الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
-اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا ارحمن الراحمين-.
قال الإمام ابن كثير -رَحِمَهُ اللّهُ تعَالىَ-: (وَقَوْلُهُ -تَعاَلىَ-: {وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ} أَيْ: عِنْدَ الْحَاجَةِ يَضْرَعُ وَيَسْتَغِيثُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنْسَانُ كَفُورًا}[الْإِسْرَاءِ:67]؛ وَلِهَذَا قَالَ: {ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ} أَيْ: فِي حَالِ الرَّفَاهِيَةِ يَنْسَى ذَلِكَ الدُّعَاءَ وَالتَّضَرُّعَ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: {وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ}[يُونُسَ:12].
{وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} أَيْ: فِي حَالِ الْعَافِيَةِ يُشْرِكُ بِاللَّهِ، وَيَجْعَلُ لَهُ أَنْدَادًا.
{قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ}[الزمر:8] أَيْ: قُلْ لِمَنْ هَذِهِ حَالُهُ وَطَرِيقَتُهُ وَمَسْلَكُهُ: تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا، وَهَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ، كَقَوْلِهِ: {قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ}[إِبْرَاهِيمَ:30]، وَقَوْلُهُ: {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ}[لقمان:24]).
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد.
هذه حال الإنسان الكافر، في حال الرخاء يضرع إلى الله -عَزَّ وَجلّ- وقد يُجاب دعاءُه؛ لأن الله -تَعاَلىَ- يستجيب الدعاء، وقد يستجيب الدعاء من المضطر سواءٌ كان مؤمنًا أو كافرًا، ثم في حال العافية والرفاهية ينساه ويشرك بالله، فيقال له: ﴿ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾[الزمر:8].
الطالب: (قَوْلُهُ: {وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ} أَيْ: عِنْدَ الْحَاجَةِ يَضْرَعُ وَيَسْتَغِيثُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنْسَانُ كَفُورًا}[الْإِسْرَاءِ:67]. وَلِهَذَا قَالَ: {ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ} أَيْ: فِي حَالِ الرَّفَاهِيَةِ يَنْسَى ذَلِكَ الدُّعَاءَ وَالتَّضَرُّعَ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: {وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ}[يُونُسَ:12].
{وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} أَيْ: فِي حَالِ الْعَافِيَةِ يُشْرِكُ بِاللَّهِ، وَيَجْعَلُ لَهُ أَنْدَادًا. {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ}[الزمر:8] أَيْ: قُلْ لِمَنْ هَذِهِ حَالُهُ وَطَرِيقَتُهُ وَمَسْلَكُهُ: تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا، وَهَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ، كَقَوْلِهِ: {قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ}[إِبْرَاهِيمَ:30]، وَقَوْلُهُ: {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ}[لقمان:24]).
الشيخ: هذه حالة كل كافر، كل كافر يمتعه الله بالدنيا قليلًا، والدنيا كلها قليل من أولها لآخرها يتمتع بكفره، ويعيش على الكفر مؤثِرًا للحياة الدنيا على الآخرة، فموصله إلى النار-نسأل الله السلامة والعافية-، فيقال له: ﴿تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾، يعني يقول الله -تَعاَلىَ-، ويقول له القرآن ﴿تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ﴾ يعني عِش في هذه الدنيا المدة التي قدَّرها الله لك، وعَيشك على الكفر وأنت من أصحاب النار -نسأل الله السلامة والعافية-.
(قال -تَعاَلىَ-: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُواْ الألْبَابِ (9)}[الزمر:9].
يَقُولُ -تَعَالَى-: أَمَّنَ هَذِهِ صِفَتُهُ كَمَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ وَجَعَلَ لَهُ أَنْدَادًا؟ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ}[آلِ عِمْرَانَ:113]. وَقَالَ هَاهُنَا: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} أَيْ: فِي حَالِ سُجُودِهِ وَفِي حَالِ قِيَامِهِ.
وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْقُنُوتَ هُوَ الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ، لَيْسَ هُوَ الْقِيَامُ وَحْدَهُ كَمَا، ذَهَبَ إِلَيْهِ آخَرُونَ).
يعني يطلق القيام على (الْقُنُوتَ)، ويطلق على (الْخُشُوعُ)، ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾[البقرة:238] يُطلق على هذا وعلى هذا، وتكون هذه الآية المراد بها الخشوع.
﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ﴾[الزمر:9] على الإنسان
(قَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضَيَّ اللهُ عَنهُ-، أَنَّهُ قَالَ: "الْقَانِتُ الْمُطِيعُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ".
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ: "{آنَاءَ اللَّيْلِ}: جَوْفُ اللَّيْلِ".
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ: "بَلَغَنَا أَنَّ ذَلِكَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ". وَقَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ: "{آنَاءَ اللَّيْلِ}: أَوَّلُهُ وَأَوْسَطُهُ وَآخِرُهُ").
ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن الصلاة بين المغرب والعشاء من صلاة الليل؛ لأن الليل يبدأ من غروب الشمس وينتهي بطلوع الفجر ليكون ما بين عشاءين من الليل، ولكن صلاة التهجد كما هو معروف بعد صلاة العشاء، والتهجد إنما يكون بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، والأفضل ثلث الليل الآخر.
(وَقَوْلُهُ: {يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} أَيْ: فِي حَالِ عِبَادَتِهِ خَائِفٌ رَاجٍ، وَلَا بُدَّ فِي الْعِبَادَةِ مِنْ هَذَا وَهَذَا، وَأَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ فِي مُدَّةِ الْحَيَاةِ هُوَ الْغَالِبُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ}، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ فَلْيَكُنِ الرَّجَاءُ هُوَ الْغَالِبُ.
كَمَا قَالَ الْإِمَامُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ -رَضَيَّ اللهُ عَنهُ- قَالَ: "دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ، فَقَالَ لَهُ: «كَيْفَ تَجِدُكَ؟» قَالَ: أَرْجُو وَأَخَافُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الَّذِي يَرْجُو، وَأَمْنَهُ الَّذِي يَخَافُهُ»).
(«فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ») يعني عند الموت، وكذلك في الحياة لابد من الرجاء والخوف، "يسير المؤمن إلى ربه بين الرجاء والخوف كجناحي الطائر".
ولكن ذهب جمع من أهل العلم، كما ذكر الحافظ -رَحِمَهُ اللّهُ-: إلى أنه في الحياةِ ينبغي أن نُغلِّب جانب الخوف؛ حتى يكون حاديًا له، وزاجرًا له عن المعاصي وحاديًا له إلى الطاعات، فإذا كان في حال الاحتضار وفي حال الموت، فإنه يُغلِّب جانب الرجاء؛ لأنه انتهى العمل وما بقي إلَّا الرجاء يُغلِّب جانب الرجاء، ولذلك قال بعض أهل العلم: يعني يَحسُن أن تُقرأ عند المحتضر أحاديث الرجاء، حتى يُحسَّن الظن بالله -عَزَّ وَجلّ-.
(وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي [الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ]، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ سَيَّار بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: "غَرِيبٌ". وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُرْسَلًا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شبَّة، عَنْ عُبَيْدَةَ النَّمِيريِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلَف)
(النَّمِيِريِّ) أو (النُّمَيْري) محتملة، بالتصغير أو بالتكبير.
(قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلَف عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى الخَزَّاز، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى البّكَّاء، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ -رَضَيَّ اللهُ عَنهُما- قَرَأَ: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ}؛ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: ذَاكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-. وَإِنَّمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ ذَلِكَ؛ لِكَثْرَةِ صَلَاةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بِاللَّيْلِ وَقِرَاءَتِهِ، حَتَّى إِنَّهُ رُبَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ، كَمَا رَوَى ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْهُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).
وليس هذا خاصٌ به، خاصًا بعثمان -رَضَيَّ اللهُ عَنهُ- لكنه هذا مثال قصده يمثل، (﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾[الزمر:9] هذا عُثْمَان) يعني مثال، من الأمثلة (عُثمان)، وهناك أمثلةٌ أخرى.
وهذا مشهور عن عثمان -رَضَيَّ اللهُ عَنهُ- أنه (قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ)، قراءة القرآن كله في ركعة، هذا يمكن يعني أن أعطاه الله قوة ونشاط في ليل الشتاء ليقرأ فيه، ليل الشتاء طويل بعد العشاء يقرأ مثلًا في كل يقرأ في سبع ساعات أو ثمن ساعات والجزء مثلًا في ثلث ساعة (تسعة) أجزاء، أو ربع ساعة (ثلاثة في سبع) بواحد وعشرين، أو سبع ساعات أو ثمن ساعات ممكن هذا أن أعطاه القوة والنشاط والقُدر، وهذا مشهور عن عثمان -رَضَيَّ اللهُ عَنهُ- أنه فعل ذلك وأنه (قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ).
وكذلك فعله غيره (11:37)، وقد يكون هذا يعني ليس معتادًا دائمًا لكن في بعض الأحيان، والذي معروف عن الصحابة -رِضُوان الله عَنهُم- إنهم كانوا يحزبون القرآن، يقرأون القرآن في سبعة أيام ثلاثًا، وخمسًا، وسبعًا، وتسعًا، وإحدى عشرة، وثلاثة عشر هذا معروف، وكذلك في الحديث أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ» القرآن في ثلاثة أيام، لكن هذا يعني في بعض الأحيان.
الطالب: الحديث السابق نقل الحافظ بن كثير عن الترمذي، (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: "غَرِيبٌ". وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُرْسَلًا) هذا الذي عندي.
الشيخ: حديث (عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ) مرسل؟ وقال الترمذي: "إنه مرسل"؟
الطالب: لكن الذي عندي هنا: (عَنْ ثَابِت، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُرْسَلًا).
الشيخ: عليه تخريج؟
الطالب: الترمذي والنسائي فِي [عَمل الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ]، وهو في [الكبرى]، وابن ماجة وإسناده ضعيف لضعيف سَيَّار بْنِ حَاتِمٍ فقد خالفه عبد السلام بن مظهر وهو ثقة ورواه مرسلًا.
الشيخ: التخريج لمن هنا؟
الطالب: هذا لشعيب.
الشيخ: ماذا يقول؟
الطالب: يقول: الترمذي والنسائي فِي [عَمل الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ]، وهو في [الكبرى]، وابن ماجة وإسناده ضعيف لضعيف سَيَّار بْنِ حَاتِم.
الشيخ: فيه سند سيَّار بن حاتم؟
الطالب: أي نعم. وقد خالفه عبد السلام بن مظهر، وهو ثقة فرواه مرسلًا أخرجه البغوي في شرح السُّنَّة، وهو الصواب والأشبه.
الشيخ: وكذلك الترمذي، يعني الأقرب أنه مرسل، المرجح أنه مرسل.
الطالب: لكن هنا يقول: (عَنْ ثَابِت، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُرْسَلًا)، لكن في الترمذي ما فيه (عن أنس)، كأنه (عن أنس) هذه زائدة.
الشيخ: يعني مقطوع؟ يمكن هذا.
الطالب: (14:04).
الشيخ: لعلها من شواهده. أعد بعد حديث الترمذي؟
الطالب: (وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شبَّة، عَنْ عُبَيْدَةَ النُّمَيْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلَف عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى الخَزَّاز، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى البّكَّاء، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ -رَضَيَّ اللهُ عَنهُما- قَرَأَ: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ}؛ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: ذَاكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-. وَإِنَّمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ ذَلِكَ؛ لِكَثْرَةِ صَلَاةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بِاللَّيْلِ وَقِرَاءَتِهِ، حَتَّى إِنَّهُ رُبَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ، كَمَا رَوَى ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْهُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).
(وَقَالَ الشاعر:
ضَحُّوا بأشْمَطَ عُنوانُ السُّجُودِ بِهِ |
|
يُقَطَّع اللَّيلَ تَسْبيحا وقُرآنًا |
عثمان. (ضَحُّوا بِه) يعني قتلوه، قتلوه كما تُذبح الأضحية، قتلوا عثمان، ضحوا.
(الأشمط): شيخ كبير بلغ الثمانين، زاد عن الثمانين قتلوه.
وهو (يُقَطَّع الليلَ تَسْبيحا وقُرآنًا): يعني "اللَّيل" يعني يمضيه بين القراءة. و"التسبيح": الصلاة، ومع ذلك قتلوه.
ضَحُّوا بأشْمَطَ عُنوانُ السُّجُودِ بِهِ |
|
يُقَطَّع الليلَ تَسْبيحا وقُرآنًا |
-رَضَيَّ اللهُ عَنهُ وأرضاه-، يعني علامة السجود عليه (على الوجه).
(وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: كَتَبَ إِلَيَّ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ -رَضَيَّ اللهُ عَنهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ قَرَأَ بِمِائَةِ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ كُتِبَ لَهُ قُنُوتُ لَيْلَةٍ»).
تخريجه؟
الطالب: أحمد في المسند، وهو حديثٌ حسن بالشواهد.
الشيخ: وفي حديث: «مَنْ قامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ، ومَنْ قامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ المُقَنْطِرِين، ومَنْ قامَ بِعَشْرِ آياتٍ لمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ» هذا مما يشهد لها.
(وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي [الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ] عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَالرَّبِيعِ بْنِ نَافِعٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ حُمَيْدٍ، بِهِ.
وَقَوْلُهُ: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} أَيْ: هَلْ يَسْتَوِي هَذَا وَالَّذِي قَبْلَهُ مِمَّنْ جَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيَضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ؟!
{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ} أَيْ: إِنَّمَا يَعْلَمُ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا مَنْ له لب وهو العقل).
يقول: ﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾[الزمر:9].
﴿قَانِت﴾، يعني: مطيعٌ لله، عابدٌ لله مصلي.
﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ﴾، يعني: يُصلي الليل، ﴿آنَاءَ اللَّيْل﴾: يعني هو أوقات الليل من أوله وأوسطه وآخره.
﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا﴾، يعني: يراوح بين جبهته وقدميه، ﴿قائمًا﴾ على قدميه، و﴿سَاجِدًا﴾ جبهته على الأرض، يُراوح بين هذا وهذا.
﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾، ﴿يَحْذَرُ الآخِرَةَ﴾ هذا الخوف، ﴿وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾.
لا يستوي هذا هو والعاصي، والذي جعلوا لله أندادًا؛ ولهذا قال -تَعاَلىَ-: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ هل يستوي هؤلاء المطيعين لله الخاشعين القانتين المصلين مع المفرطين، العاصيين، الجاعلين لله أندادًا؟! هل يستوي هؤلاء وهؤلاء؟! الذي يفرق بين هذا أهل العلم.
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُواْ الألْبَابِ﴾ من كان فيه "لُبٌّ" عقل صحيح هو الذي يعلم الفرق بين هذا وهذا، أما الغافل والمُعرض فليس عنده بصيرة في هذا الأمر.
﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُواْ الألْبَابِ﴾[الزمر:9] يعني يتذكر ويعلم، يعني يقول: ﴿أُولُواْ الألْبَابِ﴾ هم أهل العقول وأهل العلم، أعطاهم الله العمل والبصيرة والعقل، فهم الذين يميزون، أما لجاهل فليس عنده بصيرة، وذكر الحافظ هنا أنه ينبغي للإنسان، أن المسلم يسير إلى الله بين الخوف والرجاء إلَّا أنه في حال الحياة والصحة يُغلِّب جانب الخوف ليكون حاديًا له، إلى الخيرات وزجرًا له إلى المعاصي، وفي حال الصحة أو في حال المرض عند الموت يُغلِّب جانب الرجاء حتى لا يموت لله وهو يُحسِّن الظن بالله -عَزَّ وَجلّ-؛ لأن العمل انتهى ما بقي إلَّا الرجاء وحُسن الظن بالله -عَزَّ وَجلّ-؛ لأنه في حال الاحتضار انتهى من الدنيا.
(ثم قال -تَعاَلىَ-: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لأنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12)}[الزمر:10-12].
يَقُولُ -تَعَالَى- آمِرًا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالِاسْتِمْرَارِ عَلَى طَاعَتِهِ وَتَقْوَاهُ: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} أَيْ: لِمَنْ أَحَسَنَ الْعَمَلَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ.
وَقَوْلُهُ: {وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ}، قَالَ مُجَاهِدٌ: فَهَاجِرُوا فِيهَا، وَجَاهِدُوا، وَاعْتَزِلُوا الْأَوْثَانَ. وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَطَاءٍ فِي قَوْلِهِ: {وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ} قَالَ: إِذَا دُعِيتُمْ إِلَى الْمَعْصِيَةِ فَاهْرُبُوا، ثُمَّ قَرَأَ: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}[النِّسَاءِ:97].
وَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَيْسَ يُوزَنُ لَهُمْ وَلَا يُكَالُ، إِنَّمَا يُغْرَفُ لَهُمْ غَرْفًا).
يعني ليس لهم حد بخلاف الذي يُكال ويوزن له عد، له عدٌّ وهذا غير محدود، يعني أجرٌ عظيم لا يعلم مقداره إلَّا الله (يُغْرَفُ لَهُمْ غَرْفًا).
﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ قل يا محمد لعبادي المؤمنين اتقوا الله واستمروا على تقواه وطاعته، ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾.
﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا﴾ أحسنوا العمل، أحسنوا في عبادة ربهم وأحسنوا إلى عباد الله، لهم في الدنيا حسنة، ولهم في الآخرة حسنة، لهم حسنة في الدنيا الحياة الطيبة، ويرزقهم الله الحياة الطيبة في هذه الدنيا التي ينعمون بها، وحسنة الآخرة وهي الثواب والأجر الكبير الذي أعده لهم في الآخرة، ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ﴾ على عبادة الله حتى يؤدوها، والصابرون عن محارم الله حتى يجتنبوها، والصابرون على أقدار الله المؤلمة إنما يوفون ﴿أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[الزمر:10] بغير عد ولا حساب، أما الذي يُعد فإنه له حد.
ولهذا قال: (يُغْرَفُ لَهُمْ غَرْفًا) فيه دليل على أن الصبر فضله عظيم وأن جزاءه غير محدود، والإيمان نصفه صبر ونصفه شكر، فلابد من الصبر، قال عليٌّ -رَضَيَّ اللهُ عَنهُ-: «وجدنا خيرًا عن الاجتناب الصبر»، قال عليٌّ -رَضَيَّ اللهُ عَنهُ-: «منزلة الصبر من الإيمان، كمنزلة الرأس من الجسد».
(وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَا يَحْسِبُ عَلَيْهِمْ ثَوَابَ عَمَلِهِمْ قَطُّ، وَلَكِنَّ يُزَادُونَ عَلَى ذَلِكَ).
في هذا بلاغة، مقاطعة لكن ما هو صحيح.
(وَقَالَ السُّدِّيُّ: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} يَعْنِي: فِي الْجَنَّةِ.
وَقَوْلُهُ: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} أَيْ: إِنَّمَا أُمِرْتُ بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. {وَأُمِرْتُ لأنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي مِنْ أُمَّتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم-).
فهو أول المسلمين من هذه الأمة، ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي﴾[الأنعام:163-164] يعني من هذه الأمة وقد سبقه الأنبياء.
﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾[الزمر:11] هذا أمرٌ من الله لنبيه ولعباده أن يخلصوا له العبادة، ولا تصلح العبادة إلَّا بالإخلاص، بأن أريد بها وجه الله والدار الآخرة، ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لأنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ﴾[الزمر:11-12] فهو -عَلَيْهِ الصلَاة وَالسَّلام- أول مسلمين هذه الأمة.
(ثم قال -تَعاَلىَ-: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)}[الزمر:13-16].
يَقُولُ -تَعَالَى-: {قُلْ} يَا مُحَمَّدُ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ: {إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَهَذَا شَرْطٌ، وَمَعْنَاهُ التَّعْرِيضُ بِغَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى).
﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ﴾:
﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ﴾: "إِن" أداة شرط.
﴿إِنْ عَصَيْتُ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ وهذا تعريضٌ بغيره وهو -عَلَيْهِ الصلَاة وَالسَّلام- معصوم، ولكن هذا الشرط يراد به مقادير الأشياء.
﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾[الزمر:13] يعني فعلى هذه الأمة أن تحذر ونبيها معصوم -عَلَيْهِ الصلَاة وَالسَّلام-.
﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ﴾ فمن عصى الله، فهو متوعد، عليه هذا الوعيد له عذابٌ عظيم. فاحذر أيها الإنسان، وهذا الشرط وإن الخطاب كان موجه للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ إلَّا أنه تعريضٌ الأمة، وهو -عَلَيْهِ الصلَاة وَالسَّلام- معصوم.
({قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} وَهَذَا أَيْضًا تَهْدِيدٌ وتَبَرّ مِنْهُمْ).
﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي﴾[الزمر:14] قل يا محمد أنا ﴿أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي﴾.
﴿فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ﴾[الزمر:15] تهديد، يعني فمن عبد من الله غيره فسيلقى جزاءه، مثل قوله -تَعاَلىَ-: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[فصلت:40] أمر للتهديد والوعيد، ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ فإنه بصيرٌ بما تعملون وسوف يُجزيكم.
وهذا ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (13) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ﴾[الزمر:13-14] فالله -تَعاَلىَ- هو المحاسب لكم وهو المجازي، وأما أنا فإني أعبد الله مخلصًا له الدين، وأما أنتم ﴿فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ﴾ إن أبيتم إلَّا الاستمرار على المعاصي، فسوف تلقون جزاءكم، والله -تَعاَلىَ- هو المجازي، وهو المحاسب، وهو المراقب. ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (13) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ﴾.
({قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ} أَيْ: إِنَّمَا الْخَاسِرُونَ كُلَّ الْخُسْرَانِ {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أَيْ: تَفَارَقُوا فَلَا الْتِقَاءَ لَهُمْ أَبَدًا، سَوَاءً ذَهَبَ أَهْلُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَقَدْ ذَهَبُوا هُمْ إِلَى النَّارِ، أَوْ أَنَّ الْجَمِيعَ أُسْكِنُوا النَّارَ، وَلَكِنْ لَا اجْتِمَاعَ لَهُمْ وَلَا سُرُورَ، {ألَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} أَيْ: هَذَا هُوَ الْخَسَارُ الْبَيِّنُ الظَّاهِرُ الْوَاضِحُ).
هذا هو الخسران هنا، ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ﴾ ليس الخسارة في مال يخسر به الدنيا، وإنما الخسران، ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ﴾ الحقيقي، الخساران الحقيقي ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ فعصوا الله وماتوا على العصيان، فخسروا أنفسهم، وخسروا أهليهم وأموالهم فلن يلتقوا على سرور، إما أن يلتقوا في النار على عذاب، وإما أن يفترقوا بعضهم في الجنة وبعضهم في النار، فهذا هو الخسران الحقيقي.
﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ألَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾[الزمر:14] هذا هو الخسران الحقيقي.
(ثُمَّ وَصَفَ حَالَهُمْ فِي النَّارِ، فَقَالَ: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ}، كَمَا قَالَ: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}[الْأَعْرَافِ:41]، وَقَالَ: {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[الْعَنْكَبُوتِ:55]).
والمعنى: أن العذاب والنار تغمرهم من جميع الجهات من تحتهم، ومن فوقهم، ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾[الأعراف:41]، "مِهاد": الدِّثار وغطاء من النار -والعياذ بالله-، وهنا قال: ﴿لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ﴾[الزمر:16]، وقال -تَعاَلىَ-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا -وكذَّبوا- بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا﴾[النساء:56] من جميع الجهات، تصلونها من جميع الجهات.
بخلاف المؤمن العاص فإنه إذا دخل النار تلهبه، ما يكون ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ لكن تلهبه النار ولا تأكل مواضع السجود ويُعذب ليس كالكافر، بخلاف الكافر، فإن الكافر تغمره النار من جميع الجهات، ﴿يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ﴾[الانفطار:15]. ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ -نسأل الله السلامة والعافية-. لهم من النار، ومن فوقهم ظُلل هؤلاء الكفرة الذين خسروا أنفسهم وأهلهم يوم القيامة، ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ لهم دِثار وغطاء، غطاءٌ وفراش من النار -نسأل الله السلامة والعافية-.
(﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾[الْأَعْرَافِ:41]) يعني هذا الجزاء للظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالشرك، والظلم الذين ظلموا الأكبر وهو ظلم الشرك هكذا يجازون -نسأل الله السلامة والعافية-، وظلم المعاصي فالعاصي (31:35) المعاصي على خطأ من دخول النار.
(وَقَوْلُهُ -تَعاَلىَ-: {ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ} أَيْ: إِنَّمَا يَقص خَبَرَ هَذَا الْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ لِيُخَوِّفَ بِهِ عِبَادَهُ، لِيَنْزَجِرُوا عَنِ الْمَحَارِمِ وَالْمَآثِمِ).
(إِنَّمَا يَقص خَبَرَ هَذَا) يقص على النَّاس، لعلَّه.
أو (إِنَّمَا يَقص)، يعني: يقص الرب -سبحانه وتعالى-، هذا أو هذا.
الطالب: نقص بـ (النون).
الشيخ: وعندكم (يَقص) بالياء، إذًا (يقص) وإما (نقص)؛ لأن الله -تَعاَلىَ- هو الذي يقص، (نقص) الرب -تَعاَلىَ- يعظم نفسه، أو (يَقص) يقص الرب -سبحانه وتعالى-.
الطالب: (أَيْ: إِنَّمَا يَقص خَبَرَ هَذَا الْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ لِيُخَوِّفَ بِهِ عِبَادَهُ، لِيَنْزَجِرُوا عَنِ الْمَحَارِمِ وَالْمَآثِمِ).
(وَقَوْلُهُ: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} أَيِ: اخْشَوْا بَأْسِي وَسَطْوَتِي، وَعَذَابِي وَنِقْمَتِي).
﴿ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ﴾ إنما يقصد بذلك التخويف، تخويف الله لعباده، (33:14) ﴿يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾[الزمر:16] فاحذروا، اتقوني، اتقوا (سَطْوَتِي، وَعَذَابِي) باجتناب الشرك والمعاصي.
﴿يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾ اجعلوا بينكم وبين النار وقاية تقيكم من عذابي وسخطي، بالتوحيد، والإيمان، والعمل الصالح.
(ثم قال -تَعاَلىَ-: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُواْ الألْبَابِ (18)}[الزمر:17-18]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا} نَزَلَتْ فِي زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيل، وَأَبِي ذَرٍّ، وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ -رَضَيَّ اللهُ عَنهُم-.
الطالب: (ثم قال -تَعاَلىَ-: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُواْ الألْبَابِ (18)}[الزمر:17-18]. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا} نَزَلَتْ فِي زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيل، وَأَبِي ذَرٍّ، وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ -رَضَيَّ اللهُ عَنهُم-).
كونها نزلت فيهم، فهي عامةٌ لهم ولغيرهم، ويكون من نزلت فيه أول الداخلين فيها وليس هم بالخصوص فهي عامة، ﴿وَالَّذِينَ﴾ من صيغ العموم.
﴿والَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ﴾ والذين اجتنوا عبادة الأصنام والأوثان والطواغيت، ﴿وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ﴾ رجعوا إليه وأخلصوا له العبادة، ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى﴾[الزمر:17]، ﴿والَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى﴾ في الحياة الدنيا وفي الآخرة ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾[الزمر:17-18]
الطالب: (وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا شاملةٌ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ، مِمَّنِ اجْتَنَبَ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ، وَأَنَابَ إِلَى عِبَادَةِ الرَّحْمَنِ، فَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ).
(ثُمَّ قَالَ: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} أَيْ: يَفْهَمُونَهُ وَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ، كَقَوْلِهِ -تَعَالَى- لِمُوسَى حِينَ آتَاهُ التَّوْرَاةَ: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا}[الْأَعْرَافِ:145]. {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ} أَيِ: الْمُتَّصِفُونَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ هُمُ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْأخِرَى).
يقول: هو حصل الهداية فيهم. ﴿والَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ﴾[الزمر:17-18] هؤلاء أهل الهداية هداهم الله إلى التوفيق والتسديد، ووفقهم ودلَّهم على الخير، ورغبَّهم، وخلق الهداية في قلوبهم فصاروا أهل هداية، ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُواْ الألْبَابِ﴾.
﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُواْ الألْبَابِ﴾[الزمر:17-18] هم أصحاب العقول السليمة، الذين أرشدتهم عقولهم إلى توحيد الله وإخلاصه لدينه، أما غيرهم فعقولهم غير سليمة، وإن كانوا في الدنيا يسعون، ويعمرون الدنيا، ويحصلون على أموال، ويحصلون على المخترعات، ويحصلون على أمورهم في هذه الحياة الدنيا إلَّا أنها منقضية.
وهذه العقول عقولٌ ترشدهم إلى أمورهم في الحياة الدنيا، كـ (الأنعام) التي هداها الله لمرعاها، ولكنهم لم يستفيدوا من عقولهم في أمر الآخرة وفيما يُنجيهم من عذاب الله -عَزَّ وَجلّ-، فعقولهم مقصورةٌ على الدنيا، أما أصحاب العقول السليمة الذين أرشدتهم عقولهم إلى العمل الصالح، والتوبة النصوح، وإخلاص الدين له، وإثار الآخرة على الدنيا والعمل لها.
({وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُواْ الألْبَابِ} أَيْ: ذَوُو العقول الصحيحة، والفطَر المستقيمة.
ثم قال -تَعاَلىَ-: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)}[الزمر:19-20].
يَقُولُ -تَعَالَى-: أَفَمَنْ كَتَبَ اللَّهُ أَنَّهُ شَقِي تَقْدر تُنْقذُه مِمَّا هُوَ فِيهِ مِنَ الضَّلَالِ وَالْهَلَاكِ؟ أَيْ: لَا يَهْدِيهِ أَحَدٌ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ).
يعني لا تقدر، تقدير حرف الاستفهام، يعني لا تقدر على هدايته.
(يَقُولُ -تَعَالَى-: أَفَمَنْ كَتَبَ اللَّهُ أَنَّهُ شَقِي تَقْدر تُنْقذُه مِمَّا هُوَ فِيهِ مِنَ الضَّلَالِ وَالْهَلَاكِ؟ أَيْ: لَا يَهْدِيهِ أَحَدٌ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَمَنْ يَهْدِهِ فَلَا مُضِلَّ لَهُ. ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ عِبَادِهِ السُّعَدَاءِ أَنَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْقُصُورُ الشَّاهِقَةُ {مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ}، أَيْ: طِبَاقٌ فَوْقَ طِبَاقٍ، مَبْنيات مُحَكَمَاتٌ مُزَخْرَفَاتٌ عَالِيَاتٌ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى بُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا، وَظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا» فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ»).
تخريجه، تكلم عليه؟
الطالب: رواه ابن أحمد في زوائده على المسند، وهو حديثٌ حسنٌ لغيره.
الشيخ: («إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى بُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا، وَظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا» قَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ»)، هؤلاء المتقون ﴿لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ﴾ طِباق فوقها طباق ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ﴾ أنهار الماء، وأنهار اللبن، وأنهار الخمر، وأنهار العسل، ﴿لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ﴾[الزمر:20] هذا وعده -سبحانه وتعالى-، والله لا يخلف الميعاد.
أما من كتب الله عليه الشقاء وحقَّت عليه كلمة العذاب، فهذا لا يقدر أحد على هدايته؛ ولهذا قال الله -سبحانه وتعالى-: ﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ﴾[الزمر:19] يعني لا تستطيع أن تنقذه؛ لأن الله كتب عليه الشقاء وأعمى قلبه وبصيرته فلا ينتفع، ﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ﴾ وكتب عليه الشقاء، فهل تقدر على هدايته؟ لا تقدر، الهداية بيد الله، «مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَمَنْ يَهْدِهِ فَلَا مُضِلَّ لَهُ».
ولكنك تقدر على دعوته وإرشاده، وهداية الدلال هو الإرشاد ووعظه، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[الشورى:52] أما الهداية التي يكون يقبل الحق ويرضى به ويختاره، وكونه يوفق الحق ويسدده هذا يقوى لا يقدر عليه غير الله. ﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ﴾ لا تستطيع، أما المتقون الذين اتقوا الشرك والمعاصي كتب الله لهم السعادة، فهؤلاء لهم الثواب العظيم، لهم هذه الجنات التي بعضهم وفوق بعض ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ﴾ وهذا وعده -سبحانه-، والله -سبحانه وتعالى- لا يخلف الميعاد.
(وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَقَالَ: "حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ مِنْ قبَل حِفْظِهِ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ ابْنِ مُعانق -أَوْ: أَبِي مُعَانق-، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرْفَةً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَلَانَ الْكَلَامَ، وَتَابَعَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى وَالنَّاسُ نِيَامٌ». تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَانق الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، بِهِ).
فيه سند يحيى بن أبي كثير يدلس (43:20) تكلم عليه؟
الطالب: أحمد في المسند، وهو حديثٌ حسن، وهو في مصنف عبد الرزاق. لكن كأن سماحة الشيخ -رحمة الله عليه- يرى أنه صحيح الحديث.
الشيخ: هو ما أنا أتكلم عن الحديث؛ كأنه قال: له شواهد؟ شُعيب له شواهد؟
الطالب: في البخاري لعلَّه ذكر هنا في [فقه الدعوة في صحيح البخاري] ثم ذكر هذا الحديث في المكتبة الشاملة.
الشيخ: أخرجه البخاري؟
الطالب: الله أعلم.
الشيخ: في الذي بعده؟ ما أظنه في البخاري.
(وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضَيَّ اللهُ عَنهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ الْغُرْفَةِ فِي الْجَنَّةِ كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ فِي السَّمَاءِ». قَالَ: فحدثتُ بِذَلِكَ النُّعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ، فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رَضَيَّ اللهُ عَنهُ- يَقُولُ: «كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي الْأُفُقِ الشَّرْقِيِّ أَوِ الْغَرْبِيِّ». أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ، وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
الطالب: («إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ الْغُرْفَةِ فِي الْجَنَّةِ كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ فِي السَّمَاءِ»)
الشيخ: («كَمَا تَرَاءَوْنَ الكَوْكَب») الكوكب الغابر يجري في السماء، في المشرق أو في المغرب، في الآخر: قالوا: «يا رَسولَ اللَّهِ، تِلكَ مَنَازِلُ الأنْبِيَاءِ لا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ؟ قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بَلَى، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا باللَّهِ وصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ».
(وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا فَزارة، أَخْبَرَنِي فُلَيح، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ فِي الْجَنَّةِ أَهْلَ الْغُرَفِ، كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَارِبَ فِي الْأُفُقِ الطَّالِعِ، فِي تَفَاضُلِ أَهْلِ الدَّرَجَاتِ». فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُولَئِكَ النَّبِيُّونَ؟ فَقَالَ: «بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَأَقْوَامٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الرسل». وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُويد، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ فُلَيح بِهِ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ وَأَبُو كَامِلٍ قَالَا حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدٌ الطَّائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو المدَلَّة مَوْلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قُلْنَا: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا إِذَا رَأَيْنَاكَ رَقَّتْ قُلُوبُنَا، وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ، فَإِذَا فَارَقْنَاكَ أَعْجَبَتْنَا الدُّنْيَا وشَممْنَا النِّسَاءَ وَالْأَوْلَادَ". قَالَ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى الْحَالِ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا عِنْدِي، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ بِأَكُفِّهِمْ، وَلَزَارَتْكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ. وَلَوْ لَمْ تُذنبوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ كَيْ يَغْفِرَ لَهُمْ».
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَدّثنا عَنِ الْجَنَّةِ، مَا بِنَاؤُهَا؟ قَالَ: «لَبِنَةُ ذَهَبٍ ولَبِنَةُ فِضَّةٍ، وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ الأذْفَر، وحَصْباؤها اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ، وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ، مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ وَلَا يَبْأس، وَيَخْلُدُ وَلَا يَمُوتُ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ. ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدَّ دعوتُهم: "الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحمَل عَلَى الغَمام وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السماوات، وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لِأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ"»).
(لَأنْصُرَنَّكِ) الدعوة.
الطالب: («وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحمَل عَلَى الغَمام وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السماوات، وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لِأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ"»).
(وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وابنُ مَاجَهْ بعضَه، مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ أَبِي مُجَاهِدٍ الطَّائِيِّ وَكَانَ ثِقَةً، عَنْ أَبِي المُدَلِّه وَكَانَ ثِقَةً، بِهِ.
وَقَوْلُهُ: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ} أَيْ: تَسْلُكُ الْأَنْهَارُ بَيْنَ خِلَالِ ذَلِكَ، كَمَا يَشَاءُوا وَأَيْنَ أَرَادُوا. {وَعَدَ اللَّهُ} أَيْ: هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَعْدٌ وَعْدَهُ اللَّهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}).
الطالب: قوله -تَعاَلىَ-: ﴿ وَأُمِرْتُ لأنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ﴾[الزمر:12] الذي جاء في دعاء الاستفتاح ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾[الأنعام:163]، هل يقول المصلي: وأنا أول المسلمين؟
الشيخ: لا. وأنا من المسلمين، هذا خاص بالرسول. وأنا من المسلمين.
الطالب: (49:00)؟
الشيخ: صدقة، يعني إذا كان اشترى به (مال)، يُنوع مرة بالمال ومرة بإطعام الطعام، كونه يطعم الطعام له مزية إطعام الطعام؛ لأنه قد يضع المال ولا يشتري به طعام.
الطالب: (49:13)؟
الشيخ: (49:14) أعطاه يعني ينوع مرة يعطيه المال، وبعد في أحاديث أبي بكر في بعضها: «فمَن مِنْكُم اليَومَ أَطعَم مِسكينًا؟»، وبعضهم «مَنْ مِنْكُم تَصدَّق عَلَى مِسكِين» في رواية أخرى، الصدقة تشمل إطعام أو غيره.
الطالب: يقصد في الآية المستمرين على الإطعام؟
الشيخ: على حسب أقول: كلٌ بحسابه من أكثر إطعام الطعام فله أجره، ومن أقل له ثوابه تفاوت الناس في هذا.
الطالب: فيه رواية فيها للسلامة؟
الشيخ: نعم. غير هذا «خَير الإيمَان إِطْعَامِ الطَّعَامِ وَإِفْشَاءِ السَّلامِ». وفي رواية: «فتَقْرأ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ أوْ عَلى مَنْ لَمْ تَعْرِفْ».
الطالب: حديث عبد الله "عن السلام": قوله: «إِفْشَاءِ السَّلامِ وإِطْعَامِ الطَّعَامِ».
الشيخ" هذا في الصحيح: خير الطعام، «أَفضل الإيِمان تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ أوْ على مَنْ لَمْ تَعْرِفْ».