بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ({وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ (١٥) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧) .
يَقُولُ تَعَالَى: وَاضْرِبْ -يَا مُحَمَّدُ-لِقَوْمِكَ الَّذِينَ كَذَّبُوكَ {مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ} .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ -فِيمَا بَلَغَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ-: إِنَّهَا مَدِينَةُ أَنْطَاكِيَةَ).
كعب الأحبار ممن أسلم من بني إسرائيل، وكذا وهب بن منبه، وابن عباس ينقل عن بني إسرائيل.
(وَكَانَ بِهَا مَلِكٌ يُقَالُ لَهُ: أَنْطَيْخَسُ بْنُ أَنْطَيْخَسَ بْنِ أَنْطَيْخَسَ، وَكَانَ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ ثَلَاثَةً مِنَ الرُّسُلِ، وَهُمْ: صَادِقٌ وَصَدُوقٌ وَشَلُومُ، فكذبهم.
وَهَكَذَا رُوي عَنْ بُرَيدة بْنِ الحُصَيب، وعِكْرِمَة، وَقَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ: أَنَّهَا أَنْطَاكِيَةُ.
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ كونَها أَنْطَاكِيَةَ، بِمَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ تَمَامِ الْقِصَّةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى).
ولا يترتب على تسمية البلد شيء، وكذلك تسمية الرسل، صادق وصدوق وشلوم، والله أعلم، لكن لو كان في ذلك فائدة لأخبر الله به، أصحاب القرية غير محددة، وكذلك الرسل أسمائهم الله أعلم، العبرة أن الله تعالى أرسل لأصحاب القرية ثلاثة من الرسل، أرسل اثنين فكذبوهم فعززهم بثالث.
(وَقَوْلُهُ: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا} أَيْ: بَادَرُوهُمَا بِالتَّكْذِيبِ، {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} أَيْ: قَوَّيْنَاهُمَا وَشَدَدْنَا أَزْرَهُمَا بِرَسُولٍ ثَالِثٍ.
قَالَ ابْنُ جُرَيْج، عَنْ وَهْبِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ شُعَيْبٍ الْجُبَّائِيِّ قَالَ: كَانَ اسْمُ الرَّسُولَيْنِ الْأَوَّلِينَ شَمْعُونَ وَيُوحَنَّا).
هذا شعيب يقوله، من الذي أخبره أن هذا اسمهما؟
(وَاسْمُ الثَّالِثِ بُولِصَ).
الله أعلم، ما يترتب على هذا شيء؟
(وَالْقَرْيَةُ أَنْطَاكِيَةُ، {فَقَالُوا} أَيْ: لِأَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ: {إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} أَيْ: مِنْ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ، نَأْمُرُكُمْ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ.
وَزَعَمَ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ: أَنَّهُمْ كَانُوا رُسُلَ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى أَهْلِ أَنْطَاكِيَةَ).
زعم السدوسي والمقصود عيسى يعني في زمن عيسى والله أعلم.
({قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا} أَيْ: فَكَيْفَ أوحيَ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ بَشَرٌ وَنَحْنُ بَشَرٌ؟ فَلِمَ لَا أوحيَ إِلَيْنَا مِثْلَكُمْ؟ وَلَوْ كُنْتُمْ رُسُلًا لَكُنْتُمْ مَلَائِكَةً).
كيف عيسى أرسل إليهما؟ والله أخبر أنهم رسل، وعيسى هو آخر أنبياء بني إسرائيل، ليس بعده إلا نبينا صلى الله عليه وسلم، هذا يدل على عدم صحة هذا، عيسى أرسلهم؟! أرسلهم الله، ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾[يس:14]، ليس عيسى هو الذي أرسلهم، عيسى ليس بعده نبي، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: «أنا أولى الناس بابن مريم، إنه ليس بيني وبينه نبي»، فليس بين عيسى والنبي صلى الله عليه وسلم نبي، وهذا يدل أيضًا على بطلان ما قاله بعض الناس من أن هناك نبي بعد عيسى، واسمه هو خالد بن سعيد، هذا ليس بصحيح، كذلك قوله: عيسى أرسل ثلاثة من الرسل، لا، أرسلهم الله.
({قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا} أَيْ: فَكَيْفَ أوحيَ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ بَشَرٌ وَنَحْنُ بَشَرٌ؟ فَلِمَ لَا أوحيَ إِلَيْنَا مِثْلَكُمْ؟ وَلَوْ كُنْتُمْ رُسُلًا لَكُنْتُمْ مَلَائِكَةً، وَهَذِهِ شِبْهُ كَثِيرٍ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} [التَّغَابُنِ: ٦]، فَاسْتَعْجَبُوا مِنْ ذَلِكَ وَأَنْكَرُوهُ. وَقَوْلُهُ: {قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [إِبْرَاهِيمَ: ١٠]. وَقَوْلُهُ حِكَايَةٌ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: ٣٤]).
هذه شبهة المشركين، يقولون لرسلهم: أنتم بشر مثلنا، لماذا لا يوحى إلينا مثلكم؟ كيف نطيع بشرًا مثلًا؟ لماذا لم يرسل الله إلينا ملائكة؟ قال الله تعالى ردًا عليهم: ﴿وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ﴾[الأنعام:8]، يعني هلكوا، ولا يهملون ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾[الأنعام:9]، وفي الآية: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا﴾[الإسراء:94]، ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ﴾[الكهف:55]، هذه شبهة الأمم المكذبة، وكيف يصل إلى بشر؟ ولماذا اختاره الله؟ نسأل الله العافية.
({وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولا}؟ [الْإِسْرَاءِ: ٩٤]).
رد الله عليهم بقوله: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا﴾[الإسراء:95].
(وَلِهَذَا قَالَ هَؤُلَاءِ: {مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ * قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} أَيْ: أَجَابَتْهُمْ رُسُلُهُمُ الثَّلَاثَةُ قَائِلِينَ: اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّا رُسُلُهُ إِلَيْكُمْ، وَلَوْ كُنَّا كَذَبة عَلَيْهِ لَانْتَقَمَ مِنَّا أَشَدَّ الِانْتِقَامِ، وَلَكِنَّهُ سَيُعِزُّنَا وَيَنْصُرُنَا عَلَيْكُمْ، وَسَتَعْلَمُونَ لِمَنْ تَكُونُ عَاقِبَةُ الدَّارِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الْعَنْكَبُوتِ: ٥٢].
{وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} يَقُولُونَ إِنَّمَا عَلَيْنَا أَنْ نُبَلِّغَكُمْ مَا أُرْسِلْنَا بِهِ إِلَيْكُمْ، فَإِذَا أَطَعْتُمْ كَانَتْ لَكُمُ السَّعَادَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ لَمْ تُجِيبُوا فَسَتَعْلَمُونَ غِبَّ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
{قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩) }
فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ لَهُمْ أَهْلُ الْقَرْيَةِ: {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} أَيْ: لَمْ نرَ عَلَى وُجُوهِكُمْ خَيْرًا فِي عَيْشِنَا).
يعني تشائمنا بكم، نعم.
(وَقَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُونَ إِنْ أَصَابَنَا شَرٌّ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْلِكُمْ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَقُولُونَ: لَمْ يَدْخُلْ مِثْلُكُمْ إِلَى قَرْيَةٍ إِلَّا عُذِّبَ أَهْلُهَا.
{لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ} : قَالَ قتادة: بالحجارة. وقال مجاهد: بالشتم.
{وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} أَيْ: عُقُوبَةٌ شَدِيدَةٌ. فَقَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ: {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} أَيْ: مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي قَوْمِ فِرْعَوْنَ: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} [الْأَعْرَافِ: ١٣١] ، وَقَالَ قَوْمُ صَالِحٍ: {اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ} [النَّمْلِ: ٤٧] . وَقَالَ قَتَادَةُ، وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: أَيْ أَعْمَالُكُمْ مَعَكُمْ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النِّسَاءِ: ٧٨].
وَقَوْلُهُ: {أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} أَيْ: مِنْ أَجْلِ أَنَّا ذَكَّرْنَاكُمْ وَأَمَرْنَاكُمْ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ، قَابَلْتُمُونَا بِهَذَا الْكَلَامِ، وَتَوَعَّدْتُمُونَا وَتَهَدَّدْتُمُونَا؟ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَيْ إِنْ ذَكَّرْنَاكُمْ بِاللَّهِ تَطَيَّرْتُمْ بِنَا، بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ.
{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) }).
هذه الآيات الكريمات فيها هذه القصة، أخبر الله تعالى وقال: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾[يس:13]، الله أعلم بهذه القرية هي أنطاكية أو غيرها، قرية فيها أناس، ساكنون، كانوا مشركين يعبدون الأصنام، أرسل الله إليهم رسالة من الرسل يدعونهم إلى توحيد الله، ويأمرونهم بعبادة الله وحده، قال: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾[يس:13]، والله أعلم بأسمائهم، والله أعلم بالقرية، لم يبينها الله تعالى، ولم يأت ما يدل على تعيينها، أو كذلك أسماء الرسل.
﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا﴾[يس:14]، أرسل الله أولًا اثنين، ودعاهم إلى التوحيد، وإلى عبادة الله فكذبوهما، فقواهم الله بثالث، عززنا بثالث، قواهما، قوى الرسولين برسول ثالث، فقال الثلاثة: ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾[يس:14]، فردوا عليهم ﴿قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ﴾[يس:15]، هذه الشبهة، كيف تكونون رسل وأنتم مبشرون مثلنا؟ لماذا لا يأتينا رسل من الملائكة، الله تعالى بيَّن أن من الحكمة أنه يرسل إليهم رسلًا من جنسهم، حتى يمكن التخاطب معهم، ويفهموا كلامهم، لكن من جنس آخر ومن غيرهم، ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾[الجمعة:2]، وفي الآية: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾[إبراهيم:4]، حتى يفهموا عنه، لو كان من جنس آخر ما فهموا عنه، لو كانوا عرب وهم عجم ما فهموا عنه، أعجمي، قال تعالى: ﴿لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ﴾[فصلت:44].
فالله تعالى من حكمته أن يرسل الرسول بلسان قومه حتى يمكنهم التخاطب معه، والفهم عنه، لكن هؤلاء ردوا على الرسول وقال: ﴿قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ﴾[يس:15]، هكذا كذبوهم، وردوا عليهم، قالوا: ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[يس:18]، أي: تشائمنا بكم، أنتم مشؤمون، ما أتيتم مكان إلا حصل الشؤم، ﴿قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾[يس:19] أي: شؤمكم وما أصابكم إنما هو بسبب أعمالكم، الأعمال السيئة، وليس بفعل الناصحين، الناصحين لا يحصل منهم إلا الخير، ﴿قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾[يس:19]، يعني أن ذكرناكم بالله، وأنهيناكم عن الشرك، وأمرناكم بتوحيد الله، تقولون هذا الكلام، وتتشائمون به، لا، بل أنتم قوم مسرفون: مجاوزون الحد.