شعار الموقع

سورة ص - 3

00:00
00:00
تحميل
80

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين وللمستمعين برحمتك يا ارحم الراحمين.

يقول الإمام ابن كثير –رحمه الله- في تفسيره ذكر سبب نزول هذه الآيات، يقول سبحانه وتعالى: (وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) ذكر سبب نزول هذه الآيات الكريمات، قَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّ أُنَاسًا مِنْ قُرَيْشٍ اجْتَمَعُوا فِيهِمْ: أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ فِي نَفَرٍ مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَلْنُكَلِّمْهُ فِيهِ، فَلْيُنْصِفْنَا مِنْهُ فَلْيَكُفَّ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِنَا وَنَدَعْهُ وَإِلَهَهُ الَّذِي يَعْبُدُهُ.

يعنون النبي –صلى الله عليه وسلم- وإلهه إلى أبي طالب يقولون: لا يشتم آلهتنا ونتركه يعبد إلهه، لكن لا يشتم آلهتنا لا يعيبها، شتمها يعني عيبها وذمها، يقول: بأنها لا تستحق العبادة، ذمها وعيبها الشتم، يقول تعالى: (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ)[الإسراء:60]: أي المذمومة، الذم يسمى شتم.

فَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَمُوتَ هَذَا الشَّيْخُ فَيَكُونَ مِنَّا إِلَيْهِ شَيْءٌ. فَتُعَيِّرُنَا [بِهِ] العرب يقولون:

تَرَكُوهُ حَتَّى إِذَا مَاتَ عَنْهُ تَنَاوَلُوهُ".

يعني الشيخ أبو طالب، عم النبي –صلى الله عليه وسلم- يعني الشيخ أبو طالب كان يزد عنه، وقد سمعوا وقالوا: نذهب لأبي طالب نقول له: قل لابن أخيك يكف عن آلهتنا لا يشتمها، ويعبد هو ما يعبد هو إلهه لا بأس، لكن لا يشتم آلهتنا، لكن نخاف أن يموت هذا الشيخ أبو طالب، ثم يكون منا أذى للنبي –صلى الله عليه وسلم- فتعيرنا العرب، فتقول: لما مات الشيخ هانوه، وقبل أن يموت ما استطاعوا أن يؤذوه، فنقول له الآن قبل أن يموت لعله يكفه.

فَبَعَثُوا رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ الْمُطَّلِبُ" فَاسْتَأْذَنَ لَهُمْ عَلَى أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ مَشْيَخَةُ قَوْمِكَ وَسَرَاتُهُمْ.

يعني أشرافهم يستأذنون على أبي طالب يكلمونه؛ حتى يكلم النبي –صلى الله عليه وسلم- عن شتم آلهتهم وذمها وعيبها.

فَاسْتَأْذَنَ لَهُمْ عَلَى أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ مَشْيَخَةُ قَوْمِكَ وَسَرَاتُهُمْ يَسْتَأْذِنُونَ عَلَيْكَ.

هي ليست علي، ولكنها على؛ لأن علي من الصبيان لا يستأذن، أرسلوا هذا الرجل الكبير يستأذن لهم عليه في الدخول عليه.

قَالَ: أَدْخِلْهُمْ. فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ أَنْتَ كَبِيرُنَا وَسَيِّدُنَا فَأَنْصِفْنَا مِنِ ابْنِ أَخِيكَ فَمُرْهُ فَلْيَكُفَّ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِنَا وَنَدَعْهُ وَإِلَهَهُ.

من حكمة الله أن أبا طالب ما أسلم فهو معهم، فشتم ألهتهم كذلك هو يرد هذا ولا يريد شتم ألهتهم أيضًا، هذا من حكمة الله أنه ما أسلم، لو أسلم ما بالوا به، لكن لم يسلم هو معهم، وهو منهم؛ فلذلك يقدروا له ويحترمونه، لو كان مسلم ما بالوا به.

قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

يعني بعث أبو طالب للنبي –صلى الله عليه وسلم- ليكلمه.

فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي هَؤُلَاءِ مَشْيَخَةُ قَوْمِكَ وَسَرَاتُهُمْ وَقَدْ سَأَلُوكَ أَنْ تَكُفَّ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِهِمْ وَيَدَعُوكَ وَإِلَهَكَ. قَالَ: "يَا عَمِّ أَفَلَا أَدْعُوهُمْ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ؟ " قَالَ: وَإِلَامَ تَدْعُوهُمْ؟ قَالَ: "أَدْعُوهُمْ [إِلَى] أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِكَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَيَمْلِكُونَ بِهَا الْعَجَمَ".

كلمة واحدة، وهي كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، إن قالوها عن صدق وإخلاص، والذين رفضوا وامتنعوا، فقال لهم كلمة واحدة في الأول كلمة أضيف لها عشر كلمات، ما هي هذه الكلمة؟ فلما قال: كلمة التوحيد رفضوا، قالوا: هذه ما نستطيع أن نقولها؛ لان معناها ترك الألهة، وعيب الألهة وإبطال الألهة، أعطنا كلمة أخرى غيرها، هذه ما نريدها.

فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ: مَا هِيَ وَأَبِيكَ؟ لَنُعْطِيَنَّهَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا.

يقول كلمة أبو جهل ما هي وأعطيك قسم أقسم بالأب، ما هي الكلمة، أعطيك عشر أمثالها كلمة سهلة، ضيف معها عشرة معها.

قَالَ: تَقُولُونَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ". فَنَفَرَ وَقَالَ: سَلْنَا غَيْرَ هَذَا قَالَ: "لَوْ جِئْتُمُونِي بِالشَّمْسِ حَتَّى تَضَعُوهَا فِي يَدِي مَا سَأَلْتُكُمْ غَيْرَهَا" فَقَامُوا مِنْ عِنْدِهِ غِضَابًا.

قاموا غضبانين.

وَقَالُوا: وَاللَّهِ لَنَشْتُمَنَّكَ وَإِلَهَكَ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا. {وَانْطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}

رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَزَادَ: فَلَمَّا خَرَجُوا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّهُ إِلَى قَوْلِ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" فَأَبَى وَقَالَ: بَلْ عَلَى دِينِ الْأَشْيَاخِ. وَنَزَلَتْ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [الْقَصَصِ:56].

يعني يبقى على دين الأشياخ، وهو الكفر، نسأل الله العافية، يعني يحترم الأشياخ، والأجداد، يحترم دينهم وهو الشرك، ويقع على دينهم.

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا عَبَّادٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: لما مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ فَقَالُوا: إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ يَشْتُمُ آلِهَتَنَا وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ وَيَقُولُ وَيَقُولُ فَلَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ فَنَهَيْتَهُ؟ فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ الْبَيْتَ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَبِي طَالِبٍ قَدْرُ مَجْلِسِ رَجُلٍ قَالَ: فَخَشِيَ أَبُو جَهْلٍ إِنْ جَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَكُونَ أَرَقَّ لَهُ عَلَيْهِ. فَوَثَبَ فَجَلَسَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَجِدْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا قُرْبَ عَمِّهِ فَجَلَسَ عِنْدَ الْبَابِ. فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: أَيِ ابْنَ أَخِي مَا بَالُ قَوْمِكَ يَشُكُونَكَ، يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ وَتَقُولُ؟ قَالَ: وَأَكْثَرُوا عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ وَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " يَا عَمِّ إِنِّي أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ! يَقُولُونَهَا تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ" فَفَزِعُوا لِكَلِمَتِهِ وَلِقَوْلِهِ وَقَالُوا كَلِمَةً وَاحِدَةً! نَعَمْ وَأَبِيكَ عَشْرًا فَقَالُوا: وَمَا هِيَ؟ وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ وَأَيُّ كَلِمَةٍ هِيَ يَا ابْنَ أَخِي؟ فَقَالَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" فَقَامُوا فَزِعِينَ يَنْفُضُونَ ثِيَابَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}.

يعرفون معناها سلك الآية، لا إله إلا الله، لا معبود بحق إلا الله، إن كان لكم معبود هو الله وغيره يسرك، وكثير من الناس اليوم ما يعرف معناها، يقولوها بلسانه وينقضها بأفعاله، حتى بعضهم يطوف البيت ويعبد غير الله، (9:50) لكن ما يعرف عنها؛ ولهذا قال الإمام أحمد –رحمه الله-: (9:56) قبح الله من رجل من كفار قريش أعلموا معنى لا إله إلا الله، يعرفون معنى لا إله إلا الله لكن امتنعوا، لو كانوا يقولونها باللسان لقالوها باللسان، لكن يعرفون ليس المراد قولها باللسان، المراد المعنى: هو ترك الأصنام والألهة هذا معناها، المراد المعنى والحقيقة واللفظ والاعتقاد، لكن تلفظها بلسانه ويناقضها بأفعاله، ما تنفع، لابد أن يقولها بلسانه ويعمل بمقتضاها، ويبتعد عما يناقضها، حتى تتحقق هذه الكلمات، ما تتحقق بمجرد الاسم، هم يعرفون معناها؛ ولذلك رفضوا وامتنعوا، لو كان المراد اللفظ  تلفظوا بها وقالوها، لكن ليس هذا هو المراد.

قَالَ: وَنَزَلَتْ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى قَوْلِهِ: {لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} لَفْظُ أَبِي كُرَيْبٍ.


وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبَّادٍ غَيْرِ مَنْسُوبٍ بِهِ نَحْوَهُ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا كُلُّهُمْ فِي تَفَاسِيرِهِمْ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن الأعمش عن يحيى بن عمارة الْكُوفِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ
وَقَوْلُهُمْ: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ} أَيْ: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا الَّذِي يَدْعُونَا إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ مِنَ التَّوْحِيدِ فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ.

قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَابْن زَيْدٍ: يَعْنُونَ دِينَ قُرَيْشٍ.

وَقَالَ غَيْرُهُمْ: يَعْنُونَ النَّصْرَانِيَّةَ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَالسُّدِّيُّ.


وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ} يَعْنِي: النَّصْرَانِيَّةَ قَالُوا: لَوْ كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ حَقًّا أَخْبَرَتْنَا بِهِ النَّصَارَى.
{إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ} قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ كَذِبٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَخَرُّصٌ.

وَقَوْلُهُمْ: {أَأُنزلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا}.

(مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ): هذه الحجة القرشية، حجة قريش (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ): يعني ما سمعنا في دين قريش، ولا في الأديان السابقة، التي جاءت بمعانيها الناس، وهي حجة فرعون لما دعى موسى قال، ماذا قال له؟ (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى)[طه:51]، يعني القرون الأولى كلهم على خطأ، نتبعه نتبع الأمم السابقة، اتباع الآباء والأجداد السابقين في الباطل، هذه حجة قريش وهي حجة فرعون، وهي حجة الكفرة، والله تعالى قال: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)[الزخرف:23]، قالوا: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ): على دين، (وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) مقتدون الدين، هذه حجة الكفرة، اتباع الآباء والأجداد في الباطل، (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) على دين، الأمة لها معاني، تطلق على الطائفة، وتطلق على الدين، وتطلق على الإمام الذي يؤتم به: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا)[النحل:120]، (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) هذه حجة المشركين.

حجة قريش: (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ)، في الأديان السابقة في دين النصارى وفي دين قريش، حجة فرعون: (فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى)، كلها بما عليه السابقون من الأجداد والآباء بالباطل.

وَقَوْلُهُمْ: {أَأُنزلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا} يَعْنِي: أَنَّهُمْ يَسْتَبْعِدُونَ تَخْصِيصَهُ بِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِهِمْ كُلِّهِمْ كَمَا قَالُوا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {لَوْلا نزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزُّخْرُفِ: 31].

القريتين: مكة والطائف، عظيم الطائف، وعظيم مكة.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الزُّخْرُفِ: 32] وَلِهَذَا لَمَّا قَالُوا هَذَا الَّذِي دَلَّ عَلَى جَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ عَقْلِهِمْ فِي اسْتِبْعَادِهِمْ إِنْزَالَ الْقُرْآنِ عَلَى الرَّسُولِ مِنْ بَيْنِهِمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} أَيْ: إِنَّمَا يَقُولُونَ هَذَا لِأَنَّهُمْ مَا ذَاقُوا إِلَى حِينِ قَوْلِهِمْ ذَلِكَ عَذَابَ اللَّهِ وَنِقْمَتَهُ سَيَعْلَمُونَ غِبَّ مَا قَالُوا، وَمَا كَذَّبُوا بِهِ يَوْمَ يُدَعّون إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّا.

ثُمَّ قَالَ مُبَيِّنًا أَنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ فِي مُلْكِهِ الْفَعَّالُ لِمَا يَشَاءُ الَّذِي يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ مَا يَشَاءُ وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيُنَزِّلُ الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَخْتِمُ عَلَى قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ، فَلَا يَهْدِيهِ أَحَدٌ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ وَإِنَّ الْعِبَادَ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا مِنَ الْأَمْرِ وَلَيْسَ إِلَيْهِمْ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْمُلْكِ وَلَا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَمَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ: {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ} أَيِ: الْعَزِيزِ الَّذِي لَا يُرَامُ جَنَابُهُ الْوَهَّابِ الَّذِي يُعْطِي مَا يُرِيدُ لِمَنْ يُرِيدُ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ شَبِيهَةٌ بِقَوْلِهِ: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا} [النِّسَاءِ: 53: 55] وَقَوْلُهُ {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنْفَاقِ وَكَانَ الإنْسَانُ قَتُورًا} [الْإِسْرَاءِ: 10] وَذَلِكَ بَعْدَ الْحِكَايَةِ عَنِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا بِعْثَةَ الرَّسُولِ الْبَشَرِيِّ وَكَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ قَوْمِ صَالِحٍ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] حِينَ قَالُوا: {أَألْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الأشِرُ} [القمر: 25: 26].

وقوله: {أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأسْبَابِ} أَيْ: إِنْ كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْعَدُوا فِي الْأَسْبَابِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ: يَعْنِي طُرُقَ السَّمَاءِ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: فَلْيَصْعَدُوا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ.

ثُمَّ قَالَ: {جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأحْزَابِ} أَيْ: هَؤُلَاءِ الْجُنْدُ الْمُكَذِّبُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ سَيُهْزَمُونَ وَيُغْلَبُونَ وَيُكْبَتُونَ كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأَحْزَابِ الْمُكَذِّبِينَ وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ: {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [الْقَمَرِ: 44: 46].

هذه الآيات فيها وعد من الله تعالى بأنهم سيهزمون، بأن هؤلاء الكفار سيهزمون، (22:42) قل لله ولرسوله وللمؤمنين، يستبعد أن ينزل الله القرآن على رجل، (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ)[القمر:25،26]، واستبعد قوم صالح وقوم ثمود أن ينزل الذكر على صالح من بينهم، وقالوا: (هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ)، وقال الله: (سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ)، وهنا أخبر أن قريش استنكروا أن ينزل الذكر على محمد، (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا)[ص:8]، (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ)، لم يذوقوا العذاب، ولو عاينوا العذاب لعلموا الحقيقة، وأن النبي –صلى الله عليه وسلم- مرسل بين يدي الله.

(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ)، وعد من الله بأنهم سيهزمون، وتكون العاقبة الحميدة لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين.

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد