شعار الموقع

شرح ذيل مختصر المختصر من صحيح ابن خزيمة_13

00:00
00:00
تحميل
63

الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسول اللهِ، وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

أما بعد.

الحديث الأخير الذي كنا نتكلم عنه هو حديث «الفِرار من الطاعون كالفِرار من الزحف» قلنا: الحديث إسناده قوي، هنا قال ابن عبد البر: "الطاعون: موتٌ نازلٌ شامل، لا يحل لأحدٍ أن يفر من أرض نزل فيها إذا كان من ساكنيها، ولا أن يقدم عليه إذا كان خارجًا عن الأرض التي نزل بها، إيمانًا بالقدر ودفعًا لملامة النفس". هذا ابن عبد البر. هذا أخذًا بالحديث «إذا سمعتم بأرضًا كان بها الطاعون فلا تقدموا عليها، وإذا نزل بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا منها».

لكن الحديث فيه تشبيه الفرار من الطاعون بالفرار من الزحف، والفرار من الزحف من كبائر الذنوب توعد عليه بالنار قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)﴾ [سورة الأنفال: 15-16].

الفرار من الزحف من كبائر الذنوب؛ لأنه إذا فر خذل إخوانه، فهذا الحديث فيه زيادة على حديث: «إذا كان الطاعون في بلد فلا تقدموا عليها»، هنا في زيادة شبه الفرار من الطاعون كالفرار من الزحف، والحديث السابق: «إذا كان الطاعون في بلد فلا تقدموا عليها» نهي من القدوم عليها، لكن هذا فيه زيادة تشبيهه بالفرار من الزحف، فيكون من كبائر الذنوب.

والحديث قال المحشي: "إسناده قوي"، يراجع عليه إسناده السابق؛ لأنه الآن هذا الحديث فيه زيادة، فيه تشبيه الخروج من البلدة التي فيها الطاعون كالفرار من الزحف. في زيادة عندك في الحديث الذي ذكرناه أمس؟

قارئ المتن: ما عندي الآن أحسن الله إليك.

الشيخ: نعم. سَمِّ.

قارئ المتن: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِم، والحمدُ للهِ ربِّ العَالمين، وصَلَىَ اللهُ وَسَلَمَ عَلى نبيِّنا مُحمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللَّهُم اغْفِر لِشَيخِنَا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام الحافظ ابن خزيمة -رحمه الله تعالى- في (ذيل مختصر المختصر من المُسند الصحيح) عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:

حدثنا محمد بن عمر المقدمي، قال: حدثنا أُمية بن خالد، قال: حدثنا جعفر بن كيسان، عن معاذة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- قالت: دخلت على عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، فقالت: قال رسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تفنى أُمتي إلَّا بالطعن والطاعون». قلت: يا رسُول الله، هذا الطعن قد عرفناه، فما الطاعون؟ قال: «غُدَّة كغدة البعير، المقيم بها كالشهيد، والفار منها كالفار من الزحف».

الشيخ: الحديث يقول المحقق: "صحيح، أخرجه أحمد وكذلك انظر الحديث الذي بعده".

قوله الطعن: القتل بالرماح، عندك؟

قارئ المتن: قال: "الطعن: القتل بالرماح. والطاعون: المرض العام والوباء الذي يفسُد له الهواء فتفسد به الأمزجة والأبدان. أراد أن الغالب على فناء الأمة بالفتن التي تسفك فيها الدماء، وبالوباء، يقال: طُعِن الرجل فهو مَطعون وطعين، إذا أصابه الطاعون". النهاية.

الشيخ: يعني الحديث صحيح لا بأس به؛ لأن فناء هذه الأمة بالطعن: القتال الذي يحصل بينهم، ولاسيما في آخر الزمان كما هو حاصل الآن، قتال كثير، قلما الآن تجد بلد إلَّا وفيها قتال، فهذا هول في الأمة، ولهذا نرى الأمراض ومنها الطاعون، وهو مرضٌ وباء، ينبت ويحصل في مواقع اللحم كالإبط، باطن الركبة، وغير ذلك.

قال النووي: "يفسد له الهواء فتفسد به الأمزجة والأبدان".

 فيكون فناء هذه الأمة بهذين الأمرين:

بالقتال، وسفك الدماء الذي يكون بينهم.

وبالطاعون: الوباء، وبالأمراض.

ثم قال في آخره: «المقيم بها كالشهيد، والفار منها كالفار من الزحف»: المقيم في البلد التي بها الطاعون: يعني مع الصبر والاحتساب كالشهيد، فإذا أصابه ومات فهو شهيد، جاء في الحديث: «أنه شهيد»، أن الموت بالطاعون شهادة، «والفار منها كالفار من الزحف» هذا كالحديث السابق، فيه تحذير من الخروج من البلد التي فيها الطاعون، من باب الفرار من قدر الله، وأن الفرار منه كالفرار من الزحف يكون من كبائر الذنوب.

 

 

قارئ المتن: قال: "حدثنا عيسى بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، أنها قالت: سمعت عائشة تقول: قام رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات ليلة، فلبس ثيابه، ثم خرج، قالت: فأمرت جاريتي بريرة تتبعه، فتتبعته حتى جاء البقيع، فوقف في أدناه ما شاء الله أن يقف، ثم انصرف، فسبقته بريرة فأخبرتني، فلم أذكر له شيئًا حتى أصبح، ثم ذكرت ذلك له، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إني بُعثت إلى أهل البقيع لأُصلي عليهم»".

الشيخ: تخريجه؟

قارئ المتن: قال: "تخريجه -أحسن الله إليك-: إسناده قوي؛ اسم علقمة اسمها مرجانة قال عنها العجلي في الثقات: "مدنية تابعية ثقة"، وذكرها ابن حِبَّان في الثقات.

أخرجه: "مالك في الموطأ برواية الليثي، وابن سعد في طبقاته، وإسحاق بن راهويه في مسنده، وأحمد، والنسائي، وفي الكبرى له، وابن حِبَّان، والحاكم".

الشيخ: بعده.

قارئ المتن: قال ابن عبد البر: "يحتمل أن تكون الصلاة هنا الدعاء والاستغفار، وأن تكون كالصلاة على الموتى خصوصية له وليُعِم بصلاته من لم يصل عليه حين دفنه". انظر تنوير الحوالك.

شرح الشيخ: يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إني بُعثت إلى أهل البقيع لأُصلي عليهم» يعني الدعاء والاستغفار. وهذا فيه أن بريرة هي التي اتبعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

لكن جاء في صحيح مسلم في قصة أن عائشة هي التي اتبعته، وأنه خرج في أثناء الليل، وأنه صبر عليها حتى ظن أنها نامت، قالت: "ثم لبس حذائه بهدوء وفتح الباب وخرج قالت: فاحتجبت بخماري وتبعته، ثم جاء إلى البقيع ووقف طويلًا ودعا لهم، ثم رجع فرجعت، ثم أسرع فأسرعت حتى سبقته، فجاء ونَفَسِي تتصاعد، قال: مالكِ؟ قالت: لا شيء، قال: لتخبرنِّي أو لأخبرنَّ اللطيف الخبير؟ فأخبرته، فنكزها، قال: أتظنين أن يحيف الله عليكِ ورسوله؟ هي ظنت أنه سيذهب إلى بعض نسائه من الغَيرة.

والحديث فيه أنه دعا لهم واستغفر لهم.

هذه القصة فيها أن بريرة هي التي تبعته، يحتمل أنها قصة أخرى، إذا صح الحديث تكون هذه قصة أخرى، ويحتمل أنها وهم وأن التي اتبعته هي عائشة كما في صحيح مسلم، وليست بريرة. لكن هنا المُحشي يقول: "إسناده قوي" يراجع الحديث؛ لأن ما في صحيح مسلم مقدم إلَّا إن قيل إن هذه قصة ثانية، لكن المعروف في صحيح مسلم أن عائشة هي التي اتبعته رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا.

قارئ المتن: ثم قال رَحِمهُ اللهُ تَعالى: "روى ابن وهبٍ قال: حدثني إبراهيم بن نشيط الوعْلانِي، عن ابن أبي حسين - وهو عبد الله بن عبد الرحمن – عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- قالت: إن رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يُكثر في دعائه أن يقول: «اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك». قالت: قلت: يا رسُول الله، أوَ إن القلوب لتتقلب؟! قال: «نعم، ما من خلق الله من بني آدم من بشر إلَّا أن قلبه بين أُصبعين من أصابع الله، فإن شاء الله عز وجل أقامه، وإن شاء أزاغه، فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة، إنه هو الوهاب». قالت: قلت: يا رسُول الله، ألا تُعلمني دعوة أدعو بها لنفسي؟ قال: «بلى، قولي اللهم ربَّ محمدٍ النبي اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن ما أحييتنا».

حدثناه أحمد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا عمي، به.

الشيخ: هذا الحديث يقول: "إسناده ضعيف؛ لضعف شهر بن حوشب، وتقديم المُصَنِّف المتن على السند دليل ضعفه عنده، ولجزئه الأول شواهد يتقوى بها.

أخرجه: الطيالسي، وابن أبي شيبة، وأحمد، ولكن هذا الدعاء دعاء عظيم، «اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك». كان يكثر أن يقول: «اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك»، وكذلك حديث: «اللهم ربَّ محمدٍ النبي اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأعذني من مضلات الفتن ما أبقيتني». هذا ثابت أيضاً في الدعاء. كان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكثر أن يقول: «اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك»، وكذلك الدعاء الثاني: «اللهم ربَّ محمدٍ النبي اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأعذني من مضلات الفتن ما أبقيتني». هذا ثابت أيضاً. ولو لم يصحُّ الحديث، لكن هذان الدعوتان دعوتان عظيمتان، صحتا من غير هذا الحديث.

شهر بن حوشب فيه كلام لأهل العلم، تكلم هنا الحافظ نقل عن الراغب، تقليبه، «يا مقلب القلوب» قال ابن حجر؟

قارئ المتن: قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قال الراغب: تقليب الشيء: تغييره من حالٍ إلى حال، والتقليبُ التصرف، وتقليب الله القلوب والبصائر صرفها من رأي إلى رأي، وقال الكرماني ما معناه: كان يحتمل أن يكون المعنى بقوله: «مقلب» أنه يجعل القلب قلبًا لكن مظان استعماله تنشأ عنه، ويستفاد منه أن إعراض القلب كالإرادة وغيرها بخلق الله تعالى، وهي من الصفات الفعلية ومرجعها إلى القدرة....

شرح الشيخ: لا شك أن الله تعالى هو الخلاق، خالق العباد وأفعالهم. ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات:96].

قارئ المتن: وقال البيضاوي: في نسبة تقلب القلوب إلى الله إشعار بأنه يتولى قلوب عباده، ولا يكلها إلى أحد من خلقه، وفي دعائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك». إشارة إلى شمول ذلك للعباد حتى الأنبياء، ورفع توهم من يتوهم أنهم يستثنون من ذلك.....

الشيخ: ويرد على هذا أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما قالت له عائشة تُكثر من هذا الدعاء: «يا مقلب القلوب» فهل تخاف؟

فقال: «يا عائشة، وما يؤمنني وقلوب العباد بين أُصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء».

قارئ المتن: وخص نفسه بالذكر إعلامًا بأن نفسه الزكية إذا كانت مفتقرة إلى أن تلجأ إلى الله سبحانه، فافتقار غيرها ممن هو دونه أحق بذلك". فتح الباري.

الشيخ: وهذا الدعاء، دعاءٌ عظيم، كان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكثر منه «اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك». «قلوب العباد بين أُصبعين من أصابع الرحمن يقلبها»: فيه إثبات الأصابع لله عز وجل، وفيه إثبات الفعل أن الله تعالى ....... وفيه إثبات القدر، وأن الله مقلب القلوب، وكان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكثر من القسم: «لا ومقلب القلوب».

فيه إثبات الأصابع لله عز وجل، جاء في الحديث الآخر: إثبات خمس أصابع: «إن الله يضع السماء على إصبع، والأراضين على إصبع، والماء والثرى على إصبع، والشجر على إصبع، وسائر الخلق على إصبع» خمسة أصابع لله عز وجل.

وفيه أنه يجب أن نلجأ لله عز وجل وأن الهداية بيد الله، والغواية بيد الله، خلاف المعتزلة قالوا: "إن العبد هو الذي يهدي نفسه، ويضل نفسه". هذا من أبطل الباطل. الله تعالى يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ويضل من يشاء، كذلك هذا الدعاء دعاءٌ عظيم في تلاوة القرآن نسأل الله ألا يزيغ قلوبنا، ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران:8] هذا دعاءٌ عظيم في القرآن الكريم.

وكذلك الدعاء: «اللهم ربَّ محمدٍ النبي اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأعذني -وفي لفظة وأجرني- من مضلات الفتن ما أبقيتني».

مداخلة: أحسن الله إليك. هذا خاص ولا عام؛ لأن النبي قال: «اللهم ربَّ محمدٍ النبي»؟

الشيخ: لا عام هذا يُستحب، يقال هذا كل واحد. «اللهم ربَّ محمدٍ النبي اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأعذني من مضلات الفتن ما أبقيتني». هذا دعاء عظيم.

قارئ المتن: قال: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: حدثنا عمي، قال: حدثني مخرمة بن بُكير بن عبد الله بن الأشج، عن أبيه، عن عروة بن الزبير، قال: قالت: أم سلمة -زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذكرتُ المسيح الدجال ليلة فلم يأتني النوم، فلما أصبحت دخلت على رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرته، فقال: «لا تفعلي، فإنه إن يخرج وأنا حي يكفيكموه الله بي، وإن يخرج بعد أن أموت يكفيكموه الله بالصالحين». ثم قال: «ما من نبي إلَّا وقد حذر أُمته الدجال، وإني أُحذركموه، إنه أعور، وإن الله ليس بأعور، إنه يمشي في الأرض، وإن الأرض والسماء لله، ألا إن المسيح عينه اليمنى كأنها عِنبة طافية».

الشيخ: تخريجه؟

قارئ المتن: تخريجه أحسن الله إليك، قال: "إسناده قوي؛ محمد بن عبد الرحمن صدوق حسن الحديث، وقد أنكرت عليه بعض الأحاديث، وهذا ليس منها، وقد رجع عما أنكر عليه؛ وقد قيل لابن خزيمة: لم رويت عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب وتركت سفيان بن وكيع؟ فقال: لأن أحمد بن عبد الرحمن لما أنكروا عليه تلك الأحاديث، رجع عنها عن آخرها إلَّا حديث مالك عن الزهري: إذ حضر العشاء. انتهى من تهذيب الكمال.

والحديث لا بأس، وله شواهد وفيه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أول الأمر لم يعلم متى خروج الدجال؛ ولهذا قال: «إن يخرج فيكم وأنا فيكم أكفيكموه» في اللفظ الآخر في صحيح مسلم: «إن يخرج فيكم وأنا فيكم فأنا حجيجه، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه». وهنا قال: «إن يخرج وأنا حي يكفيكموه الله بي، وإن يخرج بعد أن أموت يكفيكموه الله بالصالحين». ثم بُين له النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لا يخرج في زمانه وأنه يخرج في آخر الزمان.

وكان ابن صياد مراهق من اليهود دجال من الدجاجلة، وكان يتكلم بكلام، وكان يختل يسمع كلام يظن أنه الدجال، كان بعض الصحابة أيضاً يحلف أنه هو الدجال، هو دجال من الدجاجلة، لكن ليس هو الدجال الأكبر، الدجال الأكبر يخرج آخر الزمان، بعد ذلك بُين للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الدجال إنما يخرج آخر الزمان، ولا يخرج في زمانه.

وفيه أن الدجال جاء في الأحاديث أنه رجلٌ من بني آدم وأنه أعور العين اليمنى، يخرج أولًا ويدَّعي الصلاح، يدَّعي أنه رجلٌ صالح، ثم يدَّعي النبوة، ثم يدَّعي الربوبية، وجاء في الحديث أن الذي يقتله هو المسيح ابن مريم، الدجال يخرج في آخر الزمان، في زمن المهدي الذي هو أول أشراط الساعة الكبار، ثم ينزل عيسى ابن مريم من السماء ويقتله، ثم يخرج يأجوج ومأجوج في زمان عيسى. أربعة، أشراط متوالية من أشراط الساعة الكبار.

وفيه أن كل نبي حذر أمته من الدجال؛ لأنه لم يُبين لهم متى يخرج، والنبي أيضاً حذر أمته من الدجال، وفي أول الأمر لم يُبين له، ولا يدري هل يخرج في زمانه أو بعد زمانه؟ ثم بُين له أنه لا يخرج في زمانه، وأنه يخرج في آخر الزمان.

والدجال جاء وصفه أنه: رجلٌ أعور، عينه اليمنى كأن عينه عنبة طافية، وأنه مكتوب بين عينيه كافر يقرأها كل مؤمن سواء كان بقارئ أو ليس بقارئ، كاف فاء راء، قوله: «إن الله ليس بأعور»: فيه إثبات العين لله عز وجل وأن الله له عينان سليمتان، الأعور هو الذي ليس له إلَّا عين واحدة، والله ليس بأعور له عينان سليمتان.

وفيه أن الدجال يمشي على الأرض، والله تعالى مالك السموات والأرض هو فوق العرش، والدجال النقص موجود فيه، لكن الله لا يتبعه أمم يضلهم الله؛ لأنهم لا يصبرون على شرف العيش؛ لأن من يتبعه يحصل له رخاء، ويحصل له نعمة، ومال، ورغد من العيش، والأنعام التي تكون فيها اللبن، والذي لا يتبعه يمحل ويصيبه الفقر، ولا يصبر على شرف العيش، ولهذا يتبعه أُناس يقولون: نعلم أنه كذاب لكن لنعيش عيشة رغيدة، نعوذ بالله من الفتن.

فالنقص واضح، رجل يأكل ويشرب ويبول ويتغوط وعينه عورة، ما يستطيع أن يزيل العورة التي في عينه، يدعي الربوبية ويُصدق؟! نسأل الله السلامة والعافية، نعوذ بالله من زيغ القلوب. كيف يكون رب وما استطاع أن يزيل العورة التي في نفسه. نسأل الله الثبات على دينه.

قارئ المتن: قوله المسيح: سُمي به عيسى عليه السلام والأعور الدجال. أما عيسى فسمي به؛ لأنه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إلَّا برئ.

الشيخ: هذا المسيح الدجال مسيح الضلالة، والمسيح ابن مريم مسيح الهداية، يقتل مسيح الهدى مسيح الضلالة.

قارئ المتن: أما عيسى فسمي به؛ لأنه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إلَّا برئ. وقيل: لأنه كان أمسح الرِجل: أي لا أخمص له، وقيل: لأنه خرج من بطن أمه ممسوحًا بالدهن، وقيل: لأنه كان يمسح الأرض أي: يقطعها، وقيل: المسيح: الصديق، وقيل: هو بالعبرانية: مشيحًا، فعُرِّب، وأما الدجال فسمي به لأن عينه الواحدة ممسوحة، ويقال: رجل ممسوح الوجه ومسيح، وهو ألا يبقى على شقي وجهه عين ولا حاجب إلَّا استوى، وقيل: لأنه يمسح الأرض: أي يقطعها، وقال أبو الهيثم: إنه المِسْيح، بوزن سِكْيت، وإنه الذي مُسح خلقه: أي شوه وليس بشيء.

الدجال: هو الذي يظهر في آخر الزمان يدَّعي الألوهية، وفَعَّال من أبنية المبالغة: أي يكثر من الكذب والتلبيس. النهاية.

مداخلة: قوي.

الشيخ: عندك قوي؟

مداخلة: محمد بن عبد الرحمن.........

الشيخ: لكن ما دل له شواهد كثيرة، يراجع السند، هنا قال محمد بن عبد الرحمن، وهنا أحمد بن عبد الرحمن، يراجع.

قارئ المتن: قال: حدثنا أبو الرداد، قال: أخبرني أبو زُرعة وهب الله بن راشد، عن حيوة، قال: سمعت يزيد بن أبي حبيب قال: حدثني ناعم، أن مروان خطب إلى أم سلمة -زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم عمر، فقالت أم سلمة: إني لم أكن لأُنكحك ما دمت أميرًا – وكان أميرًا على المدينة- فلما أُمِّرَ سعيد بن العاص على المدينة وصرف مروان قالت أم سلمة: الآن أُنكحك؛ فإن خير أيامك الأيام التي لا تكون فيها أميرًا. فأنكحت أم عمر من مروان.

الشيخ: ماذا قال عليه؟

قارئ المتن: قال: "إسناده حسن، أبو الرداد هو عبد الله بن عبد السلام، أبو الرداد المصري وهو صدوق".

الشيخ: هذا فيه كأن أم سلمة ترى أن ترك الإمارة، وترك الولاية، خير قالت: "فإن خير أيامك الأيام التي لا تكون فيها أميرًا".

لما خطب منها أم عمرو، رفضت، امتنعت أن تزوجها، فلما ترك الإمارة زوجته، قالت: "الآن أُنكحك".

وجاء في الحديث: «إنكم تحرصون على الإمارة وستكون ندامة إلَّا من أخذ بحقها»، جاء أيضاً أن الإمام العادل من السبعة الذين يضلهم الله في ظله يوم لا ظل إلَّا ظلُه. فمن عدل فهو خير، ومن جار فشرٌ عليه ووبال. أسأل الله السلامة والعافية.

مداخلة: أحسن الله إليك. أنكحتها، هل المرأة تُنكح ابنتها؟

الشيخ: نعم. يعني توافق، والذي يتولى العقد ليس المرأة ولكن توافق على تزويجها.

قارئ المتن: وعن عبد الجبار بن العلاء قال: حدثنا سفيان، عن عمار الدُّهني، عن أبي سلمة، عن أم سلمة، عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عن أم سلمة، عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «قوائم منبري رواتب في الجنة».

الشيخ: والحديث يقول: صحيح، أخرجه عبد الرزاق، والحميدي، وأحمد، والنسائي، وغيرهم.

وقوله: عمَّار الدُّهني، والدهن: قبيلة من بجيلة.

وقوله: قوائم من بني رواتب، الراتب: الثابت الدائم في الجنة.

هذا مثل الحديث الآخر، ومنبري: على حوضي، وأنه قال بعض العلماء: أن المعنى أنه إن العبادة فيه تؤدي إلى دخول الجنة، وقيل إنه نفس المكان يُنقل، ويكون جزء من الجنة، والله أعلم.

هنا قال: القوائم: الرواتب، قوائم منبري رواتب: يعني ثابتة في الجنة، في الجنة في نفس البقعة أو إنها تؤدي إلى الجنة، والله أعلم.

الحديث في الصحيح، ومنبري: على حوضي.

الإسناد والمتن من (الإتحاف). وقال الحافظ ابن حجر: حديث ابن خزيمة ليس في سماعنا.

ما المقصود ليس في سماعنا؟

مداخلة: لم يسمعه.

الشيخ: لم يسمعه مِن مَن؟ المعروف بينه وبين ابن خزيمة مسافات، كيف ليس في سماعنا؟

مداخلة: (34:33) عن طريق السماع منه.

الشيخ: هذا يؤثر في الصحة؟ على كل حال له شواهد، منبري: على حوضي.

قارئ المتن: ثم قال رحمه الله تعالى: حدثنا عبد الجبار بن العلاء، قال: حدثنا سفيان بن عُيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه، عن سباع بن ثابت، عن أم كُرز الكعبية، قالت: سمعت رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: «ذهبت النبوة، وبقيت المبشرات».

شرح الشيخ: والحديث يقول المؤلف: "صحيح، أخرجه الحميدي، وأحمد، والدارمي، وغيرهم".

يقول ذهبت النبوة وبقيت المبشرات، جاء في الحديث الآخر: «الرؤية الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له» هذه من المبشرات.

قال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)﴾ [يونس: 62-64].

النبوة انتهت لكن بقيت المُبشرات، ومنها الرؤية الصالحة يراها الإنسان لنفسه، أو تُرى له، فهذه من المبشرات، بقيت.

ذهبت النبوة: يعني نبوة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انتهت، وانقطعت النبوة بموت النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاتم النبيين، ولا نبي بعده، انتهت النبوة، بقيت المبشرات.

التعليق على قوله المراد من المبشرات؟

قارئ المتن: ذهبت المراد نبوته: والمبشرات بكسر الشين المعجمة جمع مُبشرة، وهي البشرى، وفسرت بأنها الرؤيا الصالحة، وقيل: وللآدمي رُوحان، فإذا نام خرجت روح فأتت الحميمَ الصدِّيق والبعيد والقريب، فما كان منها في ملكوت السماوات فهي الصادقة، وما في الهواء فأضغاث.

قال ابن التين معنى الحديث: أن الوحي انقطع بموت المصطفى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يبق ما يعلم منه ما سيكون إلَّا الرؤيا ويَرد عليه الإلهام فإن فيه إخبارًا بما سيكون وهو للأنبياء بالنسبة للوحي كالرؤيا وتقع لغير الأنبياء، وقد أخبر كثير من الأنبياء والأولياء عن أمور فكانت كذلك وجوابه أن الإلهام نادرٌ وخاص فلا يَرد.

انظر: فيض القدير.

الشيخ: فيض القدير: يعني التحقيق فيه كلام.

المقصود أن النبوة انتهت وبقيت مُبشرات منها الرؤيا الصادقة، وأما مسألة الإلهام فيه نظر.

مداخلة: أحسن الله إليكم. قول ابن حجر ليس في السماع ذكر في مقدمة الإتحاف قال: "وأما صحيح ابن خزيمة فوقع لي قطعٌ مسموعة قرأتها على العماد أبي بكر ابن إبراهيم الفَردي بصالحية دمشق، ثم ذكر إسناده إلى ابن خزيمة، ثم قال: وقد بينتُ ما ليس مسموعًا منه عند كل حديث".

الشيخ: يصير بعضه مسموع له وبعضه ليس بمسموع.

قارئ المتن: فقال الإمام ابن خزيمة -رحمه الله تعالى- قال: حدثنا عبد الجبار بن العلاء، قال حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه، عن سباع بن ثابت، عن أم كُرز الكعبية -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- أنها سمعت النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: «أقرُّوا الطير على مكِناتها».

الشيخ: التخريج؟

قارئ المتن: قال: "هذا الحديث حصل فيه خلاف بين أهل العلم فقد صححه المُصَنِّف كما هنا، وتلميذه ابن حِبَّان، وصححه الحاكم، وسِباع بن ثابت مختلف فيه، فمنهم من عدَّه من الصحابة، لكن قال الذهبي في الميزان: "سِباع بن ثابت عن أمر كُرزٍ لا يكاد يعرف له «أقرُّوا الطير على مكِناتها». تفرد به عبيد الله بن أبي يزيد المكي، وله علة.

الشيخ: قال ابن حِبَّان في قوله: «أقرُّوا الطير على مكِناتها»....

قارئ المتن: قال ابن حِبَّان: قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أقرُّوا الطير على مكِناتها» لفظة أمرٍ مقرونة بترك ضده، وهو أن لا ينفروا الطيور على مكناتها، والقصد من هذا الزجر عن شيء ثالث، وهو أن العرب كانت إذا أرادت أمرًا جاءت الى وكر الطير فنفرته، فإن تيامن مضت للأمر الذي عزمت عليه، وإن تياسر أغضضت عنه، وتشاءمت به فزجرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عن استعمال هذا الفعل بقوله «أقرُّوا الطير على مكِناتها».

الشيخ: لأن العرب كانوا يتشاءمون بالطيور، فكان أحدهم إذا أراد سفرًا أو تجارةً أو زواجًا زجر الطير، فإن ذهبت جهة اليمين تيمن ومضى، وإذا ذهبت جهة الشمال أحجب وترك، وكذلك أيضاً كانوا يستقسمون بالأزلام كان لهم أقداح، قدح مكتوب عليه افعل، وقدح مكتوب عليه لا تفعل، وقدح قُفل، فإذا أراد سفرًا أو تجارة أجال الأقداح فإن خرج القدح الذي فيه افعل؛ مضى، وإن خرج القدح الذي فيه لا تفعل؛ أحجب، وإن خرج القدح الغُفل أعادها مرة أخرى حتى يخرج أحدهما.

فلما جاء الإسلام أبطل الله التشاؤم وجعله من الشرك، وكذلك الاستقسام بالأزلام وعوضهم بالاستخارة والتوحيد، يصلي ركعتين ويقول: "اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر –ويسمي الزواج أو السفر- خيرٌ لي في ديني ودنياي وأهلي ومالي فيسره لي.... إلى آخر الدعاء، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌ لي فاصرفه عني واصرفني عنه.

وكذلك الاستشارة، الاستخارة والاستشارة، فإن انشرح صدره لأحد الأمرين مضى، وإلا أعاد الاستخارة والاستشارة.

 فهذا إن صح الحديث: «أقرُّوا الطير على مكِناتها»: يعني اتركوها، بمعنى لا تزجروا الطير، العرب كانوا متعلقين بزجر الطير والتشاؤم، يسمون الطير إذا جاءك من أمامك (الناطح والنطيح)، والذي يأتي من خلفك: (القاعد والقعيد).

يسمون (السوالح والبوراح)، وتعلقت أنفسهم بها، ولا يذهب أحد حتى يزجر الطير، وإذا كان لا يعرف أن يزجر يذهب إلى متخصص، بعض القبائل متخصصة في هذا، مثل: قبيلة بني لهب.

يقول الشاعر الجاهلي:

خبيرٌ بنو لهبٍ فلا تكُ مُلغيًا
 

***

مقالة لهبيٍ إذا الطير مرتِ
 

 
 

 

 إذًا يقول: "بنو لهب عندهم خبرة بزجر الطير، إذا زجر الطير واحد من بني لهب لا تلغي مقالته؛ لأنهم عندهم خبرة" هكذا عقولهم لما بعدوا عن نور الإله.

خبيرٌ بنو لهبٍ فلا تكُ مُلغيًا
 

***

مقالة لهبيٍ إذا الطير مرتِ
 

 

 

هذا شعر جاهلي.

فالنبي قال: «أقروا الطير على مكناتها» لا تزجروها، وبَيَّن أن التشاؤم بالطيور وكذلك بغير الطيور من الشرك.

قوله قال الخطابي. أكمل.

قارئ المتن: قال الخطابي في معالم السنن: "قوله مكناتها قال أبو الزناتي الكلابي: لا نعرف للطير مكنات وإنما هي وكنات وهي موضع عش الطائر".

 وقال أبو عبيد: وتفسير المكنات على غير هذا التفسير يقول: لا تزجروا الطير ولا تلتفتوا إليها أقروها على مواضعها التي جعلها الله لها من أنها لا تضر ولا تنفع وكلاهما له وجه.

وقال الشافعي: كانت العرب تولع بالعيافة وزجر الطير، فكان العربي إذا خرج من بيته غاديًا في بعض حاجته نظر هل يرى طيرًا يطير فيزجر سنوحه أو يردعه، فإذا لم يرى ذلك عمد إلى الطير الواقع على الشجر فحركه ليطير ثم ينظر أي جهة يأخذ فيزجره، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «أقروا الطير على مَكِناتها لا تطيروها، ولا تزجروها».

الشيخ: ما الطير هذه يحركه يمينًا وشمالًا؟! طير، حيوان، ليس له عقل! إذا طار جهة اليمن تيامن، لكن هذه العقول وصلت إلى هذا؛ لبعدها على نور الله.

قارئ المتن: وقيل: قوله «اقروا الطير على مكناتها» فيه كالدلالة على كراهة صيد الطير بالليل.

 وقال ابن الاثير في النهاية: المكنات: في الأصل: بيض الضباب، واحدتها: مكِنة، بكسر الكاف وقد تفتح، ويقال: "مكنت الضبة، وأمكنت".

 قال أبو عبيد: جائز في الكلام أن يستعار مكن الضباب فيجعل للطير، كما قيل: مشافر الحبش، وإنما المشافر للإبل.

 وقيل: المكنات بمعنى الأمكنة يقال: الناس على مكِناتهم وسكناتهم: أي على أمكنتهم ومساكنهم.

وقيل: المكنة: من التمكن، كالطلبة والتبعة، من التطلب والتتبع، يقال: إن فلانًا لذو مكنة من السلطان: أي كان ذو تمكن، يعني: أقروها على مكنة ترونها عليها، ودعوا التطير بها.

وقال الزمخشري: يروى: مكناتها، جمع مكن، ومكن: جمع مكان، كصعدات في صعد وحُمرات في حمر.

الشيخ: والحاصل أن معنى الحديث: ترك زجر الطير، والتشاؤم بها كما كان يفعله الجاهلية، والنهي عما كان يفعله أهل الجاهلية من التشاؤم بالطيور.

«أقرُّوا الطير على مكِناتها»: يعني اتركوها لا تزجروها.

مداخلة: (46:59).

الشيخ: لا، هذه مسألة أخرى، التسمية هذه غير هذه، لكن المكنات يعني الأمكنة، المراد مكناتها: الأماكن، مكان قرارها وسكونها. وذلك معنىً آخر.

مداخلة: (47:24).

الشيخ: وقال ابن الاثير في النهاية: المكنات: في الأصل: بيض الضباب، واحدتها: مكِنة. وصحيح أن هذه نوع من الجراد يسمى عندنا، لكن هذه اللغة العربية تؤيد هذا.

مكنة هذا نوع من الجراد التي فيها غير الأصفر، الأصفر خفيف، وهذا يسمى مكن، يعني نوع قد يكون فيه قريب من المادة.

مداخلة: الاستخارة -أحسن الله إليك- لا بد أن يرتاح لها فيمضي ....

 

 

الشيخ: نعم. يمضي لما ينشرح له صدره، فإن لم يتبين له أعاد الاستخارة مرةً أخرى والاستشارة.

قارئ المتن: قال: حدثنا محمد بن إدريس الشافعي، قال: حدثنا سفيان بن عيينه، عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه عن سباع بن ثابت، عن أُم كُرز الكعبية رضي الله عنها، به.

 قال الشافعي في تفسيره للحديث في السُّنَّة المأثورة: إن علم العرب كان في زجر الطير والبوارح والخط والاعتياف، كان أحدهم إذا غدا من منزله يريد أمرًا نظر أول طائر يراه، فإن سبح عن يساره واحتال عن يمينه قال: هذه طير الأيامن فمضى في حاجته ورأى أنه سيتنجحها، وإن سبح عن يمينه فمر عن يساره قال: هذه طير الأشائم فرجع، قال: هذه حاجة مشئومة.

الشيخ: هذا كله تابع للشرح؟

قارئ المتن: هذا في المتن أحسن الله إليك.

الشيخ: هكذا كانوا في الجاهلية، هذا فيه بيان ما عليه أهل الجاهلية من زجر الطير، والاعتياف هي زجر الطير، والبوارح، والخط، إذا أحدهم إذا غدا من منزله يريد أمرًا نظر أول طائر يراه فإن سبح عن يساره واحتال عن يمينه، يعني مر عن يساره ثم ذهب عن يمينه؛ تيامن، قال: هذا طير الأيامن، مضى في حاجته سواء كان سفرًا أو تجارة أو غيرها. ورأى أنه سينجح وأن حاجته ناجحة، وإن سبح عن يمينه ومر عن يساره؛ تشاءم، وقال: هذا طير الأشائم فرجع عن حاجته وقال: هذه نذير شؤم. هكذا، ولهذا بين النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن التشاؤم بالطيور وغيرها: «إن الطيرة شرك، إن الطيرة شرك».

قال: «ليس منا من تطير أو تُطير له، أو تكهن أو تُكهن له، أو سَحر أو سُحر له».

ما تكلم عن بحر؟ ولا تكلم عن السند؟

قارئ المتن: ما تكلم أحسن الله إليك. لكن طريق أخرى للحديث السابق.

الشيخ: هو نفس الحديث السابق؟

قارئ المتن: الحديث السابق أيضاً عن سفيان بن عيينة، نفس الإسناد.

الشيخ: قال: حدثنا عبد الجبار بن العلاء، قال حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه، عن سباع بن ثابت..... نعم السابق.

والمقصود أن العرب كانوا يتشاءمون بالطيور وغيرها، إذا طار جهة اليمين تيامنوا، وإذا طار جهة الشمال تشاءموا.

 

 

قارئ المتن: حدثنا يوسف بن موسى، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن أم مبشر الأنصارية قالت: دخلت على رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حائط، فقال: «لكِ هذا؟». قلت: نعم. فقال: «مَن غرسه؟ مسلم أو كافر؟». قلت: مسلم. قال: «ما من مسلم يزرع، أو يغرس غرسًا، فيأكل منه طائر، أو إنسان، أو سبع، أو شيء إلَّا كان له صدقة».

الشيخ: تخريجه؟

قارئ المتن: قال: "صحيح، أخرجه مسلم".

الشيخ: قال النووي في الحديث....

قارئ المتن: قال النووي في الحديث: "فضيلة الغرس، وفضيلة الزرع، وأن أجر فاعلي ذلك مستمر ما دام الغراس والزرع، وما تولد منه إلى يوم القيامة، وفيه أن الثواب والأجر في الآخرة مختص بالمسلمين، وأن الإنسان يثاب على ما سُرق من ماله أو أتلفته دابة أو طائر ونحوهما".

وقد اختلف العلماء في أطيب المكاسب وأفضلها فقيل: التجارة، وقيل: الصنعة باليد، وقيل: الزراعة، وهو الصحيح.

الشيخ: يعني يرجح النووي أن الزراعة هي الأفضل.

إذًا الحديث فيه فضل الغرس وفضل الزراعة، وأن لها ثواب مستمر إلى يوم القيامة، وأنه يثاب على ما سُرق أو أُتلف أو أخذ من ماله، لكن بقي إذا باع بستانه فهل يكون الأجر للبائع أم للمشتري؟

غرس وزرع ثم باعه لشخص آخر، انتقلت ملكيته فالأجر مستمر إلى يوم القيامة لمن يكون؟

للأول البائع الذي غرس وزرع أم للثاني لأنه انتقل إليه الملك؟

مداخلة: (54:30) للذي غرس.

الشيخ: فيه دلالة على أن الأجر مختص بالمسلمين. إذا غرس الكافر ....... وجاء في الحديث: «أن الكافر إذا عمل عملًا خير في الدنيا يطعم بها طعمة، يجازى بها صحة في بدنه، أو فرطًا في ماله وولده، ثم يفضي إلى الآخرة ولا ثواب له» أعوذ بالله.

مداخلة: (55:06).

الشيخ: قوله إلَّا كان له صدقة: باعه لغيره وصار الطائر يأكل من مُلك المشتري.

مداخلة: (55:31).

الشيخ: يثاب على نيته لكن باعه.

مداخلة: (55:39) قبل الغرس.....

الشيخ: «ما من مسلم يزرع، أو يغرس غرسًا، فيأكل منه طائر، أو إنسان، أو سبع، أو شيء إلَّا كان له صدقة». يعني ولو باعه وهذا هو الظاهر.

قارئ المتن: قال: حدثنا أبو هاشم، قال: حدثنا هشيم، عن العوام – وهو ابن حوشب- عن إبراهيم بن يزيد التيمي قال في قوله: ﴿وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾ [النجم:13] قال: رآه بقلبه ولم يره ببصره.

الشيخ: تخريجه؟

قارئ المتن: قال: "إسناده صحيح". فقط.

الشيخ: الإسناد. والمتن من الإتحاف، حكم عليه؟

قارئ المتن: قال: إسناده صحيح.

الشيخ: لا، هذا الذي بعده.

قارئ المتن: هذا أربعة وثلاثين أحسن الله إليكم.

الشيخ: أربعة وثلاثين إسناده صحيح، وهذا مروي عن ماذا؟

عن إبراهيم بن يزيد التيمي قال في قوله: ﴿وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾ [النجم:13] قال: رآه بقلبه ولم يره ببصره: يعني الضمير يعود إلى الله، والصواب أن الآية في جبريل، ﴿وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾ كما سبق.

 رآه: رأى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبريل -عَلَيهِ السَّلام- بالهيئة التي خلق عليها، وليس هذا في رؤية الله، لكن إبراهيم بن يزيد هنا يرى أن الآية في رؤية النبي لربه، والصواب أن الآية في رؤية جبريل، ﴿وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾ [النجم:13] يعني رآه مرتين على الصورة التي خلق عليها، مرة في السماء ليلة المعراج، ومرة في الأرض وقت البعثة في غار حراء.

لكن هذا اختلاف الصحابي في فهم الآية أنها في رؤية الله، والصواب أن الآية في رؤية الرسول لجبريل.

أما الله فلم يره أحد في الدنيا على الصحيح، حتى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه رآه بقلبه ولم يره بعينه.

قارئ المتن: قال: حدثنا محمد بن عمر المقدمي، قال: حدثنا أشعث بن عبد الله - هو الخراساني- عن شعبة، عن إسماعيل بن أبي خالد قال في قوله: ﴿عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا﴾ [ص:16]. قال: رِزقنا.

الشيخ: الحديث إسناده صحيح.

قال ابن الجوزي؟

قارئ المتن: قال ابن الجوزي في زاد المسير: "في سبب قولهم هذا قولان:

أحدهما: أنه لما ذكر لهم ما في الجنة، قالوا هذا، قاله سعيد بن جبير، والسدي.

الشيخ: ﴿عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا﴾ [ص:16]: يعني نصيبًا في الجنة.

قارئ المتن: والثاني: أنه لما نزل قوله: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ [الحاقة:19] قالت قريش: زعمت يا محمد أنا نؤتى كتبنا بشمائلنا؟ فعجل لنا قطنا، يقولون ذلك تكذيبًا له، قاله أبو العالية ومقاتل.

وفي المراد بالقط أربعة أقوال:

أحدها: أنه الصحيفة، قاله أبو صالح عن ابن عباس. قال الفراء: القط في كلام العرب: الصك، وقال أبو عبيد: القط: الكتاب، والقطوط: الكتب بالجوائز، وإلى هذا المعنى ذهب الحسن، ومقاتل، وابن قتيبة.

والثاني: أن القط: الحساب، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثالث: أنه القضاء، قاله عطاء الخراساني، والمعنى أنهم لما وعدوا بالقضاء بينهم، سألوا ذلك.

والرابع: أنه النصيب، قاله سعيد بن جبير.

قال الزجاج: القط: النصيب، وأصله الصحيفة يكتب للإنسان فيها شيء يصل إليه، واشتقاقه من قططت، أي قطعت، فالنصيب: هو القطعة من الشيء. ثم في هذا القول للمفسرين قولان: أحدهما: أنهم سألوه نصيبهم من الجنة، قاله سعيد بن جبير.

والثاني: سألوه نصيبهم من العذاب، قاله قتادة. وعلى جميع الأقوال، إنما سألو ذلك استهزاء؛ لتكذيبهم بالقيامة.

الشيخ: نسأل الله العافية، يعني قريش قالت: ﴿عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا﴾: عجل لنا حسابنا، عجل لنا ما وعدتنا به في الآخرة، وهذا مثل قوله تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)﴾ [الأنفال: 32]، نعوذ بالله من الشقاء، لو هدوا قالوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فوفقنا له ووفقنا للتصديق به، لكن الشقاء غلب عليهم، فقالوا: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)﴾، ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال:33].

وفي الآية السابقة قالوا: ﴿رَبنا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا﴾ عجل لنا العذاب الذي وعدتنا به إن كنت صادق. استهزاء، نعوذ بالله، عجل لنا حسابنا وما وعدتنا به في الآخرة هذا هو الأقرب. الحساب وما وعدتنا به في الآخرة، قالوا ذلك استهزاءً نعوذ بالله من زيغ القلوب.

هنا قال إسماعيل بن خالد: رزقنا، والأقرب كما سبق أنهم قالوا ذلك استهزاءً.

قارئ المتن: قال: حدثنا محمد بن معمر، قال: حدثنا روح، قال: حدثنا عوف، عن الحسن قال: بلغني أن رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئل، قيل: يا رسُول الله، هل يرى الخلق ربنا يوم القيامة؟ فقال رسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يراه من شاء أن يراه». فقالوا: يا رسُول الله، فكيف يراه الخلق مع كثرتهم والله واحد؟ فقال رسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أرأيتم الشمس والقمر في يوم صحو لا غيم دونهما هل تضارون في رؤيتهما؟».

قالوا: لا. قال: «إنكم لا تضارون في رؤيته كما لا تضارون في رؤيتهما».

الشيخ: تخريجه؟

قارئ المتن: قال: إسناده ضعيف لإرساله. لم أقف عليه.

الشيخ: الحديث مرسل عن الحسن، مراسيل الحسن ضعيفة، قوله: بلغني أيضاً، لكن قوله: «يراه من شاء أن يراه» جاء في الحديث الصحيح: «إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر» وفي لفظ: «وكما ترون الشمس صحوًا ليس دونها سحاب».

يعني أن المؤمنين يرون ربهم من فوقهم، كما يُرى السحاب من فوق. أن الله فوق.

قوله: «يراه من يشاء أن يراه»: هذه يراه المؤمنون كما ثبت في الأحاديث، والكفار يحجبون عن الله.

وجاء في الحديث ما يدل على أن المؤمنين وكذلك المنافقين يرون في موقف القيامة، ثم يسجدون له، المنافق يجعل الله ظهره طبقًا فلا يستطيع السجود: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42)﴾ [القلم: 42]. أسأل الله السلامة والعافية.

فالحديث ضعيف؛ لأنه مرسل لكن المعنى صحيح، أنهم يرون الله كما يرون الشمس والقمر ليس بينهما سحاب، لكن قوله: «يراه من شاء أن يراه» هذا فيه نظر.

قارئ المتن: قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا سفيان، عن أشعث بن سوار، عن الحسن البصري قال في قوله تعالى: ﴿عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا﴾. قال: عقوبتنا.

شرح الشيخ: كذلك أيضاً هذا عن الحسن البصري ضعيف وفيه أشعث بن سوار وهو موقف على الحسن البصري، فهو ضعيف، ﴿عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا﴾. قال: عقوبتنا. لكن المعنى صحيح كما سبق، يعني ما وعدتنا به إن كنت صادق من باب الاستهزاء، عجل لنا العقوبة التي وعدتنا بها، لكن السند ضعيف.

قارئ المتن: حدثنا سلم، قال: حدثنا وكيع، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن البصري قال في قوله: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ [سبأ:23]. قال: جُلِّي عن قلوبهم.

الشيخ: والحديث قال إسناده؟

قارئ المتن: قال: إسناده صحيح.

الشيخ: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ الصواب أنها في الملائكة، فُزِّع عن قلوبهم، زال الفزع، يفسر الحديث أن الله تعالى إذا تكلم بالأمر خضعت السماوات وأنه يصيب الملائكة غشي يفزعون. ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ زال الفزع، قال: "جُلِّي عن قلوبهم"، هذا الصحيح ﴿إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ يعني زال الفزع عن قلوبهم على أحد القولين.

قال في الحاشية هنا ماذا؟

قارئ المتن: وفي المشار إليهم فيها قولان:

أحدهما: أنهم الملائكة، وقد دل الكلام على أنهم يفزعون لأمر يطرأ عليهم من أمر الله، وفي سبب فزعهم قولان: أحدهما: أنهم يفزعون لسماع كلام الله تعالى. والثاني: أنهم يفزعون من قيام الساعة.

وفي السبب الذي ظنوه بدنو الساعة ففزعوا، قولان:

أحدهما: أنه لما كانت الفترة التي بين عيسى ومحمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِما وَسَلَّمَ- ثم بعث الله محمدًا، أنزل الله جبريل بالوحي، فلما نزل ظنت الملائكة أنه نزل بشيء من أمر الساعة، فصعقوا لذلك، فجعل جبريل يمر بكل سماء ويكشف عنهم الفزع ويخبرهم أنه الوحي.

وقيل: لما علموا بالإيحاء إلى محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فزعوا؛ لعلمهم أن ظهوره من أشراط الساعة.

والثاني: الذي ظنوه دنوًا للساعة: أن الملائكة المعقبات الذين يختلفون إلى أهل الأرض، ويكتبون أعمالهم إذا أرسلهم الله تعالى فانحدروا، يُسمع لهم صوت شديد، فيحسب الذين هم أسفل منهم من الملائكة أنه من أمر الساعة، فيخرون سجدًا، ويصعقون حتى يعلموا أنه ليس من أمر الساعة، وهذا كلما مروا عليهم.

والقول الثاني: أن الذي أشير إليهم المشركون.

الشيخ: يعني القول الأول أنهم الملائكة وهذا هو الظاهر. ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ [سبأ:23] هم يفزعون لأمر يطرأ لهم من أمر الله، لأنهم يسمعون كلام الله، فإذا سمعوا كلام الله صُعقوا. خروا له سجدًا.

الثاني: أنهم يفزعون من أمر الساعة، وهذا فيه نظر، قوله: الذي ظنوه دنوًا للساعة ففزعوا لما كانوا في فترة بين عيسى ومحمد ثم بعث الله محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنزل إليه الوحي فلما نزل ظنت الملائكة أنه نزل بشيء من أمر الساعة، فصعقوا، وهذا بعيد والقول الأول أقرب.

وقيل: لما علموا بالإيحاء إلى محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فزعوا؛ لعلمهم أن ظهوره من أشراط الساعة.

والثاني: ظنوه دنوًا للساعة: أن الملائكة الذين يختلفون على الأرض ويكتبون أعمالهم إذا أرسلهم الله في الحضر يسمع لهم صوت شديد، فيحسب الذين هم أسفل منهم أنه من أمر الساعة، فيخروا سجدًا ويصعقون حتى يُبين لهم أنه ليس من أمر الساعة .....

وهذا مرجوح، والصواب: أنهم الملائكة، وأن سبب الصعق: سمعوا كلام الله، كما في الحديث: «سمعوا كلام الله فصُعقوا وخروا له سجدًا» الأحاديث يفسر بعضها بعضًا. وليس المراد قيام الساعة. هذا هو الصواب.

والقول الثاني؟

قارئ المتن: والقول الثاني: أن الذي أشير إليهم المشركون.

الشيخ: وما الذي أشار إليهم؟

   قارئ المتن: ﴿فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾.

الشيخ: القول الأول: المشار إليهم الملائكة.

والثاني: المشركون. ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ [سبأ:23].

قارئ المتن: ثم في معنى الكلام قولان:

أحدهما: أن المعنى: حتى إذا كُشِّف الفزع عن قلوب المشركين عند الموت - إقامة للحجة عليهم - قالت لهم الملائكة: ماذا قال ربكم في الدنيا؟ قالوا: الحق. فأقروا حين لم ينفعهم الإقرار.

والثاني: حتى إذا كُشِّف الغطاء عن قلوبهم يوم القيامة، قيل لهم: ماذا قال ربكم؟ انظر: زاد المسير.

الشيخ: في معنى الكلام قولان أين الكلام؟

قارئ المتن: لعله يقصد معنى الآية.

الشيخ: حتى إذا كُشِّف الفزع عن قلوب المشركين عند الموت - إقامة للحجة عليهم - قالت لهم الملائكة: ماذا قال ربكم في الدنيا؟ قالوا: الحق. فأقروا حين لم ينفعهم الإقرار.

 والثاني: حتى إذا كُشِّف الغطاء عن قلوبهم يوم القيامة، قيل لهم: ماذا قال ربكم؟ انظر: زاد المسير.

الأول: كُشِّف عن قلوب المشركين عند الموت.

والثاني: يوم القيامة.

والأقرب والله أعلم كما سبق، أن الأحاديث يُقسر بعضها بعضًا، المراد الملائكة، وأنه سبب صعقهم كلام الله، وأنه يكشف عن قلوبهم: يكشف عنهم الصعق فيقول ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق. هذا هو الذي تدل عليه النصوص، والنصوص يفسر بعضها بعضًا.

قارئ المتن: قال: حدثنا عمي إسماعيل، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا المعتمر بن سليمان، عن المبارك بن فضالة قال: "كان الحسن البصري يحلف بالله لقد رأى محمد ربه".

الشيخ: تخريجه؟

قارئ المتن: قال: "إسناده حسنٌ من أجل المبارك بن فضالة وهو قد جالس الحسن قرابة ثلاثة عشر أو أربعة عشر سنة".

شرح الشيخ: قال: "كان الحسن البصري يحلف بالله لقد رأى محمد ربه"، يعني هذا الأثر عن الحسن، لكن هنا لم يفصل هل رآه بقلبه أم بعين رأسه؟  إن كان رآه بعين رأسه فالصواب أنه لم يراه بعين رأسه، وإن كان بعين قلبه فهذا هو الصواب.

قارئ المتن: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا محمد بن يوسف، عن سفيان، عن ثابت بن هرمز، عن سعيد بن جبير، قال في قوله تعالى: ﴿عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا﴾ [ص:16]. قال: نصيبنا من الجنة.

وعن سلم بن جنادة قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي المقدام ثابت بن هرمز، عن سعيد بن جبير، به.

الشيخ: تخريجه؟

قارئ المتن: قال: "إسناده قوي؛ أخرجه: الطبري، وفي تفسيره من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري به".

الشيخ: في تفسير: ﴿عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا﴾ [ص:16]. قال: نصيبنا من الجنة.

هذا تفسير سعيد بن جُبير، يعني تفسير بعض التابعين، وكذلك ......

وكما سبق الصواب: أنه ﴿عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا﴾ عجل لنا ما وعدتنا به من العذاب، من باب الاستهزاء.

وعن سلم بن جنادة هذا ثابت رواه عن سعيد بن جُبير به. قال: الإسناد والمتن من الإتحاف.

﴿عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا﴾ يعني نصيبنا من الجنة، قالوها من باب الاستهزاء، أو عجل لنا العقوبة.

قارئ المتن: قال: حدثنا أبو موسى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت أبا حمزة – وهو جارهم – يحدث، أن أنسًا قال: قال رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمعاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «اعلم أنه من مات وهو يشهد أن لا إله إلَّا الله، دخل الجنة».

وقرأت على بندار، أن ابن أبي عدي حدثهم، عن شعبة، عن صدقة، أن أنس بن مالك حدثهم، عن معاذ، به.

قال أبو بكر: صدقة هذا رجل من آل أبي الأحوص.

وعن محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس، به.

وعن محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: حدثنا المعتمر، عن أبيه، عن أنس، أنه ذكر له أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لمعاذ: «من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة». قال: أفلا أُبشر الناس؟ قال: «لا، إني أخاف أن يتكلوا».

وعن أبي الأشعث قال: حدثنا المعتمر، نحوه.

وعن محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا يزيد بن زُريع، قال: حدثنا سُليمان، عن أنس قال: ذكر لي أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لمعاذ. لم أسمعه منه.... فذكره.

وعن محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا بشر – يعني ابن المفضَّل – قال: حدثنا التيمي، مثله.

وعن أحمد بن عبدة قال: حدثنا حمَّاد، عن عبد العزيز بن صُهيب، عن أنس، عن معاذ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، به.

وعن يونس بن عبد الأعلى قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني سلمة بن وردان قال: كُنت جالسًا مع أنس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فقال: جاء معاذ بن جبل -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- من عند رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-... فذكر هذا الحديث. قال أنس: فقلت له: أذهب إلى رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأسأله؟ قال: نعم. قال: فأتاه فسأله، فقال: «صدق معاذ». ثلاثًا.

وعن بشر بن خالد العسكري قال: حدثنا سعيد، عن سلمة بن وردان، نحوه.

وعن محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو نُعيم، عن سلمة، به.

وعن محمد بن يحيى قال: حدثنا جعفر بن عون، عن سلمة، به.

قال ابن خزيمة: أنا أبرأ من عُهدة سلمة، وقد أخطأ في هذا الإسناد، إذ زعم أن أنسًا سمع هذا من معاذ؛ لأن سليمان التيمي وهو أحفظ من عددٍ مثل سلمة وأعلم بالحديث رواه عن أنس قال: ذكر لي أن معاذ بن جبل قال..... فذكره.

الشيخ: أول حديث قال: حديث صحيح؟

قارئ المتن: قال: "صحيح. اللفظ الأول: «اعلم أنه من مات وهو يشهد أن لا إله إلَّا الله دخل الجنة»، أخرجه: أحمد، والبخاري، والنسائي".

واللفظ الثاني: «من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة». أخرجه: النسائي، وأبو يعلى، والطبراني، وابن منده في الإيمان عن أنس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بلفظ: أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لمعاذ......

الشيخ: والحديث صحيح. الحديث: أنه قال: «من مات وهو يشهد أن لا إله إلَّا الله، دخل الجنة». في حديث معاذ بين له أن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به، وأن من مات على ذلك فهو من أهل الجنة. وهذا صحيح، أن من مات ويشهد أن لا إله إلَّا الله؛ دخل الجنة.

هذا صحيح. دلت عليه النصوص، يعني من مات يشهد أن لا إله إلَّا الله عن صدق وإخلاص، لا عن نفاق قوله: "يعلم" العلم معناه اليقين. يتقين، يصدق، العلم: التصديق واليقين، من مات مُصدق، متيقن أن لا إله إلَّا الله دخل الجنة، لكنه يجب عليه العمل في حياته، فإذا لم يعمل وهو يقدر ولم يعمل شيئًا، ترك الصلاة، فهذه رِدة عند الصحابة، كما نقل (1:18:37).

هنا قال أبو بكر: صدقة هذا رجل من آل أبي الأحوص. له علاقة بالسند؟

قارئ المتن: السند الذي قبله. عن شعبة عن صدقة أن أنس بن مالك حدثهم عن معاذ به، السطر الذي قبل كلام المؤلف.

الشيخ: وقرأت على بندار، أن ابن أبي عدي حدثهم، عن شعبة، عن صدقة، أن أنس بن مالك حدثهم، عن معاذ، به.

قال أبو بكر: صدقة هذا رجل من آل أبي الأحوص.

وعن محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس، به.

وعن محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: حدثنا المعتمر، عن أبيه، عن أنس، أنه ذكر له أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لمعاذ: «من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة». قال: أفلا أُبشر الناس؟ قال: «لا، إني أخاف أن يتكلوا».

هنا اللفظ الثاني يقول: أخرجه النسائي في العمل والليلة. وهو ثابت، يعني كله بلفظه «من مات وهو يشهد أن لا إله إلَّا الله دخل الجنة»، «من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة».

التعليق على قول: «من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة»؟

قارئ المتن: قال: "أي من لقي الأجل الذي قدره الله يعني الموت. ويحتمل أن يكون المراد البعث أو رؤية الله تعالى في الآخرة.

واقتصر على نفي الإشراك........

شرح الشيخ: من لقي الله: يعني من لقي الأجل الذي يموت عليه، أو المراد البعث، أو رؤية الله عز وجل في الآخر.

اقتصر على نفي الإشراك؛ «من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة». واقتصر ماذا؟

قارئ المتن: واقتصر على نفي الإشراك؛ لأنه يستدعي التوحيد بالاقتضاء، ويستدعي إثبات الرسالة باللزوم، إذ من كذب رسُول الله فقد كذب الله ومن كذب الله فهو مشرك. انظر فتح الباري.

الشيخ: وهذا صحيح: «من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة». «من مات وهو يشهد أن لا إله إلَّا الله» يعني يعلم وهما اللفظان متلازمان، «من مات وهو يعلم أن لا إله إلَّا الله»: أي: يحقق كلمة التوحيد فلا يقع في أمره شِرك.

واللفظ الثاني: «من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة». كلاهما متلازمان.

مداخلة: نفس اللفظة يا شيخ، حق أبا ذر: «رغم أنف أبا ذر، وإن سرق وإن زنا، دخل الجنة»

الشيخ: «من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة»، و «من مات وهو يعلم أن لا إله إلَّا الله دخل الجنة». لا شك. فالذي لا يشرك بالله معناه موحد، والذي يعلم أن لا إله إلَّا الله معناه موحد. المراد التوحيد.

أعد قوله: من لقي الأجل.

 

قارئ المتن: قال: "أي من لقي الأجل الذي قدره الله يعني الموت. ويحتمل أن يكون المراد البعث أو رؤية الله تعالى في الآخرة.

واقتصر على نفي الإشراك؛ لأنه يستدعي التوحيد بالاقتضاء، ويستدعي إثبات الرسالة باللزوم، إذ من كذب رسُول الله فقد كذب الله ومن كذب الله فهو مشرك.

الشيخ: مسألة التوحيد، «من لقي الله لا يشرك به شيئًا»: فالذي لا يشرك معناه موحد، ويستدعي إثبات الرسالة باللزوم، إذ من كذب رسُول الله فقد كذب الله ومن كذب الله فهو مشرك. هذا حق.

بعده؟

 أعد عن أبي الأشعث.

قارئ المتن: وعن أبي الأشعث قال: حدثنا المعتمر، نحوه.

وعن محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا يزيد بن زُريع، قال: حدثنا سُليمان، عن أنس قال: ذكر لي أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لمعاذ. لم أسمعه منه.... فذكره.

وعن محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا بشر – يعني ابن المفضَّل – قال: حدثنا التيمي، مثله.

وعن أحمد بن عبدة قال: حدثنا حمَّاد، عن عبد العزيز بن صُهيب، عن أنس، عن معاذ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، به.

وعن يونس بن عبد الأعلى قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني سلمة بن وردان قال: كُنت جالسًا مع أنس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فقال: جاء معاذ بن جبل -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- من عند رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-... فذكر هذا الحديث. قال أنس: فقلت له: أذهب إلى رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأسأله؟ قال: نعم. قال: فأتاه فسأله، فقال: «صدق معاذ». ثلاثًا.

الشيخ: يعني صدق في قوله أنه: «اعلم أنه من مات وهو يشهد أن لا إله إلَّا الله دخل الجنة» صدق في هذا.

قارئ المتن: وعن بشر بن خالد العسكري قال: حدثنا سعيد، عن سلمة بن وردان، نحوه.

وعن محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو نُعيم، عن سلمة، به.

وعن محمد بن يحيى قال: حدثنا جعفر بن عون، عن سلمة، به.

قال ابن خزيمة: أنا أبرأ من عُهدة سلمة، وقد أخطأ في هذا الإسناد، إذ زعم أن أنسًا سمع هذا من معاذ؛ لأن سليمان التيمي وهو أحفظ من عددٍ مثل سلمة وأعلم بالحديث رواه عن أنس قال: ذكر لي أن معاذ بن جبل قال..... فذكره.

الشيخ: ابن خزيمة قال: "أنا أبرأ من عهدة سلمة" سلمة في السند؟

قارئ المتن: سلمة بن وردان، لكن هذا فيه تصديق معاذ.

مداخلة: يا شيخ، كان ما ورد أن معاذ اختلط به في آخر حياته تأثمًا .....

الشيخ: هذا لما أخبره «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله ألا يعذبهم» كتمها ثم أخبر بها عند موته تأثمًا، لكن ابن خزيمة قال: "أنا أبرأ من عهدة سلمة"، وقد أخطأ في هذا الإسناد، زعم أن أنسًا سمع هذا من معاذ، لأن سليمان التيمي وهو أحفظ من معاذ بن سلمة وأعلم بالحديث رواه عن أنس قال: "ذكر لي أن معاذ"، سلمة الآن في السند؟

قارئ المتن: قال أنس: فقلت له: أذهب إلى رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأسأله؟ قال: نعم. قال: فأتاه فسأله، فقال: «صدق معاذ». ثلاثًا.

مداخلة: يعني أنس ذهب للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسأله.

الشيخ: يقول: "أخطأ في هذا الإسناد، لأنه زعم أن أنسًا سمع هذا من معاذ". والحديث رواه عن أنس قال: ذُكر لي، فذكره.

كلام ابن خزيمة الآن هل يؤثر على صحة الحديث؟

قارئ المتن: يروي إن الأحفظ من أبو سلمة خالفه؛ لأنه قال: ......

الشيخ: الحديث الأول ما فيه سلمة؟

حدثنا أبو موسى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت أبا حمزة – وهو جارهم – يحدث، أن أنسًا قال: قال رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمعاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «اعلم أنه من مات وهو يشهد أن لا إله إلَّا الله، دخل الجنة».

وقرأت على بندار، أن ابن أبي عدي حدثهم، عن شعبة، عن صدقة، أن أنس بن مالك حدثهم، عن معاذ، به.

قال أبو بكر: صدقة هذا رجل من آل أبي الأحوص.

وعن محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس، به.

الحديثان السابقان ما فيهما سلمة.

هل فيهما سلمة؟

قارئ المتن: ما فيهما.

الشيخ: يعني رواية هنا ما يضر الآن. هل يضر الآن؟

قارئ المتن: على الرواية الأولى يكون مُرسل صحابي، يكون أنس لم يسمعه من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

الشيخ: حديث معاذ ما فيه أنس.

في الثاني أنس. لكن الرواية عن ماذا؟

قارئ المتن: أنه ذكر له ........

الشيخ: أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لمعاذ.

مداخلة: رواية الصحابي ليست متصلة لا يروي إلَّا عن صحابي.

الشيخ: قال: لأن سليمان التيمي وهو أحفظ من عددٍ مثل سلمة وأعلم بالحديث رواه عن أنس قال: ذكر لي أن معاذ بن جبل قال..... فذكره.

قارئ المتن: وذكر في الحاشية قبل ذلك -أحسن الله إليك - أن البخاري أخرجه عن أنس بلفظ: ذكر لي أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لمعاذ".

الشيخ: أين ذكره؟

قارئ المتن: في الصفحة الأولى 39، وأخرجه أحمد، والبخاري، والنسائي في الكبرى، عن أنس بلفظ: «ذكر لي أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لمعاذ».

الشيخ: المؤلف يقول: سليمان التيمي وهو أحفظ من عددٍ مثل سلمة وأعلم بالحديث رواه عن أنس قال: ذكر لي أن معاذ بن جبل قال..... فذكره.

يعني الإشكال عن سلمة، هل سلمة الكلام فيه؟

قارئ المتن: في التقريب قال: "ضعيف سلمة بن وردان".

الشيخ: على كل حال لا يؤثر حتى إذا صح الحديث. له شواهد كثيرة تدل على أن: «من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة». فيه أحاديث كثيرة، والشواهد كلها تشهد له.

زعم أنه سمع هذا من معاذ. أقول ما يضر هذا، ابن خزيمة يقول: أنا أبرأ من عُهدة سلمة.

مداخلة: يمكن الإشكال قوله أن أنس هنا أراد أن يتثبت من الحديث، على رواية سلمة، والمعروف أن الحديث ما رواه معاذ إلَّا بعد موت الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولعله هذا الإشكال عند ابن خزيمة.

الشيخ: لا، الذي أراه أنه بلفظة غير هذا. لما قال: «أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ ثم قال: أخبر الناس؟ قال: لا تخبرهم فيتكلوا». هذا بلفظ آخر.

مداخلة: عندنا «قال: أفلا أُبشر الناس؟ قال: «لا، إني أخاف أن يتكلوا».

الشيخ: لكن لفظه: «أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟»، ويكون شاهد في هذا، على كل حال ما يضر أيضاً؛ لأن في أحاديث كثيرة تدل على «أن من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة». الأحاديث كثيرة كلها شواهد حتى ولو أخطأ سلمة فلا يضر.

استشكال ابن خزيمة له وجه، لكن يكون له شواهد.

مداخلة: الاستشكال في السند وليس في المتن.

الشيخ: المتن ثابت. له شواهد كثيرة أن «أن من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة». والسند هذا ما يضر.

مداخلة: إرسال الصحابي لا يضر.

الشيخ: لكن قوله: أني ذكر لي.

قارئ المتن: في فتح الباري قال: "قوله: ذكر لي هو الضم على البناء لما لم يسمي فاعله، ولم يسمي أنسٌ من ذكر له ذلك في جميع ما وقفت عليه من الطرق، وكذلك جابر بن عبد الله كما قدمناه من عند أحمد؛ لأن معاذًا إنما حدَّث به عند موته بالشام، وجابر وأنس إذ ذاك بالمدينة، فلم يشهداه، وقد حضر ذلك من معاذ عمرو بن ميمون الأودي أحد المخضرمين كما سيأتي عند المُصَنِّف في الجهاد".

 الشيخ: يعني جعله نفس......

على كل حال الحديث ثابت ولا شك في هذا، وأن النصوص الكثيرة دلت على «أن من لقي الله لا يشرك به شيئًا موحدًا دخل الجنة»، ولا يضر هذا.

كم رقم الحديث الآن.

قارئ المتن: مائتين واثنين وأربعون.

الشيخ: كم ما أخذناه عشرين مقرر؟

قارئ المتن: أخذنا سبعة عشر حديثًا.

الشيخ: إن شاء الله في المساء نكمل. نقف على هذا الحديث.

وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع بالعلم النافع والعمل الصالح، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهدُ أن لا إله إلَّا الله، أستغفرك وأتوب إليك.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد