شعار الموقع

سورة الصافات - 8

00:00
00:00
تحميل
50

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.

قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جنانه في تفسيره العظيم عند سورة الصافات عند قوله تعالى: ({‌وَإِنَّ ‌مِنْ ‌شِيعَتِهِ لإبْرَاهِيمَ ‌‌(٨٣) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤) إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (٨٥) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٧)}.

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس: {‌وَإِنَّ ‌مِنْ ‌شِيعَتِهِ لإبْرَاهِيمَ} يَقُولُ: مِنْ أَهْلِ دِينِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَلَى مِنْهَاجِهِ وَسُنَّتِهِ).

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، الضمير يعود إلى نوح عليه السلام، لما ذكرت قصة نوح قال: {‌وَإِنَّ ‌مِنْ ‌شِيعَتِهِ لإبْرَاهِيمَ}[الصافات:83]، على سنته ومنهاجه وعلى دينه، دين الأنبياء واحد، التوحيد، وتصديق أخبار الله وتنفيذ أحكامه التي أوحى إليهم بها، {‌وَإِنَّ ‌مِنْ ‌شِيعَتِهِ لإبْرَاهِيمَ}[الصافات:83].

({إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ).

يعني {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عَوْف: قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرين: مَا الْقَلْبُ السَّلِيمُ؟ قَالَ: يعلم أن الله حق، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: سَلِيمٌ مِنَ الشِّرْكِ، وَقَالَ عُرْوَةُ: لَا يَكُونُ لَعَّانًا).

الأقوال هذه كلها داخلة فيها، سليم أي: سليم من الشرك، {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، ويعلم أن الله حق، وأن الله يبعث من في القبور، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، ويشهد أن لا إله إلا الله، كل هذه داخلة في معنى القلب السليم، القلب السليم هو الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويكون سليم من الشرك، سليم من الهوى وإرادة غير الله، نعم.

طالب: واللعن أحسن الله إليك؟

الشيخ: اللعن هذا معصية، لا شك أنه كذلك تفسير لبعض السلف، كان المفسرون يذكرون الكلام ببعض معناه، ببعض ما يدل عليه، مثل تفسير الأمانة بالغسل من الجنابة، قال بعضهم: المحافظة على الصلاة كلهم داخلة في هذا، وقال بعضهم: أداء الحقوق كلها داخلة في هذا، ولكن عادة السلف يفسرون الشيء ببعض ما يدل عليه، أو ببعض معناه، نعم.

(وَقَوْلُهُ: {إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ}: أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ، وَلِهَذَا قَالَ: {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ. فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ قَتَادَةُ: [يَعْنِي]: مَا ظَنُّكُمْ بِهِ أَنَّهُ فَاعِلٌ بِكُمْ إِذَا لَاقَيْتُمُوهُ وَقَدْ عَبَدْتُمْ غَيْرَهُ؟!

{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ‌‌(٨٨) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠) فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٩١) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (٩٣) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأسْفَلِينَ (٩٨)}.

إِنَّمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِقَوْمِهِ ذَلِكَ، لِيُقِيمَ فِي الْبَلَدِ إِذَا ذَهَبُوا إِلَى عِيدِهِمْ، فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَزِفَ خروجُهم إِلَى عِيدٍ لَهُمْ، فَأَحَبَّ أَنْ يَخْتَلِيَ بِآلِهَتِهِمْ لِيَكْسِرَهَا، فَقَالَ لَهُمْ كَلَامًا هُوَ حَقٌّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَهموا مِنْهُ أَنَّهُ سَقِيمٌ عَلَى مُقْتَضَى مَا يَعْتَقِدُونَهُ، {فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ} قَالَ قَتَادَةُ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِمَنْ تَفَكَّرَ: نَظَرَ فِي النُّجُومِ: يَعْنِي قَتَادَةُ: أَنَّهُ نَظَّرَ فِي السَّمَاءِ مُتَفَكِّرًا فِيمَا يُلْهِيهِمْ بِهِ، فَقَالَ: {إِنِّي سَقِيمٌ} أَيْ: ضَعِيفٌ.

فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِي هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، غَيْرَ ثَلَاثِ كَذْبَاتٍ: ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ اللَّهِ، قَوْلُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ}، وَقَوْلُهُ {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الْأَنْبِيَاءِ: ٦٢]، وَقَوْلُهُ فِي سَارَةَ: هِيَ أُخْتِي» فَهُوَ حَدِيثٌ مُخَرَّجٌ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ مِنْ طَرُقٍ، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْكَذِبِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي يُذَمُّ فَاعِلُهُ، حَاشَا وَكَلَّا وَإِنَّمَا أُطْلِقَ الْكَذِبُ على هذا تَجُوُّزًا، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْمَعَارِيضِ فِي الْكَلَامِ لِمَقْصِدٍ شَرْعِيٍّ دِينِيٍّ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ في الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنِ الْكَذِبِ».

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ أَبِي نَضْرَة، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَلِمَاتِ إِبْرَاهِيمَ الثَّلَاثِ التي قال: «ما منها كلمة إلا ماحل بِهَا عَنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ: {إِنِّي سَقِيمٌ}، وَقَالَ {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ}، وَقَالَ لِلْمَلِكِ حِينَ أَرَادَ الْمَرْأَةَ: هِيَ أُخْتِي»).

ماحل أي: يجاهد ويجادل عن دين الله تعالى، يجادل بها عن دين الله، قال: {إني سقيم}، يريهم ذلك إيهامًا لهم؛ ثم بعد ذلك لما نظر في النجوم وقال: إني سقيم يريهم من باب الإيهام، أن النجوم لا تنفع ولا تضر، ثم لما ذهبوا وكسر الأصنام، ولما جاؤوا قال: من فعل هذا؟ جعل الفأس على الصنم الكبير، قال: ﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ﴾[الأنبياء:63]، هذا من الجدال، يجادلهم في دين الله، يجادلهم ويبين لهم بطلان ما هم عليه، وليس كذبًا صريحًا، وكذلك لما مر في بلاد مصر في ذلك الزمان على الملك الكافر وقال عن زوجته سارة: إنك أختي، وتأول أنها أخته في الإسلام، هذا من المعاريض، جاء في البخاري أنه قال: ما على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك في ذلك الزمان، فإني سأقول أختي فلا تكذبيني، قال العلماء: لأنه قد تكون الغيرة أشد إن قال: إنها زوجته، معروفة القصة، قصة الرجل الكافر الذي أدخلت عليه سارة، وأن الله تعالى سلمها منه، نعم.

 

(قَالَ سُفْيَانُ فِي قَوْلِهِ: {إِنِّي سَقِيمٌ} يَعْنِي: طَعِينٌ. وَكَانُوا يَفِرُّونَ مِنَ الْمَطْعُونِ، فَأَرَادَ أَنْ يَخْلُوَ بِآلِهَتِهِمْ. وَكَذَا قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ. فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ}، فَقَالُوا لَهُ وَهُوَ فِي بَيْتِ آلِهَتِهِمْ: اخْرُجْ. فَقَالَ: إِنِّي مَطْعُونٌ، فَتَرَكُوهُ مَخَافَةَ الطَّاعُونِ.

وَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: رَأَى نَجْمًا طَلَعَ فَقَالَ: {إِنِّي سَقِيمٌ} كَابَدَ نَبِيُّ اللَّهِ عَنْ دِينِهِ {فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ}).

كايد.

وَقَالَ آخَرُونَ: فَقَالَ: {إِنِّي سَقِيمٌ} بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يُسْتَقْبَلُ، يَعْنِي: مَرَضَ الْمَوْتِ.

وَقِيلَ: أَرَادَ {إِنِّي سَقِيمٌ} أَيْ: مَرِيضُ الْقَلْبِ مِنْ عِبَادَتِكُمُ الْأَوْثَانَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: خَرَجَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ إِلَى عِيدِهِمْ، فَأَرَادُوهُ عَلَى الْخُرُوجِ، فَاضْطَجَعَ عَلَى ظَهْرِهِ وَقَالَ: {إِنِّي سَقِيمٌ}، وَجَعَلَ يَنْظُرُ فِي السَّمَاءِ فَلَمَّا خَرَجُوا أَقْبَلَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَكَسَرَهَا. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ).

المهم أنه تأول، ليس كذبًا، ولكنه تأول، تأول يجادل عن دين الله، ويكيدهم، وفي الآية الأخرى: ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾[الأنبياء:57]، يعني مريضًا، إني سقيم أي: مريض أو طعين أو مريض من عبادتكم الأصنام والأوثان، تأول بهذا، تأول؛ ليجادل عن دين الله، كما أنه لما كسر الأصنام جعل الفأس على رأس الصنم الأكبر وقال: بل فعله كبيرهم هذا، يبين لهم أنها لا تنفع ولا تضر، وأنها لا حراك لها، فكيف تعبدونها من دون الله؟! هذا الفأس على الصنم الكبير ما يتحرك، يجادل بهذا.

طالب: [00:18:29]

الشيخ: نعم، يجادل بها.

(وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ} أَيْ: إِلَى عِيدِهِمْ، {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ} أَيْ: ذَهَبَ إِلَيْهَا بَعْدَ أَنْ خَرَجُوا فِي سُرْعَةٍ وَاخْتِفَاءٍ، {فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ}، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ وَضَعُوا بَيْنَ أَيْدِيهَا طَعَامًا قُرْبَانًا لتُبرّك لَهُمْ فِيهِ.

قَالَ السُّدِّيُّ: دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى بَيْتِ الْآلِهَةِ، فَإِذَا هُمْ فِي بَهْوٍ عَظِيمٍ، وَإِذَا مُسْتَقْبِلُ بَابِ الْبَهْوِ صَنَمٌ عَظِيمٌ، إِلَى جَنْبِهِ [صَنَمٌ آخَرُ] أَصْغَرُ مِنْهُ، بَعْضُهَا إِلَى جَنْبِ بَعْضٍ، كُلُّ صَنَمٍ يَلِيهِ أَصْغَرُ مِنْهُ، حَتَّى بَلَغُوا بَابَ الْبَهْوِ، وَإِذَا هُمْ قَدْ جَعَلُوا طَعَامًا وَضَعُوهُ بَيْنَ أَيْدِي الْآلِهَةِ، وَقَالُوا: إِذَا كَانَ حِينَ نَرْجِعُ وَقَدْ بَرَكَت الآلهةُ فِي طَعَامِنَا أَكَلْنَاهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ والسلام، إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنَ الطَّعَامِ قَالَ: {أَلا تَأْكُلُونَ. مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ}؟!

وَقَوْلُهُ: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} : قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ مَالَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ.

وَقَالَ قَتَادَةُ وَالْجَوْهَرِيُّ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ.

وَإِنَّمَا ضَرَبَهُمْ بِالْيَمِينِ لِأَنَّهَا أَشَدُّ وَأَنْكَى؛ وَلِهَذَا تَرَكَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ تَفْسِيرُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ هَاهُنَا: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ}: قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: أَيْ يُسْرِعُونَ.

وَهَذِهِ الْقِصَّةُ هَاهُنَا مُخْتَصَرَةٌ، وَفِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ مَبْسُوطَةٌ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا رَجَعُوا مَا عَرَفُوا مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ حَتَّى كَشَفُوا وَاسْتَعْلَمُوا).

القصة في سورة الأنبياء: ﴿قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾[الأنبياء:59]

﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ(67)﴾[الأنبياء:60/67]، هذه بسطها الله تعالى في سورة الأنبياء، وبعد ذلك استعملوا القوة ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ(69)﴾[الأنبياء:68/69]، أما قوله: في البهو كذا، وصنم كبير وصنم أصغر الله أعلم به، هذه كلها أخبار ليس عليها دليل.

(فَعَرَفُوا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، هُوَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا جَاءُوا لِيُعَاتِبُوهُ أَخْذَ فِي تَأْنِيبِهِمْ وَعَيْبِهِمْ، فَقَالَ: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ}؟! أَيْ: أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْأَصْنَامِ مَا أَنْتُمْ تَنْحِتُونَهَا وَتَجْعَلُونَهَا بِأَيْدِيكُمْ؟! {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ "مَا" مَصْدَرِيَّةٌ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَعَمَلَكُمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى "الَّذِي" تَقْدِيرُهُ: وَاللَّهُ خَلْقَكُمْ وَالَّذِي تَعْمَلُونَهُ. وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ متلازم، والأول أظهر؛ لما رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ "أَفْعَالِ الْعِبَادِ"، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ ربْعِيّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَصْنَعُ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ»، وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}.).

نعم، معناه يخلق، تكلم على الحديث؟

الطالب: أحسن الله إليك، قال: أخرجه السيوطي في الدر المنثور عن البخاري والحاكم والبيهقي.

طالب: أحسن الله إليك، خلق العباد، أو خلق أفعال العباد صفحة 25، ورجاله إسناده كلهم ثقات، وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد، والحاكم والبيهقي في الأسماء والصفات وغيرهم من طريق مروان بن معاوية به، وأخرجه ابن أبي عاصم، وابن عدي من طريق فضيل بن سليمان عن أبي مالك به، لكن البخاري أخرجه في خلق أفعال العباد من طريق الأعمش عن شقيق بن مسلمة عن حذيفة موقوفًا، ورجاله أيضًا كلهم ثقات.

الشيخ: ذكر في لفظ: «إن الله خالق كل صانع وصنعته»؟

الطالب: لم يذكر أحسن الله إليك.

(فَعِنْدَ ذَلِكَ لَمَّا قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ عَدَلُوا إِلَى أَخْذِهِ بِالْيَدِ وَالْقَهْرِ، فَقَالُوا: {ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَنَجَّاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ وَأَظْهَرَهُ عَلَيْهِمْ، وَأَعْلَى حَجَّتَهُ وَنَصَرَهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأسْفَلِينَ}.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد