الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسول اللهِ، وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
اللَّهُم اغْفِر لنَا ولِشَيخِنَا وللحاضرين والمستمعين.
أما بعد....
قارئ المتن: فقال الإمام: ابن خزيمة -رحمه الله تعالى- في (صحيحه) فيما نقله الحافظ بن حجر في (إتحاف المهرة):
حدثنا محمد بن رافع، قال: حدثنا زكريا بن عدي، عن ابن المبارك، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن محمد بن مسلم الزُهري، عن عروة، عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: «من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس، ومن الفجر قبل أن تطلع الشمس، فقد أدرك».
وعن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن يونس، عن محمد بن مسلم الزهري، عن عروة، عن عائشة، به.
وقال ابن خزيمة: "هذا حديثٌ غريبٌ، لا نعلم أحدًا رواه عن الزهري غير يونس ابن يزيد الأيلي".
الشيخ: تخريجه؟
قارئ المتن: "قال: صحيح، أخرجه أحمد ومسلم والنسائي".
شرح الشيخ: نعم. والحديث صحيح معروف، المراد بالسجدة: يعني ركعة، وفيه دليل على أن من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك الصلاة في الوقت، وكذا من أدرك من الفجر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الصلاة في وقتها.
المراد بالسجدة هنا الركعة، فدل على تُدرك في الوقت بركعة، وكذلك الجمعة تدرك بركعة: «من أدرك من الجمعة ركعة فإنه يضيف إليها أخرى وتتم له جمعة، فإن أدرك أقل من ركعة فإنه يصليها ظهرًا».
وليس المراد من الحديث أن الإنسان يؤخر الصلاة، صلاة العصر حتى ما يبقى إلَّا مقدار ركعة، ولا يؤخر صلاة الفجر حتى ما يبقى إلا مقدار ركعة، المراد: أن من أخرها لعذر مثلًا كان نائمًا ثم استيقظ وأدرك ركعة قبل غروب الشمس معناه أدرك الصلاة في وقتها، والنائم معذور حتى ولو قام بعدها إذا كان نومه لعذر وغير مفرط كقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَن نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلَّا ذلك».
وكذلك إذا كانت امرأة حائض ثم طهرت قبل غروب الشمس وصلت ركعة أدركت الصلاة في وقتها، أو قبل طلوع الشمس أدركت الصلاة في وقتها.
فالوقت يدرك بركعة، والجمعة تدرك بركعة، والجماعة تُدرك بركعة على الصحيح. بعض العلماء يرى أن الجماعة تدرك بأقل من ركعة، لو جاء أحد في التشهد وكبَّر وجلس أدرك، لكن الصواب أن الجماعة تُدرك بركعة، والجمعة تدرك بركعة، والوقت يدرك بركعة.
المؤلف نقل عن النووي: قال: "قال النووي: هذا دليلٌ صريح في أن من صلى ركعة من الصبح أو العصر ثم خرج الوقت قبل سلامه لا تبطل صلاته بل يتمها وهي صحيحة، وهذا مُجمع عليه في العصر. وأما في الصبح فقال به مالك والشافعي وأحمد والعلماء كافة إلَّا أبا حنيفة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فإنه قال: تبطل صلاة الصبح بطلوع الشمس فيها؛ لأنه دخل وقت النهي عن الصلاة بخلاف غروب الشمس، والحديث حُجة عليه". صحيح كما ذكر.
قارئ المتن: قال: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: حدثني عمي، قال: حدثني يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- قالت: قلت: يا رسُول الله، هل مَر عليك يوم أشد من يوم أُحد؟ قال: «لقد لقيت من قومك شرًا، وأشد ما لقيت منهم يوم عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا حزين، حتى بلغت قرن الثعالب، فإذا بظُلة، فإذا جبريل -عَلَيهِ الصَلاة والسَّلام- فقال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومِك لك، وقد بعث إليك مَلك الجبال؛ لتأمره فيهم بأمرك. وسلَّم عليّ ملك الجبال، فقالِ: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وأنا مَلك الجبال، وقد أمرني أن أطيعك فيما أمرتني به، وإن شئت أن أُطبق عليهم الأخشبين فعلت». قال رسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ويوحده لا شريك له».
شرح الشيخ: الحديث صحيح، أخرجه الشيخان البخاري ومسلم والمُحَشِّي وغيرُهم والنَسائي وأبو عوانة وابن حِبَّان وغيرُهم.
قرن الثعالب يقول: هو ميقاتُ أهلُ نجد، ويقال: له قرن المنازل أيضاً، وهو على يوم وليلة من مكة.
وقرن: كل جبلٍ صغير منقطع من جبل كبير.
والظُلة: الظلال. يعني بظلة يعني جبريل ظلل عليه.
والأخشبين: تثنية أخشب، جبلان يضافان تارة إلى مكة، وتارة إلى مِنى، وهما واحد: أحدهما أبو قُبيس والآخر قُعيقعان، ويقال: بل هما أبو قُبيس والجبل المشرف الأحمر هنالك، ويسميان الجَبجبان أيضاً. وقيل: هما الجبلان اللذان تحت العقبة بمِنى. مراصد الاطلاع.
وهذا الحين فيه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبله الله على الرحمة -عَلَيهِ الصَلاة والسَّلام- قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:107]، أذوه وأخرجوه وأرادوا قتله ومع ذلك، يقول: «أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ويوحده لا شريك له». من انتقم -عَلَيهِ الصَلاة والسَّلام- فهو قدوة -عَلَيهِ الصَلاة والسَّلام- بعض الناس لما يحصل بينه وبين أخيه المسلم شيء يريد موته، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أذوه وأخرجوه وضربوه وكذلك (7:27) السفهاء يسبوه ويرمونه بالحجارة حتى إنه من الهم ما استفاق إلَّا في قرن الثعالب، ومع ذلك تمكن منهم قال: «بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ويوحده لا شريك له».
قارئ المتن: قال: حدثنا محمد بن العلاء - وأنا سألتُه - قال: حدثنا خلَّاد بن يزيد الجعفي، عن زهير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- كانت تحمل ماء زمزم، وتخبر أن رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يفعله.
الشيخ: تخريجه؟
قارئ المتن: قال: "في إسناده مقال؛ من أجل خلَّاد بن يزيد الجعفي فقد قال البخاري في حديثه هذا لا يُتابع عليه، ولم يوثقه أحد إلَّا أن ابن حِبَّان ذكره في الثقات وقال: ربما أخطأ، أخرجه البخاري في التاريخ الكبير والترمذي وأبو يعلى والحاكم والبيهقي".
الشيخ: قال الترمذي؟
قارئ المتن: قال الترمذي: "هذا حديثٌ حسنٌ غريب لا نعرفه من هذا الوجه".
الشيخ: كيف يقول حسن؟! غريب يعني: من طريق واحد لكن حسن كيف؟
مداخلة: في التقريب: "خلَّاد صدوق ربما وهم".
شرح الشيخ: لكن هنا نقل عن البخاري إنه قال: لا يتابع عليه.
في التقريب صدوق ربما وهم: معناه ربما يكون حديث حسن ربما وهم قليل.
على كل حال الحديث فيه: أن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- كانت تحمل ماء زمزم، وتخبر أن رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يفعله.
سواء فعله أو لم يفعله فلا بأس من حمل ماء زمزم. ماء زمزم ماء مبارك وجاء فيه حديث: «ماء زمزم لما شُرب له»، فلا بأس بحمله، سواء كان ثبت عنه حمله أو لم يثبت فهو ماءٌ مبارك. ولا يزال الناس يحملونه من عصر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى يومنا هذا. حتى حمل الماء العادي لا بأس به فكيف بماء زمزم؟!
