الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فقال الإمام ابن خزيمة -رحمه الله- في صحيحه:
قارئ المتن: بَابُ الرُّخْصَةِ لِلرِّعَاءِ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ بِاللَّيْلِ
قال: حدثنا سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، قال: حدثنا وَكِيعٌ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي بَدَّاحٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا بِاللَّيْلِ، وَأَنْ يَجْمَعُوا الرَّمْيَ.
الشيخ: تخريجه؟
القارئ: قال: "حديث صحيح، أخرجه الدارمي من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر به، وأخرجه أحمد وأبو داود والطبراني والبيهقي من طرق عن أبي البداح عن أبيه".
شرح الشيخ: نعم، هذا الحديث فيه رخصة للرعاء الذين يرعون الإبل في أن يرموا الجمار بالليل من أجل الرعاية، فهم يذهبون بالإبل في النهار، ويرجعون بالليل، ويرمون، فرُخص لهم، وأما غير الرعاء فإنهم يرمون بالنهار، الرمي يكون من زوال الشمس أيام التشريق، من زوال الشمس إلى غروب الشمس، فإن الرخصة هنا دليل على أن غيرهم لا يرخص له، الرخصة إنما تكون في الشيء الممنوع، فيرخص للرعاء رعاة الإبل أن يرموا الجمار بالليل، وأما غير الرعاء فيرموا بالنهار؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رمى بعد الزوال، وقال: «خذوا عني مناسككم».
وقد اجتمعت هيئة كبار العلماء، وبحثوا هذه المسألة، وقرروا بالإجماع أن الرمي يمتد من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وتكون الليلة تابعة لليوم السابق، وقالوا: النبي -صلى الله عليه وسلم- حدد أوله ولم يحدد آخره، ولأنه إنه إذا رخص للرعاة من أجل الإبل والزحام شديد، فالرخصة للمحافظة على الأرواح أولى، المحافظة على الأرواح أولى من المحافظة على الإبل، فلهذا أفتوا بالأغلبية أن الرمي يمتد في اليوم الحادي عشر، بل في يوم العيد يمتد الرمي من طلوع الشمس إلى طلوع الفجر يوم الحادي عشر، ويوم الحادي عشر يبدأ الرمي من زوال الشمس إلى طلوع الفجر يوم الثاني عشر، ويوم الثاني عشر يمتد الرمي من اليوم الثاني عشر إلى طلوع الفجر يوم الثالث عشر، يوم الثالث عشر وهو آخر يوم يكون من زوال الشمس إلى غروب الشمس، ما فيه رمي في الليل، انتهى الرمي، إذا غابت الشمس في اليوم الثالث عشر انتهت أيام التشريق، وانتهت أيام الذبح، وانتهت أيام الرمي، وانتهت أيام الحج، يوم الثالث عشر ما فيه رمي في الليل، نعم.
مداخلة: [00:03:21]
الشيخ: نعم، إذا خالف عليه دم.
قارئ المتن: بَابُ الرُّخْصَةِ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدَعُوا يَوْمًا
قال: حدثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدَعُوا يَوْمًا.
قال: حدثنا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ، عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ.
قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قال: حدَّثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قال: حدَّثنا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا الْجِمَارَ يَوْمًا وَيَدَعَوْا يَوْمًا.
شرح الشيخ: الحديث الأول لعلي بن خشرم، قال: "انظر ما قبله"، الذي قبله سنده صحيح.
والثاني حديث يعقوب كذلك، هذا فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص للرعاة رعاة الإبل أن يرموا يومًا ويدعوا يومًا، تخفيفًا عليهم؛ لأنه يشق عليهم الرجوع، وسيأتي كيفية الرمي، هل يرمون إما في اليوم الأول، يقدمون اليوم الثاني عشر مع اليوم الحادي عشر، أو يؤخرون رمي الحادي عشر للثاني عشر، وسيأتي في الترجمة التي بعد هذا، نعم.
أما من لا يستطيع، من لا يستطيع ينيب، يوكل من ينوب عنه.
المداخلة: يوكل والا يؤخرها لآخر يوم؟
الشيخ: إذا كان يستطيع، يغلب على ظنه أنه يستطيع يؤخرها أحسن.
