الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وأله وصحبه أجمعين.
قال ابن كثيرٍ رحمه الله تعالى في تفسيره:
قال تعالى: ({كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الأوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ أُولَئِكَ الأحْزَابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14) وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15) وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16) اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ (17)})
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: (يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ هَؤُلَاءِ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ، وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ وَالنَّقَمَاتِ فِي مُخَالَفَةِ الرُّسُلِ وَتَكْذِيبِ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ قِصَصُهُمْ مَبْسُوطَةً فِي أَمَاكِنَ مُتَعَدِّدَةٍ.
وَقَوْلُهُ: {أُولَئِكَ الأحْزَابُ} أَيْ: كَانُوا أَكْثَرَ مِنْكُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَمَا دَافَعَ (1) ذَلِكَ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ (2) وَلِهَذَا قَالَ: {إِنْ كُلٌّ إِلا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ} فَجَعَلَ عِلَّةَ هَلَاكِهِمْ هُوَ تَكْذِيبُهُمْ بِالرُّسُلِ فَلْيَحْذَرِ الْمُخَاطَبُونَ مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ الْحَذَرِ.)
الشيخ: نعم عاد كانوا مشهورين بالقوة، افتخروا بقوتهم وقالوا: ﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾[فصلت:15] ما أشد منا قوة، ومع ذلك أهلكهم الله ما نفعتهم قوتهم، قوتهم كل قوة عند الله ضعيفة إلا إذا كانت في الحق، قوة الباطل لا تفيد ﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ قال الله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ﴾ ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[فصلت:17-15] بسبب ما كانوا يكسبونه من الأعمال السيئة تكذيب الرسل ومشاقة الرسل ومخالفة أمر الله وعدم الإيمان بالكتب المنزلة أوردهم وارد قال: ({إِنْ كُلٌّ إِلا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ}) بين أن سبب العقاب هو تكذيبهم للرسل.
الطالب: (وَقَوْلُهُ: {وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} (3) قَالَ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَيْ لَيْسَ لَهَا مَثْنَوِيَّةٌ أَيْ: مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا أَيْ: فَقَدِ اقْتَرَبَتْ وَدَنَتْ وَأَزِفَتْ وَهَذِهِ الصَّيْحَةُ هِيَ نَفْخَةُ الْفَزَعِ الَّتِي يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ أَنْ يُطَوِّلَهَا، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فَزِعَ إِلَّا مَنِ اسْتَثْنَى (4) اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. )
الشيخ: كما قال الله تعالى في سورة النمل: ﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾[النمل:87] إلا من استثناه الله، كالأرواح والولدان في الجنة وغيرهم وقوله: ({وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ}) هذا تحذير لكفار قريش، تهديد ووعيد بما ينتظرهم في الآخرة من عذاب ({وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً}) ما ينظرون إلا صيحة الفزع، وهي صيحةً طويلة يطولها إسرافيل أولها فزع وأخرها صعقة الموت، فيكون صعقتان على الصحيح: صعقة الموت وصعقة البعث، كما قال الله تعالى في سورة الزمر: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾[الزمر:68] نفختان: نفخة الصعق ونفخة البعث: ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾ هذه نفخة البعث، ونفخة الصعق ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ﴾ والمذكور في سورة النمل ﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ﴾ هي نفخة الصعق، هي واحدة أولها فزع وأخرها صعق وموت، ينفخ إسرافيل فيفزع الناس أولًا ثم لا يزال الصوت يقوى يقوى حتى يموت الناس، هذا الصحيح، جاء في حديث فيه ضعف، المراد أنها ثلاث نفخات: نفخة الفزع المذكورة في سورة النمل ثم نفخة الصعق ثم نفخة البعث، لكن الحديث فيه ضعف فيه إسماعيل بن رافع وهو ضعيف، المعروف أنها نفختان: الأولى أولها فزع وأخرها صعق والثانية نفخة البعث، وأما الصعقات فهي ثلاث صعقات: صعقة الموت وصعقة البعث وصعقة لتجلي الرب لفصل القضاء ليوم القيامة، صعقة موقف يوم القيامة، كما في الحديث: «إن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من أفيق فإذا موسى أخذٌ بقائمةٍ من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور» هذه صعقة في يوم القيامة، صعقة لتجلي الله لفصل القضاء، صعق ليس فيها موت، ولهذا قال: «فأكون أول من أفيق فإذا موسى أخذٌ بقائمةٍ من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي» [00:07:00] «أم جوزي بصعقة الطور فلم يصعق» جاء في حديث آخر: «فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله»، قالوا هذا الحديث فيه انقلاب، لأن هذه الصعقة ليس فيها استثناء الاستثناء في نفخة الصعق: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ نفخة الصعق هي التي فيها استثناء ﴿إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾، قال العلماء هذا كالأرواح كالولدان في الجنة وغيرهم ممن استثناهم الله.
الطالب: (وَقَوْلُهُ: {وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ})
الشيخ: يعني هؤلاء يكذبون، وهم كفار قريش.
الطالب: (قَالَ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَيْ لَيْسَ لَهَا مَثْنَوِيَّةٌ أَيْ: مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا أَيْ: فَقَدِ اقْتَرَبَتْ وَدَنَتْ وَأَزِفَتْ وَهَذِهِ الصَّيْحَةُ هِيَ نَفْخَةُ الْفَزَعِ الَّتِي يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ أَنْ يُطَوِّلَهَا، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فَزِعَ إِلَّا مَنِ اسْتَثْنَى (4) اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَوْلُهُ: {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} هَذَا إِنْكَارٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي دُعَائِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِتَعْجِيلِ الْعَذَابِ، فَإِنَّ الْقِطَّ هُوَ الْكِتَابُ وَقِيلَ: هُوَ الْحَظُّ وَالنَّصِيبُ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: سَأَلُوا تَعْجِيلَ الْعَذَابِ-زَادَ قَتَادَةُ كَمَا قَالُوا: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32])
الشيخ: هذا كما في سورة الأنفال ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾[الأنفال:32] نسأل الله السلامة والعافية، من شدة كرههم للحق وإنكارهم الحق ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ لو هدوا لكانوا قالوا هذا حق فاهدنا له ووفقنا له، ما هدوا، نسأل الله العافية، ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ وهنا قال: ({وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ}) يعني عجل لنا نصيبنا وما وعدتنا به قبل يوم الحساب، استعجال للعذاب، قال تعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾[العنكبوت:53-54]
الطالب: في سورة الأنفال بعد هذه الآية قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾[الأنفال:33] هل يرجع هذا الكلام لكفار قريش؟ أم للنبي والصحابة؟
الشيخ: نعم هذا في زمن النبي عندهم أمانان: الأمان الأول وجود الرسول بين أظهرهم، والأمان الثاني الاستغفار والتوبة، ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ هذا أمانهم، ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ يستغفرون مع التوبة، التوبة أمان، من تاب سلم من العذاب، ولهذا قال تعالى: ﴿فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾[يونس:98] الأمان من العذاب، وجود الرسول بين أظهرهم ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾.
الطالب: (زَادَ قَتَادَةُ كَمَا قَالُوا: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32]
وَقِيلَ: سَأَلُوا تَعْجِيلَ نَصِيبِهِمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً أَنْ يَلْقَوْا (1) ذَاكَ فِي الدُّنْيَا. وَإِنَّمَا خَرَجَ هَذَا مِنْهُمْ مَخْرَجَ الِاسْتِبْعَادِ وَالتَّكْذِيبِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: سَأَلُوا تَعْجِيلَ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنَ الْخَيْرِ أَوِ الشَّرِّ فِي الدُّنْيَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ جَيِّدٌ، وَعَلَيْهِ يَدُورُ كَلَامُ الضَّحَّاكِ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.)
الشيخ: نعم أن يعجل لهم في الدنيا ({وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ}) سواءً من الخير او من الشر.
الطالب: (وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالِاسْتِبْعَادِ قَالَ اللَّهِ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمِرًا لَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى أَذَاهُمْ وَمُبَشِّرًا لَهُ عَلَى صَبْرِهِ بِالْعَاقِبَةِ وَالنَّصْرِ (2) وَالظَّفَرِ.)
وقوله تعالى: ({اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)}
يَذْكُرُ تَعَالَى عَنْ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنَّهُ كَانَ ذَا أَيْدٍ وَالْأَيْدُ: الْقُوَّةُ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ.
قَالَ [ابْنُ عَبَّاسٍ] (1) وَابْنُ زَيْدٍ وَالسُّدِّيُّ: الْأَيْدُ: الْقُوَّةُ وَقَرَأَ ابْنُ زَيْدٍ: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذَّارِيَاتِ: 47]
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْأَيْدُ: الْقُوَّةُ فِي الطَّاعَةِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أُعْطِيَ دَاوُدُ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (2) قُوَّةً فِي الْعِبَادَةِ وَفِقْهًا فِي الْإِسْلَامِ، وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقُومُ ثُلُثَ اللَّيْلِ وَيَصُومُ نِصْفَ الدَّهْرِ.)
الشيخ: هذا ثابت بالصحيح أن النبي قال: «إن أفضل الصلاة صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه»، يعني كان ينام نصف الليل النصف الأول، ويقوم الثلث وهو الثلث الرابع والخامس، وينام الثلث الثالث حتى يستعين به على عمل النهار لأنه كان حاكمًا [00:15:20] اشتهر داود عليه الصلاة والسلام مع أن الله أعطاه الملك والنبوة اشتهر بالعبادة، اشتهر بالعبادة والصلاة، قال النبي: «إن أفضل الصلاة صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه» النصف الأول ينام، والآن النصف الأول نادر الذي ينامه قبل النصف الأول في زمننا هذا، ثم ينام الثلث الرابع والخامس ويقوم الثلث الأخير، يستعين به على قضاء النهار لأنه حاكم يحكم [00:16:07] قاضي يحكم بين الناس، ويصوم، «وأفضل الصوم صوم داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا»، وأيضًا اشتهر بالقوة في الجهاد «وكان لا يفر إذا لاقى»، واشتهر بصنع الدروع، ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾[سبأ:10] واشتهر أيضًا بحسن الصوت في قراءة الزبور، كانت تجاوبه الطيور والجبال: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ ألان الله له الحديد مثل العجينة، يصنع الدروع ويحكم بين الناس ولا يفرُّ إذا لاقى، شجاعة قوة، ويصوم يومًا ويفطر يومًا ويقوم ثلث الليل، وهو ملك ونبي، أعطاه الله النبوة، وأتاه الله صوتًا حسنًا، كان إذا قرأ الزبور كانت تجاوبه الطير، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث أبي موسى الأشعري: «إنه أوتي مزمارًا من مزامير أل داود»، يعني صوت حسن، المزمار من الأضداد تقال على الصوت الحسن وتقال عن الصوت السيء، فقالوا مزمار، من الأضداد يطلق على هذا وعلى هذا، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي موسى الأشعري: «لو رأيتني وأنا استمع لقراءتك البارحة»، قال: لو علمت لحبرت لكَ تحبيرًا، وقال عن أبي موسى: «إنه أوتي مزمارًا من مزامير أل داود»، ، كم صفة اشتهر بها! ما أشغله الملك على هذا، ملك ونبي اشتهر بالصلاة وبالصيام وبقراءة الزبور بحسن الصوت وبالحكم بين الناس وفي صنع الدروع، ولا يفرُّ إذا لاقى في الجهاد، عليه الصلاة والسلام.
الطالب: [00:18:27]
الشيخ: نعم وله صلاة قيام الليل.
الطالب: وكان أواب.
الشيخ: الصلاة هي قيام الليل والصوم يصوم يوم ويفطر يوم، وصنع الدروع والجهاد لا يفرُّ إذا لاقى وحسن الصوت في قراءة الزبور.
الطالب: أواب.
الشيخ: نعم، رجاع إلى الله ({إِنَّهُ أَوَّابٌ}) كما سيأتي في الآيات، عليه الصلاة والسلام.
الطالب: [00:19:00]
الشيخ: الشريعة السابقة عندهم صلاة ولكن ليست كصلاتنا، الله أعلم، الصلاة في اليوم والليلة قد تكون صلاة في المساء أو في الصباح والله أعلم، لكن ليس عندهم الصلوات الخمس، حتى في أول الإسلام فرضت ليلة المعراج خمس صلوات، خمسون صلاة فرضها الله على العباد، قبل ذلك كان هناك صلاة في أول الليل وفي أول النهار، ولما فرضت الصلوات الخمس حتى الصلوات الخمس وما فرضت الجماعة إلا في المدينة والأذان في المدينة بعد الفجر.
الطالب: كانوا يصلون؟
الشيخ: نعم يصلون لكن لا يوجد جماعة ولا خمس صلوات.
الطالب: (وَهَذَا ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى" (3) وَإِنَّهُ كَانَ أَوَّابًا، وَهُوَ الرَّجَّاعُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ وَشُئُونِهِ.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإشْرَاقِ} أَيْ: إِنَّهُ تَعَالَى سَخَّرَ الْجِبَالَ تُسَبِّحُ مَعَهُ عِنْدَ إِشْرَاقِ الشَّمْسِ وَآخِرِ النَّهَارِ)
الشيخ: ("أَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ") داود ينام نصف الليل ويقوم ثلثه الرابع والخامس، ووقت التنزل الإلهي هو الثلث الخامس والسادس حديث صحيح: «ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟» هذا وقت التنزل الإلهي ثلث الليل الآخر، وبهذا تكون النصف الأخير من الليل بأثلاثه الثلاثة فاضي، الثلث الرابع والخامس هذا صلاة داود، والثلث الخامس والسادس هذا وقت التنزل الإلهي، وهو ثلث الليل الآخر، والحديث قد يكون متواتر، وفيه نزول الرب كما يليق بجلاله وعظمته.
الطالب: (كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سَبَأٍ: 10] وَكَذَلِكَ كَانَتِ الطَّيْرُ تُسَبِّحُ بِتَسْبِيحِهِ وَتُرَجِّعُ بِتَرْجِيعِهِ إِذَا مَرَّ بِهِ الطَّيْرُ وَهُوَ سَابِحٌ فِي الْهَوَاءِ فَسَمِعَهُ وَهُوَ يَتَرَنَّمُ بِقِرَاءَةِ الزَّبُورِ لَا تَسْتَطِيعُ الذَّهَابَ بَلْ تَقِفُ فِي الْهَوَاءِ وَتُسَبِّحُ مَعَهُ وَتُجِيبُهُ الْجِبَالُ الشَّامِخَاتُ تُرَجِّعُ مَعَهُ وَتُسَبِّحُ تَبَعًا لَهُ.
قَالَ (4) ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ مِسْعَر عَنْ عبد الكريم عن مُوسَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ (1) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (2) أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ ذَكَرَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يوم فَتْحِ مَكَّةَ صَلَّى الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، قَالَ (3) ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ ظَنَنْتُ أَنَّ لِهَذِهِ السَّاعَةِ صَلَاةً يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإشْرَاقِ} (4)
ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ صَفْوَانَ)