قال الإمام ابن خزيمة -رحمه الله تعالى- في صحيحه:
قارئ المتن: بَابُ اسْتِحْبَابِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ اسْتِنَانًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُبَادَرَةً بِقَضَاءِ الْوَاجِبِ مِنِ الطَّوَافِ الَّذِي بِهِ يَتِمُّ حَجُّ الْحَاجِّ خَوْفَ أَنْ يَعْرِضَ لِلْمَرْءِ مَا لَا يُمْكِنُهُ طَوَافُ الزِّيَارَةِ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ تَأْخِيرُ الْإِفَاضَةِ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ جَائِزًا
شرح الشيخ: الترجمة بيَّن المؤلف فيها استحباب طواف الزيارة، وهو طواف الإفاضة، يسمى طواف الزيارة، ويسمى طواف الإفاضة، ويسمى طواف الركن.
وهو ركنٌ من أركان الحج، ووقته يبدأ من آخر ليلة العيد، ولا يجزئ الطواف فيه يوم عرفة ولا قبل يوم العيد، يسمى طواف الزيارة لأن فيه زيارة البيت، وطواف الإفاضة لأن الحاج يفيض من عرفة، طواف الركن لأنه ركن من أركان الحج.
والأفضل أن يكون في يوم العيد، وإذا أخره فلا حرج، لكن الأفضل أن يكون في يوم العيد، ولهذا قال: (بَابُ اسْتِحْبَابِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ): وهو يوم العيد.
(اسْتِنَانًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): يعني تأسيًّا بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنه طاف يوم العيد.
(وَمُبَادَرَةً بِقَضَاءِ الْوَاجِبِ): يُبادر بقضاء الواجب، المبادرة أولى من التأخير، مُبَادَرَةً بِقَضَاءِ الْوَاجِبِ وماذا؟
مداخلة: (وَمُبَادَرَةً بِقَضَاءِ الْوَاجِبِ مِنِ الطَّوَافِ).
الشيخ: (مِنِ الطَّوَافِ الَّذِي بِهِ يَتِمُّ حَجُّ الْحَاجِّ خَوْفَ أَنْ يَعْرِضَ لِلْمَرْءِ مَا لَا يُمْكِنُهُ طَوَافُ الزِّيَارَةِ مَعَهُ): يعني المبادرة بأداء الواجب هذا من الحزم، لأن قد يعرض للإنسان عارض يمنعه.
(وَإِنْ كَانَ تَأْخِيرُ الْإِفَاضَةِ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ جَائِزًا) [00:02:04] عن يوم النحر، له أن يؤخره، والأولى أن لا يؤخره عن أيام التشريق الثلاثة، الحادي عشر والثاني عشر، فإن أخر فلا حرج عند الجمهور، وذهب الأحناف إلى أنه إذا أخر عن أيام التشريق فعليه دم.
قارئ المتن: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى. قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفِيضُ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ -يَعْنِي بِمِنًى- وَيَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ.
الشيخ: وهذا الحديث أخرجه مسلم، قال البخاري عندك؟
مداخلة: قال: "أخرجه مسلم، وأخرجه البخاري عن ابن عمر موقوفًا".
الشيخ: النبي -صلى الله عليه وسلم- رمى جمرة العقبة ضحى، ثم نحر هديه، ثلاثة وستين، ثم حلق رأسه، ثم أفاض، وأدركته الصلاة وهو في مكة، صلاة الظهر، فصلى بالناس، صلى الظهر بمكة، ثم لما رجع إلى منى وجد أصحابه مجتمعين ينتظرونه، فصلى بهم تلك الصلاة مرة أخرى، له نافلة ولهم فريضة كما دلت على ذلك الأحاديث.
وفيه دليل على إعادة الجماعة، وفيه دليل على إمامة المتنفل بالمفترض؛ لأنه صلاها نافلة وصار إمامًا، ولهم فريضة.
قارئ المتن: بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ يَحِلُّ بَعْدَ رَكْعَتَيْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَإِنْ كَانَ الطَّائِفُ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مِنًى
قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سُرَيْجٍ الرَّازِيِّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ مُجَمِّعٍ الْكِنْدِيَّ أَخْبَرَهُمْ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُ الْبَيْتَ فَيَطُوفُ بِهِ أُسْبُوعًا، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَتَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ.
شرح الشيخ: تخريجه قال: انظر مسلم في الحج.
نعم، لا شك أن الحاج إذا رمى جمرة العقبة وحلق رأسه، ثم طاف بالبيت وسعى إن كان عليه سعي إذا كان متمتعًا، وإن كان قارنًا أو مفردًا وقد سعى مع طواف القدوم، فإنه إذا طاف بالبيت سبعة أشواط طواف الإفاضة وصلى ركعتين، حلت له زوجته، فيحل وطأ النساء بعد ركعتي الطواف، ولو كان الطائف في مكة، يعني ولو لم يرجع إلى منى.
(أُسْبُوعًا): يعني سبعة أشواط، يقال أسبوع، ويقال سُبع.
قارئ المتن: بَابُ تَرْكِ الرَّمَلِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ لِلْقَارِنِ، وَحُكْمُ الْمُفْرِدِ فِي هَذَا كَحُكْمِ الْقَارِنِ
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْمُلْ فِي السُّبْعِ الَّذِي أَفَاضَ فِيهِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا رَمَلَ فِيهِ.
شرح الشيخ: الحديث يقول: "إسناده صحيح، أخرجه ابن ماجه في المناسك من طريق ابن وهب مثله"، هكذا عندك؟
مداخلة: نعم، قال: "صحيح، ولا تضر عنعنة ابن جريج عن عطاء، أخرجه أبو داود وابن ماجه والنسائي والبيهقي عن ابن عباس".
الشيخ: الرمَل لا يكون إلا في أول طواف يقدم من مكة، الرمَل هو الإسراع في المشي مع مقاربة الخطى في الأشواط الثلاثة الأولى، هذه سنة خاصة في أول طواف يقدم من مكة لحجٍّ او عمرة.
وهناك سُنة ثانية أيضًا، وهي الاضطباع، وهو كشف الكتف الأيمن، يعني يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن، وطرفه على عاتقه الأيسر، هذه سُنتان في أول طواف يقدم من مكة، لحجٍّ أو لعمرة، وما عداه ليس فيه رمَل ولا اضطباع، طواف الوداع، طواف الإفاضة، السعي بين الصفا والمروة ليس فيه رمَل ولا اضطباع، السعي فيه الرمَل ما بين العلمين، فالنبي لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه، فعلى هذا ليس هناك رمل في طواف الزيارة.
مداخلة: [00:07:20]
الشيخ: نعم، الاضطباع في جميع الأشواط السبعة، والرمل في الثلاثة أشواط الأولى، وإذا انتهى من الطواف سوى رداءه قبل أن يصلي ركعتي الطواف، وكثيرٌ من الحُجاج يستمر في الاضطبع، من أول إحرامه حتى يتحلل، وسبب هذا الجهل، فتجده في منى مضطبع، في عرفة مضطبع، في مزدلفة مضطبع، حتى يتحلل وهو كاشف الكتف، لا يوجد اضطباع إلا في السبعة أشواط الأولى فقط، هذا هو السنة.
قارئ المتن: بَابُ اسْتِحْبَابِ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَقَالَ: ثُمَّ أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَيْتِ يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ، فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ، فَقَالَ: «انْزَعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ»، فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ.
شرح الشيخ: هذه الترجمة في (اسْتِحْبَابِ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ) كما في هذا الحديث، حديث جابر، وأخرجه مسلم، النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أفاض أتى بني عبد المطلب وهم يسقون الناس على زمزم، يعني ينزعون الدلاء ويفرغونها للناس، قال: «انْزَعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ»، يعني أقرهم على هذا.
«فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ»، يعني النبي خشي أنه لو شاركهم ونزع صار الناس كلهم يريدون أن يفعلوا مثل النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم يغلبوهم، فلهذا ترك النزع حتى لا يغلبهم الناس في المستقبل، «فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ»، فلو نزع النبي معهم لقال الناس: نريد أن نقتدي بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، ننزع مثله. ثم يغلبونهم، يكثر الناس عليهم ويغلبونهم.
فناولوه دلوًا وشرب -صلى الله عليه وسلم-، شرب وهو قائم.
قارئ المتن: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ دَلْوًا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ قَائِمًا.
الشيخ: وهذا [00:10:11]، يوجد تعليق؟ البخاري في الحج من طريق عاصم، وليس فيه ذكر الدلو، نعم، كذا؟
مداخلة: قال: "أخرجه البخاري ومسلم".
قارئ المتن: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَرَادَ شَرِبَ مِنْ دَلْوٍ لَا أَنَّهُ شَرِبَ الدَّلْوَ كُلَّهُ، وَهَذَا مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي قَدْ أَعْلَمْتُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِنَا أَنَّ اسْمَ الشَّيْءِ قَدْ يَقَعُ عَلَى بَعْضِ أَجْزَائِهِ كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ﴾[الإسراء: 110]، فَأَوْقَعَ اسْمَ الصَّلَاةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ خَاصَّةً، وَكَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ»، ثُمَّ ذَكَرَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ خَاصَّةً، فَأَوْقَعَ اسْمَ الصَّلَاةِ عَلَى قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي الصَّلَاةِ خَاصَّةً.
شرح الشيخ: المؤلف -رحمه الله- يريد أن يعلق على قوله هنا: (فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ)، قال أبو بكر: (أَرَادَ شَرِبَ مِنْ دَلْوٍ لَا أَنَّهُ شَرِبَ الدَّلْوَ كُلَّهُ)، يعني لو أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب الدلو كله، الدلو كثير، وإنما شرب شيئًا منه، ولم يُرد أنه شرب الدلو كله.
قال: (وَهَذَا مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي قَدْ أَعْلَمْتُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِنَا أَنَّ اسْمَ الشَّيْءِ قَدْ يَقَعُ عَلَى بَعْضِ أَجْزَائِهِ)، هنا يقال: ناوله دلو فشربه؛ يعني شرب منه.
ثم ذكر المؤلف نظائر له كقال: كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا﴾[الإسراء:110]، قوله ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ﴾: لا تجهر بالقراءة في الصلاة، سمى القراءة الصلاة لأنها جزء من الصلاة، (فَأَوْقَعَ اسْمَ الصَّلَاةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ خَاصَّةً).
(وَكَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ») الصلاة هي الفاتحة، تسمى صلاة لأنها جزء من الصلاة، الفاتحة جزء من الصلاة، قال: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ»، يعني الفاتحة، «بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ».
(ثُمَّ ذَكَرَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ خَاصَّةً، فَأَوْقَعَ اسْمَ الصَّلَاةِ عَلَى قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي الصَّلَاةِ خَاصَّةً)، قال: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ»، يعني الفاتحة، لماذا سمى الفاتحة صلاة؟
لأنها جزء، ركن من أركان الصلاة.
قال: (﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ﴾[الإسراء: 110]، فَأَوْقَعَ اسْمَ الصَّلَاةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ خَاصَّةً)، ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ﴾ أي: بقراءتك في الصلاة، سمى القراءة في الصلاة صلاة.
قارئ المتن: بَابُ اسْتِحْبَابِ الِاسْتِقَاءِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ إِذِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَعْلَمَ أَنَّهُ عَمَلٌ صَالِحٌ، وَأَعْلَمَ أَنَّ لَوْلَا أَنْ يُغْلَبَ الْمُسْتَقِي مِنْهَا عَلَى الِاسْتِقَاءِ لَنَزَعَ مَعَهُمْ
حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ فَاسْتَسْقَى، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا فَضْلُ اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ، فَإِيتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا. فَقَالَ: اسْقِنِي، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ، فَقَالَ اسْقِنِي، فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ، وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا، فَقَالَ: «اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ»، ثُمَّ قَالَ: «لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا لَنَزَعْتُ حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هَذِهِ يَعْنِي عَاتِقَهُ» وَأَشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي نَقُولُ: إِنَّ الْإِشَارَةَ تَقُومُ مَقَامَ النُّطْقِ.
شرح الشيخ: هذا الحديث أخرجه البخاري من طريق خالد، النبي -صلى الله عليه وسلم- (جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ)، السقاية: الماء الذي يُسقى فيه الناس من بئر زمزم.
(فَاسْتَسْقَى، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا فَضْلُ اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ، فَإِيتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا)، شرابٍ نظيف.
فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: لا، اسقني من هذا. قال: يا رسول الله، يضعون أيديهم، سآتيك بماء نظيف من عند أمه، قال: لا، أعطني من هذا. فشرب منه -صلى الله عليه وسلم-، مع الناس.
(اسْتَسْقَى) من مستسقي، (فَقَالَ الْعَبَّاسُ) بن عبد الله لابنه الفضل: (يَا فَضْلُ اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ، فَإِيتِ) بماء نظيف للرسول -صلى الله عليه وسلم-، غير هذا الماء الذي يضع الناس أيديهم فيه، فامتنع النبي -صلى الله عليه وسلم-،ىوشرب من الماء الذي يشرب منه الناس.
(فَقَالَ: اسْقِنِي، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ، فَقَالَ اسْقِنِي، فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ، وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا، فَقَالَ: «اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ») خدمة الناس عمل صالح، ينزعون الدلاء، كانت البئر ينزل فيها الدلاء ويستخرج، ما فيه مثل الآن، المواسير، لا، يستخرجه الناس، فهؤلاء ينزعون، طول اليوم وهم ينعون الماء ويضعونه لأنهم يسقون الناس، فقال لهم: «اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ».
(ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا) يعني يغلبكم الناس، (لَنَزَعْتُ حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هَذِهِ) على رقبته، الحبل الذي يُستخرج به الدلو من البئر، (وَأَشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ) لولا أن تُغلبوا لوضعت الحبل على عاتقي، وأجر الدلو حتى يخرج، ويسقي الناس معهم، لكن لو فعلت هذا صار الناس يقتدون بي ويتأسون بي، ويغلبونكم على سقايتكم، عليه الصلاة والسلام.
جاء في الحديث أن أعرابيًّا جاء إلى ابن عبد المطلب وهم يسقون الناس، فقال لهم: مالكم؟ تسقون الناس الماء والناس يسقون العسل، أفيكم بخل؟ أنتم بخلاء؟ قال: لا، ليس بي بخل، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- رآنا وقال: «كونوا على هذا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ»، ولا نستطيع.
(قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي نَقُولُ: إِنَّ الْإِشَارَةَ تَقُومُ مَقَامَ النُّطْقِ)، أين الإشارة؟
(وَأَشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ)، قَالَ: «لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا لَنَزَعْتُ حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هَذِهِ يَعْنِي عَاتِقَهُ» وَأَشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ، فيكون الإشارة تقوم مقام النطق.
قارئ المتن: بَابُ اسْتِحْبَابِ الشُّرْبِ مِنْ نَبِيذِ السِّقَايَةِ إِذَا لَمْ يَكُنِ النَّبِيذُ مُسْكِرًا
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، ح وحَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ بَكْرٍ، وَهَذَا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى السِّقَايَةِ فَشَرِبَ نَبِيذًا، فَقَالَ: مَا بَالُ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ يَسْقُونَ النَّبِيذَ وَبَنُو عَمِّهِمْ يَسْقُونَ اللَّبَنَ وَالْعَسَلَ أَمِنْ بُخْلٍ أَمْ مِنْ حَاجَةٍ؟
شرح الشيخ: هذا هو الحديث، يسقون النبيذ، بعضهم يسقون اللبن والعسل، وأنتم ما تسقون إلا الماء، أنتم بخلاء أم فقراء، ما تستطيعون.
قارئ المتن: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَذَاكَ بَعْدَ مَا ذَهَبَ بَصَرُهُ: عَلَيَّ بِالرَّجُلِ،
شرح الشيخ: هاتوا الرجل الذي يقول هذا الكلام.
قارئ المتن: فَأُتِيَ بِهِ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَتْ بِنَا حَاجَةٌ وَلَا بُخْلٌ، وَلَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ وَخَلْفَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَاسْتَسْقَى فَسَقَيْنَاهُ نَبِيذًا فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوَلَ فَضْلَهُ أُسَامَةَ فَقَالَ: «قَدْ أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ وَكَذَلِكَ فَافْعَلُوا» فَنَحْنُ لَا نُرِيدُ أَنْ نُغَيِّرَ ذَلِكَ.
الشيخ: تخريجه؟
مداخلة: قال: "صحيح، أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود".
هنا قال: (فَاسْتَسْقَى فَسَقَيْنَاهُ نَبِيذًا) يعني يقول أنتم [00:18:44] يسقون النبيذ، وبنو عمهم يسقون اللبن والعسل، اللبن والعسل أعلى.
فقال ابن العباس: إنا سقينا النبي -صلى الله عليه وسلم- على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال: «قَدْ أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ»، فلا نريد أن نزيد على ما حسنه النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال إنه حسن وجميل.
قارئ المتن: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا الْخَبَرُ مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي نَقُولُ فِي كُتُبِنَا إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبِيحُ الشَّيْءَ بِذِكْرٍ مُجْمَلٍ وَيُبَيِّنُ فِي آيَةٍ أُخْرَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَا أَبَاحَهُ بِذِكْرٍ مُجْمَلٍ أَرَادَ بِهِ بَعْضَ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُجْمَلًا لَا جَمِيعَهُ، وَكَذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبِيحُ الشَّيْءَ بِذِكْرٍ مُجْمَلٍ، وَيُبَيِّنُهُ فِي وَقْتٍ تَالٍ أَنَّ مَا أَجْمَلَ ذِكْرَهُ أَرَادَ بِهِ بَعْضَ ذَلِكَ الشَّيْءِ لَا جَمِيعَهُ كَقَوْلِهِ: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾[البقرة: 187] الْآيَةَ، فَأَجْمَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذِكْرَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَبَيَّنَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ إِنَّمَا أَبَاحَ بَعْضَ الْمَأْكُولِ، وَبَعْضَ الْمَشْرُوبِ لَا جَمِيعَهُ، وَهَذَا بَابٌ طَوِيلٌ قَدْ بَيَّنْتُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِنَا، فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَبَاحَ الشُّرْبَ مِنْ نَبِيذِ السِّقَايَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْكِرًا؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمَ أَنَّ الْمُسْكِرَ حَرَامٌ.
شرح الشيخ: هذا تعليق المؤلف، يقول: (وَهَذَا الْخَبَرُ مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي نَقُولُ فِي كُتُبِنَا إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبِيحُ الشَّيْءَ بِذِكْرٍ مُجْمَلٍ وَيُبَيِّنُ فِي آيَةٍ أُخْرَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَا أَبَاحَهُ بِذِكْرٍ مُجْمَلٍ أَرَادَ بِهِ بَعْضَ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُجْمَلًا لَا جَمِيعَهُ)، يعني يُطلق الشيء بذكرٍ مجمل ويراد به البعض.
(وَكَذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبِيحُ الشَّيْءَ بِذِكْرٍ مُجْمَلٍ، وَيُبَيِّنُهُ فِي وَقْتٍ تَالٍ أَنَّ مَا أَجْمَلَ ذِكْرَهُ أَرَادَ بِهِ بَعْضَ ذَلِكَ الشَّيْءِ لَا جَمِيعَهُ)، مثل لهذا بقوله: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾[البقرة: 187]، ماذا يعني ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا﴾؟
كلوا جميع المأكولات، واشربوا جميع المشروبات! لا، المراد البعض.
قال: (فَأَجْمَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذِكْرَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَبَيَّنَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ إِنَّمَا أَبَاحَ بَعْضَ الْمَأْكُولِ، وَبَعْضَ الْمَشْرُوبِ لَا جَمِيعَهُ)، كلوا واشربوا، عام، يشمل جميع المأكولات والمشروبات، ثم بيَّن في موضع آخر أن المراد بعض المأكولات، ولا يستطيع الإنسان أن يأكل كل شيء، ولا أن يشرب كل شيء، هذه لغة العرب، يطلق الشيء مجملا ويراد به البعض، فأجمل في هذه الآية ذكر المأكول والمشروب، وبيَّن في غير هذا الموضع أنه إنما أباح بعض المأكول وبعض المشروب، لا جميعه.
قال: (وَهَذَا بَابٌ طَوِيلٌ قَدْ بَيَّنْتُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِنَا، فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَبَاحَ الشُّرْبَ مِنْ نَبِيذِ السِّقَايَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْكِرًا)؛ لأن النبيذ وهو ما انتبذ من النبيذ من العنب أو غيره، إذا انتُبذ في الحر، شدة الحر، ومضى عليه ثلاثة أيام يُسكر، فلا يجوز شربه، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر أن يُنتبذ له النبيذ، فيشربه اليوم والغد، ثم بعد ذلك يهريقه، يصبه يعني، أو يسقيه الخادم خشية أن يكون تخمر، يتخمر في شدة الحر ويصير خمرًا بعد ثلاثة أيام، لكن لو وُضع في الثلاجة زال المحظور، ما عندهم ثلاجات ولامبردات.
(فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَبَاحَ الشُّرْبَ مِنْ نَبِيذِ السِّقَايَةِ) قبل أن يتخمر، هذا معروف، (إِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْكِرًا؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمَ) في الأحاديث الأخرى (أَنَّ الْمُسْكِرَ حَرَامٌ)، والمسكر يكون من نبيذ العسل، من نبيذ التمر، من نبيذ العنب، من نبيذ الشعير، من نبيذ البُر، والآن جاء أنواع في العصر الحاضر أنواع من المسكرات، يُنتبذ من أنواع من المأكولات ومن غيرها من المصنَّعة، الرسول -صلى الله عليه وسلم- [00:22:59].
قارئ المتن: بَابُ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَعَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ لِلْمُتَمَتِّعِ
بركة، قف على هذا، وفق الله الجميع.
سؤال: [00:23:10]
الشيخ: لا يضر، لو يجلس في الثلاجة أسابيع لا يضر، إنما يتخمر في شدة الحر.
سؤال: [00:23:21]
الشيخ: يصلي معهم نافلة، ولا يتقدم هو، يصلي ولا يتقدم، لأنه صلى هو، وإنما يصلي إعادة الجماعة معهم، تكون له نافلة.
سؤال: حتى في وقت النهي.
الشيخ: حتى في وقت النهي، النبي -صلى الله عليه وسلم- في قصة الرجلين في منى، لما صلى وجد رجلين خلفه، قال: «مالكما لم تصليا؟» قالا: يا رسول الله، صلينا في رحالنا. قال: «إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجدنا فصليا معنا، فإنها لكما نافلة»، حتى في صلاة الفجر.
وفق الله الجميع لطاعته.