شعار الموقع

سورة الصافات - 7

00:00
00:00
تحميل
53

أحسن الله إليك، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ({وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ‌‌(٧٧) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ (٧٨) سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (٧٩) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ (٨٢)}.

لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى عَنْ أَكْثَرِ الْأَوَّلِينَ أَنَّهُمْ ضَلُّوا عَنْ سَبِيلِ النَّجَاةِ، شَرَعَ يُبَيِّنُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا فَذَكَرَ نُوحًا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَا لَقِيَ مِنْ قَوْمِهِ مِنَ التَّكْذِيبِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَنْ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ، [فَإِنَّهُ] لَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ تَكْذِيبُهُمْ، وَكُلَّمَا دَعَاهُمُ ازْدَادُوا نُفْرَةً، فَدَعَى رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ، فَغَضِبَ اللَّهُ لِغَضَبِهِ عَلَيْهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} أَيْ: فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ لَهُ. {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}، وَهُوَ التَّكْذِيبُ وَالْأَذَى، {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَمْ تَبْقَ إِلَّا ذُرِّيَّةُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ).

لأنهم انقرضوا، الذين ركبوا في السفينة، لما نزلوا، انتهى الطوفان ونزلوا، عاشوا مدة ثم انقرضوا، ولم يبق إلا أولاد نوح، حام ويافث وكذا، كل واحد تنتسب العرب إلى واحد، وتنتسب البربر إلى واحد، وكذا، بقوا أولاد نوح، ولهذا نوح هو الأب الثاني، حام وسام ويافث هم الباقون، وصارت القبائل من العرب والعجم كلها تنتسب إليه، ولهذا يقول: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾[الصافات:77]، يعني انقرضوا الذين آمنوا، هم قلة الذين آمنوا بنوح، لما نزلوا من السفينة، وكذلك الأنعام، أركب في السفينة من كل زوجين اثنين، من الأنعام وغيرها، انقرضوا وماتوا ومات عقبهم ونسلهم، ولم يبق إلا أولاد نوح، فهو الأب الثاني، ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾[الصافات:77].

(وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} قَالَ: النَّاسُ كُلُّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ [عَلَيْهِ السَّلَامُ].

وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سُمْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} قَالَ: «سَامٌ، وَحَامٌ وَيَافِثُ»).

هؤلاء أولاد نوح، سام، وحام، ويافث، أسماؤهم.

(وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَامٌ أَبُو الْعَرَبِ، وَحَامٌ أَبُو الْحَبَشِ، وَيَافِثُ أَبُو الرُّومِ».

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بِشْرِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَقَدِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ سعيد -وهو ابن أبي عروبة- عَنْ قَتَادَةَ، بِهِ).

هذا للحسن عن سمرة، وفيها خلاف، والحسن مدلس، يعني في صحته إشكال، هل قال فيه شيء؟

الطالب: قال: أخرجه الإمام أحمد بسنده، ومتنه، وضعف سنده محققوه.

الشيخ: هذا من رواية الحسن عن سمرة، واختلف في رواية الحسن عن سمرة، قيل: لم يسمع منه مطلقًا، وقيل: سمع منه مطلقًا، وقيل: سمع منه حديث العقيقة.

(قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصين، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ. وَالْمُرَادُ بِالرُّومِ هَاهُنَا: هُمُ الرُّومُ الأوَل، وَهُمُ الْيُونَانُ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَى رُومِيِّ بْنِ لَيْطِيِّ بْنِ يُونَانَ بْنِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. ثُمَّ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: وَلَدُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثَلَاثَةٌ: سَامٌ وَحَامٌ وَيَافِثُ، وَوَلَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةً، فَوَلَدَ سامُ العربَ وفارسَ وَالرُّومَ، وَوَلَدَ يافثُ التُّرْكَ وَالصَّقَالِبَةَ وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَوَلَدَ حامُ القبطَ وَالسُّودَانَ وَالْبَرْبَرَ. وَرُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ نَحْوُ هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

المهم أنه هو الأب الثاني، وأن ذريته هم الذي بقوا، وانقرض نسل المؤمنين الذين نزلوا من السفينة، عاشوا مدة ثم انقرض نسلهم، وبقي أولاد نوح، كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾[الصافات:77]، هو الأب الثاني.

أما الحديث هذا ففيه ضعف، كون هذا أبو كذا، هذا أبو العرب، وهذا كذا، الأخير، وحتى الأول فيه ضعف، والثاني موقوف على سعيد.

(وَقَوْلُهُ: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ}، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُذْكَرُ بِخَيْرٍ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي لِسَانَ صِدْقٍ لِلْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ.

وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ فِي الْآخَرِينَ. قَالَ الضَّحَّاكُ: السَّلَامُ وَالثَّنَاءُ الْحَسَنُ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} مُفَسِّرٌ لِمَا أَبْقَى عَلَيْهِ مِنَ الذِّكْرِ الْجَمِيلِ وَالثَّنَاءِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الطَّوَائِفِ وَالْأُمَمِ.

{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أَيْ: هَكَذَا نَجْزِي مَنْ أَحْسَنَ مِنَ الْعِبَادِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، نَجْعَلُ لَهُ لسانَ صدْق يُذَكَرُ بِهِ بَعْدَهُ بِحَسَبِ مَرْتَبَتِهِ فِي ذَلِكَ.

ثُمَّ قَالَ: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} أَيِ الْمُصَدِّقِينَ الْمُوَحِّدِينَ الْمُوقِنِينَ، {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ} أَيْ: أَهْلَكْنَاهُمْ، فَلَمْ تبْق مِنْهُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ، وَلَا ذِكْرَ لَهُمْ وَلَا عَيْنَ وَلَا أَثَرَ، وَلَا يُعَرَفُونَ إِلَّا بِهَذِهِ الصِّفَةِ الْقَبِيحَةِ).

الكفار الذين عصوا الله وهم ما عدا من ركب في السفينة أغرقهم الله كلهم، ولهذا قال: السنة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، من لم يركب السفينة غرق وهلك، وكذلك أيضًا المؤمنون الذي عمل بكتاب الله وسنة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الناج، ومن ترك الكتاب والسنة غرق وهلك، نسأل الله السلامة والعافية.

لما قال ابن نوح الذي غرق، قال: ﴿سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾[هود:43] أجابه نوح: ﴿قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾[هود:43]، قال الله: ﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾[هود:43].

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد