شعار الموقع

سورة ص - 9

00:00
00:00
تحميل
82

الخميس 21 – 3- 1440هـ

بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى: (قال المؤلف في تفسير: " قال يعبر بها عن المرأة " قوله: " يعبر بها عنه المرأة " يفيد بأن هذا ليس هو الأصل في النعجة وهو كذلك فالأصل أن النعجة أنثى الشياه وليست هي المرأة فإذا كان هذا هو الأصل فمن ادعى أن المراد بالنعجة هنا المرأة فعليه إيش ؟ فعليه الدليل لأن كل من ادعى خلاف الأصل فعليه الدليل وأظنك لو تقول لأهلك: يا نعاج أو يا نعجة لقامت القيامة بينكم نعم لقالوا: أنت سميتنا غنماً ضأناً فالنعجة ليست هي المرأة في هذه الآية بل هي واحدة الضأن. قال الله عز وجل: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} {تسع وتسعون نعجة} يعني مائة إلى واحدة. {ولي نعجة} وأكدها بقوله: {واحدة} من أجل تقليلها وإلا فإن الواحدة مفهومة من قوله: {ولي نعجة} ولكن ذكر واحدة تأكيداً للقلة يعني ليس لي إلا واحدة. {فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} أي اجعلني كافلها وذلك بأن تضمها إلى نعاجي لأنه إذا ضمها إلى نعاجه صارت في ملكه وهو الكافي دونها {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} غلبني في الخطاب. قال المؤلف: " أي الجدال ".

الشيخ: (قال المؤلف) يعني جلال الدين صاحب الجلالين.

(يعني أنه صار يجادلني حتى غلبني فأقررت له وأقره الآخر على ذلك، أقره الآخر يعني المدعى عليه. وليس في الآية ما يدل على أن المدعى عليه أقر أو أنه أنكر، المقر المدعى عليه مسقوط عنه فدعوى أنه أقره يحتاج إلى دليل ولو كان هذا هو الواقع لذكره الله عز وجل لما في حذفه من الإيهام الذي يجعل حكم داود حكماً فيه شيء من الجور، أقول للمرة ثانية: لو أن الآخر أقره لذكر الله ذلك لأن حذفه يؤدي إلى سوء الظن بداود عليه الصلاة والسلام حيث لم يستكمل مجريات القضية. فالظاهر والله أعلم أن داود عليه الصلاة والسلام لما سمع هذا العدوان من هذا الشخص الذي قد أنعم الله عليه بنعم كثيرة ثم ذهب يحاول يستلب حق هذا الفقير الذي ليس عنده إلا نعجة واحدة كأنه عليه الصلاة والسلام غضب وحكم للمدعي.

فقال: ﴿قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ﴾، الجملة هنا مؤكدة بثلاث مؤكدات القسم المقدر واللام وقد لأن تقدير الكلام والله لقد ظلمك. وقوله: {ظلمك} أصل الظلم في اللغة النقص. ومنه قوله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} ويطلق في الشرع على النقص والعدوان يعني على نقص الحق والعدوان في طلب ما ليس للإنسان فهو في الحقيقة العدوان سواء كان بنقص ما يجب أو بادعاء ما لا يستحق، فمن ضرب شخصاً أو أخذ ماله قيل: إنه ظلمه ومن جحد ما هو له وأنكر قيل: إنه ظلمه .

الظلم هنا {لقد ظلمك} من النقص أو من العدوان ؟ من العدوان ولهذا قال: {لقد ظلمك بسؤال نعجتك} ليضمها إلى نعاجه.

قدر المؤلف " ليضمها " من أجل أن يصح التعبير بـ إلى لأن سؤال لا يتعدى بـ إلى، لكنه مضمن معنى الضم أي بسؤاله أن يضم نعجتك إلى نعاجه. ووجه الظلم في هذا ظاهر لأن صاحب التسعين قد أنعم الله عليه بنعمة كبيرة وصاحب الواحدة معدم فقير وأيضاً فإن هذه الواحدة ملك له فكيف يعتدي هذا ويقول: أعطنيها ويلح عليه حتى يغلبه في الحجاج والمخاصمة ؟

ثم قال داود: {وإن كثيراً من الخلطاء} أي الشركاء، {ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم} عندنا كثير وقليل، كثير {يبغي بعضهم على بعض} وقليل لا يبغي بعضهم على بعض، فالقليل الذي لا يبغي بعضهم على بعض هم الذين وصفه الله بقوله: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} فالمؤمن العامل للصالحات لا يحدث منه البغي لما معه من الإيمان والعمل الصالح. ومن فاته شيء من هذا الوصف حصل منه من البغي بمقدار ما فاته من الوصف. فمن نقص إيمانه حصل منه البغي ومن قلت أعماله الصالحة حصل منه البغي لأن الأعمال الصالحة يجر بعضها بعضاً فإذا عمل الإنسان عملاً صالحاً أتبعه بعمل آخر لأن للطاعة لذة وسروراً في القلب إذا قام الإنسان بها ازداد رغبة فيها وإذا أعرض قلت أهمية الطاعات عنده وضعف قصده للطاعات فتجرأ على المعاصي. قوله: {وإن كثيراً من الخلطاء} يعني الشركاء، {ليبغي بعضهم على بعض} اللام في قوله: {ليبغي} اللام للتوكيد و{يبغي} من البغي وهو العدوان. وهذا هو الواقع أن كثيراً من الشركاء يبغي بعضهم على بعض، إما بأخذ شيء من مال الشركة أو بكتمان الربح لو ربحت أو التغرير بالمال بحيث يتصرف فيه على وجه ليس فيه حظ للشركة أو بادعاء أن المشترك ملك خاص له، وأنواع العدوان بين الشركاء كثيرة لكن كثير من الشركاء يبغي بعضهم على بعض ولهذا إذا أصلح الشركاء النية ونصح بعضهم بعضًا أفلحوا، ولهذا في الحديث إن الله تعالى يقول: ( أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان خرجت من بينهما).

وقوله: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} {إلا} أداة استثناء وما بعدها في محل نصب لأن الجملة السابقة كلام تام موجب وإذا سبق الاستثناء كلام تام موجب وجب النصب. قال ابن مالك:

ما استثنت إلا مع تمام ينتصب
 

 

وبعد نفي أو كنفي انتخب
 

اتباع ما اتصل وانصب من قطع
 

 

وعن تمام فيه إبدال وقع
 

 

 

ولتمام الفائدة إذا جاءت إلا بعد كلام تام موجب وجب نصب ما بعدها هذا الاستثناء، وإذا جاءت بعد كلام تام منفي تام يعني مستكمل الفاعلة لكنه منفي جاز فيما بعدها وجهان: النصب على الاستثناء وإتباع ما بعدها لما قبلها في الإعراب، إلا إذا كان الاستثناء منقطعاً أي أن ما بعد إلا ليس من جنس ما قبلها فيجب النصب. وإذا وقعت إلا بعد كلام منفي ناقص كانت بحسب العوامل التي قبلها إن كان العامل يقتضي رفعاً رفع، إن كان يقتضي نصباً نصب، إن كان يقتضي جراً جر . ونضرب لذلك أمثلة قام القوم إلا زيداً أو إلا زيد.

وفي الآية: {إلا الذين آمنوا} تام موجب فالذين إذاً في محل نصب. {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم والعمل يطلق على القول والفعل بخلاف الفعل فإنه يطلق على فعل الجوارح والقول على قول اللسان.

 {الصالحات} هذه صفة لموصوف محذوف أي عملوا الأعمال الصالحات وجمعها باعتبار أنواع الصالحات صلاة وصدقة وصيام وحج وبر وصلة، وأنواع كثيرةٌ فلهذا جمعت، أحياناً يقول: {عمل صالحاً}، فيفرد باعتبار جنس العمل على سبيل العموم، طيب الأعمال الصالحات قال أهل العلم: "والأعمال الصالحات قال أهل العلم: "هي ما جمعت شرطين وهما: الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلا صلاح مع شرك ولا صلاح مع بدعة".

