شعار الموقع

شرح كتاب المناسك من صحيح ابن خزيمة_39

00:00
00:00
تحميل
59

فقال الإمام ابن خُزيمة -رحمه الله تعالى- في صحيحه:

قارئ المتن: بَابُ إِبَاحَةِ الْعُمْرَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

حدثنا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، أَخْبَرَهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَ: وَكَانَ النَّاسُ يَحْلِقُونَ فِي الْحَجِّ، ثُمَّ يَعْتَمِرُونَ عِنْدَ النَّفَرِ، فَيَقُولُ: مَا يَحْلِقُ هَذَا، فَنَقُولُ لِأَحَدِهِمْ أَمِرَّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِكَ.

الشيخ: تخريجه.

القارئ: قال: "صحيح، أخرجه الحاكم من طريق عيسى بن يُونس به، وسبق تخريجه".

الشيخ: هنا الأعظمي قال: "إسناده صحيح على شرط مسلم، قد أخرجه هو والبخاري وأحمد وغيره من طرقٍ أخرى عن مُوسى بن عقبة؛ دون قوله: (وَكَانَ النَّاسُ)، وهو مُخرجٌ في الإرواء، وصحيح أبي داوود، قال: (حدثنا محمد بن بكر، قال: حدثنا محمد بن جُريج)، دون الزيادة، وأخرجه البخاري في المغازي في حجة الوداع، وأحمد"، قال: "ولذلك فإني أخشى أن تكون هذه الزيادة مُدرجة في الحديث، والقائل: (وَكَانَ النَّاسُ) إنما هو ابن جُريج، فهي مُعضَلة، والله أعلم"، ما تكلم عليه؟ قوله: (وَكَانَ النَّاسُ يَحْلِقُونَ فِي الْحَج).

مداخلة: ما تكلم عليها؟

الشيخ: حدثنا ماذا؟

قارئ المتن: حدثنا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، أَخْبَرَهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَ: وَكَانَ النَّاسُ يَحْلِقُونَ فِي الْحَجِّ، ثُمَّ يَعْتَمِرُونَ عِنْدَ النَّفَرِ، فَيَقُولُ: مَا يَحْلِقُ هَذَا، فَنَقُولُ لِأَحَدِهِمْ أَمِرَّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِكَ.

الشيخ: ما معنى الكلام هذا؟ يقول: (مَا يَحْلِقُ هَذَا

مداخلة: لم ينبت.

شرح الشيخ: (وَكَانَ النَّاسُ يَحْلِقُونَ فِي الْحَجِّ، ثُمَّ يَعْتَمِرُونَ عِنْدَ النَّفَرِ، فَيَقُولُ: مَا يَحْلِقُ هَذَا)؛ يعني ليس عنده شعر، (فَنَقُولُ لِأَحَدِهِمْ أَمِرَّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِكَ).

سؤال: لكن هل هذه فُتيا، يعني رأسه أصلع، يقول: أمِرَّ المُوسَى؟

الشيخ: نعم، بعض العلماء يقول: أَمِرَّ الْمُوسَى، وبعضهم يقول: لا حاجة له، لكن هل هذه الزيادة هذه ثابتة؟ هذه الزيادة فيها نظر، (وَكَانَ النَّاسُ يَحْلِقُونَ فِي الْحَجِّ، ثُمَّ يَعْتَمِرُونَ عِنْدَ النَّفَرِ).

الشاهد: (ثُمَّ يَعْتَمِرُونَ عِنْدَ النَّفَرِ) ففيه إباحة العُمرة في ذي الحجة بعد مُضي أيام التشريق، هذه هي الترجمة، وهذه الزيادة فيها إثبات نظر، الشيخ ناصر شكك في ثبوتها.

(وَكَانَ النَّاسُ يَحْلِقُونَ فِي الْحَجِّ، ثُمَّ يَعْتَمِرُونَ عِنْدَ النَّفَرِ) يعني بعد ما يأتي بالحج يعتمرون، وهذا هو الشاهد من الترجمة، يعني إباحة العمرة في ذي الحجة بعد مُضي أيام التشريق.

