الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمدٍ وعلى أله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره عند تفسير سورة الزمر، قال الله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ({أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26(}.)
قال رحمه الله تعالى: (يَقُولُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، ويُقْرَعُ فَيُقَالُ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ مِنَ الظَّالِمِينَ: {ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ}، كَمَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟! كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الْمُلْكِ:22]، وَقَالَ: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [الْقَمَرِ:48]، وَقَالَ [تَعَالَى] (1) {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [فُصِّلَتْ:40]، وَاكْتَفَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ عَنِ الْآخَرِ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ (2( .
فَمَا أدْري إذَا يَمَّمْتُ أرْضًا ... أريدُ الخيرَ: أَيُّهُمَا يَليني؟ ...
يَعْنِي: الْخَيْرَ أَوِ الشَّرَّ.)
الشيخ: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
يقول الله تعالى: ({أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ}) يعني هل يستوي هذا ومن أمنه الله من العذاب فكان مؤمنًا يعمل الصالحات في الدنيا فأمنه الله من العذاب، هل يستوي هذا وهذا؟ ({أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}) استفهام، يعني المراد النفي ({أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ}) يعني من حقت عليه كلمة العذاب فهو يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة ويقال لهم ({ذُوقُوا}) يعني قاسوا العذاب ({ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ}) قاسوا العذاب فإن هذا جزاءً لكم على أعمالكم السيئة ({ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ}) ذوقوا ثمرة كسبكم وهي الأعمال السيئة من الكفر والمعاصي، من هذه حاله يتقي بوجهه سوء العذاب ويوبخ ويقرع ويقال له ذق عاقبة عملك وسوء عملك، كمن أمنه الله من العذاب فكان مؤمنًا يعمل الصالحات حذف أحد القسمين لدلالة الأخرى عليه، ({أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}) ({وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ}) يعني هل يستوي هذا ومن أمنه الله من العذاب وأدخله الجنات فهو يتنعم فيها؟ لا يستويان، ({أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}) ({أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}) كذا من يكون أمنًا يوم القيامة، يكون أمنًا ومن يكون معذبًا هل يستويان؟ لا يستويان ولا يلتقيان.
الطالب: ثم قال تعالى: (وَقَوْلُهُ: {كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} يَعْنِي: الْقُرُونَ الْمَاضِيَةَ الْمُكَذِّبَةَ لِلرُّسُلِ، أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ، وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ.
وَقَوْلُهُ: {فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أَيْ: بِمَا أَنْزَلَ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ وَتَشَفِّي (3) الْمُؤْمِنِينَ بِهِمْ، فَلْيَحْذَرِ الْمُخَاطَبُونَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ كَذَّبُوا أَشْرَفَ الرُّسُلِ، وَخَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ، وَالَّذِي أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ أعظمُ مِمَّا أَصَابَهُمْ فِي الدُّنْيَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.)
الشيخ: هذا تهديد لهؤلاء المخاطبين كفار قريش، الذين كذبوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يتبعوه واستمروا على شركهم وعنادهم وهم يعلمون أنه رسول الله مرسلٌ من عند الله، خوفهم الله قال: ({كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}) من القرون السابقة قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين وقوم لوط، ({فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ}) فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا، جاءهم العذاب في الدنيا، عذب الله قوم نوح بالغرق وقوم هود بالريح وقوم صالح بالصيحة وقوم شعيب بالظلة بالنار التي أمطرت عليهم وقوم لوط برفع قراهم وقلبها عليهم، فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا، فهو خزيٌ لهم في الدنيا مع العقوبة التي أصابتهم عقوبةٌ عظيمة في الدنيا عذابٌ معجل مع خزي في الدنيا، وما أعد الله لهم في الأخرة من عذاب هو أشد وأعظم وهو عذاب النار التي يصلونها ويستمرون فيها، تصلونهم من جميع الجهات ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾[الأعراف:41] لا يرحلون عنها ولا يضعنون، مستمرون أبدًا أبدًا، هذا أعظم وأشد، فهذا تحذير لكفار قريش الذين كذبوا أشرف الرسل محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ({كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ}) بالغرق، بالريح، بالصيحة، وغير ذلك من أنواع العذاب، ({فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}) فعذبهم الله وقاسوا العذاب في الدنيا وحصل لهم الخزي ({وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ}) ما أعد الله لهم في الآخرة من عذاب والنكال وهو عذاب النار المستمر أشد وأعظم، ({كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}) لو كانوا يعلمون علمًا ينتفعون به، يعلمون لكنهم لا ينتفعون بهذا العلم، فكأنهم لا يعلمون، نسأل الله السلامة والعافية.
الطالب: ثم قال تعالى: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)}.
يَقُولُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} أَيْ: بَيَّنَّا لِلنَّاسِ فِيهِ بِضَرْبِ الْأَمْثَالِ، {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}، فَإِنَّ الْمَثَلَ يُقَرّب الْمَعْنَى إِلَى الْأَذْهَانِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [الرُّومِ:28] أَيْ: تَعْلَمُونَهُ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، وَقَالَ: {وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ} [الْعَنْكَبُوتِ:43].
وَقَوْلُهُ: {قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} أَيْ: هُوَ قُرْآنٌ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ وَلَا انْحِرَافَ وَلَا لَبْسَ، بَلْ هُوَ بَيَانٌ وَوُضُوحٌ وَبُرْهَانٌ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ] (1) كَذَلِكَ، وَأَنْزَلَهُ بِذَلِكَ {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} أَيْ: يَحْذَرُونَ مَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ، وَيَعْمَلُونَ بِمَا (2) فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ (3).)
الشيخ: هذا القول: ({وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}) ضرب الله الأمثال للعبرة والحذر ({لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}) لعل للتعلية يعني ليتقون، ضرب الله الامثال لأجل أن يتقوا ويحذروا فإن المثل ينتقل في الإنسان من المثل الحسي إلى المثل المعنوي ({ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ}) تشاهدونه في أنفسكم، وكذلك انتقلوا إلى ما حُذِّرتم فيه ({وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}) يعني لكي يتقوا الله ويحذروا سخط الله وعذابه ويتعظوا بالمواعظ التي تقرب تقربه للأذهان وتنقلهم من المعنى الحسي إلى المعنى المعنوي، فاحذروا عقوبة الله وسخطه، ({وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}) ({قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ}) قرآن عربي بلسان عربي واضح أنزله الله بأشرف اللغات وهي لغة العرب لا لبس فيه ولا اعوجاج ولا انحراف، لعلهم يتقون ولعلهم يحذرون، هكذا ضرب الله الامثال وجعلها واضحةً بلسانٍ عربي لا لبس فيه ولا انحراف لعلهم يحذرون لعلهم يتقون بأس الله لعلهم يخافون لعلهم ينزجرون، فيتابعوا هذا الرسول الكريم ويوحدوا الله ويخلوا له العبادة.
الطالب: ثم قال تعالى: (ثُمَّ قَالَ: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} أَيْ: يَتَنَازَعُونَ فِي ذَلِكَ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمْ، {وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ} أَيْ: خَالِصًا لِرَجُلٍ، لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ، {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا} أَيْ: لَا يَسْتَوِي هَذَا وَهَذَا. كَذَلِكَ لَا يَسْتَوِي الْمُشْرِكُ الَّذِي يَعْبُدُ آلِهَةً مَعَ اللَّهِ، وَالْمُؤْمِنُ الْمُخْلِصُ الَّذِي لَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا؟
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: هَذِهِ الْآيَةُ ضَرَبَتْ مَثَلًا لِلْمُشْرِكِ وَالْمُخْلِصِ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا المثلُ ظَاهِرًا بَيِّنا جَلِيًّا، قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} أَيْ: عَلَى إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أَيْ: فَلِهَذَا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ.)
الشيخ: هذا مثل واضح ضربه الله للمشرك والموحد، مثل الله المشرك بالعبد الذي له شركاء متشاكسون لا يدري أيرضي هذا أم يرضي هذا أم يرضي هذا، عبد أسياده أربعة أو ثلاثة أو اثنان، مختلفون أيضًا متشاكسون، إن أرضى هذا أغضب هذا وإن أرضى هذا أغضب هذا، ما يدري في حيرة، والثاني عبد ليس له إلا سيدٌ واحد يعرف ما يرضيه ويقوم بطاعته والقيام بحقه، ويعرف ما يرضيه فهو مرتاح من الشركاء وعنائهم الذين يتعبونه ولا يدري من يرضي منهم، هل يستوي هذا؟ هذا مثل المشرك الذي يعبد مع الله ألهه أخرى ومثل العبد الذي له شركاء متشاكسون متنازعون لا يدري من يرضي منهم، ومثل الموحد مثل العبد الذي ليس له إلا سيدٌ واحد، فهو يعرف مراده ويعرف ما يرضيه فهو مرتاح من عناء الأسياد الشركاء الذين يتعبونه، ({ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ})، يعني خالص لرجل واحد ({هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا}) لا يستويان ولا يلتقيان، كان هذا مثل واضح ({الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}) لو كانوا يعلمون لأخلصوا العبادة لله، ولكنهم جهال لا يدرون ما ينفعهم، وإن كانوا يعلمون أمور دنياهم ولكنهم لا يعلمون ما ينفعهم في أمور دينهم.
الطالب: (وَقَوْلُهُ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} هَذِهِ الْآيَةُ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي اسْتَشْهَدَ بِهَا الصِّدِّيقُ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (4) عِنْدَ مَوْتِ الرَّسُولِ (5) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى تَحَقَّقَ النَّاسُ مَوْتَهُ، مَعَ قَوْلِهِ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آلِ عِمْرَانَ:144] .
وَمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ: سَتُنْقَلُونَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ لَا مَحَالَةَ وَسَتَجْتَمِعُونَ عِنْدَ اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَتَخْتَصِمُونَ فِيمَا أَنْتُمْ فِيهِ فِي الدُّنْيَا مِنَ التَّوْحِيدِ وَالشِّرْكِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَفْصِلُ بَيْنَكُمْ، وَيَفْتَحُ بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ، فَيُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ الْمُخْلِصِينَ الْمُوَحِّدِينَ، وَيُعَذِّبُ الْكَافِرِينَ الْجَاحِدِينَ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ.
ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ -وَإِنْ كَانَ سِيَاقُهَا فِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ، وذِكْر الْخُصُومَةِ بَيْنَهُمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ-فَإِنَّهَا شَامِلَةٌ لِكُلِّ مُتَنَازِعَيْنِ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ تُعَادُ عَلَيْهِمُ الْخُصُومَةُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ.
قَالَ (6) ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ حَاطِبٍ -يَعْنِي يَحْيَى بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ-عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} قَالَ الزُّبَيْرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُكَرَّرُ عَلَيْنَا الْخُصُومَةُ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: إِنَّ الْأَمْرَ إذًا لَشَدِيدٌ.
وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ سُفْيَانَ، وَعِنْدَهُ زِيَادَةٌ: وَلَمَّا نَزَلَتْ: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التَّكَاثُرِ:8] قَالَ الزُّبَيْرُ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، أَيَّ نَعِيمٍ نُسْأَلُ عَنْهُ؟ وَإِنَّمَا-يَعْنِي: هُمَا (1) الْأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالْمَاءُ-قَالَ: "أَمَا إِنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ".
وَقَدْ رَوَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ، بِهِ (2). وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو-عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ (3) قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} قَالَ الزُّبَيْرُ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، أَيُكَرَّرُ عَلَيْنَا مَا كَانَ بَيْنَنَا فِي الدُّنْيَا مَعَ خَوَاصِّ الذُّنُوبِ؟ قَالَ: "نَعَمْ لَيُكَرَّرَنَ عَلَيْكُمْ، حَتَّى يُؤدَّى إِلَى كُلِّ ذِي حَقِّ حَقُّهُ". قَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ إِنَّ الْأَمْرَ لَشَدِيدٌ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بِهِ (4) وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ (5) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، عَنْ أَبِي عُشَّانة، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "أَوَّلُ الْخَصْمَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَارَانِ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ (6).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ (7)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَيَخْتَصِمُ (8)، حَتَّى الشَّاتَانِ فِيمَا انْتَطَحَتَا" تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ (9).)
الشيخ: هذا الحديث ضعيف فيه الدراج ابن الهيثم لكن له شواهد.
الطالب: (وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [أَنَّهُ] (10) قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم شَاتَيْنِ يَنْتَطِحَانِ، فَقَالَ: "أَتُدْرِي فِيمَ يَنْتَطِحَانِ يَا أَبَا ذَرٍّ؟ " قُلْتُ: لَا. قَالَ: "لَكِنَّ اللَّهَ يَدْرِي وَسَيَحْكُمُ بَيْنَهُمَا" (11).
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَحْرٍ، حَدَّثَنَا حَيَّانُ بْنُ أَغْلَبَ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ (12) [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (13)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُجَاءُ بِالْإِمَامِ الْخَائِنِ (14) يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَتُخَاصِمُهُ الرَّعِيَّةُ فَيَفْلُجُونَ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ لَهُ: سُدَّ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ جَهَنَّمَ".
ثُمَّ قَالَ: الْأَغْلَبُ بْنُ تَمِيمٍ لَيْسَ بِالْحَافِظِ (15).)
الشيخ: يوجد في الأغلب سند؟
الطالب: نعم، سند حيان بن أغلب، قال: حدثنا أبي.
الشيخ: يعني والد حيان.
الطالب: (وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (1) {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} يَقُولُ: يُخَاصِمُ الصَّادِقُ الْكَاذِبَ، وَالْمَظْلُومُ الظَّالِمَ، وَالْمَهْدِيُّ الضَّالَّ، وَالضَّعِيفُ الْمُسْتَكْبِرَ. (2).
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَنْدَهْ فِي كِتَابِ "الرُّوحِ"، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: يَخْتَصِمُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى تَخْتَصِمَ الرُّوحُ مَعَ الْجَسَدِ، فَتَقُولُ الرُّوحُ لِلْجَسَدِ: أَنْتَ فَعَلْتَ. وَيَقُولُ الْجَسَدُ لِلرُّوحِ: أَنْتِ أَمَرْتِ، وَأَنْتِ سَوَّلْتِ. فَيَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، فَيَقُولُ [لَهُمَا] (3) إِنْ مَثَلَكُمَا كَمَثَلِ رَجُلٍ مُقْعَدٍ بَصِيرٍ وَالْآخَرُ ضَرِيرٌ، دَخَلَا بُسْتَانًا، فَقَالَ الْمُقْعَدُ لِلضَّرِيرِ: إِنِّي أَرَى هَاهُنَا ثِمَارًا، وَلَكِنْ لَا أَصِلُ إِلَيْهَا. فَقَالَ لَهُ الضَّرِيرُ: ارْكَبْنِي فَتَنَاوَلْهَا، فَرَكِبَهُ فَتَنَاوَلَهَا، فَأَيُّهُمَا الْمُعْتَدِي؟ فَيَقُولَانِ: كِلَاهُمَا. فَيَقُولُ لَهُمَا الْمَلَكُ. فَإِنَّكُمَا قَدْ حَكَمْتُمَا عَلَى أَنْفُسِكُمَا. يَعْنِي: أَنَّ الْجَسَدَ لِلرُّوحِ كَالْمَطِيَّةِ، وَهُوَ رَاكِبُهُ.)
الشيخ: يعني كلاهما معتدي، هذا مقعد يبصر وهذا ضرير لا يبصر دخلا بستان ليسرقان فقال المقعد إني أبصر الثمار لكنه لا يستطيع أن أصل لها، قال الأعمى أنا لا أبصرها لكن أستطيع أن أحملك اركب لأحملك وأرفعك فتأخذها، فركب ورفعه ثم أخذ الثمار، أيهما المعتدي؟ كلاهما المعتدي، هذا مثل الروح التي تركب الجسد، هذه الآية عامة وإن كانت في خصام المشركين والكفار ({إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}) هذه استثنى بها الصديق رضي الله عنه أو قرأها الصديق رضي الله عنه لما دفن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والناس أصابهم ذهول حتى نسوا هذه الآية، وعمر رضي الله عنه كذلك أصابه ما أصابه حتى أنكر وتوعد من قال أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد مات، قال من قال إنه مات فلأفعلكن به ولأعمل، فجاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأعطاه الله الثبات والقوة كشف عن وجه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتحقق من موته ثم دخل المسجد فوجد عمر يحدث الناس فأراد أن يسكته فلم يسكت، فحمد الله بعد التشهد حمد الله وأثنى عليه، فالناس وجهوا وجهتهم وأنظارهم إليه فقرأ هذه الآية ({إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}) وقال: أيها الناس من كان يعبد محمد فإن محمدًا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت، ثم قرأ هذه الآية: ({إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}) وقرأ ({وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}) قوله ({إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}) هذه حقيقة لا أحد ينكرها وهي الموت، كلٌ معترف بذلك لكن من هو الذي يستعد، من هو الذي يكون عنده بصيرة واستعداد للقاء الله تعالى بالعمل الصالح والتوبة النصوح والتوحيد الخالص ({إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}) ({ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}) الموحدون والمشركون يختصمون، فالله تعالى ينجي الموحدون ويهلك المشركون، والآية عامة كما قال المؤلف وإن كانت في الموحدين والمشركين لكنها عامة لكل من بينهم زعل وخصومة، وعند الله تجتمع الخصومة، كل من كان بينه وبينه خصومة تعاد عليه الخصومة كما سأل الزبير النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إن الأمر لشديد»، فالخصماء كلهم يختصمون عند الله عَزَّ وَجَلَّ، فالآية عامة في كل خصومة وإن كان السبب خصومة المشركين والموحدين، ({إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}) ({ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}) الله تعالى يفصل بين المختصمين ويحكم بينهم بحكمه العادل ويجازي كلٍ بعمله، ويصدر الناس على هذه الخصومة كلٌ قد حكم الله لهم بالحق.
الطالب: (وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَوْسَجة، حَدَّثَنَا ضِرَارٌ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا الْقُمِّيُّ -يَعْنِي يَعْقُوبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ-عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ (4) [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] (5) قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَمَا نَعْلَمُ فِي أَيِّ شَيْءٍ نَزَلَتْ: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [قَالَ] (6) قُلْنَا: مَنْ نُخَاصِمُ؟ لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ خُصُومَةٌ، فَمَنْ نُخَاصِمُ؟ حَتَّى وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هَذَا الَّذِي وَعَدَنَا رَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ-نَخْتَصِمُ فِيهِ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ سَلَمَةَ، بِهِ (7).
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ [فِي قَوْلِهِ] (8) {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} قَالَ: يَعْنِي أَهْلَ الْقِبْلَةِ.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: يَعْنِي أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَأَهْلَ الْكُفْرِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ الْعُمُومُ، والله أعلم.)
الشيخ: يعني الكفار وغيرهم كله خصومات شاملة.
الطالب: ثم قال تعالى: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32))
الطالب: [00:31:23]
الشيخ: نعم، إذا قال بالحق فهو أخذ حقه انتهت الخصومة، لكن لو أتى أحد الخصمين بشهودٍ زور وحكم القاضي لهم ما تنتهي الخصومة، تكون الخصومة يوم القيامة، كما ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث: «فإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم قد يكون ألحن بحجته من بعض فأعطي له بنحو ما أسمع، فمن أخذت له من حق أخيه شيء فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعةً من نار فليأخذها أو ليذرها»، يعني الحاكم لا يدري ولا يعلم الغيب، فإذا أتى أحد الخصمين ببينةٍ زور وحكم له انتهت الخصومة في الدنيا، لكن تعاد الخصومة في الآخرة ويأخذ صاحب الحق حقه، ولهذا قال: «فإنما أقطع له قطعةً من نار فليأخذها أو ليذرها».