الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره العظيم عند سورة الصافات عند قوله تعالى: (﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ(113)﴾[الصافات:112/113].
وَقَوْلُهُ: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ}، لَمَّا تَقَدَّمَتِ الْبِشَارَةُ بِالذَّبِيحِ -وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ-عَطَفَ بِذِكْرِ الْبِشَارَةِ بِأَخِيهِ إِسْحَاقَ).
بشارة بإسماعيل الذبيح، ثم بشارة ثانية بإسحاق.
(وَقَدْ ذَكُرِت فِي سُورَتَيْ هُودٍ" وَ "الْحِجْرِ).
﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾[هود:71]، وفي سورة الحجر ﴿قَالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ(54)﴾[الحجر:53/54]، في سورة هود، وفي سورة الحجر بشارة، ذكر هذه البشارة بشارة بإسحاق، وهنا في سورة الصافات: ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ﴾[الصافات:112].
(وَقَوْلُهُ: {نَبِيًّا} حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، أَيْ: سَيَصِيرُ مِنْهُ نَبِيٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ).
يعني في المستقبل، ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ﴾[الصافات:112] يكون في المستقبل نبيًا من الصالحين.
طالب: قال: سيصير منه...
الشيخ: من هو؟
طالب: (وَقَوْلُهُ: {نَبِيًّا} حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، أَيْ: سَيَصِيرُ مِنْهُ نَبِيٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ).
الشيخ: الضمير يعود إلى إبراهيم، أقرب، بإسحاق، أبوه إبراهيم.
(وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الذَّبِيحُ إِسْحَاقُ. قَالَ: وَقَوْلُهُ: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} قَالَ: بَشَّرَ بِنُبُوَّتِهِ. قَالَ: وَقَوْلُهُ: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} [مَرْيَمَ:٥٣]، قَالَ: كَانَ هَارُونُ أَكْبَرَ مِنْ مُوسَى، وَلَكِنْ أَرَادَ: وَهَبَ لَهُ نُبُوَّتَهُ).
الشيخ: هل تكلم على سند ابن جرير؟
الطالب: لا، ما عليه تعليق أحسن الله إليك.
الشيخ: عليه تعليق عندكم؟
الطالب: [00:05:53]
الشيخ: صحيح، أعد السند.
(وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الذَّبِيحُ إِسْحَاقُ).
يعني كل الروايات هذه عن ابن عباس إذا صح يرى هذا، يكون هذا أحد القولين، نصحح أن تكون هذه الرواية عند ابن عباس، ﴿إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ﴾[طه:47]، الاثنين، كلاهما رسول.
(وَحَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ يُحَدِّثُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} قَالَ: إِنَّمَا بَشَّرَ بِهِ نَبِيًّا حِينَ فَدَاهُ اللَّهُ مِنَ الذَّبْحِ).
يعني البشارة متأخرة.
(وَلَمْ تَكُنِ الْبِشَارَةُ بِالنُّبُوَّةِ عِنْدَ مَوْلِدِهِ).
الظاهر أنها عند ولادته، هذا هو الظاهر، هذا تأويل، ماذا قال عليه في التخريج؟
الطالب: قال: تفسير ابن كثير فقط، ولم يخرجه.
الشيخ: والنسخة الثانية كذلك؟
الطالب: كذلك أحسن الله إليك.
الشيخ: على كل حال هذا اجتهاد من ابن عباس إن صح.
(وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عن داود، عن عكرمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} قَالَ: بُشِّرَ بِهِ حِينَ وُلِدَ، وَحِينَ نُبِّئَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} قَالَ: بَعْدَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، لَمَّا جَادَ لِلَّهِ بِنَفْسِهِ، وَقَالَ اللَّهُ: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ}).
يقول: إنه لما جاد بنفسه وأنه هو الذبيح قتادة، أنه لما جاد بنفسه قال الله: وباركنا عليه وعلى إسحاق، هذا قول قتادة.
(وَقَوْلُهُ: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [هُودٍ:٤٨]).
يعني أن هذه الآية نظير الآية، نوح قيل له: اهبط وممن معك، ومن سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم، سيكونون مؤمنون وغير مؤمنين، وكذلك قيل لإبراهيم وإسحاق {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ}، في محسن وظالم، وكذلك ذرية نوح محسن وظالم، كل منهما محسن وظالم، فهذه نظير هذه، {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ}[هُودٍ:٤٨]، من السفينة، {وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} [هُودٍ:٤٨]، تكون البركة، يكون له البركة المؤمنون، {وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [هُودٍ:٤٨]، لكفرهم، وكذلك قيل لإبراهيم وإسحاق: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ}، قال الحافظ: إن هذه الآية نظير هذه الآية، كما أن من ذرية إبراهيم محسن وظالم، فكذلك من ذرية نوح محسن وظالم، والله تعالى قرن بين نوح وإبراهيم، كل منهما أب، نوح الأب الثاني؛ لأن ذريته هي التي بقيت، وانقرض غيره.
وإبراهيم كذلك هو أبو الأنبياء، ووالد الحنفاء، وكل نبي بعث بعد إبراهيم فهو من ذريته، وكل كتاب أنزل بعد إبراهيم فهو على واحد من ذريته، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾[الحديد:26]، المقصود أن الله تعالى قرن بين نوح وإبراهيم، آية الحديد: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾[الحديد:26]، وكذلك أيضًا في قصة إبراهيم في العنكبوت، ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾[العنكبوت:27]، فالله تعالى قرن بينهما، بين نوح وإبراهيم، كل منهما أب، هذا هو الأب الثاني نوح صار الناس من ذريته، وهذا إبراهيم أبو الأنبياء، وجعل الله في ذريته النبوة والكتاب، فمنهم مهتد ومنهم غير مهتد، قال الله في ذرية إبراهيم: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾[إبراهيم:40]، بعض الذرية، بعضهم كما قال الله تعالى، ومنهم مهتدي ومنهم غير مهتدي.
الشيخ: نعم، صحيح، [00:15:43] المقطوع به، ثم يذكر على ما قيل في تفسير آخر الآية، هذا هو الصواب لا شك، يذكر على ما قيل في تفسير آخر الآية، هذا هو الصواب لا شك، لا شك أن الصواب والمقطوع به أن الذبيح هو إسماعيل، ولكن يبقى بعض العلماء ما يتبين له، يوجد اختلاف في الأفهام، قال علي رضي الله عنه: ليس عندنا شيء إلا ما في هذه الصحيفة أو فهم يعطيه الله من يشاء من عباده، الأفهام تختلف، بعض العلماء في الحديث الواحد يقرأه العالم فيستنبط منه الفائدة والفائدتين، والثاني يستنبط ثلاث فوائد، والثالث يستنبط خمس، والرابع يستنبط مئة، وهكذا، نعم.