(فَيَقُولُ: مَا يَحْلِقُ هَذَا، فَنَقُولُ لِأَحَدِهِمْ: أَمِرَّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِكَ)؛ يعني ما مضى مُدة، حلق رأسه في الحج، وبعد يومين أو ثلاثة اعتمر، رأسه ما فيه شعر، يقول: (أَمِرَّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِكَ)، لكن هذه الزيادة فيها إشكال، وهي الشاهد من الترجمة، (وَكَانَ النَّاسُ يَحْلِقُونَ فِي الْحَجِّ، ثُمَّ يَعْتَمِرُونَ عِنْدَ النَّفَرِ).

ماذا قال عندك في التخريج؟

مداخلة: يقول: "صحيح: أخرجه الحاكم من طريق عيسى بن يُونس به، سبق تخريجه، وقال في السابق: أخرجه البخاري ومسلم".

الشيخ: هذا في قوله: (حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ)، هذا الثابت، لكن قوله: (وَكَانَ النَّاسُ يَحْلِقُونَ فِي الْحَجِّ) هذا فيه الإشكال، أخرجه البخاري أن الذي حرق رأسه في الحج هذا ثابت ما فيه إشكال.

الإشكال في قوله: (وَكَانَ النَّاسُ يَحْلِقُونَ فِي الْحَجِّ، ثُمَّ يَعْتَمِرُونَ عِنْدَ النَّفَرِ)، هذا هو الشاهد: (بَابُ إِبَاحَةِ الْعُمْرَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ).

لكن لو لم تصح هذه فالعمرة ...

مداخلة: في البخاري بدون زيادة.

مداخلة: [00:04:41]

الشيخ: نعم، وهذا هو الذي أشر إليه، يقول: أنه ما ثبتت هذه الزيادة، يقول: أخشى أن هذه الزيادة مُدرجة في الحديث، قوله: (وَكَانَ النَّاسُ يَحْلِقُونَ فِي الْحَجِّ، ثُمَّ يَعْتَمِرُونَ عِنْدَ النَّفَرِ)، ولكن ولو كانت مُدرجة فالعمرة جائزة بعدما انتهى الحج، في جميع أوقات العمرة، العمرة في جميع الأوقات ليس لها حد مُحدد، لكن بعض العلماء قال: لا يُعتمر في أيام الحج، أيام الحج ما فيها عمرة، أيام التشريق.

قال بعضهم: لا بأس أيضًا أن تعتمر حتى في أيام التشريق، أيام التشريق، ويوم عرفة ويوم العيد ما فيه عمرة، كلها أيام الحج، فإذا انتهت أيام الحج يعتمِر، بعد أيام الحج ما فيه إشكال، حتى لو كان هذه الزيادة مُدرجة، فالعمرة بعد الانتهاء من الحج ما في إشكال، في كل وقت، العمرة ليس لها حد مُحدد، جميع الأوقات، في جميع الأوقات، في يوم عرفة يستطيع أن يعتمر ويذهب إلى عرفة للوقوف.

مداخلة: في الترجمة ذكر بعد مضي أيام التشريق بعد ما ينتهي الحج.

الشيخ: إي نعم، بعدما ينتهي الحج، بعد مُضي أيام التشريق، حتى في أيام التشريق يوم النفر الأول إذا انتهى لا مانع، إذا رمى الجمار يوم الثاني عشر وباقي يوم من أيام التشريق.

قارئ المتن: بَابُ الْعُمْرَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنَ التَّنْعِيمِ لِمَنْ قَدْ حَجَّ ذَلِكَ الْعَامَ ضِدَّ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعُمْرَةَ غَيْرُ جَائِزَةٍ إِلَّا مِنَ الْمَوَاقِيتِ الَّتِي وَقَّتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ ذَكَرَ الْمَوَاقِيتَ، فَقَالَ: يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، الْأَخْبَارَ بِتَمَامِهَا.

قال: حدثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَخْبَرَنَا أَشْهَبُ أَنَّ اللَّيْثَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْمَرَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- مِنَ التَّنْعِيمِ فِي ذِي الْحِجَّةِ.

قال: حدثنا يُونُسُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ، أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ، أَخْبَرَهُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْمَرَ عَائِشَةَ مِنَ التَّنْعِيمِ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ.

شرح الشيخ: والحديث أخرجه مسلم من طريق قُتيبة عن الليث، وليلة الحصبة: ليلة الرابع عشر، وسُميت الحصبة لأنه نزل في المُحصَّب؛ وهو الوادي الذي فيه الحصباء، واعتمر منه.

والشاهد في الحديث الأول: (مِنَ التَّنْعِيمِ)؛ أنه لا بأس أن يعتمر من التنعيم، ولا يُشترط أن يذهب إلى المواقيت، وإنما يخرج إلى الحِل؛ التنعيم أو جعرانة، أو من جهة الحُديبة -الشميسي-، من أي مكان خارج، أو من عرفة، خارج حدود الحرم، ولكن أقرب شيء إلى الحِل إلى الحرم هو: التنعيم، أقربها التنعيم، ولذلك التنعيم في وسط مكة الآن، فلذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر عائشة أن تعتمر من التنعيم؛ لأنه أرفق بها وأيسر وأقرب.

ذكر من منع العمرة إلا من المواقيت؟

مداخلة: ما ذكر.

الشيخ: انظر كلامه في المُغني؛ (ضِدَّ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعُمْرَةَ غَيْرُ جَائِزَةٍ إِلَّا مِنَ الْمَوَاقِيتِ)، كأن المؤلف يرد على من قال إن العمرة لا تكون إلا من المواقيت، وإنما بعض العلماء يقول: لا يعتمر إلا من المواقيت التي وقتها الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ليس له أن يعتمر من التنعيم، فهنا المؤلف يقصد الرد عليهم، قال الرد: أن النبي أَعْمَر عائشة من التنعيم.

ولذلك تأتي الترجمة التي بعدها أن العمرة من المواقيت أفضل، وتجوز من أي مكان من الحِل، وهي من التنعيم أفضل لأنها أكثر عمل، وأكثر مشقة، وأكثر نفقة، ولأنها أيضًا ليس فيها خلاف؛ فتكون أفضل، والأجر على قدر التعب، وعلى قدر النَّصَب.

من منعه من أهل الظاهرية أو غيرهم؟

مداخلة: [00:10:15] الحديث أنه ذُكر المواقيت وقال: "يهل أهل المدينة من ذِي الحُليفة".

قارئ المتن: بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ مِنَ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ مِنْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ إِذْ هِيَ أَكْثَرُ نَصَبًا وَأَفْضَلُ نَفَقَةً، وَمَا كَانَ أَكْثَرُ نَصَبًا وَأَفْضَلُ نَفَقَةً فَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ وَالنَّفَقَةِ.

الشيخ: والنَّصب التعب يعني.

قارئ المتن: حدثنا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَالْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَا: ثنا حُسَيْنٌ قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حدثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَالْقَاسِمِ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وحدثنا الدَّوْرَقِيُّ، ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفِي حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: «انْتَظِرِي فَإِذَا طَهُرْتِ، فَاخْرُجِي إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهِلِّي مِنْهُ، ثُمَّ الْقِينَا بِجَبَلِ كَذَا وَكَذَا».

الشيخ: (القينا) بالياء؟

مداخلة: نعم، عندي بالياء.

الشيخ: نعم، وهو الصواب، (القينا) خطاب لعائشة، (ثم القينا).

قارئ المتن: ثُمَّ الْقِنَا بِجَبَلِ كَذَا وَكَذَا»، أَظُنُّهُ قَالَ: كُدًى، «وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ أَوْ قَدْرِ نَفَقَتِكِ» أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

هذا الشاهد، قوله: (وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ)، يعني العمرة على قدر نصبك، أو قدر نفقتك.

قارئ المتن: وَفِي خَبَرِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ وَلَكِنَّهُ عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ وَنَصَبِكِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

الشيخ: تخريجه.

مداخلة: قال: "صحيح، أخرجه أحمد والبخاري ومسلم".

شرح الشيخ: لكن ليس فيه تصريح بأن العمرة تكون من الميقات وأنها أفضل، إنما فيه حُكمٌ عام، قوله: (وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ)، وعلى قدر التعب، وليس فيه أنه قال لها: أن العمرة من التنعيم من الميقات أفضل.

قالت عائشة: (أَيَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: «انْتَظِرِي فَإِذَا طَهُرْتِ، فَاخْرُجِي إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهِلِّي مِنْهُ»)، ما قال لها: إن من الميقات أفضل، قال: «ثُمَّ الْقِنَا بِجَبَلِ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ أَوْ قَدْرِ نَفَقَتِكِ»، كلام عام، لكن ليس فيه تصريح بأن الإحرام من الميقات أفضل، ما تكلم، استنباط من المؤلف.

قارئ المتن: بَابُ إِسْقَاطِ الْهَدْيِ عَنِ الْمُعْتَمِرِ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَإِنْ كَانَ قَدْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ.

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا يَحْيَى، ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي، أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ-رضي الله عنها- قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ فَلْيُهِلَّ، فَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ»، فَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ، فَحِضْتُ قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ مَكَّةَ، فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «دَعِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ»، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَرْدَفَهَا فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِهَا، فَقَضَى اللَّهُ حَجَّتَهَا وَعُمْرَتَهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ، وَلَا صِيَامٌ وَلَا صَدَقَةٌ.

شرح الشيخ: هذا الشاهد، الشاهد: أنه ليس فيه هدي ولا صيام ولا صدقة، إسقاط الهدي عن المعتمر بعد مُضي أيام التشريق، إذا اعتمر قبل الحج صار عليه هدي، فإن لم يجد فصيام، وإذا اعتمر بعد الحج ولم يعتمر قبل الحج فليس عليه شيء، يكون مُفردًا بالحج وليس عليه هدي ولا صيام ولا صدقة.

قارئ المتن: بَابُ إِسْقَاطِ الْهَدْيِ عَنِ الْمُعْتَمِرِ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَإِنْ كَانَ قَدْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ.

شرح الشيخ: فإذا اعتمر بعد أيام التشريق وحجَّ من عامه فليس عليه هدي، وإذا قَدَّم العمرة قبل الحج صار متمتعًا وعليه الهدي.

قارئ المتن: قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ فَلْيُهِلَّ، فَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ»، فَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ، فَحِضْتُ قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ مَكَّةَ، فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «دَعِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ»، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ.

شرح الشيخ: وهي ليلة الرابع عشر من ذي الحجة، ليلة الحصبة.

قارئ المتن: فَأَرْدَفَهَا فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِهَا، فَقَضَى اللَّهُ حَجَّتَهَا وَعُمْرَتَهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ، وَلَا صِيَامٌ وَلَا صَدَقَةٌ.

شرح الشيخ: يعني عُمرتها التي بعد الحج ما لزم لها الصيام ولا الصدقة، لكن العمرة التي قبل الحج لزمها، النبي -صلى الله عليه وسلم- نسائه دُخِلَ عليهن بلحم البقر، فسألن؟ فقيل: ضَحَّى الرسول -عليه الصلاة والسلام- بالبقر، فقبل الحج أهدت من البقر، وبعد الحج لما اعتمرت العمرة الثانية ما فيها شيء.

قارئ المتن: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ كُنْتُ بَيَّنْتُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي كُنْتُ أَمْلَيْتُهَا فِي التَّأْلِيفِ بَيْنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- إِنَّمَا تَرَكَتِ الْعَمَلَ لِعُمْرَتِهَا الَّتِي لَمْ يُمْكِنْهَا الطَّوَافُ لَهَا بِالْبَيْتِ لِعِلَّةِ الْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا لَا أَنَّهَا رَفَضَتْ تِلْكَ الْعُمْرَةَ.

شرح الشيخ: يعني ما تركت العمرة، وإنما قوله: (ارفضي عُمْرَتَكِ) يعني ارفضي العمل لها، اتركي العمل لها، فهي تدخل مع الحج، دخلت في الحج، دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، ليس لها عملٌ خاص العمرة، فعائشة إنما تركت العمل لعمرتها التي يُمكن الطواف لها بالبيت، لا أنها رفضت تلك العمرة، ما رفضتها، خاصة أن لها عمرتان، عمرة قبل الحج، وعمرة بعد الحج، لكن العمرة التي قبل الحج رفضت العمل لها استقلالًا؛ لكونها حاضت، فأدخلت الحج على العمرة، فدخلت أعمال العمرة في أعمال الحج، فصار لها طوافٌ واحد بسبب الحيض.

وليس المراد قوله: (ارفضي عُمْرَتَكِ) يعني اتركي العمرة وليس لك عمرة؛ لا، بل قوله: (ارفضي عمرتك) يعني العمل المستقل لها، لو لم تحِض صار لها عملٌ مستقل، طافت وسعت وقصرت وأحلت؛ فلما حاضت أدخلت الحج على العمرة، ورفضت العمل للعمرة، واكتفت بعمل الحج الذي هو: الطواف والسعي، فتداخلا، وهذا معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ارفضي عمرتك)، أي ارفضي العمل لها، ولهذا قال: (أَنَّ عَائِشَةَ إِنَّمَا تَرَكَتِ الْعَمَلَ) ...

قارئ المتن: أَنَّ عَائِشَةَ إِنَّمَا تَرَكَتِ الْعَمَلَ لِعُمْرَتِهَا الَّتِي لَمْ يُمْكِنْهَا الطَّوَافُ لَهَا بِالْبَيْتِ لِعِلَّةِ الْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا لَا أَنَّهَا رَفَضَتْ تِلْكَ الْعُمْرَةَ.

الشيخ: نعم، واضح هذا الأمر.

قارئ المتن: وَبَيَّنْتُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَنَّ فِيَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا: "طَوَافُكِ يَكْفِيكِ بِحَجَّتِكِ وَعُمْرَتِكِ" دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَرْفُضْ عُمْرَتَهَا، وَإِنَّمَا تَرَكَتِ الْعَمَلَ لَهَا إِذْ كَانَتْ حَائِضًا، وَلَمْ يُمْكِنْهَا الطَّوَافَ لَهَا.

وَبَيَّنْتُ أَنَّ قَوْلَه: "وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ، وَلَا صَدَقَةٌ، وَلَا صِيَامٌ"؛ أَنَّهَا أَرَادَتْ: لَمْ يَكُنْ فِي عُمْرَتِي الَّتِي اعْتَمَرْتُهَا بَعْدَ الْحَجِّ هَدْيٌ، وَلَا صَدَقَةٌ، وَلَا صِيَامٌ.

الشيخ: أنها أرادت، فيه خطأ في المطبعي، المكتوب: إرادات، أنها أرادت.

قارئ المتن: أَنَّهَا أَرَادَتْ: لَمْ يَكُنْ فِي عُمْرَتِي الَّتِي اعْتَمَرْتُهَا بَعْدَ الْحَجِّ هَدْيٌ، وَلَا صَدَقَةٌ، وَلَا صِيَامٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَحَرَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ قَبْلَ أَنْ تَعْتَمِرَ عَائِشَةُ هَذِهِ الْعُمْرَةَ مِنَ التَّنْعِيمِ.

شرح الشيخ: قال: (نَحَرَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ) لأنهن متمتعات، فإذن عائشة أهدَت قبل الحج، لكن بعد الحج ما فيه شيء.

قارئ المتن: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهَا: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ أُدْخِلَ عَلَيْنَا بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْنَا مَا هَذَا، فَقِيلَ نَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ، فَقَدْ خَبَّرَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي حَجِّهَا هَدْيٌ قَبْلَ أَنْ تَعْتَمِرَ مِنَ التَّنْعِيمِ.

وَفِي خَبَرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ فِي آخِرِ الْخَبَرِ قَالَ: تَعْنِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اخْرُجِي مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَتِكِ»، فَفَعَلْتُ، ثُمَّ لَمْ أَهْدِ شَيْئًا.

قال: حدثناه مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ تَمَامٍ قال: حدثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي مَيْمُونُ بْنُ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عُرْوَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، فَذَكَرَ قِصَّةً طَوِيلَةً، وَذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ الَّذِي ذَكَرْتُ فِي آخِرِ الْخَبَرِ قَالَ: وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا حَدَّثَتْهُمْ عَنْ عُمْرَتِهِمْ بَعْدَ الْحَجِّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: حِضْتُ فَاعْتَمَرْتُ بَعْدَ الْحَجِّ، ثُمَّ لَمْ أَصُمْ، وَلَمْ أُهْدِي.

شرح الشيخ: سند طويل هذا، أم في تحويل؟ قال: (حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ تَمَامٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي مَيْمُونُ بْنُ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ)، وفي سند آخر يقول: (سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عُرْوَةَ) وذكر هذا الكلام الذي قال.

(وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُمْ عَنْ عُمْرَتِهِمْ بَعْدَ الْحَجِّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَتْ: حِضْتُ فَاعْتَمَرْتُ بَعْدَ الْحَجِّ، ثُمَّ لَمْ أَصُمْ، وَلَمْ أُهْدِي) هذا هو الشاهد، (ثُمَّ لَمْ أَصُمْ، وَلَمْ أُهْدِي)؛ يعني العمرة بعد الحج ما فيها صيام ولا هدي.

مداخلة: [00:24:12]

قارئ المتن: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَهَذَا الْخَبَرُ يُبَيِّنُ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنَّهَا لَمْ تَصُمْ، وَلَمْ تَهْدِ بَعْدَ تِلْكَ الْعُمْرَةِ الَّتِي اعْتَمَرَتْ مِنَ التَّنْعِيمِ لَا قَبْلَهَا.

شرح الشيخ: فإن العمرة التي قبلها أهدَت.

قارئ المتن: بَابُ إِبَاحَةِ الْحَجِّ عَمَّنْ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ مِنَ الْكِبَرِ، وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَّى نَبِيَّهُ بَيَانَ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنَ الْوَحْيِ خَاصًّا وَعَامًّا، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾[النجم: 39] جَمِيعَ الْأَعْمَالِ، وَأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَرَادَ بَعْضَ السَّعْيِ لَا جَمِيعَهُ، إِذْ لَوْ كَانَ اللَّهُ أَرَادَ جَمِيعَ السَّعْيِ لَمْ يَكُنِ الْحَجُّ إِلَّا لِمَنْ حَجَّ بِنَفْسِهِ، لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُ الْحَجِّ عَنِ الْمَرْءِ إِذَا حُجَّ عَنْهُ، وَلَمْ يُكْتَبْ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ سَعْيُ غَيْرِهِ إِذا لَمْ يَسْعَ هُوَ بِنَفْسِهِ سَعْيَ الْعَمَلِ.

حدثنا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلَيْهِ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَحُجِّي عَنْهُ».

شرح الشيخ: وهذا في الصحيحين الحديث، قصة المرأة في إباحة الحج عمن لا يستطيع الحج بنفسه من الكِبَر، هذا ما فيه إشكال، لكن أيضًا بحث الدليل مبحثًا آخر أضافه للترجمة، قال: (وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَّى نَبِيَّهُ بَيَانَ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنَ الْوَحْيِ خَاصًّا وَعَامًّا، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾[النجم: 39] جَمِيعَ الْأَعْمَالِ، وَأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَرَادَ بَعْضَ السَّعْيِ لَا جَمِيعَهُ، إِذْ لَوْ كَانَ اللَّهُ أَرَادَ جَمِيعَ السَّعْيِ لَمْ يَكُنِ الْحَجُّ إِلَّا لِمَنْ حَجَّ بِنَفْسِهِ، لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُ الْحَجِّ عَنِ الْمَرْءِ إِذَا حُجَّ عَنْهُ، وَلَمْ يُكْتَبْ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ سَعْيُ غَيْرِهِ إِذا لَمْ يَسْعَ هُوَ بِنَفْسِهِ سَعْيَ الْعَمَلِ).

﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾[النجم: 39]؛ هذا احتج به أهل المعتزلة، احتجوا به على أنه لا يجوز إهداء الثواب، وأنه ليس للإنسان أن يُهدي الثواب، وأنه لا صحة لإهداء الثواب للغير.

رد عليهم العلماء بالأدلة التي دلت على أن الإنسان إذا أهدى الثواب لغيره يستفيد، ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾[النجم: 39]؛ هو له سعيه، لكن إذا أهداه لغيره لا بأس، إذا تصدق عن غيره؛ حج عن غيره، هو سعيه له، لكن إذا أهداه لغيره لا مانع، يصل إلى الغير.

وجوابٌ آخر أيضًا وهو: أنه تَسبَّبْ، من أُهدِيَ له هو المتسبب، هو الذي تسبب لأنه في معاملته للناس، وفي حُسن خُلقه، وفي إحسانه؛ أحسن إليهم، فأهدوا إليه ثواب الأعمال، فهذا من سعيه.

لكن المؤلف هنا قال في جواب آخر: الآية ليست على عمومها، وأن ليس للإنسان إلا سعيه، قال: لا، ليس للإنسان إلا بعض سعيه، وبعض سعيه قد يكون له، ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾[النجم: 39]؛ ليس للإنسان إلا سعيه، قال: ليس للإنسان إلا بعض سعيه لا جميعه، لماذا؟

قال: لأنها جاءت نصوص تدل على الحج عن الغير كما في قصة الخثعمية، فالخثعمية حجت عن أبيها، وهو سعيها، ومع ذلك صار لأبيها، فهو مُخصص لعموم الآية، ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾[النجم: 39]؛ لو كان الإنسان ليس له إلا سعيه لما صحَّ حج الخثعمية عن أبيها، وكان ثواب الحج لأبيها.

أعد: والدليل ...

قارئ المتن: وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَّى نَبِيَّهُ بَيَانَ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنَ الْوَحْيِ خَاصًّا وَعَامًّا، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾[النجم: 39] جَمِيعَ الْأَعْمَالِ، وَأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَرَادَ بَعْضَ السَّعْيِ لَا جَمِيعَهُ، إِذْ لَوْ كَانَ اللَّهُ أَرَادَ جَمِيعَ السَّعْيِ لَمْ يَكُنِ الْحَجُّ إِلَّا لِمَنْ حَجَّ بِنَفْسِهِ، لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُ الْحَجِّ عَنِ الْمَرْءِ إِذَا حُجَّ عَنْهُ، وَلَمْ يُكْتَبْ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ سَعْيُ غَيْرِهِ إِذْ لَمْ يَسْعَ هُوَ بِنَفْسِهِ سَعْيَ الْعَمَلِ.

الشيخ: واضح هذا.

قارئ المتن: حدثنا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلَيْهِ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَحُجِّي عَنْهُ».

شرح الشيخ: فهذه حجت، فصار سعيها لغيرها، فهو مُستثنى من الآية، دل على أن ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾[النجم: 39] ليست عامة، وإنما مخصوصة.

سؤال: لو حجت عن أبيها ولسه ما حجيت حجة الإسلام، هل يتم الحج لأبوها أو لا؟

الشيخ: لا، يكون لها، لا بد تحج، لا بد أن تحج حجة الإسلام، الذي لم يحج حجة الإسلام لا يحج عن غيره، النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلًا يُلبي قال: لبيك عن شُبرمًة، قال: «من شُبرمة؟»، قال: أخ لي، أو قريبي، قال: «أحججت عن نفسك؟»، قال: لا، قال: «حُج عن نفس ثم حُج عن شُبرمة».

قال العلماء: إذا حج عن غيره ولم يحج عن نفسه، انقلبت الحجة فصارت له.

مداخلة: [00:31:55]

الشيخ: إلا من ثلاث، لكن العلماء ذكروا أن هذا من عمله، يعني إذا تسبب أنه يكون هو الذي تسبب فيكون من عمله، داخلٌ في عمله الذي تسبب فيه.

مداخلة: المعتزلة يرون الآية أنها ...

الشيخ: إيه، المعتزلة يُنكرون إهداء الثواب، ويأخذون بعموم الآية، كل الأعمال، هُو يُبين أن الآية ليست بعمومها، أما المعتزلة حتى يعني غير المعتزلة.

قارئ المتن: بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ إِذَا اسْتَفَادَ مَالًا بَعْدَ كِبَرِ السِّنِّ وَهُوَ غَنِيٌّ، أَوِ اسْتَفَادَ مَالًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَانَ فَرْضُ الْحَجِّ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ ...

بركة، قف على هذا.

مداخلة: مسألة العمرة من التنعيم؛ في المغني قال: "لا أعلم فيه خلافًا"، قال: "كل من كان بمكة فهي ميقاته للحج، وإن أراد العمرة فمن الحِل، لا نعلم في هذا خلافًا".

الشيخ: ابن خُزيمة ذكر خلافًا.

مداخلة: ذكر خلافًا على الحديث، فقال: يَهِل أهل المدينة من ذي الحليفة.

الشيخ: قال: لا أعلم فيه خلافًا؟

مداخلة: نعم.

الشيخ: ابن خُزيمة يقول: ضد قول من زعم أنه لا بد أن يُحرم من الميقات.

مداخلة: [00:33:53]

الشيخ: لكن لمن هذا القول؟ من قال به؟ هو ضعيف.

مداخلة: ذكر المواقيت، حين ذكر المواقيت.

مداخلة: ذكر أنه لا خلاف.

مداخلة: في مُصنف ابن أبي شيبة قال: عن خُصيفٍ، عن عطاءٍ وطاووس ومُجاهدٍ قالوا: لا عُمرة إلا عمرةً ابتدأت بها من أهلك، ولا بعد الصدور.

قال سعيد بن جُبير: إن رجع إلى ميقات أهله فاعتمر رجوت أن يكون عُمرة.

الشيخ: هذا الخلاف، وخُصيف ضعيف، على كل حال؛ قولٌ ضعيف جدًا، القول بأنه لا يعتمر من التنعيم، ويردُّه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر عائشة بأن تعتمر من التنعيم واضحٌ ومصادم للنص، قولهم مرجوح، ضعيف.

مداخلة: كذلك الرواية التي بعدها قال: "عن ليثٍ، عن عطاءٍ، وطاووسٍ، ومُجاهدٍ؛ أنهم كرهوا العمرة بعد الحج قالوا: لا يُجزئ ولا هيَ، وقالوا: الطواف بالبيت والصلاة أفضل".

الشيخ: هذه مسألة أخرى من التنعيم، طبعًا شيخ الإسلام -رحمه الله- كذلك ما يرى أيضًا العمرة من التنعيم، ويرى أن هذا خاصٌ بعائشة ومن كان حاله مثل حال عائشة، يعني العمرة من التنعيم فيها إشكال.

مداخلة: خاص بعائشة -رضي الله عنها-.

الشيخ: ومن كان في مثل حالة عائشة، يقول: حج مع النبي -صلى الله عليه وسلم- مائة ألف، ولم يعتمروا، ما اعتمر أحدٌ منهم بعد الحج إلا عائشة، دل على أن هذا غير مشروع، شيخ الإسلام يرى هذا ويُفتي به، والشيخ محمد بن عُثيمين أيضًا كذلك أنه ما في عمرة وأن العمرة بعد التنعيم، وكذلك العمرة المكية، أهل مكة ما عليهم عمرة، شيخ الإسلام يرى أن أهل مكة ما عليهم عمرة، والعمرة هي الزيارة، ومن في جوف مكة كيف يزورون؟ يخرج من مكة ويعتمر، كيف يزور! فهو في جوف مكة، فالعمرة هنا إنما هي للقادم لا للذي يخرج.

مداخلة: يطوف ويسعى أفضل؟

الشيخ: نعم، هذا هو البحث في هذا، والجمهور يرون أنها لا بأس؛ أن العمرة لما أَذِن لعائشة دل على العموم.

مداخلة: هذا ذكره ابن أبي شيبة في باب: من كرِه أن يعتمر بعد الحج، وذكر عن أبي يَعْفُور قال: سألت ابن عمر عن العمرة بعد الحج فقال: إن ناسًا يفعلون ذلك، ولأن أعتمر في غير ذي الحجة أحب إليّ من أعتمر في ذي الحجة.

الشيخ: هذا هو مسألة الخلاف، فيه خلاف، وحتى شيخ الإسلام كان يرى غير هذا، الجماعة ما يرون العمرة من التنعيم.

مداخلة: الجهمية ما يعتمرون في أشهر الحج.

الشيخ: في أشهر الحج كلها، يرون أن العمرة من أفجر الفجور.

مداخلة: [00:38:14]

الشيخ: كان الأئمة الثلاثة كانوا يُفتون بإفراد الحج؛ أبو بكر، وعمر، وعثمان؛ حتى يكثُر العُمَّار والزوار، لكن ما يمنعون، لكن يُفتون بهذا بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى لا يُهجر هذا البيت بعد الحج ويُعتمَر.

وفق الله الجميع لطاعته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد