الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير سورة الصافات عند قوله تعالى: ({فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (١٥٠) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٥٥) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (١٥٦) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٥٧) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠)}
يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي جَعْلِهِمْ لِلَّهِ الْبَنَاتِ، سُبْحَانَهُ، وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ، أَيْ: مِنَ الذُّكُورِ، أَيْ: يَودّون لِأَنْفُسِهِمُ الْجَيِّدَ. {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [النَّحْلِ:٥٨] أَيْ: يَسُوءُهُ ذَلِكَ، وَلَا يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ إِلَّا الْبَنِينَ. يَقُولُ تَعَالَى: فَكَيْفَ نَسَبُوا إِلَى الله الْقِسْمَ الَّذِي لَا يَخْتَارُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ؟)
وهذا من جهلهم وضلالهم، يعني جعلوا الذرية قسمان: إناث وذكور، واختاروا القسمة الجيدة لأنفسهم البنين، وجعلوا لله القسم الرديء، وهذا مثل قوله تعالى في سورة الأنعام: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾[الأنعام:136]، يعني إذا أخذوا شيئًا من الحرث والأنعام، يعني يجعلونه لله، وهذا للأصنام والأوثان، فإذا زاد الذي للأوثان، يقسمون نصفين، خمسة وخمسة، زاد للأصنام يقولون: خليه، الله غني عن هذا، وإذا زاد الذي لله أخذوه، إذا زاد لله صار خمس وهذا أربع يقولون: لا، كملها، وإذا زاد الذي لأصنامهم تركوه، وقالوا: الله غني عنها.
هذا ما قالوه: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ﴾[الأنعام:136]، هكذا يعاملون ربهم بالأنقص، كما أنهم يختارون لأنفسهم الجيد، ويجعلون لله الرديء، يختارون لأنفسهم البنين والذكور، ويختارون لله البنات، كذلك الحرث والأنعام إذا زاد ما جعلوه لله أخذوه، وإذا زاد ما جعلوه لأوثانهم لا يأخذوه، ﴿فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾[الأنعام:136]، ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾[النحل:58]، قال الله تعالى: ﴿يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾[النحل:59]، وقال عن البنات: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾[الزخرف:18] يعني جعلوا البنات التي تنشَّأ وتربى في الزينة، وعند الخصام والجدال لا تبين عن نفسها الأنثى كالذكر.
(وَلِهَذَا قَالَ: {فَاسْتَفْتِهِمْ} أَيْ: سَلْهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ: {أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ} كَقَوْلِهِ: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأنْثَى. تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النَّجْمِ:٢١، ٢٢]).
قسمة ضيزى أي: جائرة، ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ﴾[النحل:62]، يجعلون لله البنات، ويجعلون لأنفسهم البنين، هذه القسمة جائرة، نعم، {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النَّجْمِ:22].
(وَقَوْلُهُ: {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ} أَيْ: كَيْفَ حَكَمُوا عَلَى الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ إِنَاثٌ وَمَا شَاهَدُوا خَلْقَهُمْ؟ كَقَوْلِهِ: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزُّخْرُفِ:١٩] أَيْ: يُسْأَلُونَ عَنْ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
﴿سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾[الزخرف:19]، يسألون عن هذه الشهادة الباطلة، وقال في الآية الأخرى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى﴾[النجم:27]، ثم رد عليهم وقال: ﴿وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾[النجم:28].
طالب: [00:06:15]
الشيخ: يخاطبون بخطاب الذكور، يخاطبون.
(وَقَوْلُهُ: {أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ} أَيْ: مِنْ كَذِبِهِمْ {لَيَقُولُونَ. وَلَدَ اللَّهُ} أَيْ: صَدَرَ مِنْهُ الْوَلَدُ {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} فَذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الْمَلَائِكَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فِي غَايَةِ الْكُفْرِ وَالْكَذِبِ، فَأَوَّلًا جَعَلُوهُمْ بَنَاتِ اللَّهِ، فَجَعَلُوا لِلَّهِ وَلَدًا. وَجَعَلُوا ذَلِكَ الْوَلَدَ أُنْثَى، ثُمَّ عَبَدُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ. وَكُلٌّ مِنْهَا كَافٍ فِي التَّخْلِيدِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ).
هم نسبوا لله الولد، وهذا كفر وضلال، بل نسبة الولد لله هو من الكفر الغليظ، قال تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا(93)﴾[مريم:88/93]، كل من في السماوات يأتي معبد مقهور، مذلل، مسخر، كل من في السماوات والأرض، من الملائكة ومن غيرهم، كيف يجعلون لله ولد؟ هذا كفر وضلال، والولد مثل أبيه، ثانيًا: جعلوا هذا الولد إناث، وثالثًا: عبدوهم من دون الله، فالقول بأن لله ولد هذا كفر وضلال، من أعظم الكفر، والقول بأن الملائكة بنات كفر وضلال، وعبادتهم من دون الله كفر وضلال، ثلاث أنواع من الكفر، نسأل الله العافية.
(ثُمَّ قَالَ مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ يَحْمِلُهُ عَنْ أَنْ يَخْتَارَ الْبَنَاتِ دُونَ الْبَنِينَ؟)
تعالى الله عما يقولون، لو أراد الله أن يصطفي لاصطفى الأعلى، لكنه منزه سبحانه عن الولد، منزه عن الذكور، وعن الإناث؟
(كَقَوْلِهِ: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلا عَظِيمًا} [الْإِسْرَاءِ:٤٠]؛ وَلِهَذَا قَالَ: {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} أَيْ: مَا لَكُمْ عُقُولٌ تَتَدَبَّرُونَ بِهَا مَا تَقُولُونَ؟.
{أَفَلا تَذَكَّرُونَ. أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ} أَيْ: حُجَّةٌ عَلَى مَا تَقُولُونَهُ.
{فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أَيْ: هَاتُوا بُرْهَانًا عَلَى ذَلِكَ يَكُونُ مُسْتَنِدًا إِلَى كِتَابٍ مُنزل مِنَ السَّمَاءِ عَنِ اللَّهِ).
وهذه مناقشة ومجادلة لهم ومحاورة، قال تعالى: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾[الصافات:149]، استفتهم، اسألهم، يجعلون لربك البنات ويختارون هم البنون، أعلى الصنفين، ﴿أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ﴾[الصافات:150]، لماذا يجعلون البنات بنات؟ هل شاهدوا خلق الله لهم وأنه خلقهم إناث؟ مناقشة ومحاورة، ثم قال سبحانه: ﴿أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ﴾[الصافات:151]، الإفك أسوء الكذب، قدمه، ألا إنهم من كذبهم ليقولون: ﴿وَلَدَ اللَّهُ﴾[الصافات:152] ثم قال: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾[الصافات:152]، كذبهم مرتين: مرة مقدم، ومرة مؤخر، ﴿أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ﴾[الصافات:151] أسوء الكذب الإفك، ﴿لَيَقُولُونَ﴾[الصافات:151]، ثم جاءت المقالة، ماذا يقولون؟ ﴿وَلَدَ اللَّهُ﴾[الصافات:152] ثم قال: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾[الصافات:152].
مثل قوله تعالى في سورة ياسين في قول الكفار إنكارهم للبعث، ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ(79)﴾[يس:78/79]، ضرب لنا مثلًا، المقالة: ﴿مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾[يس:78]، أنكروا، كيف تعاد الحياة إلى العظيم وهي باردة؟ قال تعالى: ﴿وَنَسِيَ خَلْقَهُ﴾[يس:78]، نسيت خلقك، من الذي أوجدك؟ الذي أوجدك قادر على أن يعيدك، ثم جاء الرد: {يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ}، رد عليهم مرتين: المرة الأولى: ﴿وَنَسِيَ خَلْقَهُ﴾[يس:78]، والمرة الثانية: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾[يس:79].
وكذلك هنا رد عليهم، قال: ﴿أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ﴾[الصافات:151]، هذا رد، ثم تأتي المقالة ﴿لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾[الصافات:151/152]، ثم قال: ﴿أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ﴾[الصافات:153]، يعني كيف يختار البنات ويترك البنين؟ لو أراد أن يتخذ ولد... ثم قال: ﴿مَا لَكُمْ﴾[الصافات:154] أي شيء حصل لكم، كيف تحكمون بهذا الحكم الجائر؟ ﴿أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾[الصافات:155]، ما عندكم عقول؟ ﴿أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ﴾[الصافات:156]، عندكم دليل؟ ﴿فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ﴾[الصافات:157]، المستند إلى كتاب من السماء، ﴿إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾[الصافات:157]، محاورة ومجادلة، نعم.
({فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أَيْ: هَاتُوا بُرْهَانًا عَلَى ذَلِكَ يَكُونُ مُسْتَنِدًا إِلَى كِتَابٍ مُنزل مِنَ السَّمَاءِ عَنِ اللَّهِ أَنَّهُ اتَّخَذَ مَا تَقُولُونَهُ، فَإِنَّ مَا تَقُولُونَهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِنَادُهُ إِلَى عَقْلٍ، بَلْ لَا يُجَوّزُه الْعَقْلُ بِالْكُلِّيَّةِ.
وَقَوْلُهُ: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} قَالَ مُجَاهِدٌ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ: الملائكةُ بناتُ اللَّهِ. فَسَأَلَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَمَنْ أُمَّهَاتُهُنَّ؟ قَالُوا: بَنَاتُ سَرَوات الْجِنِّ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ} أَيِ: الَّذِينَ نَسَبُوا إِلَيْهِمْ ذَلِكَ: {إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} أَيْ: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ لَمُحْضَرُونَ فِي الْعَذَابِ يَوْمَ الْحِسَابِ لِكَذِبِهِمْ فِي ذَلِكَ وَافْتِرَائِهِمْ، وَقَوْلِهِمُ الْبَاطِلَ بِلَا عِلْمٍ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} قَالَ: زَعَمَ أَعْدَاءُ اللَّهِ أَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هُوَ وَإِبْلِيسُ أَخَوَانِ. حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَوْلُهُ: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ})
هذا تنزيه، تنزيه لله عن هذا الشرك.
(أَيْ: تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، وَعَمَّا يَصِفُهُ بِهِ الظَّالِمُونَ الْمُلْحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
وَقَوْلُهُ: {إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، وَهُوَ مِنْ مُثْبَتٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: {عَمَّا يَصِفُونَ} عَائِدًا إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ، وَهُمُ الْمُتَّبِعُونَ لِلْحَقِّ الْمُنَزَّلِ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ وَمُرْسَلٍ. وَجَعَلَ ابْنُ جَرِيرٍ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ قَوْلِهِ: {إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} ، وفي هذا الذي قاله نظر).
{إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ}، هذا استثناء منقطع، المخلصين ليسوا داخلين في المشركين، فيكون منقطعًا، لكن ابن جرير اختار القول الآخر، سبحان الله عما يصفون أي: عما يصف الناس كلهم، يصف الناس كلهم، ثم استثنى الموحدين فقال: {إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ}، لكن هذا ليس بصحيح، سبحان الله عما يصف المشركون، أما الموحدون هم يصفون الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله، فيكون استثناء منقطع، نعم.
يقول تعالى: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾[الصافات:158]، جعلوا بينه وبين الجن نسب، قالوا: هم بنات الله، وهم من سروات الجن، قال الله: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾[الصافات:158]، أي: في العذاب، مسؤولون عن هذه المقالة، سبحان الله! تنزيه لله عما يصفه المشركون، ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾[الصافات:160]، فإنهم يصفون الله بما وصف به نفسه وهم الموحدون.
طالب: يوم القيامة [00:18:50]
الشيخ: محضرون، محضرون في العذاب، مسؤولون عن ذلك، وهذا جاء في القرآن، تكرر هذا.
طالب: الاستثناء، إلا المخلصين من الجن والإنس.
الشيخ: المخلصين الذين يصفون الله بما وصف به نفسه، الله نزه نفسه عما يصف به المشركون، أما عباد الله المخلصين فإنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، نعم.