قارئ المتن: بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- إِنَّمَا رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ فِي تَرْكِ رَمْيِ الْجِمَارِ يَوْمًا وَيَدَعُوا يَوْمًا فِي يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، الْيَوْمِ الْأَوَّلِ يَرْعُوا فِيهِ، وَيَرْمُوا يَوْمَ الثَّانِي، ثُمَّ يَرْمُوا يَوْمَ النَّفْرِ، لَا أَنَّهُ رَخَّصَ لَهُمْ فِي تَرْكِ رَمْيِ الْجِمَارِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَا يَوْمَ النَّفْرِ الْآخَرِ ...
شرح الشيخ: يوم النفر الآخر هو اليوم الثالث عشر، يوم النفر الأول الثاني عشر، ويوم النفر الآخر الثالث عشر، يعني ما رخص لهم في ترك الجمار يوم النحر، يرمون يوم العيد ثم يتحللون، ثم يذهبون للرعاء يوم الحادي عشر، ثم يرجعون في اليوم الثاني عشر وهو يوم النفر الأول ويرمون، ثم يرمون في النفر اليوم الثالث إذا لم يتعجلوا، لا أنه؟
قارئ المتن: لَا أَنَّهُ رَخَّصَ لَهُمْ فِي تَرْكِ رَمْيِ الْجِمَارِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَا يَوْمَ النَّفْرِ الْآخَرِ، وَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يَجْمَعُونَ بَيْنَ رَمْيِ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالْيَوْمِ الثَّانِي، فَيَرْمُونَهَا فِي أَحَدِ الْيَوْمَيْنِ، إِمَّا يَوْمُ الْأَوَّلِ وَإِمَّا يَوْمُ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
شرح الشيخ: نعم، هكذا يعني، هكذا تأخيرهم يكون، يعني يوم العيد يرمون، هذا لا بد منه، ويوم الثالث عشر يرمون، هذا لا بد منه إذا تأخروا، بقي الحادي عشر والثاني عشر، يجمعونها في يوم واحد، إما أن يقدموا رمي الثاني عشر مع اليوم الحادي عشر، أو يؤخروا رمي اليوم الحادي عشر مع اليوم الثاني عشر، وهذا من أجل التسهيل عليهم حتى لا يرجعوا في كل يوم يرجعون، يرجعون يومين.
قارئ المتن: قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ ابْنَ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَرْخَصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَ أَوْ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ، ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفَر ...
الشيخ: أرخص عندك أم رخَّص؟
القارئ: قال في المطبوع: "رخَّص، أثبت في الأصل أرخص".
الشيخ: رخص لرعاة الإبل في البيتوتة، بيتوتة ليلة الثاني عشر يبيتون في البر مع الإبل، ثم يأتوا في اليوم الثاني عشر ويرمون عن اليومين، ثم يرجعون ويرمون في اليوم الثالث عشر، يعودون في اليوم الثالث عشر وهو يوم النفر الآخر، نعم.
المداخلة: يوم النفر الثاني عشر؟
الشيخ: يوم النفر الأول الثاني عشر، يوم النفر الثاني الثالث عشر.
قارئ المتن: قَالَ: حدثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ ابْنَ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَرْخَصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَ أَوْ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ، ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفَرَ.
الشيخ: تخريجه؟ قال: إسناده صحيح، عندك؟ نعم؟ الترمذي وأبو داود، نعم؟
القارئ: قال: "سبق في الباب الذي قبله"، قال هناك: "صحيح، أخرجه مالك وأحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم".
الشيخ: نعم، وإذا رخص لرعاة الإبل فيرخص للآدميين إذا خافوا من الزحام الشديد، خافوا من الموت يرمون في الليل، هم أولى من الإبل.
قارئ المتن: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَبُو الْبَدَّاحِ هُوَ ابْنُ عَاصِمِ بْنُ عَدِيٍّ، وَمَنْ قَالَ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَدِيٍّ نَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ، وَعَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ هَذَا هُوَ الْعَجْلَانِيُّ صَاحِبُ قِصَّةِ اللِّعَانِ الْمَذْكُورُ فِي خَبَرِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ.
شرح الشيخ: هذا من باب التنبيه، أبو البداح هو ابن عاصم بن عدي، ومن قال عن أبي البداح بن عدي نسبه إلى جده، وعاصم هذا هو العجلاني الذي جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولاعن هو وزوجته، نعم.
قارئ المتن: بَابُ وَقْتِ النَّفْرِ مِنْ مِنًى آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
قال: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْمُسَلَّمِ السُّلَمِيُّ، قال: حدثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ الإمام أَبُو عُثْمَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ...
الشيخ: قال: أخبرنا الأستاذ الإمام؟
القارئ: الأستاذ الإمام، قال: "سقطت من المطبوع".
قارئ المتن: أَبُو عُثْمَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّابُونِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، قال: حدثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى...
الشيخ: هذا المؤلف أبو بكر، إذن سبق هناك تلاميذه.
قارئ المتن: قال: حدثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قال: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ قَتَادَةَ بْنَ دِعَامَةَ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَرَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ.
الشيخ: تخريجه؟ رواه البخاري؟
القارئ: سبق.
الشيخ: صحيح، وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى أربع صلوات بالمحصب اليوم الثاني عشر، والمحصب هو الوادي الذي فيه الحصباء، وهو مكان العزيزية الآن، ما بين العزيزية إلى مكة كان وادي حصباء ما كان فيه بيوت، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لما كان يرمي الجمار في اليوم الحادي عشر، ثم يرجع إلى رحله، فيصلي الظهر في مكانه، وهو مكان يعني مسجد الخيف تقريبًا، وفي اليوم الثاني عشر كذلك، رمى ورجع إلى مكانه صلى الظهر، وفي اليوم الثالث عشر رمى ثم نزل إلى مكة بالمحصب، وجد قبة منصوبة هناك، وقيل أين تنزل غدًا؟ قال: «في خيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر».
هذا الوادي الذي حاصرت فيه قريش بني هاشم وبني عبد المطلب في الشعب، وكتبوا كتابة، صحيفة، علقوها في جوف الكعبة يقاطعونهم حتى يسلمونه لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يؤاكلونهم، ولا يشاربونهم، ولا يبيعون عليهم، حتى أصابهم الجهد، النبي -صلى الله عليه وسلم- أراد أن ينصب خيمته في المكان الذي تقاسموا فيه على الكفر هو المحصب، هو الوادي اللي كان فيه حصباء، الآن فيه بيوت الآن، البيوت متصلة الآن، صار كل العزيزية كلها بيوت الآن، ما فيه محصب، نعم؟
المداخلة: يوجد مسجد الآن اسمه مسجد الإجابة قريب من بلدية مكة؟
الشيخ: على كل حال كله كان كل هذاك كان صحراء.
المداخلة: بعض الناس [00:13:30]
الشيخ: المهم أنه من جمرة العقبة إلى مكة ما فيه، كان حصباء، كان وادي، نزل هناك، ضربت له خيمته، ونزل هناك، وصلى فيها أربع صلوات، الظهر بعد ما رمى الجمرة، يرمي بعد الزوال وقبل الصلاة، هذه السنة في جميع أيام التشريق، لكن في اليوم الحادي عشر والثاني عشر يرجع ويصلي في مكانه، وهو مكان مسجد الخيف، وفي اليوم الثالث عشر ما رجع إلى منى، نزل من منى المحصب، وصلى فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم رقد رقدة خفيفة، ثم نزل في آخر الليل، وطاف طواف الوداع، وأدركته صلاة الفجر فصلى بالناس إمامًا، وقرأ سورة الطور -عليه الصلاة والسلام- صبح اليوم الرابع عشر، وجاءت أم سلمة تطوف، قالت إنها وجعة، قال: طوفي من وراء الناس، تطوف من وراء الناس، الناس قدامها يصلون في الكعبة، وهي من خلفهم تطوف، ثم رجع قافلاً إلى المدينة -عليه الصلاة والسلام- بعد ما صلى فجر اليوم الرابع عشر.
هذا المحصب، صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، يقال له المحصب، ويقال له الخيف، ويقال خيف بني كنانة، هو الوادي، المحصب لأنه فيه حصباء، والخيف لأنه وادي، خيف بني كنانة كأنه نسب إليهم.
قارئ المتن: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ بَصْرِيٌ، لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَرَأَ عَلَيَّ أَبُو مُوسَى هَذَا، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ.
الشيخ: قوله (غَرِيبٌ بَصْرِيٌ) ما يضره، الحديث صحيح الرواية.
