلة: قبل طواف الإفاضة؟

الشيخ: نعم، قبل طواف الإفاضة.

غدًا إن شاء الله ننظر في كلام المُغني إذا كان فيه زيادة كلام.

قارئ المتن: بَابُ الدُّعَاءِ عَلَى أَهْلِ الْمِلَلِ وَالْأَوْثَانِ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بِأَنْ يُهْزَمُوا وَيُزَلْزَلُوا

حدثنا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ، حدثنا يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ، حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أبي خالد..

الشيخ: إسماعيل بن أبي خالد! في النسخة هذه إسماعيل بن عُلية.

القارئ: قال: في الأصل: "إسماعيل بن عُلية، والمُثبت من الإتحاف، ومن الإحسان: من طريق يحيى بن سعيدٍ به"، وفي طبعة الفحل قال: "في الأصل: إسماعيل بن عُلية، والصواب: ما أثبته كما في مصادر التخريج والإتحاف؛ ولأن إسماعيل بن عُلية لا يروي عن الصحابة، ولا يُعد في شيوخ يحيى بن سعيد".

قارئ المتن: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ خَرَجَ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَجَعَلْنَا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَرْمِيَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَوْ يُصِيبَهُ بِشَيْءٍ فَسَمِعْتُهُ يَدْعُو عَلَى الْأَحْزَابِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ اهْزِمِ الْأَحْزَابَ اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ».

شرح الشيخ: وكان هذا في عمرة القضاء، السنة السابعة من الهجرة، (نَسْتُرُهُ) لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما صدوه عن عمرة الحديبية قاضاهم؛ يعني صالحهم على أن يأتي من العام القابل، هذه العمرة عمرة القضاء، تسمى عمرة القضاء في السنة السابعة من الهجرة، أعِد (اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).

قارئ المتن: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ خَرَجَ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَجَعَلْنَا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَرْمِيَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَوْ يُصِيبَهُ بِشَيْءٍ فَسَمِعْتُهُ يَدْعُو عَلَى الْأَحْزَابِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ اهْزِمِ الْأَحْزَابَ اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ»

شرح الشيخ: (الْأَحْزَابَ) هم الكفار الذين تحزبوا على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلى قتالهِ ومنعه من الدعوة، تحزبوا، وتجمعوا، وتعاونوا.

وظاهره: أنَّ هذا الدعاء في هذه الغزوة، وفي غزوة بدر كذلك دعا عليهم، عندك تخريجه؟

القارئ: قال: "صحيح أخرجه البخاري ومسلم، قال: بعض الروايات ليس فيها ذكر الدعاء".

الشيخ: وكذلك الشيخ الناصر: أخرجه الإمام محمد بن مسلم من طريق إسماعيل، وقال: "وكذا البخاري مفرقًا في الحج، [00:43:25] ومسلم كذلك، يعني: رواه الشيخان وغيرهما.

قال في بعضها ليس فيه الدعاء؟

القارئ: نعم، قال: "بعض الروايات ليس فيها ذكر الدعاء".

الشيخ: نعم، وأظن إن هذا الدعاء كان في غزوة بدر.

قارئ المتن: بَابُ الرُّخْصَةِ لِلْمَعْذُورِ فِي الرُّكُوبِ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ

حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ، ح وحدثنا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ، ح وحدثنا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ، أَيْضًا حدثنا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، حدثنا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا قَدِمَتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، فَقَالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ، وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ» هَذَا حَدِيثُ الدَّوْرَقِيِّ.

شرح الشيخ: فطافت من وراء الناس، وذلك في طواف الوداع، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس صبح اليوم الرابع عشر من ذي الحجة، صلى بالناس، وقرأ سورة الطور، وكانت أم سلمة ذكرت للنبي أنها متعبة، فقال: («طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ، وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ») فطافت من وراء الناس، من وراء المُصلين.

وهذا هو الشاهد من الترجمة: (الرُّخْصَةِ لِلْمَعْذُورِ فِي الرُّكُوبِ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) المعذور؛ هو المريض الذي لا يستطيع، يطوف راكبًا محمولًا على عربة أو غيرها في الطواف بالبيت، وفي السعي.

نعم، والحديث صحيح رواه البخاري ومسلم، رواه الشيخان وغيرهما.

قارئ المتن: بَابُ ذِكْرِ بَعْضِ الْعِلَلِ الَّتِي لَهَا سَعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَهَذَا مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي أَعْلَمْتُ قَبْلُ أَنَّ اسْتِنَانَ السُّنَّةِ قَدْ تَكُونُ فِي الِابْتِدَاءِ لِعِلَّةٍ فَتَزُولُ الْعِلَّةُ وَتَبْقَى السُّنَّةُ إِلَى آخِرِ الْأَبَدِ، إِذِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا سَعَى بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ قُوَّتَهُ، فَبَقِيَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ إِلَى آخِرِ الْأَبَدِ

حدثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ الْمَخْزُومِيُّ قَالُوا: حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّمَا سَعَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ قُوَّتَهُ، وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ قُوَّتَهُ.

شرح الشيخ: والحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم، قال وفي مسلم زيادة: (إنَّمَا سَعَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَمَلَ بِالْبَيْتِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ)؛ عندك الزيادة؟

القارئ: ما ذكرها.

الشيخ: المؤلف في الترجمة قال: (ذِكْرِ بَعْضِ الْعِلَلِ الَّتِي لَهَا سَعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) سعى؛ يعني أسرع، هرول المراد: الرَمَلَ، العلة هي أن المشركون قوته.

وذلك أنَّ في عمرة القضاء كان المشركون من وراء الحِجر يشاهدون النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وهم يطوفون البيت؛ لأنهم حسب الشرط والمقاضاة أنهم يعودون ثلاثة أيام، فقال بعضهم لبعض: إنه يَقدم عليك محمد وأصحابه قد وهنتهم حمى يثرب.

يعني أصابتهم الحمى، أو ضعفاء، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالهرولة -سبق هذا في ترجمة مضت- فصاروا يهرولون، فرأى المشركون قوتهم، فقالوا: أنظروا إليهم، وفي بعض النسخ: ينقزون كالغزلان، فكانوا يهرولون من الحجر إلى الركن اليماني، فإذا وصلوا للركن اليماني اختفوا عنهم فصاروا يمشون، وإنما النبي أمرهم أن يمشون خشية المشقة عليهم، ثم في حجة الوداع أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرَمَلَ من الحجر إلى الحجر، فصارت سُنة، وإن كان أصل العلة هكذا، فصار الرَملَ سُنة في جميع الشوط، في جميع الأشواط الثلاثة، الثلاث الأولى التي يَقدم بها، الطواف الأول الذي يقدم به إلى مكة يُشرع للمعتمر، وكذلك الحاج أن يرمل في الأشواط الثلاث الأولى دون الأشواط الأربعة، هذه سُنة.

والسُنة الثانية: الاضطباع؛ وهو كشف الكتف الأيمن، وهو أن يجعل وسط الرداء تحت عاتقه الأيمن، وطرفه على عاتقهِ الأيسر.

أعد الترجمة حتى تتضح.

قارئ المتن: بَابُ ذِكْرِ بَعْضِ الْعِلَلِ الَّتِي لَهَا سَعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَهَذَا مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي أَعْلَمْتُ قَبْلُ أَنَّ اسْتِنَانَ السُّنَّةِ قَدْ تَكُونُ فِي الِابْتِدَاءِ لِعِلَّةٍ فَتَزُولُ الْعِلَّةُ وَتَبْقَى السُّنَّةُ إِلَى آخِرِ الْأَبَد.

الشيخ: زالت العلة الآن بفتح مكة، وبقيت السُنة إلى آخر الأبد.

قارئ المتن: إِذِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا سَعَى بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ قُوَّتَهُ، فَبَقِيَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ إِلَى آخِرِ الْأَبَدِ.

بَابُ اسْتِحْبَابِ رُكُوبِ مَنْ بِالنَّاسِ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ وَالْمَسْأَلَةُ عَنْ أَمْرِ دِينِهِمْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِذَا كَثُرَ الزِّحَامُ عَلَى الْعَالِمِ، وَلَمْ يُمْكِنْ سُؤَالُهُ، إِذَا كَانَ الْعَالِمُ مَاشِيًا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ

شرح الشيخ: يعني هذه علة، العلة الأولى التي ذكرها، هي أن سعى وهرول ليرى المشركون قوته، وهذه العلة الثانية: (رُكُوبِ مَنْ بِالنَّاسِ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ وَالْمَسْأَلَةُ عَنْ أَمْرِ دِينِهِمْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- طاف على راحلته، طاف أولًا ومشى ثم لما كَثر الناس عليه ركب.

قارئ المتن: حدثنا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنِي عِيسَى، عَنْ أَبِي جُرَيْجٍ، ح وحدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، حدثنا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ح وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهَ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْبَيْتِ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيَرَاهُ النَّاسُ فَإِنَّ النَّاسَ غَشَوْهُ.

زَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ مَعْمَرٍ لِيَسْأَلُوهُ، وَإِنَّ النَّاسَ غَشَوهُ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إِنَّ النَّاسَ غَشَيُوهُ.

الشيخ: تخريجه؟ أخرجه مسلم؟

القارئ: قال: "صحيحٌ، أخرجه الشافعي، وأحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي".

الشيخ: نعم، فذكر المؤلف الآن علتان للركوب:

العلة الأولى: ليرى المشركون قوته، وهذه زالت.

والعلة الثانية: إذا كان بالناس حاجة إليه، ليسألوه، ولم يمكن سؤاله إذا كان ماشيًا، فيركب حتى يبرز للناس ويسألوه، والعاجز أيضًا كذلك، ذكر عجز كما سبق في الترجمة التي قبل هذا، المعذور في الركوب، المعذور؛ العاجز كالمريض، هذا السعي، الترجمة التي قبل هذا للمعذور، والترجمة الثانية: من بالناس إليه حاجة، ولا يمكن سؤاله إذا كثر الزحام عليه، ولا يمكن سؤاله إذا كان ماشيًا، يعني ذكر علتان.

أما الترجمة التي قبل هذا: ذكر بعض العلل التي سعى لها بين الصفا والمروة.

قارئ المتن: بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الرُّكُوبِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِذَا أُوذِيَ الطَّائِفُ بَيْنَهُمَا بِالِازْدِحَامِ عَلَيْهِ وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الرُّكُوبَ بَيْنَهُمَا إِبَاحَةٌ لَا أَنَّهُ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ، وَلَا أَنَّهُ سُنَّةُ فَضِيلَةٍ بَلْ هِيَ سُنَّةُ إِبَاحَةٍ

حدثنا أَبُو بِشْرٍ الْوَاسِطِيُّ، حدثنا خَالِدٌ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَرَأَيْتَ الرُّكُوبَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَ: قَوْمُكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا سُنَّةٌ قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ فَجَعَلَ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَخَرَجَ أَهْلُ مَكَّةَ حَتَّى خَرَجَ النِّسَاءُ، وَكَانَ لَا يَضْرِبُ أَحَدًا عِنْدَهُ وَلَا يَدَعُونَهُ فَدَعَا بِرَاحِلَتِهِ، فَرَكِبَ، وَلَوْ يُتْرَكُ لَكَانَ الْمَشْيُ أَحَبَّ إِلَيْهِ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَدَقُوا وَكَذَبُوا يُرِيدُ صَدَقُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَكِبَ بَيْنَهُمَا، وَكَذَبُوا بِقَوْلِ إِنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَاجِبَةٍ، وَلَا فَضِيلَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ إِبَاحَةٌ لَا حَتْمٌ وَلَا فَضِيلَةٌ.

شرح الشيخ: هنا المؤلف قال: (بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الرُّكُوبِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِذَا أُوذِيَ الطَّائِفُ بَيْنَهُمَا بِالِازْدِحَامِ عَلَيْهِ)، إذن المفهوم: الرخصة أنه لا يُرخص لغير العاجز أو من أُوذي، إذا كان قادرًا؛ إذًا يسعى، وكذلك إذا لم يكن هناك ازدحام.

قال: إذا أوذي بالازدحام، أو إذا كان عاجزًا، إذا كان معذور كما الرخصة للمعذور، والرخصة إذا أوذي بالازدحام لك رخصة.

ومن قوله: مفهوم الرخصة: أنه في الحالتين، أنه لا يُرخَص للقادر الذي ليس معذورًا، وليس عنده ازدحام فلا حاجة للركوب.

تخريجه عندك؟

القارئ: قال: "سبق".

الشيخ: هنا ذكر أخرجه مسلم من طريق الجريري.

القارئ: في الموضوع السابق قال: "أخرجه مسلم".

الشيخ: أعد، باب الرخصة.

قارئ المتن: بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الرُّكُوبِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِذَا أُوذِيَ الطَّائِفُ بَيْنَهُمَا بِالِازْدِحَامِ عَلَيْهِ وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الرُّكُوبَ بَيْنَهُمَا إِبَاحَةٌ لَا أَنَّهُ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ، وَلَا أَنَّهُ سُنَّةُ فَضِيلَةٍ بَلْ هِيَ سُنَّةُ إِبَاحَةٍ.

شرح الشيخ: يعني الركوب مباح، وليس واجبًا ولا مستحبًا، رخصة، فلا يقال: أنه مستحب، ولا يقال: أنه واجب، وإنما الركوب مباح لمن يحتاج إليه، هذا مقصود المؤلف -رحمه الله-، أعد قال: حدثنا ...

قارئ المتن: حدثنا أَبُو بِشْرٍ الْوَاسِطِيُّ، حدثنا خَالِدٌ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَرَأَيْتَ الرُّكُوبَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَ: قَوْمُكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا سُنَّةٌ قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ فَجَعَلَ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَخَرَجَ أَهْلُ مَكَّةَ حَتَّى خَرَجَ النِّسَاءُ، وَكَانَ لَا يَضْرِبُ أَحَدًا عِنْدَهُ وَلَا يَدَعُونَهُ فَدَعَا بِرَاحِلَتِهِ، فَرَكِبَ، وَلَوْ يُتْرَكُ لَكَانَ الْمَشْيُ أَحَبَّ إِلَيْهِ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَدَقُوا وَكَذَبُوا يُرِيدُ صَدَقُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَكِبَ بَيْنَهُمَا، وَكَذَبُوا بِقَوْلِ إِنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَاجِبَةٍ، وَلَا فَضِيلَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ إِبَاحَةٌ لَا حَتْمٌ وَلَا فَضِيلَةٌ.

شرح الشيخ: عندك قال: (كَذَبُوا) في الأصل؟ ومعنى (كَذَبُوا) يعني أخطأوا، فالمخطئ يُقال: كذب، منه في قول الحديث: «صَدَقَ اللَّهُ، وكَذَبَ بَطْنُ أخِيكَ» يعني أخطأ، فيقال لمن أخطأ: كذب، وليس المراد أنه تعمد الكذب، المراد: أخطأ، يعني يزعمون هذا ولكن أخطأوا في هذا.

(صَدَقُوا وَكَذَبُوا) يعني صدقوا وأخطأوا، هذا المراد، صدقوا وأخطأوا، (صَدَقُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَكِبَ بَيْنَهُمَ) وأخطأوا في زعم أنه ليس بسُنة، في قولهم: أنه ليس بسنة واجبة ولا فضيلة، (كَذَبُوا) يعني أخطأوا (بِقَوْلِ إِنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَاجِبَةٍ، وَلَا فَضِيلَةٍ).

هل عليه تعليق عندك؟

القارئ: ما عليه تعليق، ولكن في طبعة التأصيل بدل: (وَكَذَبُوا بِقَوْلِ) وكذبوا يقولوا إنه ليس بسُنة.

الشيخ: ولا فضيلة، يقولوا: إنه ليس بسُنة واجبة ولا فضيلة؛ يعني الركوب، يعني مباح، (يقول) إذا كان الضمير يعود إلى ابن عباس، (قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَدَقُوا وَكَذَبُوا يُرِيدُ صَدَقُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَكِبَ بَيْنَهُمَا، وَكَذَبُوا) يعني أخطأوا، (يقول) يعني من معه كان يفسر (إِنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَاجِبَةٍ، وَلَا فَضِيلَةٍ) الركوب، وإنما هو مباح عند الحاجة كما في الترجمة.

مداخلة: [01:00:46]

الشيخ: نعم، يخاطب الطفيل ابن عباس.

قارئ المتن: بَابُ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ بِالْمِحْجَنِ لِلطَّائِفِ الرَّاكِبِ

حدثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ.

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ الْقَصْوَى يَوْمَ الْفَتْحِ لِيَسْتَلِمَ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ

الشيخ: نعم، بعده باب؟

بَابُ تَقْبِيلِ طَرَفِ الْمِحْجَنِ إِذَا اسْتُلِمَ بِهِ الرُّكْنُ إِنْ صَحَّ الْخَبَرُ؛ فَإِنَّ فِي الْقَلْبِ مِنْ هَذَا الْإِسْنَادِ

نعم، لعل القادم إن شاء الله يكون استلام الحجر، تقبيل الحجر، نقف على هذا.

وفق الله الجميع لمرضاته، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد