السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سمِّ ما رقم آخر حديث الذي وقفنا عليه؟
قارئ المتن: مائتين واثنين وأربعين.
الشيخ: الحديث الذي قبله قلنا: قول ابن خزيمة: "أنا أبرأ من عُهدة سلمة بن وردان" وقد أخطأ في هذا الإسناد إذ زعم أن أنسًا سمع هذا من معاذ؛ لأن سليمان التيمي وهو أحفظ من عددٍ مثل سلمة وأعلم بالحديث رواه عن أنس قال: ذكر لي أن معاذ بن جبل قال..... فذكره.
قلنا إن هذا لا يؤثر؛ لأن الحديث له شواهد كثيرة تدل على أن من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة. أن من مات على التوحيد ولم يشرك بالله شيئًا لا بد أن يدخل الجنة إن عاجلًا أو آجلًا، من مات على توحيدٍ خالص لم يُلطخ بالمعاصي ولا بالبدع، ما أصر على معاصي دخل الجنة من أول وهلة.
- لأنه إما من السابقين المقربين الذين يتقربوا بالنوافل بعد أداء الفرائض.
- أو من المقتصدين أصحاب (1:28) الذين يقتصرون على أداء الواجبات وترك المحرمات.
وكلاهما يدخلون الجنة من أول وهلة.
وإن مات على توحيدٍ أضعفه بالمعاصي والكبائر فهذا على خطر من دخول النار، وهو تحت المشيئة قد يُغفر له، وقد يعذب في قبره، وقد يصيبه أهوال وشدائد في موقف القيامة، وقد يستحق دخول النار ويشرع فيه فلا يدخل، وقد يدخل النار جملة، ثم يُطهر، وإذا طُهر أخرج منها إلى الجنة.
بهذا يعني يتبين أن الحديث صحيح على كل حال، وإن حصل خطأ في هذا السند ما يضر؛ لأن الحديث له شواهد كثيرة تدل على أن من مات على التوحيد ولقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة إن عاجلًا أو آجلًا.
قارئ المتن: فقال الإمام ابن خزيمة -رَحِمهُ اللهُ تَعالى- في صحيحه فيما نقله الحافظ بن حجر في إتحاف المهرة:
قال: حدثنا العباس بن عبد العظيم وزياد بن أيوب وعبد الله بن الحكم، قالوا: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا عاصم، قال: سألت أنسًا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أحرَّم رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة؟ قال: نعم، هي حرامٌ، حرَّمها الله ورسوله، لا يُختلى خلاها، فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
شرح الشيخ: والحديث صحيح أخرجه: الشيخان وغيرُهما. وهذا فيه وعيد شديد يدل على أمرين:
الأمر الأول: المدينة لها حرم كما أن مكة لها حرم، ولكن حُرمة الحرم المكي أعظم فإن الحرم المكي من انتهك شيئًا منها فيه الفدية، من قتل حمامة فعليه شاة، ومن اقتلع شجرة قال العلماء: كبيرة، فعليه كذا وكذا.
وأما حرم المدينة فهو أخف يجوز أخذ شيئًا منها للحاجة، ولا يختلى خلاها.
وفيه دليل على أن من اختلى خلى المدينة فهو مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب، لأنه عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
واللعن: هو الطرد والإبعاد من رحمة الله.
قال الحافظ بن حجر؟
قارئ المتن: قال الحافظ بن حجر رحمه الله: "المراد بلعنة الملائكة والناس المبالغة في الإبعاد عن رحمة الله، والمراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه في أول الأمر، وليس هو كلعن الكافر".
الشيخ: المراد باللعن هو: الطرد والإبعاد من رحمة الله، ويدل على ذلك أن فاعل ذلك يرتكب كبيرة من كبائر الذنوب، معلوم أن العاصي المسلم ليس كالكافر، هذا معلوم.
قارئ المتن: قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا هشام، عن قتادة بن دِعامة، عن أنس بن مالك، أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «ليصيبنَّ قومًا سفعةٌ من النار بذنوب عملوها، ثم يدخلهم الله الجنة يقال لهم: الجهنميون».
وعن محمد بن يحيى القُطعي وعبيد الله بن يوسف الجبيري، قالا: حدثنا محمد بن مروان - وهو العقيلي – قال: حدثنا هشام، نحوه.
وعن محمد بن يحيى الذهلي قال: حدثنا سعيد بن عامر، عن هشام، به.
وعن محمد بن يحيى الذُّهلي قال: حدثنا وهب بن جرير، عن هشام، به.
وعن أبي موسى قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، به.
وعن محمد بن يحيى، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة وثابت، عن أنسٍ، نحوه.
وعن أحمد بن المقدام، عن المعتمر، عن أبيه، عن قتادة، به.
شرح الشيخ: يقول: الإسناد والمتن من الإتحاف، والحديث صحيح.
ذكر المحقق من خرَّجه: ابن أبي عاصم في السُّنَّة، وأحمد، والبخاري أيضاً. يعني في الصحيح، وغيرهم.
والحديث دليل على أن بعض العصاة يدخل النار، ويعذب فيها ثم يخرجون منها، بعض العصاة الموحدين، يدخلون النار يعذبون، لأن العصاة على أقسام:
المسلم الموحد أصله من أهل الجنة. والكافر من أهل النار.
فالموحدون هم أهل الجنة سواء كانوا عصاة أو غير عصاة.
والكفار بجميع طبقاتهم: اليهود، والنصارى، والوثنيون، والمجوس وعبَّاد النار وغيرهم، كلهم من أهل النار.
لكن المطيع يدخل الجنة من أول وهلة، سواء تقرب بالفرائض والنوافل أو بالفرائض بدون النوافل، والعاصي أضعف توحيده، ضعف هذا التوحيد، فهو على خطأ، منهم من يعفوا الله عنه، تحت مشيئة الله، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء:48]، فمن عفا الله عنه طهر بالعفو.
ومنهم من يعذب في قبره كما في قصة الرجلين الذين مر عليهم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهما يعذبان وما يعذبان في كبير، «أما أحدهما فكان يستبرأ من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة».
ومنهم من تصيبه أهوال وشدائد في موقف القيامة.
ومنهم: من يستحق دخول النار، ثم يشفع فيه الشفعاء، فيشفعهم الله فلا يدخلون النار.
ومنهم: من يدخل النار، وقد تواترت الأخبار بأن يدخلوا جملة من أهل الكبائر، أهل التوحيد، يصلون ويصومون ويحجون ويدخلون النار بكبائر ماتوا عليها من غير توبة.
هذا مات على زنا من غير توبة، هذا مات على ربا من غير توبة، هذا مات على عقوق الوالدين من غير توبة، هذا مات على أكل رشوة من غير توبة، هذا مات على تعامل بالربا من غير توبة. وهكذا، هذا مات على الاعتداء الناس في دمائهم، هذا مات على الاعتداء على الناس في أعراضهم، في أموالهم، ثم يُطهرون، ولكن عذابه ليس كعذاب الكافر، الكافر تصلاه النار من جميع الجهات، ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ [الأعراف:41].
أما المؤمن فلا تأكل النار مواضع السجود، مواضع الوضوء، تلهمه النار من الجهات الأخرى، ويشفع فيهم الشفعاء، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يشفع أربع شفعات، والأنبياء يشفعون، (09:28)؛ فيخرج الله قوم من الشفعاء، ويبقى بقية لم تنفع لهم الشفاعة، فيخرجهم رب العالمين برحمته، يقول: «شفعت الشفعاء ولم يبقِ إلَّا رحمة أرحم الراحمين، فيخرج قومًا من النار لم يعملوا خيرًا قط زيادة على التوحيد والإيمان.»
مر علينا: فالنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «ليصيبنَّ قومًا سفعةٌ من النار» قال السفعة: أقل ما أقول أن السفعة هي علامة من النار. يقال ماذا؟
قارئ المتن: أي علامة من النار، يقال: سفعت الشيء: إذا أعلمته، وقيل في قوله سبحانه وتعالى: ﴿لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ (15)﴾ [سورة العلق: 15] أي: لنعلمنه علامة أهل النار من سواد الوجه، وزرقة العين، فاكتفى بالناصية من سائر الوجه؛ لأنها في مقدم الوجه، وقيل ﴿لَنَسْفَعَنْ﴾ أي: لنأخذنه. وقيل: لنخزينه. وقيل: لنذلنه، وقال ابن الأثير: علامة تغير ألوانهم. يقال: سفعت الشيء إذا جعلت عليه علامة، يريد أثرًا من النار.
الشيخ: يعني «ليصيبنَّ قومًا سفعةٌ من النار بذنوب عملوها» وهو من العصاة الموحدين، «ثم يدخلهم الله الجنة يقال لهم: الجهنميون». جاء في الحديث الآخر: أنه مكتوب على جباهم: "الجهنميون" ثم بعد ذلك يسأل الله أن يزيله فتزال. هؤلاء العصاة الموحدين.
أما الكفرة فإنه إذا أخرج العصاة الموحدين تطبق النار على الكفرة بجميع أنواعهم من اليهود والنصارى والوثنين والمنافون في الدرك الأسفل من النار، لا يخرجونها أبد الآباد. نعوذ بالله، قال الله تعالى: ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ﴾ [الهمزة:8] يعني مطبقة مغلقة، ﴿فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ﴾ [الهمزة:9].
قال سبحانه: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [المائدة:37]، وقال تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ [البقرة:167]. نسأل الله السلامة والعافية. فهؤلاء الكفرة هم أهلها يبقون. نسأل الله السلامة والعافية.
قارئ المتن: حدثنا الصغاني، قال: حدثنا بشر بن المفضَّل، عن يحيى بن أبي إسحاق، عن أنس قال: أقبلنا من خيبر أنا وأبو طلحة ورسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصفية رديفته، قال: فعثرت ناقة رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصُرع رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصُرعت صفية -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها-، قال: فاقتحم أبو طلحة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فقال: يا رسُول الله، جعلني الله فداك- قال: أشكٌ قال ذاك أم لا – أضررت؟ قال: «لا، عليك المرأة». قال: فألقى أبو طلحة على وجهه الثوب، فانطلق إليها فمد ثوبه عليها، ثم أصلح لها رجلها، فركبنا، ثم اكتنفناه، أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فلما أشرفنا على المدينة – أو كنَّا بظهر الحرة- قال رسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آيبون تائبون، عابدون لربنا حامدون». فلم يزل يقولهن حتى دخلنا المدينة.
الشيخ: والحديث صحيح، أخرجه: الشيخان وغيرهما.
قال: الحافظ بن حجر رَحِمهُ اللهُ: في الحديث أنه لا بأس لرجل أن يتدارك المرأة الأجنبية إذا سقطت أو كادت تسقط فيعينها على التخلص مما يخشى عليها".
وقوله: آيبون: أي راجعون.
فهذا الحديث فيه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركب ناقة وزوجه صفية، النبي اصطفاها لنفسه ثم أعتقها وجعل عتقها صدقة تزوجها، فالنبي لما كان راكب سقط وسقطت المرأة، هذا فيه دليل على أن النبي بشر ليس ربًا يصيبه ما يصيب الناس الأنبياء بشر يصيبه من الأمراض والهموم والغموم والسقوط وغيرها.
هذا فيه من الحكم؛ ليعلم الناس أن رسُول الله وإن كان سيد الخلق فإنه ليس ربًا يعبد، وليس إلاهًا، بل يصيبه الجوع والعطش والحر والبرد، ويموت، وقد يقتل، قال الله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ [آل عمران: 144].
قال تعالى عن بني إسرائيل: ﴿فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾ [البقرة:87] الأنبياء: قتل زكريا ويحيى وجمع من الأنبياء.
فالأنبياء وإن كانوا أفضل الناس ليسوا آلهة يعبدون، ولكنهم تصيبهم الأمراض والأسقام، فالنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سقط وسقطت زوجه معه.
أبو طلحة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- كان مع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاء إلى النبي وقال: "جعلني الله فدائك، أضُررتك؟ يعني أصابك ضرر؟ «قال: لا. لكن عليك المرأة» يعني المرأة التي سقطت زوجه. فأبو طلحة جعل الثوب على وجهه حتى لا يراها، ثم ذهب إليها جهتها حتى أصلح لها رحلها وركبت. انظر الورع الشديد، من ورعه أنه ما نظر إليه جعل الثوب على وجهه واتجه إلى الجهة التي فيها المرأة وأصلح لها ما تحتاجه، وركبت، فلما أشرفوا على المدينة قال النبي هذه الكلمات: «آيبون، تائبون، عابدون، إلى ربنا حامدون» في مشروعية قول هذه الكلمات للمسافر إذا أشرف على بلده.
آيبون: يعني راجعون إلى الله.
تائبون: من الذنوب والمعاصي.
عابدون لربنا حامدون.
التوبة والرجوع والعبادة والحمد.
هذا يُشرع للمسافر أن يقول هذه الكلمات إذا رجع من سفره إلى بلده، إذا أقبل حتى يدخل البلد.
«آيبون تائبون، عابدون لربنا حامدون». فلم يزل يقولهن حتى دخلنا المدينة.
ولكن سقطت المرأة واحتاج الإنسان أن ينقذها للضرورة لا بأس، ولم مس يدها للضرورة، كونه ينقذها هذا لا بأس، وكذلك أيضاً أن تذهب للطبيب إذا احتاجت ولم يوجد امرأة فاضطرت إلى أن يكشف عليها الطبيب، يكشف عليها للضرورة، والضرورات مستثناة، يعمل لها عملية، ضرورة. أما بدون حاجة فلا، أو إذا وجد من يقوم مقامه وجدت طبيبة تكفي فلا ينبغي أن يتطبب الرجل.
قارئ المتن: قال: حدثنا محمد بن معمر، قال: حدثنا أبو هشام المخزومي، قال: حدثنا عبد الواحد، قال: حدثنا عاصم، قال: حدثتني حفصة بنت سيرين، قالت: قال لي أنس بن مالكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: يحيى فيم مات؟ قلت: في الطاعون. فقال: قال رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الطاعون شهادة لكل مسلم».
شرح الشيخ: والحديث صحيح، قال: أخرجه الشيخان وغيرهما، قال أنس بن مالك لحفصة بنت سيرين: "يحيى فيما مات؟" وهو يحيى بن سيرين أخو حفصة، يسألها عن أخيها، قال: ما سبب موته؟ قالت: مات بالطاعون، فقال: قال رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الطاعون شهادة لكل مسلم».
الطاعون هنا يسمى مرض الكوليرا في اللغة الأجنبية، وهو يظهر في مراقد اللحم، ويكون سبب في الموت، فالذي يمت بالطاعون شهيد، ومثله كذلك الذي يموت بالحريق، ومن يموت بالغرق، والمرأة تموت بجمعها مع ولدها؛ كل هؤلاء شهداء كما جاء في الحديث: «من غرق فهو شهيد»، والمبطون، قد يكون المبطون في الطاعون وغيره، والغرق، والحرق، ومن مات بالطاعون، ومن ماتت موتة بجمعها» كل هؤلاء شهداء في الفضل والأجر، لكن ليسوا كشهيد المعركة، شهيد المعركة أفضل، وشهيد المعركة لا يُغسل ولا يصلى عليه، أما هؤلاء يغسلون ويصلى عليهم.
قارئ المتن: وعن محمد بن معمر وبشر بن آدم، قالا: حدثنا أبو عاصم، عن سفيان، عن عاصم، عن أم الهُديل – وهي حفصة بنت سيرين- بالحديث دون القصة.
حدثنا إسماعيل بن إسحاق - أصله كوفي سكن الفسطاط، يقال له: أبو بحر - قال: حدثنا محمد بن علي بن غراب، قال: حدثنا أبي، عن أبان بن عبد الله البجلي، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب قال: كان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا صعد المنبر استقبلناه بوجوهنا.
قال أبو بكر: هذا الخبر عندي معلول.
حدثنا الأشج، قال: حدثنا النضر بن إسماعيل، عن أبان بن عبد الله البجلي، قال: رأيت عدي بن ثابت يستقبل الإمام بوجهه إذا قام يخطب، فقلت له: رأيتك تستقبل بوجهك. قال: رأيت أصحاب رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعلونه.
الشيخ: والحديث هنا تكلم عليه، ماذا قال عليه؟
قارئ المتن: قال: معلول بالإرسال.
أخرجه: البيهقي من طريق المُصَنِّف موصولًا.
وأخرجه البيهقي من طريق المُصَنِّف، عن عدي بن ثابت مرسلًا.
وأخرجه: أبو داود في المراسيل عن عدي بن ثابت.
الشيخ: والفسطاط: مدينة في مصر بناها عمرو بن العاص -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مكان منزله حين نزل على مصر.
قال: والإسناد والمتن من الإتحاف.
قال ابن حجر؟
قارئ المتن: قال ابن حجر: عقيب الحديث في الإتحاف: قلت: وله علة أخرى، فقد أخرجه ابن ماجه من طريق ابن المبارك، عن أبان بن تغلب، عن عدي بن ثابت، عن أبيه، قال: كان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .... فذكره، لكن قال: استقبله أصحابه.
الشيخ: وقوله في الحديث: "قال أبو بكر". هو ابن خزيمة، قال أبو بكر: هذا الخبر عندي معلول. وهذا الحديث فيه أن الصحابة يستقبلون بوجههم إذا صعدوا المنبر، ولكن الأولى لا يصحُّ، الحديث ضعيف، فيكون الإنسان على حاله، ليس بلازم يستقبل الإمام، معنى أنه يستقبل الإمام أن يلتفت ويتحرك، لكن هذا لا يصحُّ، وما دام أنه لا يصحُّ فالأمر واسع يستقبل الإنسان القبلة ويسمع الخطبة، ولا سيما الآن في مكبر الصوت الآن ما يحتاج إلى ذلك، في الأول ما كان في مكبر الصوت فهو يستقبله بوجهه حتى يسمع، حتى لا يفوته شيء من كلام الخطيب، لكن الآن صار في مكبر صوت، مكبر الصوت يسمع الإنسان وهو في مكانه، ولو صح أن الصحابة يستقبلونه لقلنا يُشرع الاستقبال، لكن لا يصحُّ، كما قال أبو بكر: هذا الخبر عندي معلول وعلى هذا لا يشرع الاستقبال، وإنما يكون الإنسان على حاله مستقبل القبلة يسمع الخطبة.
قارئ المتن: عن يوسف بن موسى، عن جرير، عن سُهيل، عن أبيه، عن جرير، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا: رَضِيَ لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولى الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال: وكثرة السؤال، وإضاعة المال». قال: عطاء بن يزيد الليثي: سمعت تميم الداري -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قال رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إن الدين النصيحة» -ثلاث مرات- قالوا: يا رسُول الله لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولأئمة المسلمين». أو قال: «لأئمة المسلمين وعامتهم».
وحدثنا عبد الجبار بن العلاء، قال: حدثنا ابن عُيينة، قال: قلت لسهيل بن أبي صالح: أرأيت حديثًا حدثناه عمرو بن دينار، عن القعقاع، عن أبيك، سمعته منه؟
قال: حدثنيه الذي سمعه أبي منه، قال: سمعت عطاء بن يزيد الليثي - صديقًا لأبي من أهل الشام – يُحدث عن تميم، به.
شرح الشيخ: المحقق حكم عليه بأنه صحيح، قال: حديث أبي هريرة: أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وابن حِبَّان، وغيرهم.
لكن هنا قال: عن يوسف بن موسى، عن جرير، عن سُهيل، عن أبيه، ثم قال: قال عطاء بن يزيد الليثي، كيف يكون اتصال السند؟ سمعت تميم الداري عن أبيه عن أبي هريرة، هل يكون هذا سند آخر؟ قوله: قال: عطاء بن يزيد الليثي: سمعت تميم الداري غير السند الأول؟
هنا عن يوسف بن موسى عن جرير عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة.
وهنا قال: عطاء بن يزيد الليثي: سمعت تميم الداري؟
مداخلة: الحديث الأول أحسن الله إليكم. الإسناد الأول كان في سقط بين أبي سهيل وبين أبيه.
الشيخ: وأول السند قال؟
قارئ المتن: عن يوسف بن موسى عن جرير عن سهيل.
الشيخ: والحديث، المتن معروف، صحيح، ثابت: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا: رَضِيَ لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولى الله أمركم».
بهذه الثلاثة يستقيم الدين والدنيا، يستقيم الناس دينهم ودنياهم:
الأمر الأول: أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئًا، من يعبد الله ويوحد الله؛ فهو مؤمن حقًا وهو من أهل الجنة.
والثاني: وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تتفرقوا، أيضاً كذلك الاجتماع على كتاب الله وسنة رسوله، هذا قوة.
والثالث: مناصحة ولي الأمر.
بهذه الأمور الثلاثة التي يرضاها وتستقيم بها أحوال الناس دينًا ودنيا.
ويكره لكم ثلاثًا، المراد بالكراهة هنا: تحريم. «قيل وقال»: يعني كثرة الكلام قالوا: كذا، وقالوا كذا، لأنه يقع في الكذب، قال فلان وقيل كذا، كثرة القيل والقال يعني الوقوع في الكذب، «وكثرة السؤال»: السؤال: في المال ويشمل السؤال في العلم وهو ممن يريد إعنات المسئول وإيقاعه في الحرج. «وإضاعة المال».
كلام البغوي؟
قارئ المتن: قال البغوي: "قوله: قيل وقال: يريد قيل وقول، جعل القال مصدرًا، يقال: قلت قولًا وقيلًا وقالا، وفي قراءة عبد الله بن مسعود: (ذلك عيسى ابن مريم قال الحق).
الشيخ: قراءة حفص: ﴿ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ﴾ [مريم:34] لكن هنا (قال الحق).
قارئ المتن: وقيل: فيه وجهان: أحدهما: حكاية أقاويل الناس وأحاديثهم، والبحث عنها، فيقول: قال فلان كذا، وقيل لفلان كذا، وهو من باب التجسس المنهي عنه. وقيل: وهو فيما يرجع إلى أمر الدين، وذكر ما وقع فيه من الاختلاف، فيقول: قال فلان كذا، وقال فلان كذا من غير ثبت ويقين لكي يقلد ما سمعه، ولا يحتاط لموضع اختياره من تلك الأقاويل.
وقوله: «وكثرة السؤال» فإنها مسألة الناس أموالهم بالشره، وترك الاقتصار فيها على قدر الحاجة، وقد يكون السؤال عن الأمور، وكثرة البحث عنها، كما قال تعالى: ﴿لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة:101]، وقال عز وجل: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات:12].
وقوله: «وإضاعة المال» قيل: هو الإنفاق في المعاصي، وهو السرف الذي نهى الله عنه، ويدخل فيه الإسراف في النفقة في البناء، ومجاوزة حد الاقتصاد فيه في الملبس والفُرش، وتمويه الأواني والسقوف بالذهب والفضة، ويدخل فيه سوء القيام على ما يملكه من الرقيق والدواب حتى يضيع فيهلك، وقسمة ما لا ينتفع به الشريك، كاللؤلؤة والسيف يكسره، والحمام الصغير والطاحونة الصغيرة التي تتعطل منفعتها بالقسمة، واحتمال الغُبن الفاحش في البياعات ونحوها.
وقيل: هو دفع مال من لم يُؤنس منه الرشد إليه، قال الحسن في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ [النساء:6]، قال: صلاح في دينه، وحفظ لماله وقد يكون من المتشابه الذي أمر بالإيمان بظاهره في قوله سبحانه وتعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ [آل عمران:7].
الشيخ: هنا الحديث ثابت، لكن الإشكال في كون المؤلف بدأه عن يوسف بن موسى، عن جرير.
أين أول السند؟ قال عطاء بن يزيد، هذا حديث آخر، قال عطاء بن يزيد: سمعت تميم الداري قال:
قارئ المتن: في صحيح مسلم الراوي عن عطاء بن يزيد هو سُهيل بن أبي صالح.
الشيخ: عن يوسف بن موسى من هو تلميذ يوسف بن موسى، من الراوي عنه؟ الحديث قلنا أخرجه مَن؟ البخاري تعليقًا؟
قارئ المتن: مسلم.
الشيخ: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا....»
ذكر تخريج ابن كثير هنا والمقصود أنه ثابت.
مداخلة: في مسلم من طريق زُهير بن حرب.
الشيخ: في مسلم؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: ما في سند آخر؟
مداخلة: عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
من غير طريق المُصَنِّف، المصنف أراده عن طريق يوسف بن موسى عن جرير.
شرح الشيخ: ثم قال: عطاء بن يزيد الليثي: سمعت تميم الداري -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قال رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إن الدين النصيحة» -ثلاث مرات. وهذا أخرجه: الإمام مسلم أيضاً حديث تميم الداري، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.
ذكر المؤلف تخريجه للإمام مسلم؟
قارئ المتن: لا، أحسن الله إليك.
الشيخ: كلام النبي صلى الله عليه وسلم: قال: «الدين النصيحة» جعل الدين كله نصيحة، قالوا: يا رسُول الله لمن؟ قال: «لله» النصيحة لله في توحيده، وإخلاص الدين لهن وعبادته.
والنصيحة لكتاب الله: بالعمل به، وتصديق أخباره، وتنفيذ أحكامه.
ونصيحة لأئمة المسلمين: مناصحتهم ومعاونتهم في الخير.
وكذلك النصيحة لعامة المسلمين: محبة الخير لهم، وأمرهم بالمعروف والنهي عن المنكر، وإبعادهم عما يضرهم عمومًا.
نقل المحقق الكلام على الحديث اقرأه. قوله النصيحة:
قارئ المتن: قال: "النصيحة كلمة جامعة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير، وليس يمكن أن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة تحصرها، وتجمع معناها غيرها، كما قالوا في الفلاح: ليس في كلام العرب كلمة أجمع لخير الدنيا والآخرة منه، ولذلك قالوا: أفلح الرجل إذا فاز بالخير الدائم الذي لا انقطاع له...........
الشيخ: النصيحة: كلمة جامعة للخير، ما في كلمة تقوم مقامها.
والفلاح: جامعة لخيري الدنيا والآخرة وما في كلمة تقوم مقامها.
حي على الفلاح: إذًا حي على خيري الدنيا والآخرة، إذا قال المؤذن: "حي على الفلاح".
فالنصيحة جملة يُعبر بها عن إرادة الخير ولا يمكن أن يقوم مقامها غيرها، كما أن الفلاح كلمة جامعة لخير الدنيا والآخرة ولا يمكن أن يقوم غيرها مقامها.
قارئ المتن: وأصل النصح في اللغة: الخلوص، يقال: نصحت العسل: إذا خلصته من الشمع، ويقال: هو مأخوذ من نصح الرجل ثوبه، أي خاطه، شبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بفعل الخيَّاط فيما يسد من خلل الثوب.
وقوله عَلَيهِ الصَلاة والسَّلام: «الدين النصيحة» يريد عماد أمر الدين إنما هو النصيحة، وبها ثباته.
فمعنى نصيحة الله سبحانه وتعالى: الإيمان به، وصحة الاعتقاد في وحدانيته، وترك الإلحاد في صفاته، وإخلاص النية في عبادته، وبذل الطاعة فيما أمر به ونهى عنه، وموالاة من أطاعه، ومعاداة من عصاه، والاعتراف بنعمه، والشكر له عليها، وحقيقة هذه الإضافة راجعة إلى العبد في نصيحة نفسه لله، والله غني عن نصح كل ناصح.
أما النصيحة لكتاب الله: فالإيمان به، وبأنه كلام الله ووحيه وتنزيله، لا يقدر على مثله أحد من المخلوقين، وإقامة حروفه في التلاوة، والتصديق بوعده ووعيده، والاعتبار بمواعظه، والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه.
وأما النصيحة لأئمة المسلمين: فالأئمة هم الولاة من الخلفاء الراشدين فمن بعدهم ممن يلي أمر هذه الأمة، ويقوم به، فمن نصيحتهم بذل الطاعة لهم في المعروف، والصَّلاةُ خلفهم، وجهاد الكفار معهم وأداء الصدقات إليهم، وترك الخروج عليهم بالسيف إذا ظهر منهم حيف، أو سوء سيرة، وتنبيههم عند الغفلة، وألا يغروا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يدعى بالصلاح لهم. وقد يُتأول ذلك أيضاً في الأئمة الذين هم علماء الدين، فمن نصيحتهم قبول ما رووه إذا انفردوا، وتقليدهم ومتابعتهم على ما رووه إذا اجتمعوا.
وأما نصيحة المسلمين: فجماعُها إرشادهم إلى مصالحهم من تعليم ما يجهلونه من أمر الدين، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، والشفقة عليهم، وتوقير كبيرهم، والترحم على صغيرهم، وتخولهم بالموعظة الحسنة كما أرشد الله عز وجل إليه في كتابه. (معالم السنن، وشرح السنن).
الشيخ: (معالم السنن للخطابي)، نعم، المقصود أن الحديث جامع للدين كله.
مداخلة: حديث: إذا صعد النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المنبر، الشيخ الألباني صححه؟
الشيخ: صححه؟
السائل: نعم.
الشيخ: لكن هنا ذكر أنه قال: معلول.
تكلم على قول ابن خزيمة: "معلول"؟
مداخلة: تكلم على قول ابن خزيمة (36:08).
الشيخ: يعني الألباني ذكر طريق أخرى، عندك؟
السائل: نعم.
قارئ المتن: قبل ذلك قال - أحسن الله إليكم -: قال أبو بكر: هذا الخبر عندي معلول.
حدثنا عبد الله بن سعيد الأشج، قال: حدثنا النضر بن إسماعيل، عن أبان بن عبد الله البجلي، قال: رأيت عدي بن ثابت يستقبل الإمام بوجهه إذا قام يخطب، فقال: لعله، فقلت له: رأيتك تستقبل الإمام بوجهك. قال: رأيت أصحاب رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعلونه.
قلتُ - الشيخ الألباني رحمه الله-: فأعلَّه ابن خزيمة بالوقف على الصحابة، وفيه نظر من وجهين:
الأول: أن النضر بن إسماعيل ليس خيرًا من عدي بن غراب فقد قال في الحافظ في التقريب: ليس بالقوي.
والآخر: أنه قد خالفه ابن المبارك، فقال البيهقي عقبه: "وكذلك رواه ابن المبارك عن أبان بن عبد الله عن عدي بن ثابت إلَّا أنه قال: هكذا كان أصحاب رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعلونه برسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
الكلام طويل أحسن الله إليك.
الشيخ: على كل حال هذا محل نظر، محل تأمل. أيهما المصيب؟ قد يكون المصيب ابن خزيمة، وقد يكون المصيب الألباني. يحتاج إلى تأمل ومراجعة.
مداخلة: قال: أخرجه البخاري في التاريخ الكبير، وابن حِبَّان في ثقات أتباع التابعين من طريق محمد بن القاسم عن مطيع الغزال، عن أبيه، عن جده مرفوعًا.
هذا غير طريق المُصَنِّف.
الشيخ: يحتاج إلى وقت للنظر والمقارنة بينهم.
قارئ المتن: يوسف بن موسى المذكور في السند السابق هو شيخ لابن خزيمة.
الشيخ: يكون متصلًا.
قارئ المتن: قال: حدثنا الحسين بن الحسن، قال: أخبرنا هُشيم، عن سيار، عن عامر الشعبي، عن جابر بن عبد الله -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر، فلما ذهبنا ندخل قال: «أمهلوا حتى تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة».
وعن محمد بن الوليد، عن محمد بن جعفر، عن شُعبة، عن سيار، نحوه، وزاد: «عليك الكيس الكيس».
شرح الشيخ: والحديث صحيح. أخرجه: الشيخان وغيرهما.
وفيه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قدم من سفر لا يفاجئون الناس، ولا يدخلون ليلًا؛ لئلا يفجأ الإنسان أهله، ولهذا قال: «أمهلوا حتى تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة».
يعني الرجل إذا تأخر على أهله وسافر مدة طويلة تحتاج امرأته إلى أن تتهيأ له، فلا يفاجئها، وإنما يتأخر حتى يسمعوا الخبر أنهم قدموا، فتمتشط الشعثة: يعني المرأة تصلح شعرها، وتمشط شعرها.
وتستحد المغيبة: يعني إذا طالت غيبة زوجها، تستحد: يعني تزيل شعر العانة حتى تتهيأ لزوجها.
ونهى النبي عن القدوم ليلًا: قال: «لا تدخلوا على النساء ليلًا»؛ لئلا يفجأ أهله.
وكان يتأخر لأول النهار حتى يبلغ الخبر لأهل المدينة.
والآن وجدت الجوالات، إذا اتصل على أهله على الجوال وأخبرهم ولو في الليل، أو في النهار، العلة معروفة، الحمد لله، فإذا أخبرهم قبلها بمدة فله أن يأتي في الليل أو في النهار أو في أي وقت؛ لأن العلة معروفة، زالت. لكن في الأول ما عندهم من يخبرهم، والأسفار متعبة تكون مدة طويلة، ولا يبلغهم الخبر، فلا يفاجأ الإنسان أهله وهي على حالة غير مناسبة، تحتاج إلى أن تستعد له، تتنظف وتغتسل، وتزيل شعر العانة، وتتطيب، وتلبس ثياب نظيفة، هذا يحتاج إلى وقت.
لكن الآن إذا اتصل بالهاتف الجوال وأخبرهم، الحمد لله، زال المحظور.
في الحديث الثاني: حديث جابر قال: نحوه وزاد: «عليك الكيس الكيس».
هذه وصية، الكيس: المراد الجماع، يعني جماع أهله وقضاء حاجة أهله.
وقوله: «حتى تستحد المغيبة»: أي تصلح من شأن نفسها، والاستحداد: مشتقٌ من الحديد، ومعناه الاحتلاق بالموس، يقال: "استحد الرجل إذا احتلق بالحديد، واستعان بمعناه إذا حلق عانته، (معالم السنن للخطابي).
قوله: قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "فالكيس بالفتح فيهما على الإغراء، وقيل: على التحذير من ترك الجماع، وقال الخطابي: الكيس هنا بمعنى الحذر، وقد يكون الكيس بمعنى الرفق وحسن التأني. وقال ابن الأعرابي: الكيس العقل، كأنه جعل طلب الولد عقلًا. وقال غيره: أراد الحذر من العجز عن الجماع فكأنه حث على الجماع". يعني حث على قضاء الوطر مع أهله.
نعم. وعن محمد؟
قارئ المتن: وعن محمد بن منصور الجواز، عن مروان بن معاوية، عن عاصم الأحول، عن الشعبي، بمعناه: «إذا أطال أحدُكم الغيبة عن أهله فلا يطرقهم ليلًا».
شرح الشيخ: قال أبو داود: قال الزهري: الطروق بعد العشاء. وقال أبو داود: وبع المغرب لا بأس به؛ يعني لأنهم ما يعلمون، لكن الآن زالت العلة إذا اتصل بالجوال زال المحظور والحمد لله وأخبرهم قبلها بمدة.
قارئ المتن: وعن يوسف بن موسى، عن جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، به.
وعن زياد بن أيوب ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، عن هشيم، به.
الشيخ: قوله: "الإسناد والمتن من الإتحاف، وقال ابن حجر: ليس في السماع. يعني ليس من سماعه هذا.
قارئ المتن: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قالك حدثنا شعبة، عن مُحارب بن دثار، عن جابر بن عبد الله، قال: نهى رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يطرق الرجل أهله ليلًا أو يخونهم أو يلتمس عثراتهم.
شرح الشيخ: والحديث صحيح، أخرجه الشيخان وغيرهما.
نهى أن يطرق الرجل أهله ليلًا: يعني يقضي إلى السفر ثم يفجأهم ليلًا يتخونهم، أو يلتمس عثراتهم؛ لأنه قد يُشاهد زوجته على حالة غير مرضية، تكون على ثياب وسخة، وشعر شعث، هذا يعتبر تخون، يتخونهم، يفاجئهم، بل يخبرهم قبل أن يأتي بوقت حتى يكون عندهم استعداد وتهيؤ.
قارئ المتن: حدثناه عبد الرحمن بن بشر، قال حدثنا يحيى، عن سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله -رَضِيَ اللَّهُ عَنْما - قال: قال رسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن إبراهيم حرَّم بيت الله، وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها، لا يُقطع عضاهها، ولا يصاد صيدها».
شرح الشيخ: الحديث صحيح، أخرجه أحمد ومسلم، وفيه رسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن إبراهيم حرَّم بيت الله» وفي نسخة ثانية: «إن إبراهيم حرَّم مكة، وإني حرمت المدينة»، والمعنى إن إبراهيم أظهر التحريم عن الله عز وجل لأنه مبلغ، وكذلك نَبِيِّنا أحمد. وإلا المُحرِّم هو الله.
ويدل على ذلك الحديث الآخر: «إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض»، فالمحرم هو الله، فقوله: «إن إبراهيم حرَّمها» يعني أظهرها، أظهر تحريم حرمتها وأخبر الناس عن الله عز وجل، وكذلك نَبِيِّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «وإني حرمت المدينة»، وفيه أنه قال: «حرمت ما بين لابتيها» ما بين لابتي المدينة، وبين الحارتين».
حرمُها قال العلماء: "بريد في بريد".
«لا يقطع عضاها» العَضاه: الشجر الذي فيه شوك، واحدتها عضاهة.
يقول المراد الشجر الأخضر، أما الشجر اليابس، وكذلك ما استنبته الأدميون فلا بأس. الممنوع في الحرم أن يقطع الشجر الأخضر، أما الشجر اليابس أو الشوك المؤذي؛ يزال.
وكذلك ما أنبته الأدميون؛ لهم أن يأخذوه، لكن ما نبت بالمطر من الأشجار فلا يقطع إلَّا إذا كان فيه أذى من الشوك ونحوه.
«ولا يصاد صيدها» لا مكة ولا المدينة. قضى الصحابة فيمن صاد حمامة في مكة فعليه شاة، قضاءه بشاة إلى أن تُشفع في عب الماء، ومن صاد نعامة فعليه بدنة إلى أن تشفع في طول الرقبة، وهكذا، وفي اليربوع جفرة، وفي بقرة الوحش بقرة» هكذا قرأها الصحابة.
قارئ المتن: قال: حدثنا عبد الجبار بن العلاء، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، رواية: «ما من مسلم يزرع زرعًا، فيأكل منه طير أو سبع أو إنسان، إلَّا كان له صدقة».
وعن عمرو، عن طاووس، به ليس فيه: (رواية).
الشيخ: والحديث يقول المحقق: حديث صحيح.
«ما من مسلم يزرع زرعًا، فيأكل منه طير أو سبع أو إنسان، إلَّا كان له صدقة».
سبق معنى هذا في حديث آخر، وكذلك لو سُرق منه كل ماله؛ فله صدقة، وهذا خاص بالمسلم، قال: «ما من مسلم»، إذا يزرع زرعًا أو يغرس غرسًا فيأكل منه طيرٌ أو دابة أو حتى سُرق منه يكون له صدقة، وظاهره أن من غرس ولو باعه فيكون الأجر للغارس، قوله: «ما من مسلم يغرس غرسًا».
قارئ المتن: فقال الإمام ابن خزيمة رَحِمهُ اللهُ: حدثنا عبد الجبار بن العلاء، قال: حدثنا سفيان، قال: سمعت محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: جاء أعرابي إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبايعه على الإسلام، فوُعِك، فأتى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أقلني. فأبى، ثم أتاه فقال: أقلني. فأبى، فسأل عنه، فقالوا: خرج. فقال رسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن المدينة كالكِير تنفي خبثها وينصع طيبها».
الشيخ: والحديث صحيح، أخرجه: الشيخان في البخاري ومسلم وغيرهما.
وفيه أن هذا الأعرابي ضعيف الإيمان، بايع النبي على الإسلام، فلما جاء المدينة، وُعِك: أصابه وعك، مرض، ولا تحمل فقال: "أقلني بيعتي" أنا بفسخ البيعة على الإسلام، الرسول ما موافق، قال: «لا»، ما وافق على فسخ الإسلام، ثم أعاد المرة الثانية، ثم خرج الأعرابي، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن المدينة كالكِير تنفي خبثها» هذا من الخبث الذي نفته المدينة، «وينصع طيبُها».
قال البغوي؟
قارئ المتن: قال البغوي: "الكِيرُ: الزق الذي ينفخ فيه الحداد، والكور: ما كان مبنيًا بالطين، وقوله: «ينصع» أن يخلص، وناصع كل شيء خالصه".
الشيخ: نعم.
قارئ المتن: حدثنا ابن عبد الحكم ومحمد بن خلف العسقلاني والحسين، أبو الحسن بن موسى البزَّار المصري، قالوا: حدثنا أيوب بن سويد، قال: حدثنا الأوزاعي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: سُئل رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما برُّ الحج؟ قال: «إطعام الطعام، وطيب الكلام».
الشيخ: تخريجه؟
قارئ المتن: قال: "إسناده ضعيف؛ لضعف أيوب بن سويد".
وقال الذهبي في (ميزان الاعتدال): "ضعفه أحمد"، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال ابن المبارك: ارم به: وقال البخاري: يتكلمون فيه. والعجب من ابن حِبَّان ذكره في (الثقات) فلم يصنع جيدًا، وقال: رديء الحفظ.
وقال عنه النسائي في (المجتبى): متروك الحديث، وليس للحديث طريق آخر صحيح، وورد في بعض طرق التخريج من حديث محمد بن ثابت، وهو ضعيف أيضاً.
وقد أخرجه الطيالسي، وأحمدن وعبدُ بن حُميد، والعقيل في (الضعفاء)، وابن عدي في (الكامل)، والحاكم.
وجاء في بعض الروايات لفظة: «إفشاء السلام». بدل «طيب الكلام».
الشيخ: الحديث ضعيف، لكن معناه أظن له شواهد على أن إطعام الطعام وطيب الكلام هذا من الإيمان، لكن هنا مسألة: ما بر الحج؟ المعنى صحيح، أن إطعام الطعام وطيب الكلام من بر الحج، وإن كان هذه لم يصحُّ لكن المعنى صحيح.
قوله ها هنا: ما برُّ الحج؟ قال: «إطعام الطعام، وطيب الكلام». قال: أي للبر والفاجر: يعني يطعم الطعام للبر والفاجر، فإنه سبحانه أطعم الكفار واصطنع البر والفاجر، وأمر بذلك. (فيض القدير).
لكن معلوم أن الحج لا يأتي للكافر وإنما هو يأتي للمؤمن، إذا أريد فالفاجر الكافر. فلا شك أن إطعام الطعام وطيب الكلام من بر الحج مع الإتيان بمناسك الحج، وعدم الإخلال بها، وعدم فعل شيء من المحظورات، هذا من بر الحج.
وقال ابن حجر: ليس من سماعنا هذا الحديث.
قارئ المتن: حدثنا عبدة بن عبد الصمد الخُزاعي، قال: أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا حارث بن شداد، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير قال: حدثني حيَّة بن حابس التميمي، أن أباه أخبره، أنه سمع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: «لا شيء في الهام، والعين حق، وأصدق الطير الفأل».
الشيخ: تخريجه؟
قارئ المتن: أحسن الله إليكم. قال: "صحيح، وقد جاء من غير طريق حيَّة.
الشيخ: الحديث صحيح. قال: «لا شيء في الهام، والعين حق، وأصدق الطير الفأل».
قوله العين حق: الإصابة بالعين كائن مقضي به في الوضع الإلهي لا شبهة في تأثيره في النفوس والأموال. هذا من (فيض القدير).
«وأصدق الطير الفأل»: الفأل يكون فيما يحسن وفيما يسوء، والطيرة لا تكون إلا فيما يسوء. يعني مثل قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الطيرة شرك وأحسنها الفأل»، الطيرة يكون سوء ظن بالله، حينما الإنسان يتطير ويتشاءم هذا فيه سوء ظن بالله، وحينما يتفاءل فيه حسن ظن بالله، فاستثني الفأل، يعني كان الجاهلية يتشاءمون بالطيور إذا ذهبت إلى جهة اليمين تفاءل وإذا ذهبت جهة اليسار تشاءم، وإذا وقعت البومة على أحدهم قال: "تنعى إليّ نفسي أو أحدًا من أهل بيتي". يتشاءمون.
أما الفأل: فهو كالكلمة الطيبة يسمعها الإنسان فيُسَّرُ بها. يسمع الإنسان المريض "يا معافى" فيتفاءل بأن الله يعافيه. هذا حسن ظن بالله.
أو شخص فقد شيئًا، فيسمع الإنسان يقول: "يا واجد" فيتفاءل بأنه يجد ضالته، هذا فيه حسن ظن بالله؛ فلهذا استثني لما فيه من حسن ظن بالله، وإن كان نوعًا منه، فهذا نوعًا منه.
لكن الطيرة من الشرك لأن فيها سوء ظن بالله، والفأل استثني لأن فيه حسن الظن بالله.
هنا قال: «لا شيء في الهام، والعين حق، وأصدق الطير الفأل». الطير: يعني الطيرة. وهو الفأل.
الهام ما تكلم عنها؟
قارئ المتن: لم يتكلم عنها.
الشيخ: «لا شيء في الهام، والعين حق، وأصدق الطير الفأل».
مداخلة: الهام: البوم.
الشيخ: الهام: البوم؟ يسمى الهام؟
كيف «لا شيء في الهام؟» الجاهلية يتشاءمون بالبوم إذا وقع على بيت أحد قال: "نعت إليّ نفسي أو أحدًا من أهل بيتي". يتشاءمون به. وهنا يقول: «لا شيء في الهام»؟
مداخلة: ما يكون المقصود أنها بومة لا تضر ولا تنفع؟
الشيخ: محتمل، لا شيء فيها، وأن ما يعتقده أهل الجاهلية من كونه تنعى إليه نفسه" أن هذا باطل، هذا ليس ببعيد. «لا شيء في الهام» لا شيء في الطير، مثل ما رأى بعض السلف لما رأى طير قال بعضهم: "خير خير" قال له: "لا خير ولا شر ما عند الطائر؟!" ما عنده شيء، كيف تقول: خير خير. لا خير ولا شر. هذا لا شيء في الهام، البوم ما فيه شيء، لا فيه خير ولا فيه شر، فكيف إذا وقعت على بيت أحدٍ قال: "تنعى إلي نفسي" هذا من جهلهم.
ليس ببعيد أن هذا معنى «لا شيء في الهام» يعني لا خير ولا شر لا يدل على شيء.
قارئ المتن: في شرح الترمذي قال: "«قوله لا شيء في الهام» صرَّح البخاري بسماعه من النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتبعه أبو حاتم فذكره، وقال: «لا شيء في الهام» أي لا شيء مما يعتقدون في الهام، قال النووي: الهام أو الهامة بتخفيف الميم على المشهور الذي لم يذكر الجمهور غيره، وقيل بتشديدها، قاله جماعة وحكاه القاضي عن أبي زيد الأنصاري الإمام في اللغة.
قال: وفيها تأويلان: أحدهما: أن العرب كانت تتشاءم بها وهي الطائر المعروف من طير الليل.
وقيل: "هي البومة، قالوا: كانت إذا سقطت على دار أحدهم فرآها ناعية له نفسه، أو بعض أهله، وهذا تفسير مالك بن أنس".
والثاني: أن العرب تعتقد أن عظام الميت، وقيل: روحه، ينقلب هامة تطير، وهذا تفسير أكثر العلماء، وهو المشهور، ويجوز أن يكون المراد النوعين فإنهما جميعًا باطلان فبين النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إبطال ذلك وضلالة الجاهلية فيما يعتقده من ذلك.
شرح الشيخ: «لا شيء في الهام». ذكر هذا في كتاب التوحيد.
الهام: قيل: هي البوم، وقيل: إن أهل الجاهلية كانوا يعتقدون أن عظام الميت تطير، وتحوم حوله.
فكل من الاعتقادين باطل، فالنبي أبطل الاعتقاد، قال: «لا شيء في الهام»، الطير لا تنفع، البوم ليس لها ضرر، وكذلك عظام الميت تصير طيرا فتطير، كل هذا باطل، ولا شيء فيها، لا هذا ولا هذا.
«والعين حق»: هذا صح، وفي الحديث الآخر: «لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين»، ولكنها من قدر الله.
«وأصدق الطير الفأل» أصدق التطير هو الفأل؛ لما فيه من حسن ظن بالله.
قارئ المتن: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: حدثنا عبيدة بن حُميد، قال: حدثني منصور بن المعتمر، عن مجاهد، عن طاووس بن كيسان، عن عبد الله بن عباس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: قال رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم فتح مكة: «إن هذا البلد حرامٌ، حرَّمه الله إلى يوم القيامة، لا يُنفر صيده، ولا يعضد شوكه، ولا تلتقط لقطته إلَّا من عرَّفها، ولا يُخلتى خلاه». فقال العباس: يا رسُول الله، إلَّا الإذخر؛ فإنه لبُيوتهم ولقينهم فقال: «إلَّا الإذخر، ولا هجرة، ولكن جهاد ونية، وإذا استُنفرتم فانفروا».
وعن يوسف بن موسى، عن جريرٍ، عن منصور، به.
الشيخ: والحديث هذا صحيح. أخرجه: الشيخان وغيرهما.
وفيه فوائد عظيمة: قال الرسول يوم فتح مكة: «إن هذا البلد - أي مكة - حرامٌ، حرَّمه الله إلى يوم القيامة – الذي حرمه هو الله-، وأما قوله في الحديث السابق: «إن إبراهيم حرَّمه» يعني أظهر تحريمه، والله هو المُحَرِم.
إن هذا البلد حرامٌ، حرَّمه الله إلى يوم القيامة.
«لا يُنفر صيده»: فيه أن مكة لا يُنفر صيدها، يعني لا يتعرض له بالاصطياد، كما قال في الحاشية: لا يتعرض له بالاصطياد، ولا يهاج، فإن أصاب شيئًا من صيد الحرم، فعليه ما على المُحرم يصيب الصيد. يعني يصيب جزائه. المُحرم إذا صاد حمامة عليه شاة، وإذا صاد في الحرم مُحرم أو غير محرم عليه شاة، لكن المُحرم إذا صاد في البر خارج حدود الحرم عليه شاة، وإذا صادها في الحرم سواء مُحرم أو غير محرم عليه شاة.
مداخلة: يذبحها -أحسن الله إليك- في الحرم؟
شرح الشيخ: نعم. يوزعها على فقراء الحرم، يشتري شاة ويذبحها.
«إن هذا البلد حرامٌ، حرَّمه الله إلى يوم القيامة، لا يُنفر صيده» إذًا لا يجوز تنفيره، ولا ينفر ويجلس مكانه، إذا رآه لا ينفر، فضلًا عن إصابته بشيء أو قتله.
«ولا يعضد شوكه»: يعني لا يقطع. قال: وأراد به ما لا يؤذي منه، فأما المؤذي من الشوك كالعوسج، فلا بأس بقطعه كالحيوان المؤذي لا بأس بقتله. يعني لا يقطع الشوك إلَّا المؤذي، وكذلك ما استنبته الأدميون، مثلًا كذلك الحيوان المؤذي، المؤذي يقتل لتفادي أذاه. وهذا قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث الآخر: «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب، والحدأة، والفأرة، والكلب العقور، والحية». وكذلك أيضاً الحُدية.
«ولا تلتقط لقطته إلَّا من عرَّفها»: هذه من خصائص مكة، اللُقطة ما يأخذها أحد إلَّا يعرفها مدى الدهر، بخلاف غيرها من البُلدان من غير مكة إذا التقطتها تعرفها سنة في مجامع الناس، تضبط أوصافها، فإذا مضت سنة ولم يأتِ أحد؛ تكون لك، لكن تضبط صفاتها، فإن جاء أحد يطلبها وعرف الصفات دفعتها له، وإلا فهي لك، أما مكة لا، فالحرم مدى الدهر تُعرفها وإلا تتركها مكانها، لكن الآن وجد هيئة عند المسعى يقبلون الضائع، يقبلون اللقطة تدفع إلى الهيئة وتبرأ منها، وإلا تُعرفها مدى الدهر، وإلا تتركها مكانها يأتي صاحبها ويجدها، هذه من خصائص الحرم.
«ولا يُخلتى خلاه». المراد الحشيش الرطب. تكلم عليه قال الخلي هو؟
قارئ المتن: قال: الخلى: الطرب من النبات، فلا يجوز قطع حشيش الحرم، ولا قطعه رطبًا إن كان لا يستخلف إلَّا الإذخر لإذن صاحب الشرع فيه، فإن قطع شيئًا سواه، فعليه الجزاء وهو قيمته يصرفها إلى الطعام، فيتصدق به أو يصوم، وجوز الشافعي الرعي فيه، ولم يجوز أبو حنيفة الرعي، كالاحتشاش.
الشيخ: يعني رعي الإبل والبقر لا يجوز يكون في الحرم، بعض العلماء جَوزه.
قارئ المتن: ويجوز قطع الحشيش للدواء على أظهر وجهي أصحاب الشافعي، كما يجوز قطع الإذخر للبيوت والقبور، ولا بأس بقطع الحشيش اليابس والشجر اليابس كالصيد الميت يقُدُّه. انظر: في ذلك كله (شرح السُّنَّة).
الشيخ: والشجر اليابس كالصيد الميت يُقِدُّه: يعني الحشيش اليابس والشجر اليابس يأخذه مثل صيد الميت صار لحم ميت، ذُبح، ذبحه مثلًا غير المُحرم أو من خارج الحرم مثلًا فله أن يقطعه، ما دام أنه ميت، ما يضر، كونه يقطعه بعد موته.
وفيه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ولا يُخلتى خلاه، قال: إلَّا الإذخر».
الإذخر: حشيشة طيبة الرائحة يسقف بها البيوت فوق الخشب.
قالوا يا رسُول الله: «فإنه لبُيوتهم ولقَيّنهم»: يعني البيوت السقف بها خشب، الخشب في غير مكة يجعل خوص بداله، خوص النخل، مكة ما عندهم نخل قليل، يجعلون بداله هذا الإذخر يكون بين الخشب.
وكذلك أيضاً: لقَينهم: الحدادـ الذي يشعل النار يحتاج إلى إذخر.
وكذلك في الحديث الآخر: «ولقبورهم» الخلل بين اللبِنات تجعل فيه هذا الإذخر.
في اللفظ العباس قال: يا رسُول الله، إلَّا الإذخر؟ فالرسول جاءه الوحي فقال: «إلَّا الإذخر» الإذخر مستثنى، وإن كان حشيش يؤخذ لهذه المصالح؛ لأنه يستخدم في البيوت، يستخدم في الخلل بين الخشب، في سقف البيوت، وكذلك الحدادين يحتاجون إلى إحراق الحديد، وكذلك أيضاً الخلل بين القبور. فقال النبي: «إلَّا الإذخر».
«ولا هجرة، ولكن جهاد ونية»: انتهت الهجرة بعد فتح مكة، لا هجرة من مكة إلى المدينة لكن بقت الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام باقية، لكن المراد هنا الهجرة من مكة إلى المدينة انتهت؛ لأن مكة يوم ما فتحت صارت بلا هجرة. ولكن بقي الجهاد في سبيل الله، وكذلك النية.
«وإذا استُنفرتم فانفروا»: يعني إذا طلب منكم الإمام النفير لقتال العدو فانفروا. هذا دل على أن الجهاد يكون واجب في ثلاثة حالات:
- إذا استنفر الإمام أحد وجب.
- وإذا وقف في الصف.
- وكذلك إذا داهم العدو بلدًا من بلاد المسلمين.
في هذه الحالات الثلاث يكون الجهاد واجب. إذا استنفر الإمام أحدًا، أو وقف في الصف، أو داهم العدو بلدًا فإنه يجب على الجميع أن يجاهد رجالًا ونساءً يدافعون عن أنفسهم.
«وإذا استُنفرتم فانفروا».
قارئ المتن: حدثنا أحمد بن عبدة، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس، قال: بينما رجل واقف مع رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعرفة إذ وقع من راحلته فأقصعته – أو قال: فأقعصته – فقال رسُول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اغسلوه بماءٍ وسدرٍ، وكفنوه في ثوبين، ولا تُحنِّطوه ولا تُخمروا رأسه؛ فإن الله يبعثه يوم القيامة مُلبِّيًا».
وعن يعقوب بن إبراهيم وأحمد بن منيع، قالا، حدثنا هُشيم، قال: أخبرنا أيوب، عن سعيد بن جُبير، نحوه ح وعن محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، عن المعتمر بن سليمان قال: سمعت أيوب، عن سعيد بن جُبير، نحوه ح وعن الزعفراني، عن عبيدة، عن منصور، عن الحكم بن عُتيبة، عن سعيد بن جُبير ح وعن سلم بن جنادة، عن وكيع، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جُبير ح وعن الفضل بن يعقوب، عن عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جُبير، به.
الشيخ: وغدًا إن شاء الله سيكون الدرس في الصباح إن شاء الله نكمل الثلاثاء ويكون أيضاً في المساء بعد المغرب قد تمتد لبعد العشاء، الثلاثاء والأربعاء.
وهذا الحديث كما ذكر المؤلف. ماذا قال عن تخريجه؟
قارئ المتن: قال: صحيح، أخرجه: الشيخان، وغيرهم.
الشيخ: الحديث صحيح، وفيه أن المُحرم يجنب الطيب، وفيه أن المحرم إذا مات وهو محرم فإنه يكفن في ثوبين في الإزار والرداء، ولا يحنط هذا نوع من الطيب، ولا يُغطى رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة مُلبيًا، ونرى الآن في الحرم في مكة بعضهم يتوفى وهو مُحرم ومع الجنائز يبقى رأسه مكشوف، لا، هذا فيه بعد الإحرام يتوفى فيبقى رأسه ووجه مكشوف لأن الله يبعثه يوم القيامة مُلبيًا.
وفيه دليل على أنه يبقى على إحرامه يكفن في ثوبين: يعني إزار ورداء، ويجنب الطيب، ولا يغطى رأسه، فإن الله يبعثه يوم القيامة مُلبيًا.
والقعص: قال: إذا كان واقفًا بعرفة فسقطت دابته فمات.
القعص: أن يضرب الإنسان فيموت مكانه. يقال قعصته وأقعصته إذا قتلته قتلًا سريعًا.
وقوله: قال البغوي؟
قارئ المتن: قال البغوي: فيه أنه استبقى له شعار الإحرام من كشف الرأس، واجتناب الطيب، ولم يزده ثوبًا ثالثًا تكرمة له، كما استبقى للشهداء شعار الجهاد، فلم يغسلوا ودفنوا بدمائهم، وفيه دليل على أن حرم الرجل في رأسه دون وجهه.
الشيخ: أو إحرام الرجل في رأسه دون وجهه.
(1:12:30) ولا وجهه، باقي العلماء قالوا: "إنها شاذة، ومن العلماء قال: أنه يكشف الوجه"، والآن: يكشف الوجه مع بعض الرأس.
قارئ المتن: واختلف أهل العلم في أن المحرم إذا مات هل ينقطع حكم إحرامه؟
فذهب بعضهم إلى أنه لا ينقطع حكم إحرامه، حتى لا يجوز تخمير رأسه، ولا أن يُقرب من الطيب، وهو قول الثوري، والشافعي وأحمد، وإسحاق. وذهب جماعة إلى أنه ينقطع حكمه، فيصنع به ما يصنع بسائر الموتى، يروى ذلك عن ابن عمر، وقو قول مالك وأصحاب الرأي.
الشيخ: الصواب الأول: الحديث صريح: قال: «كفنوه في ثوبين، ولا تُحنِّطوه ولا تُخمروا رأسه؛ فإن الله يبعثه يوم القيامة مُلبِّيًا». صريح في أنه يبقى.
فالقول الثاني وفي الحديث؟
قارئ المتن: وفي الحديث دليل على أن المحرم إذا مات لا يؤدي عنه بقية الحج؛ لأن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يأمر به.
الشيخ: لأنه قال: «يبقى مُحرمًا».
وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع بالعلم النافع والعمل الصالح، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهدُ أن لا إله إلَّا الله، أستغفرك وأتوب إليك.