القارئ: في صحيح البخاري فيه بعض روايات قال: "تابعه الليث، قال: حدثني خالد عن سعيد عن قتادة أن أنس بن مالك -رضي الله عنه- حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم".
الشيخ: تابعه الليث؟
القارئ: نعم، قال ابن حجر في [الفتح].
الشيخ: تابع من؟
القارئ: "قوله: تابعه الليث أي تابع عمرو بن الحارث في روايته لهذا الحديث عن قتادة بطريق أخرى إلى قتادة".
قال: حدثنا أَبُو عَمَّارٍ الحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، قال: حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قال: حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ، قال: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، قال: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قال: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ بِمِنًى: «نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ» قَالَ لَنَا بُنْدَارٌ حِينَ تَقَاسَمُوا ...
شرح الشيخ: نحن نازلون غدًا؟ كذا، بخيف بني كنانة؟ خطأ مطبعي، بخيف، أل هذه زائدة، بخيف بني كنانة، نعم، قال لنا بندار ...
قارئ المتن: قَالَ لَنَا بُنْدَارٌ حِينَ تَقَاسَمُوا، وَإِنَّمَا هُوَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَكِنَانَةَ تَحَالَفُوا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ، وَلَا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسَلِّمُوا إِلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُحَصَّبَ.
الشيخ: نعم، والحديث صحيح، رواه مسلم، عندك في البخاري؟
القارئ: نعم، قال: البخاري ومسلم.
الشيخ: نعم، رواه الشيخان.
قارئ المتن: قال: حدثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، وَبَحْرُ بْنُ نَصْرٍ قَالَا: حدثنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ..
الشيخ: بحر، بحر بن نصر.
القارئ: قال: "في الأصل محمد، وهو تحريف، انظر تهذيب الكمال".
الشيخ: النسخة هذه فيها تحريف كثير.
المداخلة: هنا في الطبعة هذه مصوبة.
الشيخ: نعم.
قارئ المتن: قال: حدثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، وَبَحْرُ بْنُ نَصْرٍ قَالَا: حدثنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ ...
الشيخ: بكر أو بكير؟ كذلك تحريف؟
القارئ: قال فقمداخلة: "انظر تهذيب الكمال".
الشيخ: بكر؟ مكبَّر؟
القارئ: نعم.
قارئ المتن: قال: حدثنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، قال: حدثنا الْأَوْزَاعِيُّ، قال: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ بِمِثْلِهِ، قال: حدثنا الرَّبِيعُ، قال: حدثنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، قال: أَخْبَرَنِي الْأَوْزَاعِيُّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِمِثْلِهِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا: أَنْ لَا تُنَاكِحُوهُمْ، وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ شَيْءٌ حَتَّى يُسْلِمُوا إِلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ الرَّبِيعُ وَيُونُسُ: حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ، وَقَالَ بَحْرٌ: حِينَ أَقْسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ.
شرح الشيخ: في هذه الترجمة يقول: (بَابُ اسْتِحْبَابِ النُّزُولِ بِالْمُحَصَّبِ اسْتِنَانًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)؛ يعني يستحب للحاج إذا رمى الجمار في اليوم الثالث عشر أن ينزل بالمحصب، استنانًا يعني اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فيكون سنة.
وهذا ذهب إليه جمع من أهل العلم، قالوا: إنه سنة النزول في المحصب، وهو منزل الخلفاء، كان الخلفاء ينزلون فيه.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه ليس بسنة، وإنما هو مكان نزله أسمح بخروجه، وقالت عائشة -رضي الله عنها-: ليس التحصيب بشيء، إنما هو منزل نزله النبي -صلى الله عليه وسلم- لكونه أسمح لخروجه، لكونه على طريقه، أسهل على طريقه للسفر إلى المدينة، وإلا ليس بسنة، ولكن المحققين من أهل العلم على أنه سنة، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نزله قصدًا، ويدل على هذا قوله: «إنا نازلون غدًا خيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر»، هذا يعني أنه مقصود وأنه سنة، ومنزل الخلفاء إذا تيسر.
قارئ المتن: بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ كَانَ أَعْلَمَهُمْ وَهُوَ بِمِنًى أَنْ يَنْزِلَ بِالْأَبْطَحِ، وَأَنَّ أَبَا رَافِعٍ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: أَنَا ضَرَبْتُ قُبَّةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلَمْ يَأْمُرْنِي، فَجَاءَ فَنَزَلَ، أَيْ وَلَمْ يَأْمُرْنِي بِضَرْبِ الْقُبَّةِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، لَا أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- نَزَلَ الْأَبْطَحَ لِعِلَّةِ ضَرْبِ الْقُبَّةِ.
شرح الشيخ: يعني المؤلف يقول: النبي -صلى الله عليه وسلم- أعلمهم أنه نازل بمنى، لأنه قال: أين تنزل غدًا؟ قال: «في خيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر»، يعني أعلمهم، لكن كون أبو رافع ضرب قبة في هذا المكان، ما أمره النبي بضرب القبة، لكن أخبرهم أنه سينزل في هذا المكان، وليس المراد أنه نزل بالأبطح لِعلة ضرب القبة، لا، بل العلة أنه أراد أن يظهر شعائر الإسلام في المكان الذي أظهر فيه الكفار شعائر الكفر.
سؤال: هل نزوله بالأبطح يصير سنة؟
الشيخ: على أحد القولين، وهو القول الراجح اللي اختاره جمع من أهل العلم، وقالوا: إنه منزل الخلفاء، وذهبت عائشة وجماعة أنه ليس بسنة، وإنما هو منزل نزله لكونه أسمح لخروجه.
قال: باب استحباب نزول المحصب استنانًا، المؤلف ابن خزيمة رجح أنه سنة، قال: باب استحباب النزول بالمحصب استنانًا بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.
سؤال: كان الحصار في هذا الشعب؟
الشيخ: إي، كلها الوادي هذا هو المكان الذي حاصرت فيه قريش بني هاشم وبني المطلب.
سؤال: حدده هو أم الشارح أنه المحصب؟
الشيخ: هو على كل حال تحديده هذا يمكن، ممكن يحدد، لكنه يعني من بابٍ عام من بعد جمرة العقبة إلى مكة كل هذا وادي.
المداخلة: قرابة كيلو عن الحرم.
الشيخ: لكن كونه تحديد المكان الذي ضرب فيه القبة هذا يحتاج إلى ... نعم.
قارئ المتن: قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُزَيْرَ الْأَيْلِيُّ أَنَّ سَلَامَةَ حَدَّثَهُمْ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَنْفِرَ مِنْ مِنًى: نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ، يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُحَصَّبَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ سَوَاءً.
الشيخ: تخريجه كما سبق، أخرجه مسلم.
هذا فيه دليل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قصد النزول في هذا الخيف، وأنه مقصود، وليس منزل اتفاقي، عائشة -رضي الله عنها- تقول: منزل اتفاقي، ليس مقصودًا، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- قيل له: أين تنزل غدًا؟ قال: (نحن نازلون غدًا -إن شاء الله- بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر)، فهو منزل مقصود لإظهار شعائر الإسلام في المكان الذي أظهرت فيه شعائر الكفر.
قارئ المتن: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: سُؤَالُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَيْنَ يَنْزِلُ غَدًا فِي حَجَّتِهِ، إِنَّمَا هُوَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- فَأَمَّا آخِرُ الْقِصَّةِ: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ»، فَهُوَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ، وَمَعْمَرٌ فِيمَا أَحْسِبُ وَاهِمٌ فِي جَمْعِهِ الْقِصَّتَيْنِ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَدْ بَيَّنْتُ عِلَّةَ هَذَا الْخَبَرِ فِي كِتَابِ الْكَبِيرِ.
شرح الشيخ: يعني عمرو بن عثمان جمع القصة، قصة النزول وقصة الآية التي في [00:24:02].
قارئ المتن: قال: حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قال: حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا؟ وَذَلِكَ فِي حَجَّتِهِ، قَالَ: «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا؟»، ثُمَّ قَالَ: «نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ؛ حَيْثُ قَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْكُفْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ حَالَفَتْ قُرَيْشًا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ، وَلَا يُبَايِعُوهُمْ، وَلَا يُؤْوُوهُمْ»، قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَالْخَيْفُ الْوَادِي، قَالَ ثُمَّ قَالَ: «لَا يَرِثُ الْكَافِرَ الْمُسْلِمُ، وَلَا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ».
الشيخ: تخريجه؟ رواه البخاري في الصحيح؟
القارئ: قال: "أخرجه البخاري ومسلم".
شرح الشيخ: فيه قوله: «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا؟» يعني ما لي مكان في مكة؛ لأن عقيل لما كان في الكفر هو الذي ورث أباه أبو مداخلة، وأخذ المال؛ لأنه مات أبو مداخلة كافرًا، وورثه أبناؤه الكفار، فقال النبي: ما لنا منزل، ما لي بيت، أخذه عقيل، لكن نحن نازلون في الخيف، أما البيوت ما لنا شيء، أخذها، وُرثت، ورثها عقيل؛ لأنه مات على الكفر، ورثها عن أبيه، قال -صلى الله عليه وسلم-: وهل ترك لنا عقيل من رباع؟ هل ترك لنا عقيل من بيت؟ أخذوها، ثم قال: نحن نازلون غدًا بخيف بني كنانة.
وهل أسلم عقيل؟
ظاهره في هذا أن فيه كلام، وبحث من بعض الإخوان يجمعون بحث في هذا، قال: أنه أسلم، لكن ظاهر الحديث أنه هو الذي ورث أباه.
قارئ المتن: قال: حدثنا بِخَبَرِ ابْنِ رَافِعٍ الَّذِي ذَكَرْتُ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، قَالَ عَبْدِ الْجَبَّارِ: حدثنا سُفْيَانُ، وَقَالَ نَصْرٌ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَقَالَ ابْنُ خَشْرَمٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: ضَرَبْتُ قُبَّةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالْأَبْطَحِ، وَلَمْ يَأْمُرْنِي أَنْ أَنْزِلَ الْأَبْطَحَ، فَجَاءَ فَنَزَلَ.
الشيخ: طيب، تخريجه؟
القارئ: قال: "صحيح أخرجه مسلم".
الشيخ: طيب، يعني أبو رافع يقول: هو الذي ضرب قبة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يأمره، لم يأمرني أن ينزل الأبطح، فجاء فنزل.
قارئ المتن: هَذَا حَدِيثُ نَصْرٍ، وَقَالَ عَلِيٌّ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ: لَمْ يَأْمُرْنِي أَنْ أَنْزِلَ الْأَبْطَحَ، وَإِنَّمَا جِئْتُ فَضَرَبْتُ قُبَّتَهُ، فَجَاءَ فَنَزَلَ، وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ: لَمْ يَأْمُرْنِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ أَضْرِبَ قُبَّتَهُ، إِنَّمَا ضَرَبْتُ قُبَّةَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِالْأَبْطَحِ، فَنَزَلَ، وَزَادَ عَبْدُ الْجَبَّارِ قَالَ: وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ عَلَى ثِقَلٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مَنْزِلُهُ حِينَ جَاءَ مِنَ الْمَدِينَةِ بِأَعْلَى مَكَّةَ، قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَجِئْتُ فَضَرَبْتُ قُبَّتَهُ، فَجَاءَ فَنَزَلَ.
الشيخ: طيب، الأمر سهل، نعم، المهم نزل المحصب وهو قد أخبر بذلك.
سؤال: هل نزول النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمحصب كان قبل أن يأذن لعائشة -رضي الله عنها- بالعمرة؟
الشيخ: الصحيح بعد ذلك، المحصب صلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وعائشة راحت في الليل.
سؤال: يعني لم يكن نزوله المحصب من أجل انتظار عائشة -رضي الله عنها-؟
الشيخ: لا، إنما انتظرهم حتى ينزل في طواف الوداع، قال -صلى الله عليه وسلم-: «اعكفا هنا»، فلما جاؤوا طاف للوداع في آخر الليل، صلى فيه الظهر والعصر والمغرب، ما فيه سفر الآن، ما عزم على السفر إلا في الآخر في اليوم الرابع عشر، الثالث عشر ما فيه سفر، نعم، نزوله في المحصب يعني سُنة، بقيَّة أعمال الحج.
قارئ المتن: بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- إِنَّمَا نَزَلَ بِالْأَبْطَحِ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَعْلَمَهُمْ وَهُوَ بِمِنًى أَنَّهُ نَازِلٌ بِهِ، مَعَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ نُزُولَهُ لَيْسَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ الَّذِي يَكُونُ تَارِكُهُ عَاصِيًا، أَوْ يُوجِبُ تَرْكُ نُزُولِهِ هَدْيًا.
شرح الشيخ: يعني كأن مالك جمع بين القولين، قال: إنما نزل بالأبطح ليكون أسمح لخروجه، هذا قول عائشة، عائشة تقول: ليس المحصب بشيء، إنما هو مكان نزله النبي ليكون أسمح لخروجه، وإلا ما هو بسنة، مع أن الترجمة السابقة قال: (بَابُ اسْتِحْبَابِ النُّزُولِ بِالْمُحَصَّبِ اسْتِنَانًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، الترجمة السابقة فيها أنه سنة، وهنا قال: (لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ)، إنما نزله ليكون أسمح لخروجه، كأنه جمع بين القولين، كأنه سنة، وهو أسمح لخروجه، مع أنه يقول: ليس من سنن الحج، يعني ليس من الواجبات بحيث من يتركه يكون عليه دم، أو من يتركه يكون فعل محرم، لا، من السنن المستحبة يعني عند جمع من أهل العلم.
وقال آخرون أيضًا حتى ليس من السنن المستحبة، وإنما هو منزل اتفاقي نزله اتفاقًا لا قصدًا، لكن الذي يدل على النزول قصدًا، قال: «نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ»، هذا دليل على أنه مقصود.
سؤال: [00:30:23].
الشيخ: ما يأثم، ما يكون عليه ... نعم، سنة مستحبة.
قارئ المتن: بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- إِنَّمَا نَزَلَ بِالْأَبْطَحِ لِيَكُونَ أَسْمحَ لِخُرُوجِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَعْلَمَهُمْ وَهُوَ بِمِنًى أَنَّهُ نَازِلٌ بِهِ، مَعَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ نُزُولَهُ لَيْسَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ الَّذِي يَكُونُ تَارِكُهُ عَاصِيًا، أَوْ يُوجِبُ تَرْكُ نُزُولِهِ هَدْيًا
قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قال: حدثنا يَحْيَى، قال: حدثنا هِشَامٌ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنه- قَالَتْ: إِنَّمَا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمُحَصَّبَ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ، فَمَنْ شَاءَ نَزَلَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ.
شرح الشيخ: يعني عائشة ترى أنه ما هو بسنة، منزل اتفاقي، ووافق عائشة جمع من أهل العلم، منزل يقول: ليس المحصب بشيء، تقول عائشة في المحصب ليكون أسمح بخروجه، يعني منزل اتفاقي ليس مقصودًا، نعم، وتخريجه رواه مسلم في الصحيح.
القارئ: قال: البخاري ومسلم.
قارئ المتن: قال: حدثنا سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، قال: حدثنا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنه- قَالَتْ: نُزُولُ الْمُحَصَّبِ لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ، إِنَّمَا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ.
شرح الشيخ: هذا القول وافق عليه الجماعة، وقال آخرون من أهل العلم: بل هو سنة، مستحب لمن تيسر له، وهو الظاهر، ترجمة المؤلف قال: (اسْتِنَانًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
قارئ المتن: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْلُهَا (لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ) تريد لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى النَّاسِ الِائْتِمَامُ بِفِعْلِهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ كُلُّ مَا فَعَلَهُ -صلى الله عليه وسلم- وَإِنْ كَانَ مِنْ فِعْلِ الْمُبَاحِ فَقَدْ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السُّنَّةِ، أَيْ أَنَّ لِلنَّاسِ الِاسْتِنَانَ بِهِ إِذْ هُوَ مُبَاحٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ الْفِعْلَ.
شرح الشيخ: في هذا توجيه من المؤلف، قوله: ليس من السنة ليس من السنة الواجبة، وإنما هو من السنن المستحبة يعني، لأن كل ما يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو سنة.
قارئ المتن: بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ قَدْ يُنْفَى عَنِ الشَّيْءِ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مُبَاحًا
قال: حدثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالَ عَلِيٌّ: أَخْبَرَنَا وَقَالَ الْآخَرُونَ، حدثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: لَيْسَ الْمُحَصَّبُ بِشَيْءٍ، إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
شرح الشيخ: وهنا قال ليس من السنة، نفس الشيء، يعني ليس بشيء واجب، وإن كان مستحبًّا.
قارئ المتن: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - لَيْسَ الْمُحَصَّبُ بِشَيْءٍ أَرَادَ لَيْسَ بِشَيْءٍ يَجِبُ عَلَى النَّاسِ نُزُولُهُ، فَنَفَى اسْمَ الشَّيْءِ عَنْهُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي تَرْجَمْتُ الْبَابَ، إِذِ الْعِلْمُ مُحِيطٌ أَنَّ نُزُولَ الْمُحَصَّبِ فِعْلٌ، وَاسْمُ الشَّيْءِ وَاقِعٌ عَلَى الْفِعْلِ ...
شرح الشيخ: نفي اسم الشيء ماذا؟ فنفي اسم الشيء عنه.
قارئ المتن: فَنَفْيُ اسْمَ الشَّيْءِ عَنْهُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي تَرْجَمْتُ الْبَابَ، إِذِ الْعِلْمُ مُحِيطٌ أَنَّ نُزُولَ الْمُحَصَّبِ فِعْلٌ، وَاسْمُ الشَّيْءِ وَاقِعٌ عَلَى الْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مُبَاحًا لَا وَاجِبًا.
شرح الشيخ: يقول: أراد ليس بشيء يجب على الناس نزوله، فنفي اسم الشيء على المعنى الذي ترجمت له، نزول المحصب هذا فعل.
قارئ المتن: بَابُ اسْتِحْبَابِ النُّزُولِ بِالْمُحَصَّبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَاجِبًا، إِذِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ الَّذِينَ أَمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِالْعَضِّ بِالنَّوَاجِذِ عَلَى سُنَّتِهِ وَسُنَّتِهِمْ قَدِ اقْتَدَوْا بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِالنُّزُولِ بِهِ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، قَالُوا: حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قال: حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أنه قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ يَنْزِلُونَ الْأَبْطَحَ، وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ قَالُوا: حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- مِثْلَهُ.
الشيخ: نعم، تخريجه؟
القارئ: قال: "صحيح أخرجه أحمد وابن ماجة والترمذي وابن حبان".
الشيخ: ومسلم؟
القارئ: نعم، ذكر مسلم في الذي بعده.
الشيخ: كلاهما من السنة، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر ينزلون الأبطح، إذًا مستحب لمن تيسر له.
قارئ المتن: بَابُ اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ بِالْمُحَصَّبِ إِذَا نَزَلَهُ الْمَرْءُ:
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: خَبَرُ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أَنَسٍ مِنْ هَذَا الْبَابِ، قَدْ أَمْلَيْتُهُ قَبْلُ، وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَزَلَ الْبَطْحَاءَ عَشِيَّةَ النَّفْرِ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا يَفْعَلَانِهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَفْعَلُهُ حَتَّى هَلَكَ، فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ.
الشيخ: تخريجه؟
القارئ: هذا الأخير قال: "لم نقف عليه".
الشيخ: رواه البخاري؟
القارئ: والأول قال سبق.
الشيخ: طيب، بعده.
قارئ المتن: حدثنا الصَّنْعَانِيُّ قال: حدثنا الْمُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ قال: حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قال: حدثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، قال: حدثنا زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلَّى بِالْأَبْطَحِ صَلَاةَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ، خَبَرُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- مِنْ هَذَا الْبَابِ.
شرح الشيخ: هذا تخريجه كما سبق، يعني فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بالأبطح الصلوات الخمس، فيه استنبط المؤلف من هذه الترجمة استحباب الصلاة بالمحصب، الحاج يصلي في هذا الوادي الظهر والعصر والمغرب والعشاء، الآن ينبغي على الإنسان أن يصلي في المساجد الموجودة هناك، إذا جلس يصلي في المساجد، والأمر في هذا واسع، أو في المسجد الحرام إذا كان مقيم.
قارئ المتن: بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قَصَرَ الصَّلَاةَ بِالْأَبْطَحِ بَعْدَمَا نَفَرَ مِنْ مِنًى، ضِدَّ قَوْلِ مَنْ يُحْكَى لَنَا عَنْهُ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا أَنَّ الْحَاجَّ إِذَا قَفَلَ رَاجِعًا إِلَى بَلَدِهِ عَلَيْهِ إِتْمَامُ الصَّلَاةِ.
بركة، قف على هذا.
وفق الله الجميع، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت.