شعار الموقع

سورة يس - 8

00:00
00:00
تحميل
62

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

يقول الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: وَقَوْلُهُ تبارك وتعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِهَا: يَقُولُ: وَلَوْ نَشَاءُ لَأَضْلَلْنَاهُمْ عَنِ الْهُدَى، فَكَيْفَ يَهْتَدُونَ؟ وَقَالَ مُرَّةُ: أَعْمَيْنَاهُمْ).

الله تعالى يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله وحكمته، حكمة بالغة في إضلال الضال، وهداية المهتدين، له حكمة سبحانه وتعالى، عليم بأحوال عباده وما يصلحهم.

(وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَطَمَسَ عَلَى أَعْيُنِهِمْ، فَجَعَلَهُمْ عُميًا يَتَرَدَّدُونَ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَوْ شِئْنا أَعْمَيْنَا أَبْصَارَهُمْ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ: {فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ} يَعْنِي: الطَّرِيقَ.

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: يَعْنِي بِالصِّرَاطِ هَاهُنَا: الْحَقَّ، {فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} وَقَدْ طَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ؟

وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} : لَا يُبْصِرُونَ الْحَقَّ.

وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِم} قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَهْلَكْنَاهُمْ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: لَغَيَّرْنَا خَلْقَهم.

وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: لَجَعَلْنَاهُمْ حِجَارَةً.

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَقَتَادَةُ: لَأَقْعَدَهُمْ عَلَى أَرْجُلِهِمْ.

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا} أَيْ: إِلَى أَمَامٍ، {وَلا يَرْجِعُونَ} أَيْ: إِلَى وَرَاءٍ، بَلْ يَلْزَمُونَ حالًا واحدًا، لا يتقدمون ولا يتأخرون).

﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ﴾[يس:67]، يعني أقعدناهم على أرجلهم، وما استطاعوا مضيًا أي: المشي للأمام ولا للخلف، لثبتهم، وهذه حكمة الله، ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ(67)﴾[يس:66/67]، هذا لبيان قدرة الله عز وجل، وفضله، وإنعامه، وإحسانه إليهم، أعطاهم السمع والأبصار والقوة، ولو شاء لسلبهم إياها، تذكير لهم بنعم الله، الآية الأولى: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ﴾[يس:66]، يعني لطمسنا أعين البصيرة، قال: لا يبصرون الحق، يعني لو طمسنا على أعينهم ما أبصروا الحق، ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ(67)﴾[يس:66/67]، يعني أقعدهم في مكانهم على أرجلهم، وحينئذ لا يستطيعون التقدم للأمام ولا للخلف، وهذا فيه بيان قدرة الله عز وجل، وبيان فضله وإحسانه إليهم، أنه أعطاهم القوة والسمع والبصر، والحركة والحياة، ولو شاء لسلبها.

({وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ ‌‌(٦٨) وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (٧٠)}.

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ ابْنِ آدَمَ أَنَّهُ كُلَّمَا طَالَ عُمْرُهُ رُدَّ إِلَى الضَّعْفِ بَعْدَ الْقُوَّةِ وَالْعَجْزِ بَعْدَ النَّشَاطِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الرُّومِ: ٥٤] . وَقَالَ: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الْحَجِّ: ٥].

وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-الإخبارُ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ بِأَنَّهَا دَارُ زَوَالٍ وَانْتِقَالٍ، لَا دَارُ دَوَامٍ وَاسْتِقْرَارٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {أَفَلا يَعْقِلُونَ} أَيْ: يَتَفَكَّرُونَ بِعُقُولِهِمْ فِي ابْتِدَاءِ خَلْقِهِمْ ثُمَّ صَيْرُورَتِهِمْ إِلَى [نَفْسِ] الشَّبيبَة، ثُمَّ إِلَى الشَّيْخُوخَةِ؛ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ خُلقوا لِدَارٍ أُخْرَى، لَا زَوَالَ لَهَا وَلَا انْتِقَالَ مِنْهَا، وَلَا مَحِيدَ عَنْهَا، وَهِيَ الدَّارُ الْآخِرَةُ).

﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ﴾[يس:68]، من عمره الله يرجع إلى ما كان عليه من الضعف، فإنه بدأ بالضعف في مرحلة الطفولة، ثم مرحلة القوة والشباب، ثم مرحلة الضعف، من عمره الله فإنه يرجع إلى الضعف بعد القوة، ﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ﴾[يس:68] أي: نعيده في خلقه، نعيده إلى خلقه الأول وهو الضعف، ﴿وأَفَلا يَعْقِلُونَ﴾[يس:68]، يتبصرون ويعلمون أن الله سبحانه وتعالى جعلهم في هذه الدار حياة مؤقتة، ينتقلون منها إلى الحياة الآخرة، يستعدون للآخرة.

(وَقَوْلُهُ: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} : يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ مَا عَلَّمَهُ الشِّعْرَ، {وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} أَيْ: وَمَا هُوَ فِي طَبْعِهِ، فَلَا يُحْسِنُهُ وَلَا يُحِبُّهُ، وَلَا تَقْتَضِيهِ جِبِلَّته؛ وَلِهَذَا وَرَدَ أَنَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- كَانَ لَا يَحْفَظُ بَيْتًا عَلَى وزنٍ مُنْتَظِمٍ، بَلْ إِنْ أَنْشَدَهُ زَحَّفه أَوْ لَمْ يُتِمَّهُ.

وَقَالَ أَبُو زُرْعة الرَّازِّيُّ: حُدِّثت عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَا وَلَد عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى إِلَّا يَقُولُ الشِّعر، إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ "عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ" الَّذِي أَكَلَهُ السَّبُع بِالزَّرْقَاءِ).

الشيخ: هل ذكر مكان الزرقاء؟

الطالب: الشام.

الشيخ: الزرقا بدون ألف؟

الطالب: لا، الزرقاء.

الشيخ: أكله الأسد أو الكلب، من فصيلة السباع، ومنها الكلب من فصيلة السباع، وكل يسمى سبع، أكله السبع أو الكلب، أما الأسد هذه... أكله السبع، وهو فصيلة فيشمل الكلب ويشمل الأسد، ويشمل كل ما من فصيلة السبع.

(قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ -هُوَ الْبَصْرِيُّ- قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَمَثَّلُ بِهَذَا الْبَيْتِ:

كَفَى بالإسْلام والشيْب للمرْء نَاهيًا

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ:

كَفى الشَّيْبُ وَالْإِسْلَامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيًا ...).

الشيخ: الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقدم ويؤخر؟

الطالب: يزيد الباء، (كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيًا.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ:

كَفى الشَّيْبُ وَالْإِسْلَامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيًا ...).

ما يضر، حتى لو قال: بيت أو بيتين ما يعتبر شعر، يقال: إنه ما أتى ببيت سليم إلا هذا البيت:

ما أنت إلا أصبع دميت، وفي سبيل الله ما لقيت

ما يعتبر كونه يأتي بالبيت والبيتين والثلاثة والأربعة ما يعتبر شعر، ما يعتبر شعر.

(قَالَ أَبُو بَكْرٍ، أَوْ عُمَرُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، يَقُولُ اللَّهُ: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ}.

وَهَكَذَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِلْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيِّ: «أَنْتَ الْقَائِلُ:

أَتَجْعَلَ نَهبي ونَهْب العُبَيد بَيْنَ الْأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَ»).

تكملة البيت، أَتَجْعَلَ نَهبي ونَهْب العُبَيد، ما أكمل البيت؟ لا ساقط فيه، نهبي يعني الغنيمة، القسم من الغنيمة يسمى نهب، النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حنين أعطى رؤساء القبائل مئة من الإبل، وأعطى الأقرع بن حابس مئة، وعيينة بن حصن مئة يتألفهم للإسلام، أسلموا حديثًا، فهو يريد أن يتألفهم للإسلام فأعطاهم مئة من الإبل حتى يتقوى إيمانهم، ولما نقص بعض رؤساء القبائل عن مئة أنشد وطلب منه أن يكمل المئة، فأكمل له المئة مثلهم عليه الصلاة والسلام، ولهذا بعض الشباب الأنصار صار في نفسه شيء، قالوا: نحن الآن سيوفنا تقطر من دمائهم، والغنائم تكون لغيرنا، النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمعهم في قبة، جمع الأنصار، وبين فضلهم، ومزيتهم، وأن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكلهم إلى الإيمان، وقال لهم: «أتنقمون علي بلعاعة من الدنيا أتألفهم على الإسلام، أما ترضون أن يرجع الناس بالشاة والبعير من هذا الحي، وترجعون برسول الله في رحالكم»، أنتم أحسن منهم، فوالله ما تنقلبون به أحسن منهم، حتى رضوا وبكوا وأخضبوا لحاهم بدموعهم، وقالوا: الله ورسوله (...)، وقال الصحابة: إنما قال بعض الشباب، أما الكبار ما قالوا شيء، قال ذلك بعض الشباب الصغار.

فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ: "بَيْنَ عُيَيْنَةَ والأقرع" فقال: «الكل سواء».

يَعْنِي: فِي الْمَعْنَى، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.

وَقَدْ ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ" لِهَذَا التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ الَّذِي وَقَعَ فِي كَلَامِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي هَذَا الْبَيْتِ مُنَاسِبَةً أَغْرَبَ فِيهَا، حَاصِلُهَا شَرَفُ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ عَلَى عُيَيْنَة بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ؛ لِأَنَّهُ ارْتَدَّ أَيَّامَ الصِّدِّيقِ، بِخِلَافِ ذَاكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَهَكَذَا رَوَى الْأُمَوِيُّ فِي مَغَازِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَمْشِي بَيْنَ الْقَتْلَى يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُوَ يَقُولُ: «نُفلق هَامًا..................................»).

نضرب رؤوس الكفار، الهامة الرؤوس بالسيوف.

(فَيَقُولُ الصِّدِّيقُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مُتَمِّمًا لِلْبَيْتِ:

..... مِنْ رجَال أعزَّةٍ ... عَلَيْنَا وَهُم كَانُوا أعَقَّ وَأظلما ...).

وهم من الكفار.

(وَهَذَا لِبَعْضِ شُعَرَاءِ الْعَرَبِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَهِيَ فِي الْحَمَاسَةِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هُشَيْم، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَرَاثَ الْخَبَرَ، تَمَثَّلَ فِيهِ بِبَيْتِ طَرَفَة:

ويَأْتِيكَ بالأخْبار مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ

وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي "الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ" مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْهَا. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْح بْنِ هَانِئٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، كَذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أُسَامَةُ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سِمَاك، عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَثَّلُ مِنَ الْأَشْعَارِ:

وَيَأتيكَ بالأخْبَار مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ ...

ثُمَّ قَالَ: رَوَاهُ غَيْرُ زَائِدَةَ، عَنْ سِمَاك، عَنْ عِكرمة، عَنْ عَائِشَةَ.

وَهَذَا فِي شِعْرِ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ، فِي مُعَلَّقَتِهِ الْمَشْهُورَةِ، وَهَذَا الْمَذْكُورُ [هُوَ عَجُزُ بَيْتٍ] مِنْهَا، أَوَّلُهُ:

سَتُبْدي لكَ الأيامُ مَا كُنْتَ جَاهلا ... وَيَأتيك بالأخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ ...

وَيَأتيكَ بالأخْبَار مَنْ لَمْ تَبِع لهُ ... بَتَاتا وَلَمْ تَضرب لَهُ وَقْتَ مَوْعِدِ

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بن أحمد بن نُعَيْمٍ -وَكِيلُ الْمُتَّقِي بِبَغْدَادَ-حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِلَالٍ النَّحْوِيُّ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ شِعْرٍ قَطُّ، إِلَّا بَيْتًا وَاحِدًا.

تَفَاءلْ بِمَا تَهْوَى يَكُنْ فَلَقَلَّمَا ... يُقَالُ لِشَيْءٍ كَانَ إِلَّا تَحَقَّقَا

سَأَلْتُ شَيْخَنَا الْحَافِظَ أَبَا الْحَجَّاجِ الْمِزِّيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: هُوَ مُنْكَرٌ. وَلَمْ يُعْرَفْ شَيْخُ الْحَاكِمِ، وَلَا الضَّرِيرُ).

تفاءل بما تهوى يكن، هذا منكر بمعناه أيضًا، كل ما تهواه تتفاءل به يكون، لا يكون، لكن قوله: فلقلَّما، لا يثبت هذا الحديث، على كل حال هو لا يصح.

(وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبة عَنْ قَتَادَةَ: قِيلَ لِعَائِشَةَ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَثَّلُ بِشَيْءٍ مِنَ الشِّعْرِ؟ قَالَتْ: كَانَ أبغضَ الْحَدِيثَ إِلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَمَثَّلُ بِبَيْتِ أَخِي بَنِي قَيْسٍ، فَيَجْعَلُ أَوَّلَهُ آخِرَهُ، وَآخِرَهُ أَوَّلَهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَيْسَ هَكَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إني وَاللَّهِ مَا أَنَا بِشَاعِرٍ وَلَا يَنْبَغِي لِي». رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ، وَهَذَا لَفْظُهُ.

وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَائِشَةَ سُئلت: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَثَّلُ بِشَيْءٍ مِنَ الشِّعْرِ؟ فَقَالَتْ: لَا إِلَّا بَيْتَ طَرَفَة:

سَتُبْدي لكَ الأيامُ مَا كُنْتَ جَاهلا ... وَيَأْتيك بالأخبارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ ...

فَجَعَلَ يَقُولُ: «مَن لَمْ تُزَوّد بِالْأَخْبَارِ». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ هَذَا هَكَذَا. فَقَالَ: «إِنِّي لَسْتُ بِشَاعِرٍ، وَلَا يَنْبَغِي لِي».

وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، تَمَثَّلَ يَوْمَ حَفْرِ الْخَنْدَقِ بِأَبْيَاتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، وَلَكِنْ تَبَعًا لِقَوْلِ أَصْحَابِهِ، فَإِنَّهُمْ يرتجزون وهم يحفرون، فيقولون:

لاهُمَّ لوْلا أنت مَا اهْتَدَيْنَا مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا ...

فَأَنزلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّت الأقْدَامَ إنْ لاقَيْنَا ...

إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوا عَليْنَا ... إذَا أرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا ...

وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِقَوْلِهِ: "أَبَيْنَا" وَيَمُدُّهَا. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا بِزِحَافٍ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا. وَكَذَلِكَ ثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَهُوَ رَاكِبٌ الْبَغْلَةَ، يُقدم بِهَا فِي نُحُورِ الْعَدُوِّ:

أَنَا النَّبِيّ لَا كَذِبْ ... أنَا ابْنُ عُبْد المُطَّلِبْ

لَكِنْ قَالُوا: هَذَا وَقَعَ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِوَزْنِ شِعْرٍ، بَلْ جَرَى عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَيْهِ.

وَكَذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جُنْدَب بْنِ عَبْدِ اللَّهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غار فَنَكِبت أُصْبُعُهُ، فَقَالَ:

هَلْ أنْت إِلَّا إصْبَعٌ دَمِيت ... وَفِي سَبيل اللَّهِ مَا لَقِيت

وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا اللَّمَمَ} [النَّجْمِ: ٣٢] إِنْشَادُ

إنْ تَغْفر اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا ... وَأيُّ عَبْدٍ لكَ مَا ألَمَّا ...

وَكُلُّ هَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عُلِّم شِعْرًا وَلَا يَنْبَغِي لَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا عَلَّمَهُ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، الذِي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فُصِّلَتْ: ٤٢] . وَلَيْسَ هُوَ بِشِعْرٍ كَمَا زَعَمَهُ طَائِفَةٌ مِنْ جَهَلَةِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، وَلَا كِهَانَةٍ، وَلَا مُفْتَعِلٍ، وَلَا سِحْرٍ يُؤثر، كَمَا تَنَوَّعَتْ فِيهِ أَقْوَالُ الضُّلال وَآرَاءُ الجُهَّال. وَقَدْ كَانَتْ سَجِيَّتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأْبَى صِنَاعَةَ الشِّعْرِ طَبْعًا وَشَرْعًا، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ:

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَر، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ يَزِيدَ المَعَافري، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ التَّنُوخِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ]: «مَا أُبَالِي مَا أُوتِيْتُ إِنْ أَنَا شَربت تِرْيَاقًا، أَوْ تَعَلَّقْتُ تَمِيمَةً، أَوْ قُلْتُ الشِّعْرَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي». تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ).

الشيخ: ما تخريجه؟

الطالب: قال: أخرجه أبو داود بسنده ومتنه باب الترياق، وسنده ضعيف؛ لضعف عبد الرحمن بن رافع التنوخي، كما في التقريب.

الشيخ: ترياقًا يعني دواء، وتعلقت تميمة للعلاج، أو قلت الشعر من قبل نفسي، لا يصح هذا الحديث.

(وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ الْأُسُودِ بْنِ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ قَالَ: سألتُ عَائِشَةَ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَسَامَعُ عِنْدَهُ الشِّعْرَ؟ فَقَالَتْ: كَانَ أَبْغَضَ الْحَدِيثِ إِلَيْهِ. وَقَالَ عَنْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الْجَوَامِعُ مِنَ الدُّعَاءِ، وَيَدَعُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِأَنَّ يَمْتَلِئُ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا». تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ).

والمعنى إذا كان يغلب عليه الشعر، «لِأَنَّ يَمْتَلِئُ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا»، والمعنى أن أغلب وقته للشعر، أصله في الصحيحين، لكن السند هذا، لكن المتن أصله في الصحيحين، «لِأَنَّ يَمْتَلِئُ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا»، يعني معناه: أن يكون غالبًا عليه، أن يكون وقته كله في الشعر.

(وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بُرَيْدٌ، حَدَّثَنَا قَزَعةُ بْنُ سُوَيْد الْبَاهِلِيُّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ مَخْلَد، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ، الصَّنْعَانِيِّ (ح) وَحَدَّثَنَا الْأَشْيَبُ فَقَالَ: عَنِ ابْنِ عَاصِمٍ، عَنْ [أَبِي] الْأَشْعَثِ عَنْ شَدَّاد بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَضِ بَيْتَ شِعْرٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صلاة تلك الليلة»).

وهذا لا يصح كذلك.

الطالب: قال: أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وسنده ضعيف؛ لجهالة عاصم بن مخلد، وضعف قزعة بن سويد، وقد ضعفه العقيلي وجعل ابن الجوزي هذا الحديث في عداد الموضوعات.

(وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ. وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ نَظْمُهُ لَا إِنْشَادُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. عَلَى أَنَّ الشِّعْرَ فِيهِ مَا هُوَ مَشْرُوعٌ، وَهُوَ هِجَاءُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِي كَانَ يَتَعَاطَاهُ شُعَرَاءُ الْإِسْلَامِ، كَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحة، وَأَمْثَالِهِمْ وَأَضْرَابِهِمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ).

وذلك إذا كان في الدفاع عن الإسلام والمسلمين، وفيه بيان الشرك والضلال، نعم.

(وَمِنْهُ مَا فِيهِ حِكَمٌ وَمَوَاعِظُ وَآدَابٌ، كَمَا يُوجَدُ فِي شِعْرِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمِنْهُمْ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ الَّذِي قال فيه النبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آمَنَ شِعْرُهُ وَكَفَرَ قَلْبُهُ». وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِنْهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ بَيْتٍ، يَقُولُ عَقِبَ كُلِّ بَيْتٍ: "هِيهِ". يَعْنِي يَسْتَطْعِمُهُ، فَيَزِيدُهُ مِنْ ذَلِكَ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُبي بْنِ كَعْبٍ، وبُريدة بْنِ الحُصَيْب، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا».

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَلَّمَهُ اللَّهُ شِعْرًا، {وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} أَيْ: وَمَا يَصْلُحُ لَهُ، {إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} أَيْ: مَا هَذَا الَّذِي عَلَّمْنَاهُ، {إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} أَيْ: بَيِّنٌ وَاضِحٌ جَلِيٌّ لِمَنْ تَأْمَّلَهُ وَتَدَبَّرَهُ. وَلِهَذَا قَالَ: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} أَيْ: لِيُنْذِرَ هَذَا الْقُرْآنُ الْبَيِّنُ كُلَّ حَيٍّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، كَقَوْلِهِ: {لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الْأَنْعَامِ: ١٩]، وَقَالَ: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هُودٍ: ١٧]. وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِنِذَارَتِهِ مَنْ هُوَ حَيّ الْقَلْبِ، مُسْتَنِيرُ الْبَصِيرَةِ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ: حَيُّ الْقَلْبِ، حَيُّ الْبَصَرِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَعْنِي: عَاقِلًا {وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} أَيْ: هُوَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِ، وَحُجَّةٌ عَلَى الكافر).

﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا﴾[يس:70]، على العموم، وقيل: المراد حي يعني كل البشر، والمعنى الثاني: حيًا، من كان في قلبه حياة، حي القلب، ولذلك قال: ﴿وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾[يس:70]، النذارة لمن كان في قلبه حياة، ويحق القول على الكافرين، والمعنى الأول ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا﴾[يس:70]، لكل واحد من الأحياء.

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد