سورة الصافات - 4

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في كتابه التفسير العظيم عند سورة الصافات.

قال الله تعالى: ({فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ‌‌(٥٠) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ‌‌(٥٢) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (٥٥) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٥٧) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلا مَوْتَتَنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (٦١)} .

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَّهُ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ، أَيْ: عَنْ أَحْوَالِهِمْ، وَكَيْفَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا، وَمَاذَا كَانُوا يُعَانُونَ فِيهَا؟ وَذَلِكَ مِنْ حَدِيثِهِمْ عَلَى شَرَابِهِمْ، وَاجْتِمَاعِهِمْ فِي تُنَادِمِهِمْ وَعِشْرَتِهِمْ فِي مَجَالِسِهِمْ، وَهُمْ جُلُوسٌ عَلَى السُّرُرِ، وَالْخَدَمِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، يَسْعَوْنَ وَيَجِيئُونَ بِكُلِّ خَيْرٍ عَظِيمٍ، مِنْ مَآكِلَ وَمُشَارِبَ وَمَلَابِسَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي شَيْطَانًا.

وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ الرَّجُلُ الْمُشْرِكُ، يَكُونُ لَهُ صَاحِبٌ مِنْ أَهَّلَ الْإِيمَانِ فِي الدُّنْيَا).

نعم لا تنافي بينهما، شيطان، ورجل مشرك، والمشرك شيطان من الإنس.

(وَلَا تَنَافِي بَيْنَ كَلَامِ مُجَاهِدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَكُونُ مِنَ الْجِنِّ فَيُوَسْوِسُ فِي النَّفْسِ، وَيَكُونُ مِنَ الْإِنْسِ فَيَقُولُ كَلَامًا تَسْمَعُهُ الْأُذُنَانِ).

يعني الشيطان الجني يوسوس في النفس وفي القلب ما تسمعه، والشيطان الإنسي يتكلم كلامًا تسمعه بأذنيك، يزين لك، افعل كذا، سوي كذا، نعم.

(وَكِلَاهُمَا مُتَعَادِيَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الْأَنْعَامِ:١١٢]، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُوَسْوِسُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ. الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ. مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاس} [سُورَةُ النَّاسِ]).

الأقرب (وكلاهما متعاونان)، الشيطان الجني يعاون الشيطان الإنسي، والشيطان الإنسي يعاون، هذا يوسوس في القلب، وهذا يوسوس بالكلام، هم متعاونان، يتعاونون على الشر.

(وَلِهَذَا {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ. يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} أَيْ: أَأَنْتَ تُصَدِّقُ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَالْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ؟! يَعْنِي: يَقُولُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّعَجُّبِ وَالتَّكْذِيبِ وَالِاسْتِبْعَادِ، وَالْكُفْرِ وَالْعِنَادِ. {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالسُّدِّيُّ: لَمُحَاسَبُونَ؟ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، ومحمد بن كعب القرظي: لمجزيون بأعمالنا؟.

قَالَ: {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} أَيْ:مُشْرِفُونَ. يَقُولُ الْمُؤْمِنُ لِأَصْحَابِهِ وَجُلَسَائِهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَخُلَيْدٌ الْعَصْرِيُّ وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ [وَغَيْرُهُمْ] يَعْنِي فِي وَسَطِ الْجَحِيمِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: فِي وَسَطِ الْجَحِيمِ كَأَنَّهُ شِهَابٌ يَتَّقِدُ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ اطَّلَعَ فَرَأَى جَمَاجِمَ الْقَوْمِ تَغْلِي. وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ كُوًى إِذَا أَرَادَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَدُوِّهِ فِي النَّارِ اطَّلَعَ فِيهَا، فَازْدَادَ شُكْرًا.

{قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} يَقُولُ الْمُؤْمِنَ مُخَاطِبًا لِلْكَافِرِ: وَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُهْلِكُنِي لَوْ أَطَعْتُكَ. {وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} أَيْ: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيَّ لَكُنْتُ مِثْلَكَ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ حَيْثُ أَنْتَ، مُحْضَرٌ مَعَكَ فِي الْعَذَابِ، وَلَكِنَّهُ تَفَضَّلَ وَرَحِمَنِي فَهَدَانِي لِلْإِيمَانِ، وَأَرْشَدَنِي إِلَى تَوْحِيدِهِ {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الْأَعْرَافِ:٤٣] .

وَقَوْلُهُ: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ. إِلا مَوْتَتَنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}، هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُؤْمِنِ مُغْبِطًا نَفْسَهُ بِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْخُلْدِ فِي الْجَنَّةِ وَالْإِقَامَةِ فِي دَارِ الْكَرَامَةِ، لَا مَوْتَ فِيهَا وَلَا عَذَابَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الظَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ العَدَني، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطُّورِ:١٩]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَوْلُهُ: {هَنِيئًا} أَيْ: لَا يَمُوتُونَ فِيهَا. فَعِنْدَهَا قَالُوا: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ. إِلا مَوْتَتَنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}.

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: عَلِمُوا أَنَّ كُلَّ نَعِيمٍ فَإِنَّ الْمَوْتَ يَقْطَعُهُ، فَقَالُوا: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ. إِلا مَوْتَتَنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} ، قِيلَ: لَا. قَالُوا: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

وَقَوْلُهُ: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} قَالَ قَتَادَةُ: هَذَا مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هُوَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعْنَاهُ: لِمِثْلِ هَذَا النَّعِيمِ وَهَذَا الْفَوْزِ فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ فِي الدُّنْيَا، لِيَصِيرُوا إِلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ.

وَقَدْ ذَكَرُوا قِصَّةَ رَجُلَيْنِ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، تَدْخُلُ فِي ضِمْنِ عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ).

قول الله تعالى: ﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ(59)﴾[الصافات:58/59]، كأن هذا استفهام من أهل الجنة، ﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ(59)﴾[الصافات:58/59]؟ قيل: لا، ليس هناك موت، فقالوا: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[الصافات:60]، وهذا من تمام نعيم أهل الجنة للمحاورة بين الرجل المؤمن والكافر الذي كان له قرين، كان الكافر هذا قرين للمؤمن، وكان ينكر البعث والحساب والجزاء والجنة والنار، والمؤمن ثبته الله على إيمانه، والكافر مات على كفره، فدخل الكافر النار، ودخل المؤمن الجنة، ثم لما كان المؤمن يتنعم في الجنة كان مع أصحابه وجلساءه تذكر قرينه الكافر، وقال لأصحابه: ألا نطلع ونتفرج ونشوف حال الكافر، ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾[الصافات:50]، من أهل الجنة، يتساءلون، يسأل بعضهم بعضًا، وهم في نعيمهم، وعلى فرشهم وتزاورهم، ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ﴾[الصافات:51] في الدنيا، كافر ينكر البعث، ﴿يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ(53)﴾[الصافات:52/53]، أتصدق بالبعث.

﴿يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ(53)﴾[الصافات:52/53]، يعني هذا القرين يقول: هل تصدق بالبعث؟ إذا كنا عظامًا ورفاتًا أئنا لمدينون، أي: مبعوثون محاسبون ومجازون، لمدينون يعني محاسبون، يقول: هل تصدق بهذا؟ المؤمن يقول: نعم أصدق، ﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ﴾[الصافات:53]، يعني مبعوثون محاسبون، ﴿قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾[الصافات:54]، يعني المؤمن يقول: إني لي قرين ينكر البعث، ويقول لجلساءه: ﴿قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾[الصافات:54]، فاطلع فرآه يتقلب في وسط الجحيم، نعوذ بالله، هذا يدل على البعد العظيم بين الجنة والنار، الجنة في أعلى عليين، في العلو، والنار في أسفل، ومع ذلك اطلع عليه ورآه، وسمع خطابه، يتخاطبون، الآن الله تعالى أرانا في الدنيا الجوال تكلم من في المشرق والمغرب، هذا نموذج، وكذلك الاطلاع صوت وصورة الآن ترى من في المشرق والمغرب، إذا كان هذا في الدنيا، هذا يقرب لك الآن، فأهل الآخرة الجنة والنار يترائون مع البعد العظيم، ويخاطب بعضهم بعضًا.

في صورة الأعراف: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ﴾[الأعراف:44]، ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾[الأعراف:50]، في خطاب، يتخاطبون مع طول المسافة وبعد المسافة، فالله تعالى أرانا في هذه الدنيا نماذج تقرب، قبل أن توجد هذه الأشياء، يقول: هذا من الغيب ونحن نصدق، وأمور الآخرة ليست كأمور الدنيا، الآن الله تعالى أرانا شيء نموذج، تخاطب من في المشرق والمغرب، وتراه وتشاهده، وتسمع خطابه، فالمؤمن يخاطب الكافر، ﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾[الصافات:55]، قال المؤمن للكافر: ﴿قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ( 56) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾[الصافات:56/57]، كدت أن تهلكني حينما أنكرت البعث، ولولا فضل الله ونعمته لكنت معك من المحضرين في النار، لكن الله منَّ علي بأن ثبتني على الإيمان حتى توفاني عليه.

﴿قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ( 56) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ(59)﴾[الصافات:56/59]، وإذا كان هنا قال: أفما نحن بميتين؟ كأن أهل الجنة يستفهمون، ﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ(59)﴾[الصافات:58/59]، ولو قيل: إن هذا من كلام المؤمن يخاطب الكافر، يقول: أن تنكر البعث، تقول: الآن أرأيت ﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ(59)﴾[الصافات:58/59]، قال الله: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[الصافات:60]، الفوز بالجنة، والنجاة من النار، ورؤية الله، والتنعم بذلك، ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ(61)﴾[الصافات:60/61]، لمثل هذا النعيم فليعمل العاملون، ويعدوا له العدة، ممكن تشوف تفسير آخر، الحافظ هنا كأنه اقتصر على قوله ماذا؟

({أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ. إِلا مَوْتَتَنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} ‌هَذَا ‌مِنْ ‌كَلَامِ ‌الْمُؤْمِنِ مُغْبِطًا نَفْسَهُ بِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْخُلْدِ فِي الْجَنَّةِ وَالْإِقَامَةِ فِي دَارِ الْكَرَامَةِ، لَا مَوْتَ فِيهَا وَلَا عَذَابَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}).

ثم ذكر أثر ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تبارك وتعالى لأهل الجنة، (عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطُّورِ:١٩] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَوْلُهُ: {هَنِيئًا} أَيْ: لَا يَمُوتُونَ فِيهَا. فَعِنْدَهَا قَالُوا: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ. إِلا مَوْتَتَنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}.

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: عَلِمُوا أَنَّ كُلَّ نَعِيمٍ فَإِنَّ الْمَوْتَ يَقْطَعُهُ، فَقَالُوا: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ. إِلا مَوْتَتَنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} ، قِيلَ [لَهُمْ]: لَا. قَالُوا: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

وَقَوْلُهُ: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} قَالَ قَتَادَةُ: هَذَا مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هُوَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعْنَاهُ: لِمِثْلِ هَذَا النَّعِيمِ وَهَذَا الْفَوْزِ فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ فِي الدُّنْيَا، لِيَصِيرُوا إِلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ

وَقَدْ ذَكَرُوا قِصَّةَ رَجُلَيْنِ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، تَدْخُلُ فِي ضِمْنِ عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ).

الطالب: ثم ذكر حديثين طويلين من آثار بني إسرائيل.

الشيخ: قف على هذا.

الطالب: أحسن الله إليك.

الشيخ: أحسنت.