قارئ المتن: قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- أنها قالت: إن الحارث بن هشام -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- سأل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كيف يأتيك الوحي؟ قال: «أحيانًا يأتيني في مثل صلصلة الجرس، وهو أشده عليّ، ثم يفصم عني وقد وعيت، وأحيانًا يأتيني ملك في مثل صورة الرجل، فأعي ما يقول».
شرح الشيخ: والحديث صحيح، قال: "أخرجه الحميدي، وابن سعد، وإسحاق بن راهويه، والبخاري أيضاً"، وفي خلق أفعال العباد ومسلم أيضاً، أخرجه الشيخان وغيرهما".
فيه بيان نوع من أنواع الوحي أو نوعين:
النوع الأول: أنه يأتي فيه مثل صلصلة الجرس.
الصلصلة: صوت الحديد إذا حرك. (اللسان).
«وهو أشده عليّ، ثم يفصم عني وقد وعيت ما قال»، يفصم: قال ابن حجر في (الفتح): "أي يُقلع وينجلي ما يغشاني" بضم أوله يُفصم، في رواية لأبي ذر بضم أوله وفتح الصاد، وأصل الفصم القطع، ومنه قوله تعالى: ﴿لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾ [البقرة:256].
وقيل: الفصم بالفاء القطع لا إبانة، وبالقاف القطع بإبانة، يعني يفصم ولا يُبينه، والقطع يفصم ويُبينه إشارة إلى أن الملك فارقه ليعود، والجامع بينهما بقاء العُلقة.
على كل حال هذا نوع من أنواع الوحي يأتيه مثل صلصلة الجرس، صوت من صوت الجرس، شديد؛ لأن صوت الجرس مزعج، ولهذا قال: «وهو أشده عليّ، ثم يفصم عني» وقد وعى ما قال.
«وأحيانًا يأتيني ملك في مثل صورة الرجل، فأعي ما يقول».
قال: الإسناد من (الإتحاف)، والمتن أكملته في (مسند الإمام أحمد).
فذكر نوعين:
أحيانًا يأتيه في مثل صلصلة الجرس، الملك يتمثل في صوت صلصلة الجرس ويكلمه، وأحيانًا ينفخ في روح، قال: «إن الملك نفخ في روحي» في قلبه، وأحيانًا يكون في المنام، رؤية الأنبياء وحي، أول ما بُدأ به -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرؤية الصادقة، فكان إذا رأى رؤيا وقعت مثل فلق الصبح، وأحيانًا يكلمه الله من وراء حجاب، قال الله تعالى:﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الشورى: 51].
الأنواع خمسة:
- يأتيه مثل صلصلة الجرس.
- يأتيه في صورة رجل فيُكلمه.
- ويأتي الملك ينفخ في روحه.
- ويكون في الرؤية، رؤية الأنبياء وحي، قال: ﴿إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ [الصافات:102].
- وأحيانًا يكلمه الله من وراء حجاب: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الشورى: 51]. كما كلم موسى من وراء حجاب، وكما كلم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة المعراج تعرض عليه الصلاة من دون واسطة من وراء حجاب.
هذه خمسة أنواع.
- : (14:11).
الشيخ: جبريل هو ملك الوحي، معروف أن جبريل ملك الوحي، كما أن إسرافيل ملك النفخ في الصور الملائكة أقسام:
جبرائيل: ملك الوحي.
وإسرافيل: ملك النفخ في الصور.
وميكائيل: الموكل بالقطر. ولهذا توسل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث الصحيح في قيام الليل باستفتاح في ربوبية الله لهؤلاء الملائكة الثلاثة الذين وكلوا بما فيه الحياة، فميكائيل: وُكِّل بالماء الذي فيه إحياء النبات والناس، وإسرافيل: وكل بالنفخ في الصور وإعادة الأرواح إلى أجسادها، وجبريل: وُكِّل بالوحي الذي فيه حياة القلوب والأرواح، فقال: «اللهم ربَّ جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه مختلفون».
قد يأتي غيره مثل ملك الجبال، ملك الجبال جاء إلى النبي وقال: "إن الله أمرني أن أطيعك فيما تأمرني به"، وكذلك كما ثبت في الحديث أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «بينا جبرائيل قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فإذا مَلكين فَقَالَا: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا، لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ» هذا غير جبريل».
قارئ المتن: قال: حدثنا أحمد بن عبدة، قال: حدثنا حماد بن زيدٍ، عن هشام بن عُروة، عن أبيه، عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- قال: قال رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خمس فواسق يقتلن في الحرم: العقرب، والفأرة، والحُديا، والغراب، والكلب العقور».
وعن أبي كُريب، عن عبد الرحيم بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها – به.
شرح الشيخ: تخريجه: قال: "حديث صحيح، أخرجه أحمد ومسلم وغيرهما".
قارئ المتن: والبخاري أيضاً بعد ذلك. في الصفحة التي بعدها.
الشيخ: والحديث صحيح معروف. وهذه الفواسق سميت فواسق لخروجها عن طبيعة غيرها بالإيذاء، سميت فواسق لأنها أخرجت الفاسق، والفاسق هو: والخارج، منه البني آدم الخارج عن الطاعة، يسمى فاسق، وهذه تسمى فاسق؛ لخروجها عن طبيعة غيرها بالإيذاء، ولهذا تقتل في الحِل والحرم.
فالعقرب تؤذي بالسم، وكذلك الفأرة تفسد الأشياء والأطعمة، والحُديا: تخطف اللحم والأطفال، والغراب: كذا بالفسق؛ لأنه يأكل سُبل الزرع ويمقط الدبرة التي في ظهر البعير، مما يعيد الجُرح من جديد، والكلب العقور كذلك يعقر الناس.
لما خرجت عن طبيعة غيرها بالإيذاء صارت تقتل في الحِل والحرم، معلوم أن المُحرم لا يقتل شيء من الصيد، لكن هذه يقتلها المُحرم؛ لأنه مؤذية لما أخرجها عن طبيعة غيرها بالإيذاء جاز قتلها.
مداخلة: في قتلها أجر؟
الشيخ: هذا الظاهر إذا أُمر بقتلها ففيها أجر، يُلحق بها ما كان مؤذيًا مثل: فجاء في الحديث: من قتل بأول ضربة كان له مائة حسنة، والضربة الثانية ثمانين وما أشبه ذلك».
قارئ المتن: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن شهاب الزهري ح وعن محمد بن يحيى قال: حدثنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة، قال: حدثني أبي، عن ابن شهاب الزهري ح وعن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال: حدثنا عمي، قال: حدثني محمد بن عمرو اليافعي، عن ابن جُريج، عن ابن شهاب الزهري، عن يحيى بن عروة، عن أبيه، عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- أنها قال: سأل أُناس رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الكُهَّان؟ فقال: لهم رسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليسوا بشيء». فقالوا: يا رسُول الله، إنهم يحدثون أحيانًا بالشيء يكون حقًا؟ فقال رسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني، فيُقرُّها في أذن وليه قر الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة».
شرح الشيخ: وهذا الحديث صحيح، كما ذكر المُحَشِّي قال: "أخرجه أحمد والبخاري والطحاوي ومسلم أيضاً وغيرهم". وهو حديث صحيح.
وفيه أن الكهان لما سئل النبي عنهم قال: «ليسوا بشيء» يعني لا يؤتوا بأخبارهم ولا ينبغي العناية بهم، ولا الاهتمام بهم. فقالوا: يا رسُول الله، إنهم يحدثون أحيانًا بالشيء يكون حقًا؟ فقال رسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني» يعني كما سبق في الحديث أن الشياطين يركب بعضهم بعضًا ويسمعون الملائكة يتكلمون في العنان -السحاب- إن الله إذا قضى بالأمر تكلم بالوحي، صعق الملائكة ثم أول من يكلم الله جبريل فيكلم الله الوحي بالمعراج، ثم يخبر أهل السماء السابعة ثم السماء السادسة، ثم الخامسة، ثم الرابعة، حتى يصل إلى السماء الدنيا، ثم يتحدث إلى الملائكة في العنان - السحاب- فيسمعهم الشياطين ويركب بعضهم بعضًا فالشيطان الفوقان يسمعوا الكلمة ويلقوها إلى من تحتهم والآخر إلى من تحته حتى تصل إلى الشيطان الذي في الأرض، فيُقرها في أذن وليه الكاهن قر الدجال قر قر قر، فإذا وصلت إلى الكاهن خلط معها مائة كذبة، فيحدّث الناس بمائة كذبة، فتقع هذه الكلمة التي سمعت من السماء؛ فيصدق الناس الكاهن بهذا الكذب الكثير من أجل واحدة سمعت من السماء، مما يدل على قبول الناس للشر كيف ما يعتبرون بالمائة ويعتبرون بواحدة؟!
ولهذا النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: إنهم يتكلمون بالشيء يكون حقًا، قال: تلك الكلمة سمعت من السماء، لكنهم يخلطون معها مائة كذبة، نسأل الله العافية. وهذه الشياطين الشهب تحرقهم، وأحيانًا يحرق الشهاب الجني قبل أن يلقي في أذن الكاهن، وأحيانًا يلقيها في أذنه ثم يحرقه الشهاب، وهذا يدل على كثرة الشياطين وأنه احترق هؤلاء لكن في غيرهم، في بديل لهم، في الكثير، التوارد والتناسب.
قارئ المتن: قال: حدثنا موسى بن خاقان، قال: حدثنا سلم بن سالم البلخي، عن خارجة بن مصعب، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- أنها قالت: قال: رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إن الله ليضحك من إياس العباد وقنوطهم، وقرب الرحمة لهم». قالت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: قلت: يا رسُول الله، بأبي أنت وأمي أو يضحك ربنا تعالى؟! قال: «والذي نفس محمد بيده إنه ليضحك». فقلت: لن يعدمنا منه خيرًا إذا ضحك.
شرح الشيخ: والحديث؟
قارئ المتن: قال: "إسناده ضعيف جدًّا؛ خارجة بن مصعب متروك أو كان يُدلس على الكذابين، أخرجه ابن عدي في الكامل، والخطيب في تاريخه من طريق موسى بن خاقان بهذا الإسناد".
قال الحافظ بن حجر: قال ابن الجوزي: "أكثر السلف يمتنعون من تأويل مثل هذا ويمرونه كما جاء، وينبغي أن يراعى في مثل هذا الإمرار اعتقاد أنه لا تشبه صفات الله صفات الخلق، ومعنى الإمرار: عدم العلم بالمراد منه مع اعتقاد التنزيه". انتهى من فتح الباري.
الشيخ: هذا الحديث وإن كان لا يصحُّ لكن ثبت في الحديث الآخر: «إن اللَّه تعالى يَضْحَكُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ»، وهو حديثٌ صحيح، ففيه إثبات الضحك لله كما يليق بجلال الله وعظمته.
وكذلك الرجل الذي هو آخر أهل النار خروجًا من النار، وآخر أهل الجنة دخولًا، لما يقول الله تعالى: "ادخل الجنة" فيخيل إليه أنها ملأى، يقول: "يا رب ما في مكان، ملئانة..........." ففيه أن الله تعالى يضحك منه، فيقول: "يا رب أتهزأ بي وأنت الملك؟". ففيه إثبات الضحك لله عز وجل كما يليق بجلال الله وعظمته، لا يماثل صفة المخلوقين.
وأما قول الحافظ -رحمه الله- هنا: "إن السلف يمتنعون من تأويل هذا" نعم. هذا لا يؤمل يثبت كما ورد الصفة، ولكن الكيفية هي الممنوعة، كما أنه -سبحانه وتعالى- يرضى ولا نعرف الكيفية، مستوٍ على عرشه ولا نعرف الكيفية، لا يعلم كيفية علمه ولا قدرته ولا سمعه ولا بصره إلَّا الله. مع إثباتها كسائر الصفات، نثبت الضحك لله كما يليق بجلال الله وعظمته، وننفي الكيفية، فالضحك معلوم والإيمان بوجهه وسؤال عنه بدعة، والكيف مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة كسائر الصفات، كذلك الضحك معلوم بمعناه في اللغة العربية، والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، فإثبات الضحك لله كما يليق بجلال الله وعظمته، والحديث لا يصحُّ، لكن صح من الأحاديث الأخرى.
قارئ المتن: جاء نحو من حديث أبي رزين الطويل قال: "ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقرب غِيَرِهِ".
الشيخ: حديث أبي رزين عنه.
وكذلك الحديث الآخر أصح منه، حديث: «إن اللَّه يَضْحَكُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ» وهو حديث صحيح. في الصحيح أو في الصحيحين.
فصفة الضحك ثابتة كما يليق بجلال الله وعظمته، من الصفات الفعلية.
قارئ المتن: قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان، قال: حدثنا أبي، عن عكرمة - مولى ابن عباس - أن ابنًا لمحمدٍ - أو عبد الرحمن - ابن أبي بكر مات، وكان يصيب من هذا الشراب، فقالت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: "إني لأرجو أن لا يطعم ابن أخي النار، إن رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لعمه: «قل: لا إله إلَّا الله أشهد لك بها يوم القيامة». قال: فقال أبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: استغفروا له؛ فإنما يستغفر للمسيء مثله.
الشيخ: تخريجه؟
قارئ المتن: قال: إسناده ضعيف؛ لضعف إبراهيم بن الحكم بن أبان، فقد قال فيه الإمام البخاري: "سكتوا عنه"، وقال النسائي: "ليس بثقة ولا يكتب حديثه"، وقد صح الحديث من غير حديث ابن عباس.
الشيخ: وقد صح الحديث؟ يعني الحديث يصحُّ من طريقٍ آخر؟ يعني المؤلف يرى أنه صحيح.
وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده، وقد روى الحديث أبي هريرة.
قال: "وأخرجه أيضاً من الطريق الأخرى مسلم
قارئ المتن: لعله يقصد قصة أبي طالب.
الشيخ: لم يقل قصة أبي طالب، قال: "قد صح الحديث من غير حديث ابن عباس". ما قيده بقصة أبي طالب.
قصة أبي طالب في الصحيح: "إن رسُول الله قال لعمه: قل لا إله إلَّا الله أشهد لك بها يوم القيامة". هذا ثابت في الحديث أنه قال لعمه هذا ثابت في الصحيح.
قصة أبو طالب في البخاري أم في مسلم؟
في مسلم.
قارئ المتن: في البخاري أيضاً أحسن الله إليك.
الشيخ: اذكر ما قاله مسلم؟
قارئ المتن: قال: "أخرجه مسلم عن أبي هريرة والبخاري ومسلم عن المثيب بن حزم".
الشيخ: نعم. قصة أبي طالب معروفة، كان يصيب من هذا الشراب -الخمر- فإني أرجوا ألا يطعم من .......النار قال لعمه. (29:11).
وما المناسبة من كون أن الرسول قال لعمه: "قل لا إله إلَّا الله أشهد لك بها عند الله". وكونه لا تطعمه النار؟!
قد يقول: لا إله إلَّا الله وتطعمه النار إذا كان عنده معاصي مات عليها، كما يشترط من المسيء....
على كل حال قصة أبي طالب ثابته لكن في إشكال في قول عائشة: "إني لأرجو أن لا يطعم ابن أخي النار" ثم تستشهد بقصة أبي طالب.
أبي طالب ما قال، إنما قال فيه النبي: قل لا إله إلَّا الله أشهد لك بها، أحاجك بها عند الله". ولا ذكر تطعمه النار ولا تطعمه.
مداخلة: (30:00) يكون قد ارتكب معاصي؟
الشيخ: يرتكب المعاصي والتوبة تحت مشيئة الله، قد يعذب في النار، ولو كان يقول: "لا إله إلَّا الله" أضعف "لا إله إلَّا الله" بالمعاصي، فهذا فيه إشكال في استشهاد عائشة بقصة أبي طالب، لكن الحديث ضعيف، وقصة أبي طالب ثابتة.
مداخلة: (20:42).
الشيخ: لا، هي فقط قالت: "فقال لعمه" بنص الحديث.
مداخلة: لعل قصدها أن يقول "لا إله إلَّا الله" فستشفع له يوم القيامة، أما أبو طالب ما قال: "لا إله إلَّا الله".
الشيخ:
ما يخالف. لكن ما فيها أنها تطعمه النار.
عندك الكتاب؟
مداخلة: لا، عن طريق النت.
قارئ المتن: قال: حدثنا أبو موسى، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا محمد بن عمرو، عن أبيه، عن جده علقمة بن وقاص، عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- أنها قالت: قدمنا من حج أو عمرة فتلقينا بذي الحليفة وكان غلمان من الأنصار تلقوا أهليهم، فلقوا أُسيد بن حضير -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فنعوا له امرأته، فتقنع وجعل يبكي، قالت: فقلت له: غفر الله لك، أنت صاحب رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولك من السابقة والقدم، ما لك تبكي على امرأةٍ؟! فكشف عن رأسه، وقال: صدقت لعَمري، حقي أن لا أبكي على أحد بعد سعد بن معاذ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وقد قال له رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما قال. قالت: قلت له: ما قال له رسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: «لقد اهتز العرش لوفاة سعد بن معاذ». قالت: وهو يسير بيني وبين رسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
شرح الشيخ: عائشة هي المتكلمة؟
يعني عائشة هي التي تقول: "غفر الله لك. أنت صاحب رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولك من السابقة والقدم، ما لك تبكي على امرأةٍ؟!"
ماذا قال عليه؟
قارئ المتن: قال: "إسناده حسن؛ محمد بن علقمة صدوق حسن الحديث، أخرجه ابن سعد، وابن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وأحمد، وابن أبي عاصم، والطحاوي، وابن حِبَّان، والطبراني، والحاكم".
الشيخ: هنا البكاء فيه تفصيل:
- البكاء بدمع العين بدون صوت لا بأس به.
- إنما الممنوع الصوت، العويل والصراخ، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكى ودمعت عينه لما مات ابنه إبراهيم، وقال: «إن العين تبكي والقلب يحزن، ولا نقول إلَّا ما يرضي الرب، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون»، وقال: «إن الله لا يُعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، وإنما يعذب بهذا أو يرحم -وأشار إلى لسانه-».
فكيف هنا كونه جعل يبكي.....في تفصيل البكاء.
وقوله: «لقد اهتز عرش الرحمن لوفاة سعد بن معاذ». هذا ثابت في الصحيح. اهتز عرش الرحمن لموت سعد -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.
مداخلة: يا شيخ، اهتز عرش الرحمن فرحًا؟
الشيخ: سيأتي هذا الكلام عليه.
هنا تكلم المحقق في أن العرب تقول في القسم: "لَعمري" .....
قارئ المتن: العرب تقول في القسم: لعَمري ولعمرك، يرفعونه بالابتداء ويضمرون الخبر كأنه قال: لعَمرك قسمي أو يميني أو ما أحلف به، قال ابن جني: ومما يجيزه القياس غير أن لم يرد به الاستعمال خبر العَمر من قولهم: لعمرك لأقومن، فهذا مبتدأ محذوف الخبر، وأصله لو أظهر خبره: لعمرك ما أقسم به، فصار طول الكلام بجواب القسم عوضًا من الخبر، وقيل: العَمر ههنا الدين، وأيًا كان فإنه لا يستعمل في القسم إلَّا مفتوحًا. وفي التنزيل العزيز: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الحجر:72] لم يقرأ إلَّا بالفتح.
الشيخ: قال ابن حِبَّان في قوله: «اهتز له عرش الرحمن»؟
قارئ المتن: قال ابن حِبَّان: "في قوله: «اهتز له عرش الرحمن» يريد به: استبشر وارتاح، كقول الله جَلَّ وَعَلَا: ﴿فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ [الحج:5] يريد به ارتاحت واخضرت".
وقال البغوي: "قوله: اهتز أي: ارتاح بروحه حين صعد به. قيل: أراد الاهتزاز: السرور والاستبشار، ومعناه: أن حملة العرش فرحوا بقدوم روحه، فأقام العرش مقام من حمله، كقوله: «هذا جبل يحبنا ونحبه» أي: أهله.
قلت: (أي البغوي) والأولي إجراؤه على ظاهره، وكذلك قوله -عَلَيهِ الصَلاة والسَّلام-: «أُحد جبل يحبنا ونحبه». ولا ينكر اهتزاز ما لا روح فيه بالأنبياء والأولياء، كما اهتز أُحد وعليه رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر وعمر وعثمان، وكما اضطربت الأسطوانة على مفارقته".
الشيخ: صحيح. نفس العرش، ما هم حملة العرش، «جبل يحبنا ونحبه» جاء على نفس الجبل، ما هو بحملة العرش. هذا تأويل، "وأقام العرش مقام من حمله" هذا تأويل، والصواب أنه نفس العرش، وكذا القول: بـ«جبل يحبنا ونحبه» نفس الجبل ما هم أهله.
قارئ المتن: وقال ابن الأثير: "الهز في الأصل: الحركة. واهتز إذا تحرك. فاستعمله في معنى الارتياح. أي ارتاح بصعوده حين صعد به، واستبشر لكرامته على ربه. وكل من خف لأمر وارتاح له فقد اهتز له.
وقيل: أراد فرح أهل العرش بموته. وقيل: أراد بالعرش سريره الذي حُمل عليه إلى القبر.
الشيخ: لا هذا تأويل. الصواب أن العرش...... أظن في رواية: «واهتز عرش الرحمن» هذا تأويل.
قارئ المتن: يقال: "اهتز عرش الرحمن بلا كيف".
الشيخ: الله أعلم. اهتز عرش الرحمن الله أعلم الكيفية والفرح. فيها أقوال نحتاج إلى دليل والله أعلم.
أما قوله: "أراد بالعرش سريره" هذا تأويله ليس صحيح.
قارئ المتن: فقال الإمام ابن خزيمة رحمه الله: حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدرقي، قال: حدثنا ابن عُلية، قال: حدثنا داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق بن الأجدع، قال: كنت متكئًا عند عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- فقالت: يا أبا عائشة، ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفِرية. قلت: ما هن؟ قالت: من زعم أن محمدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى ربه فقد أعظم على الله الفِرية. قال: وكنت متكئًا فجلست، فقلت: يا أم المؤمنين، أنظريني ولا تعجليني، ألم يقل الله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ﴾ [التكوير:23]، ﴿وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾ [النجم:13]؟! فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: «إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين.
شرح الشيخ: ولقد رآه: يعني جبريل -عَلَيهِ الصَلاة والسَّلام- رآه مرتين: مرة في الأرض يوم ما بعث، ومرة في السماء ليلة المعراج. ورآه على صور متعددة على غير الصورة التي خلق عليها: يأتيها في صورة ....... وليس الضمير يعود إلى الله، يعود إلى جبريل ﴿وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾.
قارئ المتن: فقال: «إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين. رأيته منهبطًا من السماء، سادًا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض».
الشيخ: هذا يوم البعثة في حِراء.
قارئ المتن: فقالت: أو لم تسمع أن الله يقول: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام:103] ؟! أو لم تسمع أن الله يقول: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الشورى:51] ؟!
شرح الشيخ: كل هذه الآيات تدل على أن الله تعالى لا يراه أحد في الدنيا، لا الملائكة ولا غيرهم.
قارئ المتن: قالت: ومن زعم أن رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتم شيئًا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفِرية، والله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ [المائدة:67]. قالت: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غدٍ فقد أعظم على الله الفِرية. والله يقول: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [النمل:65].
وعن محمد بن بشار، عن ابن أبي عدي، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق ح وعن محمد بن بشار، عن عبد الوهاب، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق ح وعن محمد بن بشار، عن يزيد بن هارون، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق ح وعن أبي موسى، عن عبد الوهاب، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق ح وعن أبي موسى، عن يزيد بن هارون، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق، به.
قال ابن خزيمة: "زاد عبد الوهاب في آخر حديث: لو كان محمد كاتًما شيئًا مما أُنزل عليه لكتم هذه الآية: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب:37]، وميز ابن أبي عدي هذه الزيادة التي أدرجها عبد الوهاب وفصَّلها، فرواها، عن داود، عن الشعبي، عن عائشة، ليس فيه مسروق.
وعن يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أن عبد ربه بن سعيد حدثه، أن داود بن أبي هند حدثه، عن الشعبي، عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- ح وعن هارون بن إسحاق، عن عبدة، عن سعيد، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن مسروق، عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- نحوه.
الشيخ: تخريجه؟
قارئ المتن: قال: "صحيح، أخرجه الطبري في تفسيره وابن منده في الإيمان من طريق ابن عُلية عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق به، وأخرجه أحمد من طريق ابن عدي، وأخرجه مسلم والنسائي وفي التفسير له، والطبري في تفسيره، وأخرجه أحمد وأبو عوانة والطبري وابن منده في الإيمان من طرق، وأخرجه أبو عوانة، وأخرجه الطيالسي، ومسلم، والنسائي في (الكبير)، وفي التفسير له، وأبو يعلى والطبري في تفسيره وأبو عوانة وابن حِبَّان وابن منده في الإيمان".
شرح الشيخ: وقال الترمذي: "مسروق بن الأجدع يكنى أبا عائشة، وهو مسروق بن عبد الرحمن، وكذا كان اسمه في الديوان، وقال أبو سعيد السمعاني في (الأنساب): "سمي مسروقًا لأنه سرقه إنسان في صغره ثم وُجد".
فقد أعظم على الله الفِرية: يعني الكذب.
فعائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- تقول لمسروق وهو التابعي بن الأجدع قال: " كنت متكئًا عند عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- فقالت: يا أبا عائشة، ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفِرية.".
يعني أعظم على الله الكذب. من قال: إن محمدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى ربه فقد كذب، يعني ما رآه. يعني ليلة المعراج، وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، أجمع العلماء على أن الله لا يراه أحدًا في الدنيا في الأرض، لا الأنبياء ولا الملائكة ولا غيرهم.
وأجمعوا على أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يرى ربه في الأرض، واختلفوا في رؤية ربه ليلة المعراج، النبي خاصة، فذهب بعض العلماء إلى أنه رأى ربه بعين رأسه، ليلة المعراج، ذهب إلى ذلك النووي والقاضي عياض، والحافظ بن خزيمة، وجماعة.
والقول الثاني لأهل العلم: "أنه لم يرى ربه بعين رأسه وإنما رآه بعين قلبه، وهذا هو الذي عليه الجماهير من الصحابة والتابعين وغيرهم.
والذي عليه المحققون، جمع العلماء كشيخ الإسلام ابن تَيْمِيَّةَ -رَحِمهُ اللهُ - وكذلك الأئمة بين ما روي من الروايات التي فيها أنه رآه تُحمل على الرؤية بالقلب، والرواية التي فيها أنه لم يرى تحمل على الرؤية بالعين.
ثبت عن الإمام أحمد أنه قال رآه، وثبت عنه أنه قال: أنه رآه بفؤاده، وكذلك ثبت عن ابن عباس أنه قال رآه، وثبت عنه أنه رآه بفؤاده. فيحمل المطلق على المقيد.
وبهذا تجتمع الأدلة ولا تختلف، ويؤيد هذا، ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا» ولما سأل موسى -عَلَيهِ السَّلام- ربه لما تكلم من وراء حجاب طمع في الرؤية قال: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ وساخ، قال بعض أهل العلم: "إن الله كشف للجبل بمقدار خنصر، فانساخ الجبل وتدكدك ﴿وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف:143]. أنه لا يراك أحد في الدنيا إلَّا مات، ولا جبل إلَّا تدهده.
وهذا هو الصواب: أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يرى ربه بعين رأسه إنما رآه بفؤاده، ويدل على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم أيضاً أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ، وَيَرْفَعُهُ، حِجَابُهُ النُّورُ، - وفي نسخة حجابة النار- لَوْ كَشَفَهَا لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ ما انتهى إليه بَصَرُهُ من خلقه».
فالرسول من خلقه، لو كشف الحجاب لاحترق الخلق؛ لأن الناس لا يستطيعون الثبات، ولما سئل في حديث أبي ذر قالوا: «هل رأيت ربك؟ قال: نورٌ أني أراه» يعني نور، حجاب يمنع من رؤيته فلا يستطيع أحد أن يرى الله في الدنيا، ولكن الله تعالى ينشئ الناس تنشئة قوية فيثبتون لرؤية الله، أما في الدنيا ما يستطيعون الثبات؛ ولأن الرؤية نعيم من نعيم أهل الجنة ادخرها الله لأهل الجنة، ما تكون في الدنيا، أعظم نعيم يعطاه أهل الجنة هو رؤية الله عز وجل فإذا كشف الحجاب رآه ناس ما هم فيه من النعيم، وهي الزيادة التي قال الله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس:26]، هذا هو الصواب في هذه المسألة.
وأما المسألة الثانية: لما استدل مسروق قال: يا عائشة، يا أم المؤمنين، الله تعالى يقول: ﴿وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾ قالت: هذا جبريل، الرؤية لجبريل ليس لله. ﴿وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ﴾ [التكوير:23]، قال: «إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين. رأيته منهبطًا من السماء، سادًا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض».
فقالت: أو لم تسمع أن الله يقول: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام:103] ؟! عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- قالت: لا تدركه الأبصار: يعني لا تراه الأبصار.
والصواب أن معنى الآية: أن الإدراك منها الإحاطة، فالإحاطة قدرٌ زائد عن الإدراك، فالله تعالى لا تدركه الأبصار وإن كانت تراه، فالناس يرون الله يوم القيامة لكن لا يحيطون به رؤية، فبعض ما يحيطون به رؤية، فالآية ما نفت الرؤية وإنما نفت الإدراك، والإدراك قدرٌ زائد وهي الإحاطة.
بل إن بعض المخلوقات الآن تراه ولا تحيط به رؤيا، أنت الآن ترى السماء، لكن هل نحيط بها رؤية؟ لا، يخفى علينا كثيرٌ منها، ما نشاهد إلَّا الجهة التي أمامنا، وكذلك الجبل إذا كان مسافة وساعات هل تحيط به رؤية؟ تراه لكن لا تحيط به رؤية حتى تركب السيارة.
كذلك البستان ما تحيط به رؤية حتى تركب السيارة وتذهب إليه. بل أنت الآن في مدينة الرياض هل تحيط بها رؤية؟ لا. فقط المكان الذي نحن فيه. ما تدري بشيء يحدث في الشرق أو في الغرب من البلد، حوادث سيارات وغيرها كلها ما تعلم عنها.
فالإدراك قدرٌ زائد على الرؤية، فعائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- استدلت به على الرؤية، والآية في الإدراك على الصحيح. الإدراك قدرٌ زائد.
كذلك أيضاً قالت في المسألة الثانية: أو لم تسمع أن الله يقول: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الشورى:51] ؟! من وراء حجاب على صحيح الآية.
قالت: ومن زعم أن رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتم شيئًا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفِرية، والله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ [المائدة:67]. قالت: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غدٍ فقد أعظم على الله الفِرية. هذا من علم الغيب، مفاتيح الغيب: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: 34].
ما الكلام في الحاشية؟ في صفحة 220 قال القاضي عياض.
قارئ المتن: قال القاضي عياض رحمه الله: "اختلف السلف فيها، فأنكرته عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها-. وهو المشهور عن ابن مسعود ومثله عن أبي هريرة، وقال بإنكار هذا وامتناع رؤيته في الدنيا جماعة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين، وعن ابن عباس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أنه رآه بعينه، ومثله عن أبي ذر وكعب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- وكان الحسن -رحمه الله- يحلف على ذلك.
وحُكي مثله عن ابن مسعود وأبي هريرة وأحمد بن حنبل، وقال أبو الحسن الأشعري وجماعة من أصحابه أنه رآه.
الشيخ: أبو الحسن والقاضي عياض والنووي وابن خزيمة كلهم يرون أنه رآه بعين رأسه.
قارئ المتن: ووقف بعض مشايخنا في هذا، وقال: ليس عليه دليل واضح.
الشيخ: يعني توقف.
قارئ المتن: ولكنه جائز أن يكون. قال القاضي: والحق الذي لا افتراء فيه أن رؤيته تعالى في الدنيا جائزة عقلًا، وليس في العقل ما يحيلها.
الشيخ: جائزة عقلًا لكن غير واقعة شرعًا، والدليل على جوازها عقلًا أنها غير مستحيلة الرؤية، لو كان مستحيل ما كان سأل، لو كان الله لا يُرى لأنكر عليه كما أنكر على نوح سؤال ابنه لما قال: ﴿إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [سورة هود: 45- 46].
قارئ المتن: والدليل على جوازها في الدنيا سؤال موسى -عَلَيهِ السَّلام- لها، ومحال أن يجهل نبي ما يجوز على الله وما لا يجوز عليه، بل لم يسأل إلَّا جائزًا غير مستحيل، ولكن وقوعه ومشاهدته من الغيب الذي لا يعلمه إلَّا من علمه الله، فقال الله تعالى: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ [الأعراف:143]، أي لن تطيق، ولا تحتمل رؤيتي، ثم ضرب له مثلًا ما هو أقوى من بنية موسى وأثبت، وهو الجبل.
وكل هذا ليس فيه ما يحيل رؤيته في الدنيا، بل فيه جوازها على الجملة، وليس في الشرع دليل قاطع على استحالتها ولا امتناعها، إذ كل موجود فرؤيته جائزة غير مستحيلة".
الشيخ: وإنما امتنعت رؤية الله في الدنيا لضعف قوة البشر وعدم تحملهم، فإذا كان يوم القيامة نشأهم الله تنشئة قوية فثبتوا فيها لرؤية الله، فهي من أعظم النعيم الذي يعطاه أهل الجنة.
﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ هنا عليها تعليق؟
قارئ المتن: قال ابن حِبَّان: "قد يتوهم من لم يحكم صناعة الحديث أن هذين الخبرين متضادان وليسا كذلك، إذ الله - جَلَّ وَعَلَا – فضَّل رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على غيره من الأنبياء، حتى كان جبريل من ربه أدنى من قاب قوسين ومحمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعلِّمُه جبريل حينئذ، فرآه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقلبه كما شاء. وخبر عائشة وتأويلها أنه لا يدركه تريد به في النوم ولا في اليقظة.
الشيخ: والصواب: أن الإدراك هو الإحاطة وهو قدرٌ زائد على الرؤية.
قارئ المتن: وقوله: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ فإنما معناه: لا تدركه الأبصار، يُرى في القيامة، ولا تدركه الأبصار إذا رأته؛ لأن الإدراك هو الإحاطة، والرؤية هي النظر، والله يرى ولا يدرك كنهه؛ لأن الإدراك يقع على المخلوقين، والنظر يكون من العبد ربه.
وخبر عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- أنه لا تدركه الأبصار، فإنما معناه: لا تدركه الأبصار في الدنيا وفي الآخرة إلَّا لمن يتفضل عليه من عباده، بأن يجعل أهلًا لذلك. واسم الدنيا قد يقع على الأرضين والسماوات وما بينهما؛ لأن هذه الأشياء بدايات خلقها الله - جَلَّ وَعَلَا – لتكتسب فيها الطاعات للآخرة التي بعد هذه البداية، فالنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى ربه في الموضع الذي لا يطلق عليه اسم الدنيا؛ لأنه كان منه أدنى من قاب قوسين حتى يكون خبر عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- أنه لم يره -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الدنيا من غير أن يكون بين الخبرين تضاد أو تهاتر.
الشيخ: غريبٌ التأويل هذا. هذا كلام ابن حِبَّان؟
قارئ المتن: نعم.
الشيخ: والصواب كما سبق أن الإدراك قدر زائد عن الإحاطة، أن معنى ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ يعني وإن كانت تراه الأبصار ولا تحيطه الرؤيا وهذا في الآخرة. أما التأويل غريب من ابن حبان هذا رحمه الله.
مداخلة: (59:52).
شرح الشيخ: يقول السماوات والأرض هي من الدنيا يراه فيها.
قارئ المتن: وقال القاضي عياض: "ولا حجة لمن استدل على منعها - أي رؤية الله- بقوله تعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام:103] لاختلاف التأويلات في الآية. وإذ ليس يقتضي قول من قال في الدنيا الاستحالة، وقد استدل بعضهم بهذه الآية نفسها على جواز الرؤية وعدم استحالتها على الجملة. وقد قيل: لا تدركه أبصار الكفار. وقيل: لا تحيط به. وهو قول ابن عباس، وقد قيل: لا تدركه الأبصار، وإنما يدركه المبصرون، وكل هذه التأويلات لا تقتضي منع الرؤية ولا استحالتها.
وأما احتجاجها بهذه الآية قال النووي: فالجواب عنه من أوجه.
الشيخ: النووي يرى الرؤية، يرى أن النبي رأى ربه فيجيب على عائشة. احتجاج عائشة.
قارئ المتن: فالجواب عنه من أوجه: أحدها: أنه لا يلزم من الرؤية وجود الكلام حال الرؤية فيجوز وجود الرؤية من غير كلام.
الثاني: أنه عام مخصوص.
والثالث: ما قاله بعض العلماء أن المراد بالوحي الكلام من غير واسطة، وهذا الذي قاله هذا القائل وإن كان محتملًا ولكن الجمهور على أن المراد بالوحي هنا الإلهام والرؤية في المنام وكلاهما يسمى وحيًا.
وأما قوله تعالى: ﴿أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الشورى:51] فقال الواحدي وغيره: "معناه غير مجاهر لهم بالكلام بل يسمعون كلامه -سبحانه وتعالى- من حيث لا يرونه، وليس المراد أن هناك حجابًا يفصل موضعًا من موضع ويدل على تحديد المحجوب فهو بمنزلة ما يُسمع من وراء الحجاب حيث لم ير المتكلم والله أعلم".
الشيخ: الصواب كما سبق إن النبي لم يراه بعين رأسه وإنما رآه بعين قلبه. كما قال....
ويجمع بين النصوص ما جاء من النصوص أو من الأقوال لأهل العلم أنه رآه يحمل على الرؤية بالفؤاد، وما جاء من النفي يحمل على الرؤية برأسه، وبذلك تجتمع الأدلة ولا تختلف.
قارئ المتن: ثم قال ابن خزيمة رحمه الله: "حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن حبيب عن أبي ثابت، عن ميمون بن شبيب، عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- قالت: إنها كانت في سفر، فأمرت لناس من قريش بغداء، فمر رجل غني ذو هيئة، فقالت: ادعوه. فنزل فأكل ومضى، وجاء سائل فأمرت له بكِسرة، فقالوا لها: أمرتينا أن ندعو هذا الغني، وأمرتِ لهذا السائل بكسرة!! فقالت: إن هذا الغني لم يجمل بنا إلَّا ما صنعنا به، وإن هذا السائل سأل فأمرت له بما أرضاه، وإن رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرنا أن ننزل الناس منازلهم.
الشيخ: تخريجه؟
قارئ المتن: قال: "إسناده ضعيف؛ لانقطاعه فإن ميمون بن شبيب لم يدرك عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها-، وقد أخطأ الحاكم فصححه في معرفة علوم الحديث، وقلده ابن الصلاح فقال في معرفة أنوع علم الحديث: "وقد صح عن عائشة".
قال العراقي معقبًا على كلام ابن الصلاح: "جزم المُصَنِّف بصحة حديث عائشة، وفيه نظر؛ فإن مسلما -رَحِمهُ اللهُ - ذكره في مقدمة صحيحه بغير إسنادٍ بصيغة التمريض، فقال: ذكر عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- أنها قالت: أمرنا رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكره.
وقد رواه أبو داود في سننه في أفراده من رواية ميمون بن أبي شبيب، عن عائشة، قالت: قال رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أنزلوا الناس منازلهم». ثم قال أبو داود بعد تخريجه: ميمون بن أبي شبيب لم يدرك عائشة. فلم يسكت عليه أبو داود، بل أعله بالانقطاع فلا يكون صحيحًا عنده، ولكن المُصَنِّف تبع في تصحيحه الحاكم؛ فإنه قال في علوم الحديث في النوع السادس عشر منه: فقد صحت الرواية عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها.
أخرجه: أبو داود، وأبو يعلى، والحاكم في معرفة علوم الحديث، وأبو نعيم في حلية الأولياء، وفي الْمُسْنَد المستخرج له. وعلقه مسلم في مقدمة الصحيح عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها.
الشيخ: والحاصل أن الحديث لا يصحُّ. «أنزلوا الناس منازلهم» وإن كان المعنى صحيح، لكن لا يصحُّ الحديث. «أنزلوا الناس منازلهم». هذا دلت عليه النصوص الأخرى إلَّا إذا قيل تشهد له، تكون له شواهد، لكن الحديث سنده ضعيف لا يصحُّ. ما يثبت حديث «أنزلوا الناس منازلهم»، ولكن المعنى صحيح. والمتن من الإتحاف والقصة من حديث الأولياء.
قارئ المتن: في التقريب هو ابن أبي شبيب الربعي، وفي السند عندنا ميمون بن شبيب.
الشيخ: يراجع التقريب.
قارئ المتن: حدثنا بندار، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا همام، عن قتادة عن أبي حسان الأعرج قال: إن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- فحدثاها أن أبا هريرة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: إن رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «الطيرة في المرأة والفرس والدار». فغضبت غضبًا شديدًا وطارت شِقة منها في السماء وشِقة في الأرض، وقالت: ما قاله: إنما قال: «أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك».
وعن عبد القدوس بن محمد بن شعيب بن الحبحاب قال: حدثنا عمرو - يعني ابن عاصم- عن همام، عن قتادة، عن أبي حسان الأعرج، به ح وعن أبي موسى قال: حدثنا عبد الصمد، عن همام، عن قتادة، عن أبي حسان الأعرج، به.
الشيخ: تخريجه؟
قارئ المتن: قال: "صحيح، أخرجه الطبري في تهذيب الآثار في مسند الإمام علي من طريق أبي داود بهذا الإسناد، وأخرجه أحمد والطحاوي في شرح معاني الآثار، وفي شرح مشكل الآثار من طرق عن همام بهذا الإسناد، وأخرجه أحمد والحاكم والبيهقي وابن عبد البر في التمهيد من طرق عن قتادة بهذا الإسناد، وأخرجه الطيالسي عن محمد بن راشد عن مكحول عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها.
قالت: لم يحفظ أبو هريرة؛ لأنه دخل ورسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: «قاتل الله اليهود، يقولون: إن الشؤم في ثلاث: في الدار، والفرس، والمرأة». فسمع آخر الحديث، ولم يسمع أوله.
شرح الشيخ: يعني غلطتهم في هذا. والصواب أن الحديث ثابت، «الشؤم في ثلاث: المرأة والفرس والدار»، وليس المراد من الحديث إنه يفهم منه أنه يجوز التشاؤم وإنما بعض الأعيان يجعل الله فيها نحسًا وشؤمًا فقد يصيب الإنسان متاعب من الدار، يموت الأولاد فتبدل بغيرها، وكذلك الفرس أو الدابة، ومثل السيارة قد يصيبه متاعب، والدابة قد تسقط من يركبها، وكذلك المرأة قد تكون مشؤومة فيبدلها بغيرها.
هذا ثابت لكن عائشة أنكرت هذا، وعائشة لها أشياء تنكر على بعض الصحابة، أنكرت أن الميت يعذب ببكاء أهله قالت: "لم يقل هذا وإنما قال اليهود تبكون واليهود يعذبون" أو كذا. وهي التي أخطأت -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- فهي التي وهمت، فهذا منها، والصواب أن الحديث ثابت.
ماذا قال عليه هنا؟
قال: فغضبت غضبًا شديدًا وطارت شِقة منها في السماء وشِقة في الأرض.
قال السندي ماذا؟
قارئ المتن: قال السندي: "كما في حاشية مسند أحمد قوله: "فطارت شقة، بكسر فتشديد، أي قطعة، وهذا مبالغة في الغضب والغيظ، يقال: قد انشق فلان من الغيظ، كأنه امتلأ باطنه به حتى انشق، ولعل هذا الغضب ليس لتكذيب أبي هريرة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فيما روى، بل لبيان أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاله إخبارًا عما كان الأمر عليه في الجاهلية، بمعنى أن الطيرة كانت في الجاهلية في هذه الأمور؛ فروى أبو هريرة على وجه يوهِم أن هذا الأمر حق، وهذا خطأ منه في التأويل، فغضبت لذلك، والله تعالى أعلم".
الشيخ: على كل حال مثل ما سبق، هي غضبت وقالت إنه لم يثبت، والحديث ثابت كما هو معلوم. وهو في كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب، أظنه في الصحيح أو في أحد الصحيحين. في بعض الألفاظ: «الشؤم في ثلاث: المرأة والفرس والدار»، وفي بعضها: «إن يكن الشؤم ففي ثلاث: ففي المرأة والفرس والدار» وعلى هذا تكون عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- وهمت في هذا، والحديث صحيح كما سبق أن قد يكون الشؤم في بعض هذه الأعيان، قد يكون فيها نحس وشؤم في الدار أو في الدابة أو الفرس، فيبدلها بغيرها.
يراجع إن شاء الله هذا الحديث غدًا: «الشؤم في ثلاث: المرأة والفرس والدار».
من أخرجه؟
قارئ المتن: قال الإمام البخاري: حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب عن الزهري، قال: أخبرني سالم عن عبد الله أن عبد الله بن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: «سمعت النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: «إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس والمرأة والدار».
الشيخ: فتكون عائشة وهمت -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. والحديث صحيح كما سبق، وليس فيه دليل على التطير، وإنما هذا مستثنى، هذه الأعيان الثلاثة قد يكون فيها نحسًا، وشؤمًا فإذا وجد فيها شيئًا من هذا يبدلها بغيرها. يبدل الدار ويبدل المرأة والفرس أو الدابة والسيارة، هذا مشاع حتى في السيارات الآن قد يحصل تكون السيارة متعبة يبدلها بغيرها.
قارئ المتن: حدثنا أبو حاتم محمد بن إدريس، قال: حدثنا منصور بن أبي مزاحم، قال: حدثنا أبو سعيد المؤدب، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- قالت: قال رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «من ولي من أمر المسلمين شيئًا فأراد الله به خيرًا جعل له وزيرًا صالحًا، إن نسي ذكَّره، وإن ذكره أعانه».
الشيخ: تخريجه؟
قارئ المتن: قال: "صحيح، وأبو سعيد المؤدب هو محمد بن مسلم بن أبي الوضاح، وثقه الإمام أحمد وابن معين، وأبو داود، والنسائي، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والعجلي، والفسوي، وابن سعدٍ، وابن شاهين، وأحمد بن صالح المصري، وابن حِبَّان".
وقد تكلم فيه البخاري وقال فيه نظر، لذا قال ابن حجر في التقريب صدوق يهم، ومع كل هذا فهو متابع، وحديثه هذا صحيحٌ، وقد أخطأ الدكتور بشار عواد معروف فضعف الحديث في تعليقه على تاريخ بغداد.
وقال أخرجه البزَّار كما في كشف الأستار والطبراني في الأوسط والقًضاعي في مسند الشهاب والخطيب في تاريخه من طريق يحيى بن سعيد عن عمرة به، وأخرجه إسحاق بن راهويه في مُسنده وأحمد وأبو داود والنسائي وفي الكبرى له، وأبو يعلى وابن حِبَّان والخلال في السُّنَّة والبيهقي. وفي شعب الإيمان له من طريق القاسم محمد عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- به.
الشيخ: والحديث صحيح، فيه أن من ولي من أمر المسلمين شيئًا، جعل له وزير صالح يذكِّره إذا نسي ويعينه إذا ذكر، وإن لم يرد الله به خيرًا جعل له وزير سوء لا يذكِّره ولا يعينه.
ماذا قال عليه؟ قال ابن الجوزي:
قارئ المتن: قال ابن الجوزي في معرض حديثه عن وزارة هارون لموسى: "وأما الوزير، فقال ابن قتيبة: أصل الوزارة من الوِزر وهو الحِمل، كأن الوزير قد حمل عن السلطان الثقل".
الشيخ: يعني الوزير كان يحمل عنه بعض الشيء، ولهذا تجد المراجعات تعرض كلها على الوزير ما يعرض على الملك إلَّا أشياء، التي يمهدها الوزير، أو يجيب عنها تمشي.
قارئ المتن: وقال الزجاج: اشتقاقه من الوزر، والوزر: الجبل الذي يُعتصم له لينجي من الهلكة، وكذلك وزير الخليفة، معناه الذي يعتمد عليه في أموره ويلتجئ إلى رأيه. وقال الماوردي: وإنما سأل موسى -عَلَيهِ السَّلام- الله تعالى أن يجعل له وزيرًا؛ لأنه لم يُرد أن يكون مقصورًا على الوزارة حتى يكون شريكًا في النبوة، ولولا ذلك لجاز أن يستوزره من غير مسألة. انتهى من زاد المسير.
الشيخ: الحديث صحيح، وهذا من علامة إرادة الله بالخير لولي الأمر أن يوفق لوزير صالح يُذكِّره إذا نسي ويعينه.
قارئ المتن: حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: حدثنا أبو عامر العقدي، قال: حدثنا أبو معروف عن عمرة بنت قيس، عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- قالت: قال رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الفِرار من الطاعون كالفرار من الزحف».
وعن محمد بن عمر المقدمي قال: حدثنا أُمية بن خالد، قال: حدثنا جعفر بن كيسان العدوي، عن عمرة بنت قيس، عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- به.
الشيخ: تخريجه؟
قارئ المتن: قال: "إسناده قوي؛ أبو معروف هو جعفر بن كيسان العدوي، قال عنه ابن معين: ثقة ليس به بأس روى عنه البصريون، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وعمرة بنت قيس العدوية وإن كانت مجهولة لتفرد أبي معروفة بالرواية عنها، لكنها قد توبعت كما في التخريج".
أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده، والبخاري في التاريخ الكبير من طريق أبي عامر العقدي، عن جعفر بن كيسان عن عمرة به، وأخرجه ابن سعد في طبقاته، وإسحاق بن راهويه في مسنده، وأحمد وأبو يعلى والدولابي في الكُنى والأسماء من طرق عن جعفر بن كسان به.
وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده والبزار كما في كشف الأستار وأبو يعلى والطبراني في الأوسط، وابن عبد البر في التمهيد من طرق عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- به.
الشيخ: قال ابن عبد البر في الطاعون؟
قارئ المتن: قال ابن عبد البر رحمه الله: "الطاعون: موت نازل شامل، لا يحل لأحد أن يفر من أرض نزل فيها إذا كان من ساكنيها، ولا أن يقدم عليه إذا كان خارجًا عن الأرض التي نزل بها، إيمانًا بالقدر ودفعًا لملامة النفس".
الشيخ: وهذا جاء في الحديث: إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منه».
نكمل....
وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع بالعلم النافع والعمل الصالح، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهدُ أن لا إله إلَّا الله، أستغفرك وأتوب إليك.