قال الله تعالى{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَد}، وعلى هذا لو أن رجلًا صلى رياءً فعمله غير صالح لفقد الإخلاص، ولو أن رجلًا  تعبد لله بما لم يشرعه الله ولكنه مخلص لله بنية التقرب إليه لا يريد شيئاً من الدنيا فعمله غير صالح لعدم المتابعة.

وقد على بطلان ما فيه الشرك آيات من القرآن متعددة وأحاديث من السنة متعددة مثل قوله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى في الحديث القدسي، قال الله تعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه".

ودل أيضاً على اشتراط المتابعة آيات أيضاً وأحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" أي مردود عليه.

قال الله تعالى: {وقليل ما هم}، الواو حالية، و{قليل} خبر مقدم و{هم} مبتدأ مؤخر، يعني وهم قليل، و{ما} في قوله: {وقليل ما} زائدة لفظاً زائدة معنى لأن المقصود بها تأكيد القلة، أي قلة قليلة من المؤمنين العاملين الصالحات.

وإذا تدبرنا الواقع وجدنا الآية منطبقة تماماً عليه فإن الله تعالى يقول يوم القيامة: "يا آدم فيقول: لبيك وسعديك فيقول: أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار فيقول: يا رب وما بعث النار . قال: من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعين". هؤلاء كلهم في النار وواحد في الجنة، إذاً القلة قليلة ولا لا ؟ قلة قليلة، واحد من الألف قليل جداً، قال ابن القيم في النونية:

يا سلعة الرحمن ليس ينالها
 

 

في الألف إلا واحد لا اثنان
 

 

إذاً نقول: إن {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} من بني آدم قليلون جداً يؤكد القلة قوله: {ما} في {وقليل ما هم}.

قال المؤلف رحمه الله {ما} لتأكيد القلة، فقال: "الملكان صاعدين في صورتيهما إلى السماء، قضى الرجل على نفسه فتنبه داود"، أ.ه. قال الشيخ: الرجل يعني داود؛ لأنه حسب القصة الإسرائيلية المزعومة كان له تسع وتسعون امرأة فطلب من رجل ليس عنده إلا امرأة واحدة أن يطلق امرأته ليتزوجها داود، وفي وجه آخر للقصة أنه أمره أن يخرج في الجيش من أجل أن يقتل حتى يتزوج امرأته، وقد بينا أن هذا لا دليل عليه وأنه لا يقيم بمقام عقلاء فضلاً عن الأنبياء، وأن هذه قصة مزعومة من اليهود، فهم الذين ركبوها على داود عليه الصلاة والسلام لأن اليهود لا يعتقدون نبياً وإنما هو على زعمهم ملك.

قال تعالى: {وظن داود} أي أيقن داود {أنما فتناه} أوقعناه في فتنة أي بلية بمحبته تلك المرأة. أ.ه.

{ظن} أي أيقن وإنما نفسره باليقين لأن الأمر واضح أمر واقع من داود حسب القصة والشيء، الواقع لا يقال: إنه ظن بل يقال: إنه علم، فإن قال قائل: هل لديك شاهد على أن الظن يأتي بمعنى العلم ؟ قلت: نعم قال الله تعالى:{وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ}، فإن يظنون بمعنى يتيقنون؛ لأن الظن الذي هو الراجح لا يكون إيماناً في ملاقاة الله عز وجل، بل يجب على الإنسان أن يؤمن إيماناً يقينياً بأنه ملاقٍ ربه، والظن لا يكفي فيه، وإذا كان الظن لا يكفي فلا يمكن أن يكون مدحًا.

{وظن داود} أيقن {أنا فتناه} قال: " أوقعناه في فتنة أي بلية "، هذا ما ذهب إليه المؤلف بناءً على صحة القصة ولكن الصحيح أن المراد بالفتنة الاختبار، {فتناه} أي: اختبرناه؛ لأن الفتنة من معانيها الاختبار: قال الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[الأنبياء:35]، أي: اختباراً وابتلاءً كما قال تعالى عن سليمان: {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}[النمل:40].

إذاً {أنا فتناه} أي: اختبرناه، وعلى رأي المؤلف أي ابتليناه بمحبة تلك المرأة ولكن هذا ليس بصحيح، {ظن داود أنا فتناه} الصحيح أن المراد اختبرناه ولكن بأي شيء اختبرناه ؟ لننظر:

أولاً: داود عليه الصلاة والسلام مأمور بأن يحكم بين الناس ومن وظيفته بالحكم بين الناس فإن وظيفته عامة، واختصاصه في الوقت بدخوله المحراب وإغلاق الباب عليه هذا يخالف مقتضى وظيفته، إذ مقتضى وظيفته أن يتفرغ للناس حتى يقابل الخصوم، ويحكم بينهم هذه واحدة، ولهذا سيأتينا إن شاء الله في الفوائد أنه لا يجوز للحاكم بين الناس ولمن كان في وظيفة عامة أن يشتغل بشيءٍ خاص بنفسه.

ثانياً: أن داود عليه الصلاة والسلام سمع كلام الخصم ولم يستمع إلى كلام الخصم الآخر لأن القرآن ليس فيه أنه سمع لكلام الخصم الآخر.

ثالثاً: أنه حكم وقال: {إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}، والحكم قبل سماع جواب الخصم فيه شيء من التسرع ما دام الخصم حاضراً، لهذا قال داود عليه الصلاة والسلام أن الله تعالى ابتلاه بهذه الخصومة التي جاءت وهو يتعبد في محرابه وتسوروا عليه المحراب فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب.

قال الله تعالى: {فاستغفر ربه} يعني طلب المغفرة {استغفر ربه} أي طلبه المغفرة والمغفرة مأخوذة من المغفر وهو ما يستر به الرأس ليتقى به السهام هذا أصلها في اللغة أما شرعاً فالمغفرة هي ستر الذنب والتجاوز عنه يعني أن الله تعالى يستر على العبد فيما بينه وبين الخلق ويتجاوز عنه فيما بينه وبين العبد ومن هنا تتحقق الوقاية من الإخفاء لأنه إذا ستر على الخلق ثم عفي عنه من جانب الخالق عز وجل حصلت الوقاية بالعفو من الخالق والثاني الستر بعدم إظهار الخلق عليه . المهم أنه طلب من ربه أن يغفر له على ما جرى منه. {وخر راكعاً} أي ساجداً {خر} بمعنى نزل من أعلى إلى أسفل ومنه خرير الماء من الميزاب أو من الشلال، وقوله: {راكعاً} حال من فاعل {خر}.

ولكن المؤلف رحمه الله فسر الركوع بالسجود فقال: " أي ساجداً " وذلك لأن الركوع الذي هو الانحناء لا يمكن أن يكون فيه خرور لأن الراكع يبقى ثابتاً ولا يتصور الخرور إلا بالسجود ولكن التعبير بالركوع عن السجود من باب التعبير بالمعنى العام على المعنى الخاص؛ لأن أصل الركوع في اللغة العربية هو الذل كما قال الشاعر:

لا تهين الفقير علك أن
 

 

تركع يوماً والدهر قد رفعه
 

 

 

يعني أن تذل والدهر قد رفعه، أي قد رفع هذا الفقير، إذاً فالذي عين أن يكون الركوع هنا بمعنى السجود هو قوله: {خر} ولكنه عبر بالركوع عن السجود لإظهار أن هذا الركوع ركوع ذل لله عز وجل.

ثم قال: {و أناب} أي: رجع إلى الله، والإنابة الرجوع مع الخشية فهو رجع إلى الله مع خشية الله سبحانه وتعالى.

قال الله تعالى: {فغفرنا له ذلك} {غفرنا} أي سترنا وتجاوزنا {له} أي لداود، واللام في {له}، يحتمل أن تكون للتعدية أو أن تكون للتعليل لكنها للتعدية أولى وفي كونها للتعليل تأمل أي أننا غفرنا لداود ذلك الذي وقع منه، وهي الفتنة التي افتتن بها ولم يتخذ الإجراء اللازم في الحكم قال: {فغفرنا له ذلك}.

{وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} مع المغفرة أضاف الله هذه المنقبة.

{وإن له}، أي: لداود {عندنا}. {لزلفى} قال المؤلف رحمه الله تعالى: أي زيادة خير في الدنيا، ويحتمل أن المراد بالزلفى زيادة القرب، كما قال الله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} أي قربت فالزلفى تفسيرها بزيادة الخير في شيء من النظر والصواب أن المراد بالزلفى القربى.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: {حسن مآب} أي: مرجع في الآخرة هذا هو زيادة الخير. فصارت النتيجة بعد ما وقع من داود ما وقع ثم رجع إلى الله واستغفره أن الله سبحانه وتعالى رفع عنه آثار هذا الذنب فغفر له وزاده على ذلك زيادتين عظيمتين هامتين:

  • إحداهما: القرب من الله .
  • والثانية: حسن المآب .

الفوائد:

أولاً: أن هذه القصة عجيبة، وأنها مثار للعجب، ولهذا شوّق الله إليها بقوله: {وهل أتاك نبأ الخصم}.

ثانيًا: ومن فوائدها بلاغة القرآن حيث يأتي بمثل هذه الصيغ في الأشياء التي ينبغي للإنسان أن يتشوق إليها ويهتم بها.

ثالثًا: ومن فوائدها أن أن الخصم يطلق على الواحد والمتعدي اعتبارا بالمعنى، فإن الجماعة إذا كانت دعواهم واحدة صاروا كأنهم رجل واحد.

ومن فوائدها أن من أتى البيوت من غير أبوابها، فإن فعله سبب للخوف والفزع، لقوله: {إذ تسوروا المحراب}.

ومن فوائدها أن داوود عليه السلام كان قد أغلق الباب، أو جعل عليه حاجبًا يمنع الناس من الدخول عليه.

ومن فوائدها أن الحكم بين الناس أفضل من العبادات الخاصة، لأن نفعه متعد والعبادات الخاصة نفعها قاصر.

الشيخ: هذا هو الأصل أن العبادات المتعدية النفع تقدم على العبادات القاصرة، هذه نقطة [24:58]، الأمر بالمعروف والدعوة إلى الله، وأشهه، لأن هذا النفع متعدي.

ومن فوائدها أن الحكم بين الناس أفضل من العبادات الخاصة، لأن نفعه متعد والعبادات الخاصة نفعها قاصر.

الشيخ: ويستثنى من هذا [25:15]، وهذا هو الأصل.

ومن فوائدها أن الأنبياء يلحقهم من الطبائع البشرية ما يلحق غيرهم لقوله: {فَفَزِعَ مِنْهُمْ}، أي: حيث لحقه الفزع كما يلحق سائر الناس.

الشيخ: يلحقهم جميع، يلحقهم الجوع والخوف والحر والبرد والمرض، من قوله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾[آل عمران:144]، وما يلحقهم من ذلك ليعلم الناس أن الأنبياء ليسوا أله يعبدون، ولكنهم أنبياء يطاعون ولا يعصون، ولا يعبدون، فالعبادة حق الله.

ومن فوائدها أنه ينبغي إن لم يكن يجب أن يطمّئن المفزِع من فزع منه بنفي سبب الفزع قبل كل شيء، حيث قالوا: {لا تَخَفْ}، ثم ذكروا القصة ولم يبدأوا بالقصة مباشرة

ومن فوائدها بيان أن هذين الخصمين قد اعتدى بعضهم على بعض، وليست المسألة كلامية أو ليس فيها عدوان، بل فيها عدوان اعتدى بعضهم على بعض بما ذكروا من السبب.

ومن فوائدها أن هذين الخصمين أساءا الأدب مع داوود عليه السلام من بعض الوجوه، حيث قالا: {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ}، ووجه الإساءة أنهم ما جاءا إلى الحكم إلا وهما يعتقدان أنه سيحكم بينهم بالحق، فإذا قالا: {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ}، فإن هذا قد يُولّد تهمة من أنه لن يحكم بالحق.

الشيخ: [27:16] الشيخ عبد الرحمن السعدي قد تلافى مثل هذا، تلافى بعض الذي استنبطه الشيخ محمد بن عثيمين.

ومن الفوائد أن الحكم يحتاج غلى إلزام، لقولهم: {واهدنا إلى سواء الصراط}، فإن هذا أمر زائد على الحكم؛ لأن الحكم أن يفصل بينهم، والهداية أن يدلهم على ذلك من أجل إلزامهم به.

ومن فوائدها أن كل البشر يطلب الصراط السوي الذي ليس فيه ميل ولا إجحاف لقولهم: {واهدنا إلى سواء الصراط}.

ومن فوائد هذه القصة، لباقة هذين الخصمين حيث لم تثر هذه الخصومة ضغينتهما لقوله: {إن هذا أخي}، مع أنه قال في الأول {بغى بعضنا على بعض} لكن هذا البغي لم تُفقد به الأخوة، لقوله: {إن هذا أخي}.

الشيخ: [28:20] الشيخ عبد الرحمن السعدي

ومن الفوائد لهذه القصة أن هذه الخصومة غريبة، فإن أحدهما له 99 نعجة، والآخر نعجة واحدة ومع هذا طمع الأول بالثاني، وكان الذي يتبادر في الذهن أن يضيف الأول صاحب النعاج الكثيرة إلى الثاني ما تيسر.

ومن فوائد الآية الكريمة، أن بعض الخصوم قد يكون أقوى في المخاصمة من الآخر حتى يغلبه لقوله {وعزّني في الخطاب}، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحو مما أسمع، فمن قطعت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه، فإنما أقطع له به قطعةً من النار".

ومن الفوائد أنه ينبغي أن يكون الإنسان قوي الحجة والبيان حتى تحصل له الغلبة على صاحبه، هذا إذا كان بحق، أما إذا كان بغير حق فالواجب عليه أن يخرس لينطق غيره بالحق.

ومن الفوائد في القصة أن داوود عليه السلام حكم بينهما دون أن يسمع دفاع الخصم الآخر، لقوله: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ}، ولعل عذره أنه أراد السرعة في إنهاء القضية ليتفرغ لما احتجب له عن الناس من عبادة الله تعالى، وخاف أن يدلي هذا بشيء وهذا بشيء فيطول النزاع والخصام فبادر بالحكم.

ومن فوائد القصة أن أكثر الشركاء يحصل من أحدهم بغي على الآخر، {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، وهذا من الغريب أن يكون الإنسان كلما قرب إلى الشخص توقع منه البغي أكثر مما لو كان بعيدًا؛ لأن البعيد ليس بينه وبينه صلة، لكن الذي بينه وبينه صلة وهو الشريك هو الذي ربما يجحده أو ينكره أو يفعل شيئًا لم يأذن به، أم ما شابه ذلك.

ومن الفوائد في القصة أنه ليس جميع الخلطاء يحصل منهم البغي لقوله: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ}.

ومن فوائد القصة أنه كلما كان الإنسان أقوى إيمانًا وأكثر عملًا من الصالحات كان أبعد عن الظلم والبغي.

ومن فوائدها أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يحصل منهم البغي، ذلك هو إيمانهم بالله وبالحساب وعملهم الصالح الذي يكون درعًا بينهم وبين البغي والعدوان، ووجهه أن استثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنما كان من أجل إيمانهم وعملهم للصالحات، والحكم إذا علق بوصفٍ ازداد قوةً بقوة ذلك الوصف، وهذه قاعدة، ووجهه أن استثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنما كان من أجل إيمانهم وعملهم للصالحات، والحكم إذا علق بوصفٍ ازداد قوةً بقوة ذلك الوصف، وهذه قاعدة.

ومن الفوائد أن العمل لا ينفع إلا إذا بُني على الإيمان وكان صالحًا، فعملٌ بلا إيمان لا يقبل كما قال تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ﴾[التوبة:54]، وكذلك لو كان هناك إيمان، لكن لم يكن العمل صالحًا لفقد الإخلاص أو الاتباع فيه، فإنه لا ينفع.

ومن فوائد هذه القصة أن الجمع بين هذين الوصفين الإيمان والعمل الصالح قليل، لقوله: {وقليل ما هم}.

ومن فوائدها أن الحاكم لا يحكم حتى يستوعب حجج الخصمين، لقوله: ﴿وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ﴾[ص:24].

ومن فوائدها أن الحاكم الذي نصّب نفسه ليكون حاكما بين العباد لا يحل له أن يختفي عنهم في وقت التحاكم.

ومن فوائدها أن الاشتغال بما مصلحته عامة أفضل من الاشتغال بما مصلحته خاصة.

ومن الفوائد أن الأنبياء قد يُفتنون ويُختبرون، لقوله تعالى: ﴿وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ﴾[ص:24]، ولكن الفتنة التي يفتن بها الأنبياء لا يمكن أن تعود إلى إبطال مقومات الرسالة والنبوة، كالفتنة التي تعود إلى الكذب أو الشرك أو الأخلاق الرديئة، وما أشبهها، هذا لا يمكن أن تقع من الأنبياء

ومن فوائد القصة أن كل شخص محتاج إلى الله تعالى ومفتقر إليه، لقوله: ﴿فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ﴾[ص:24].

ومن فوائد هذه القصة أن الاستغفار سبب لمحو ما حصل من الذنوب؛ لأن الفاء في قوله: ﴿فَاسْتَغْفَرَ ﴾، مبنية على قوله: ﴿وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ﴾.

ومن فوائد القصة أن السجود خضوعا لله من سنن الأنبياء، لقوله: ﴿وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾[ص:24]، وهل يشرع لمن أذنب أن يفعل كما فعل داود،  أو أن يصلي ركعتين تامتين،  الجواب: المشروع إذا اذنب الإنسان أن يتوضأ ويسبغ الوضوء ويصلي ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، فمن فعل ذلك فإنه ليُغفر له ما تقدم ذنبه.

طالب آخر: من صلى ركعتين.

الشيخ::من صلي ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بشيء غفر الله له ما تقدم من ذنبه".

طالب آخر: [35:35] (صوت غير مسموع).

الشيخ: هل يشرع للتوبة؟ قال بعضهم، جاء في حديث لكن فيه كلام، توضأ وصلى، ودعا...

من فوائد هذه القصة إجابة الله سبحانه لدعاء من دعاه، لقوله: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ}، وهذا يستلزم عدة صفات منها العلم والسمع والبصر، يأخذ ذلك من قوله ذلك؛ لأن الذي حصل من داود قول يسمع وفعل يرى، فالقول الذي يسمع قوله: فَاسْتَغْفَرَ ﴾، والفعل الذي يرى قوله: ﴿وَخَرَّ رَاكِعًا ﴾، فلما قال: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ}، علم أن الله قد سمع ما قال ورأى ما فعل، وتستلزم هذه الصفة، {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ}، من الصفات إضافة إلى العلم والسمع والبصر القدرة؛ لأن المغفرة لا تقع إلا من قادر على الغفران، وتستلزم كذلك كرم الله عز وجل ولطفه بعباده، حيث يغفر لكل من استغفر مهما عظم ذنبه، كما قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾[الزمر:53].

الشيخ: [38:07].

 

 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد