بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلالة والسلام على رسول الله.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)}.
يَقُولُ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ، وَجَعَلُوا مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى، وَادَّعَوْا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، وَجَعَلُوا لِلَّهِ وَلَدًا -تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا-وَمَعَ هَذَا كَذَّبُوا بِالْحَقِّ إِذْ جَاءَهُمْ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِ اللَّهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ [وَسَلَامُهُ] عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَلِهَذَا قَالَ: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} أَيْ: لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ طرفي الباطل، كَذَبَ عَلَى اللَّهِ، وكَذَّب رَسُولَ اللَّهِ، قَالُوا الْبَاطِلَ وَرَدُّوا الْحَقَّ؛ وَلِهَذَا قَالَ مُتَوَعِّدًا لَهُمْ: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} وَهُمُ الْجَاحِدُونَ الْمُكَذِّبُونَ).
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد: هذه الآيات الكريمة فيها بيان عظم الشرك، وأن الشرك يتفاوت والكفر يتفاوت، ومن أعظم الشرك الكذب على الله، ادعاء أن له ولدًا أو أن الملائكة بنات الله، أو أن شيئًا من الأوثان والأصنام يستحق العبادة، هذا باطل، وكذلك الباطل آخره رد الحق الذي جاءت به الرسل، وجاء به خاتمهم نبينا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الذي جاء بدعوة التوحيد، فهؤلاء المشركون جمعوا بين طرفي الباطل، كذبوا بالحق، قالوا الحق وكذبوا المرسلين، قالوا الباطل وكذبوا المرسلين، ردوا الحق، وقالوا الباطل، فالباطل هو دعواهم والشرك الذي هم عليه، كذبهم على الله؛ لأن الله له بنات أو أن له ولد أو شيئًا من المخلوقات يستحق شيئًا من العبادة، والثاني: تكذيبهم للحق، تكذيبهم للرسل، تكذيبهم لنبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما جاء به من الحق، وجحدهم للتوحيد، وردهم على النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإنكارهم لما جاء به، ومعاداتهم له، لا أحد أظلم منه بحال.
ولذا قال: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ﴾[العنكبوت:68]، افترى على الله الشرك، وقال على الله الباطل، وزعم أن الله له ولد، وكذب المرسلين، وعلى رأسهم خاتمهم وأفضلهم نبينا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لأن دعوة الأنبياء واحدة، لا أحد أظلم ممن هذه حاله، فمن أظلم؟ استفهام بمعنى النفي هنا، فمن أظلم؟ يعني لا أحد أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه، ولهذا توعدهم الله، قال: ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ﴾[العنكبوت:68]، بلى، والجواب: لا، إذا جاءت النفي مع همزة الاستفهام فالجواب بلى، أليس الله بأحكم الحاكمين، الجواب: بلى، إذا قلت: نعم، خطأ، إنما تقول: بلى هنا، ولكن هل جاء زيد؟ الجواب: نعم، هل، لكن أليس ليس جوابها نعم، إنما جوابها بلى، ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾[التين:8] بلى، ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ﴾[العنكبوت:68] بلى، فهذا وعيد شديد لهؤلاء، ودعوتهم إلى التوبة عما هم عليه من الكفر والتكذيب، ووجوب متابعة الرسل وعلى رأسهم نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(ثُمَّ قَالَ: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَابْنُ زَيْدٍ: {الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} هُوَ الرَّسُولُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، {وَصَدَّقَ بِهِ} يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} قَالَ: مَنْ جَاءَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، {وَصَدَّقَ بِهِ} يَعْنِي: رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَرَأَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: "الَّذِينَ جَاءُوا بِالصِّدْقِ" يَعْنِي: الْأَنْبِيَاءَ، "وَصَدَّقُوا بِهِ" يَعْنِي: الْأَتْبَاعَ.
وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} قَالَ: أَصْحَابُ الْقُرْآنِ الْمُؤْمِنُونَ يَجِيئُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُونَ: هَذَا مَا أَعْطَيْتُمُونَا، فَعَمِلْنَا فِيهِ بِمَا أَمَرْتُمُونَا.
وَهَذَا الْقَوْلُ عَنْ مُجَاهِدٍ يَشْمَلُ كُلَّ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنين يَقُولُون الْحَقَّ وَيَعْمَلُون بِهِ، وَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى النَّاسِ بِالدُّخُولِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ، فَإِنَّهُ جَاءَ بِالصِّدْقِ، وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ، وَآمَنَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ، كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَصَدَّقَ بِهِ} الْمُسْلِمُونَ.
{أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اتَّقَوُا الشِّرْكَ.
{لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} يَعْنِي: فِي الْجَنَّةِ، مَهْمَا طَلَبُوا وَجَدُوا، {ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}).
وهذا القول الأقرب، الذي جاء بالصدق هو نبينا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وصدق به المؤمنون وأتباعه، وكذلك يشمل هذا جبريل، جاء بالصدق، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صدق به، وصدق بما جاء به المرسلون، وكذلك أهل القرآن كلهم داخلون في هذا، فمحمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاء بالصدق؛ لأنه هو النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يخاطب بالرسالة، وهو المبلغ عن الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وجبريل عليه الصلاة والسلام هو نبي الوحي، وهو رسول الوحي، الرسول من الملائكة، ملك الوحي، ينزل بالوحي من الله -عَزَّ وَجَلَّ- وهو صادق ومؤتمن وأمين، نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلَّغ الأمة، وجاء بالصدق، وصدقه أهل القرآن والمؤمنون جميعًا، أولئك هم المتقون أي: المصدقون، اتقوا الشرك والمعاصي فجزاهم الله بما يشاؤون عند ربهم لا ما يطلبون، ﴿لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ﴾[يس:57]، كل ما يطلبونه يحصل لهم في الجنة، ذلك الجزاء المحسنين؛ لأنهم أحسنوا عبادة الله، وأحسنوا إلى خلق الله، فهذا جزاؤهم، وهذا ثوابهم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.
(كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16].
{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40)}.
يَقُولُ تَعَالَى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} -وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: "عِبَادَهُ"-يَعْنِي أَنَّهُ تَعَالَى يَكْفِي مَنْ عَبَدَهُ وَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنَا عَمِّي، حَدَّثَنَا أَبُو هَانِئٍ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ الْجَنْبِيِّ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «أَفْلَحَ مَنْ هُدِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا، وقَنَعَ بِهِ»
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِي هَانِئٍ الْخَوْلَانِيِّ، بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: صَحِيحٌ).
فضالة بن عبيد صحابي؟
الطالب: فضالة بن عبيد.
الشيخ: كذا عندكم، فضالة بن عبيد؟
الطالب: الأنصاري.
الشيخ: انظر فضالة بن عبيد في التقريب.
(«أَفْلَحَ مَنْ هُدِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا، وقَنَعَ بِهِ»).
الله أكبر، «أَفْلَحَ مَنْ هُدِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا، وقَنَعَ بِهِ»، هداه الله للإسلام، وكان عيشه كفافًا، يعني ليس عنده سعة، وليس عنده نقص، ليس فقيرًا، وليس غنيًا، بل عيشه كفاف، ليس عنده أموال كثيرة تشغله، وليس عنده فقر يشغله حتى يسعى في طلبه، وإنما كان عيشه كفافًا، وقنعه الله بما أتاه، هذه القناعة كنز لا يفني، قنعه الله بما آتاه، عند الناس عنده أموال ولكن لا يقنع، يريد ملايين مثل الناس، ولهذا بعض الناس يتوسع في التجارة ويستدين، وقد يريد أن يفتح مصانع ومؤسسات وشركات وهو ما عنده شيء، يخاطر، مخاطرة، الذي ينبغي للإنسان أنه لا يعمل شيئًا إلا شيئًا يستطيعه، المخاطرة لا تنبغي، فمن قنع بما آتاه الله ورزقه الله فهو على خير، هذه كنز لا يفنى، القناعة كنز لا يفنى، فيها راحة وطمأنينة، لكن الذي لا يقنع ليس عند راحة، بل يتطلع، يتطلع إلى ما فوقه، ينظر إلى ما فوقه، ولهذا في الحديث: «انظر إلى من دونك، ولا تنظر إلى من فوقك في الدنيا؛ لئلا تزدري نعمة الله عليك»، إذا كان عندك بيت انظر إلى من ليس له بيت ومستأجر، إذا كانت مستأجر انظر إلى من عليه ديون، وهكذا، حتى لا تزدري نعمة الله عليك، انظر إلى من هو دونك في الدنيا، أما في الدين فانظر إلى من هو فوقك حتى تشمر، يكون حرصك على الخير، «أَفْلَحَ مَنْ هُدِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا، وقَنَعَ بِهِ»، ماذا قال على الحديث تخريجه عندك؟
الطالب: قال: أخرجه الترمذي من طريق أبي هانئ الخولاني به، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، أخرجه الحاكم من طريق عبد الله بن وهب عن أبي هانئ، وصححه ووافقه الذهبي.
الشيخ: فيه تخريج آخر عندكم؟ طويل التخريج؟
الطالب: [00:14:22]
الشيخ: طيب.
الطالب: صحابي أحسن الله إليك.
الشيخ: ماذا قال عليه؟
الطالب: قال فضالة بن عبيد صحابي رضي الله عنه وقاضي، وأحد رواة الحديث النبوي من الأنصار من بني جحجب بن كلفة من الأوس، شهد مع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المشاهد كلها بعد بدر، وكان ممن بايع تحت الشجرة، ثم شهد الفتح الإسلامي للشام، ومن بعد الفتح الإسلامي لمصر، ثم عاد وسكن الشام، وولاه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قضاء دمشق بعد وفاة أبي الدرداء رضي الله عنه وفق توصية أبي الدرداء نفسه، وجعله معاوية أميرًا على جيش غزا به الروم في البحر، فسبي بأرضهم، وكان معاوية يستخلفه على دمشق إذا غاب عنها، توفي فضالة بن عبيد رضي الله عنه سنة 53 في دمشق، في خلافة معاوية بن أبي سفيان، وحمل معاوية سريره في جنازته، وقد أعقب فضالة بن عبيد من الولد حميد أمه أم صفوان بنت خداش بن عبد الله، ومحمد أمه أمامة بنت ثابت البلوية، وعبد الله، وعبيد الله، وأم جميل أمهم مريم بنت عوف بن قيس، انتهى أحسن الله إليك.
الشيخ: هذا في التقريب ولا؟
الطالب: هذا في الموقع الإسلامي.
الشيخ: التقريب مختصر، هذا أطول.
{وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ يُخَوِّفُونَ الرَّسُولَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾[الزمر:36]، بلى، ليس جوابها بلى، أليس جوابها بلى، عبده تقرأ عباده، يكفيهم، يكفي عباده سبحانه وتعالى، ويربيهم سبحانه وتعالى، ويوفقهم للطاعات ويجنبهم المعاصي، ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾[الزمر:36].
({وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ يُخَوِّفُونَ الرَّسُولَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَتَوَعَّدُونَهُ بِأَصْنَامِهِمْ وَآلِهَتِهِمُ الَّتِي يَدْعُونَهَا مِنْ دُونِهِ؛ جَهْلًا مِنْهُمْ وَضَلَالًا؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ} أَيْ: مَنِيعِ الْجَنَابِ لَا يُضَامُ، مَنِ اسْتَنَدَ إِلَى جَنَابِهِ وَلَجَأَ إِلَى بَابِهِ، فَإِنَّهُ الْعَزِيزُ الَّذِي لَا أَعَزَّ مِنْهُ، وَلَا أَشَدَّ انْتِقَامًا مِنْهُ، مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ وَأَشْرَكَ وَعَانَدَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
هكذا المشركين يظنون أن آلهتهم لها من الأمر، يخوفوننا بهم، {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}، بالأصنام، والشياطين، ومن معهم، ولذلك المشركون يخافون من الأصنام؛ لأن الأصنام تدخلها الشياطين، وتكلمهم، وتخاطبهم، وتعدهم، وتمنيهم، فيظنون أن لها تأثير، ولهذا يخوفون المؤمنون بها، {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}، حتى إن الشياطين والعياذ بالله من شدة تأثيره عليهم أنهم أحيانًا لا يستطيعون المشي، يمشي إلى الأصنام يزحف، ولو مشى واقفًا لسقط، أما الموحد فلا يضره، ولهذا يخوفون الموحدين، يقولون: لا تمشي فتسقط، فالموحد يأتي ولا يبالي، ويزيلها، ويهدمها، أما المشرك فالشياطين تتسلط عليه، نسأل الله العافية، ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾[النحل:99]، ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾[الزمر:36]، فهم يخوفون النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالأصنام والأوثان، يظنون أنها من الأمر شيء، وأنها تتصرف، ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾[الزمر:36]، من أضله الله لا يستطيع أحدًا أن يهديه، ومن يهدي الله فلا يستطيع أحد أن يضله، فهو سبحانه وتعالى يضل من يشاء بعدله وحكمته، ويهدي من يشاء برحمته وفضله، ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ﴾[الزمر:37]، بلى، عزيز رفيع الجناب، لا أحد أعز منه ولا أقوى منه، فهو ينتقم من المشركين والجبارين، ينتقم منهم ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
(وقوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} يَعْنِي: [أَنَّ] الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْخَالِقُ لِلْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَمَعَ هَذَا يَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ، مِمَّا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضُرًّا وَلَا نَفْعًا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} أَيْ: لَا تَسْتَطِيعُ شَيْئًا مِنَ الْأَمْرِ.
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا حَدِيثَ قَيْسِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَضُرُّوكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ لَكَ لَمْ يَنْفَعُوكَ، جَفَّتِ الصُّحُفُ، وَرُفِعَتِ الْأَقْلَامُ، وَاعْمَلْ لِلَّهِ بِالشُّكْرِ فِي الْيَقِينِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا».
{قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ} أَيِ: اللَّهُ كَافِيَّ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ، كَمَا قَالَ هُودٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، حِينَ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ: {إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِي إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود:54-56]).
في هذه الآيات أن المشركين يقرون بتوحيد الربوبية، ولكنهم يشركون في توحيد الألوهية، مع أنه يلزمهم أن يوحدوا الله في الألوهية؛ لأن من أقر أن الله تعالى هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت المصرف يلزمه أن يعبده، لكن ليس كل واحد يلتزم بما لزمه، ولهذا فتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، وتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، دلالة الالتزام دلالة الشيء على خارج معناه، ودلالة التضمن دلالة الشيء على جزء معناه، دلالة التضمن، ودلالة الالتزام، ودلالة المطابقة دلالة الشيء على جميع معناه، هذه الدلالات الثلاث: دلالة المطابقة، ودلالة التضمن، ودلالة الالتزام، فدلالة كلمة التوحيد على توحيد الربوبية والألوهية دلالة مطابقة، ودلالتهما على أحدهما دلالة تضمن، ودلالة توحيد الربوبية على توحيد الألوهية دلالة التزام، فهم مقرون بتوحيد الربوبية، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ﴾[الزمر:38]، المقصود بالذين يدعون من دون الله الأصنام، والجواب: لا، لا يستطيعون، ليس لهم من الأمر شيء، لا يستطيعون أن يملكوا نفعًا، ولا أن يدفعوا ضرًا، قل لهم: هذه الأصنام التي تعبدونها هل تدفع الضر؟ هل تجلب خير؟ لا تجلب ولا تدفع.
إذن ما الفائدة فيها؟ لا فائدة، بل الضرر محقق، دعاؤها شرك بالله، ﴿إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ﴾[الزمر:38]، فهي لا تملك، لا تدفع ضرًا ولا تجلب نفعًا، فعبادتهم من دون الله سفه، وشرك، وإقحام للنفس في النار والعياذ بالله، لكنهم يزعمون أنها تشفع لهم عند الله، وأنها تقرب من الله، وتنقل الحوائج من الله بزعمهم، كما قال في أول السورة: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[الزمر:3]، قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾[يونس:18]، ولذلك قال: ﴿قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾[الزمر:38]، يكيفني الله، الله كافيني عليه يتوكل المتوكلون أي: يعتمد المعتمدون، أتوكل على الله وأفوض أمري إلى الله، وأعبد الله وحده مخلصًا له الدين، ولا أبالي بما أنتم عليه، فالله هو الذي يتولى جزاءكم وحسابكم.
(قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِصَامٍ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ -مَوْلَى آلِ عُثْمَانَ-عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] -رَفَعَ الْحَدِيثُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مِنْ أَحَبِّ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَغْنَى النَّاسِ فَلْيَكُنْ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ أَوْثَقَ [مِنْهُ] بِمَا فِي يَدَيْهِ، وَمِنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَكْرَمَ النَّاسِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ»).
الله أكبر، «مِنْ أَحَبِّ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَغْنَى النَّاسِ فَلْيَكُنْ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ أَوْثَقَ [مِنْهُ] بِمَا فِي يَدَيْهِ، وَمِنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَكْرَمَ النَّاسِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ»، تخريجه؟
الطالب: قال: سنده ضعيف؛ لضعف أبي المقدام، وأخرجه العقيلي ثم قال: ليس لهذا الحديث طريق يثبت.
الشيخ: تكلم عليه؟ المعنى صحيح، لا شك أن...
الطالب: [00:27:01]
الشيخ: من الذي يقول هذا؟
الطالب: هذا شعيب أحسن الله إليك، قال: إسناده ضعيف جدًا من أجل أبي المقدام، واسمه هشام بن زياد بن سعدويه المروزي، وهو متروك، والحديث أخرجه أيضًا العقيلي في الضعفاء، والحاكم، وأبو نعيم في الحلية من طريق أبي المقدام هشام بن أبي زياد به، وأخرجه ابن عدي في الكامل من طريق عيسى بن ميمون المديني عن محمد بن كعب القرظي به، وعيسى بن ميمون متروك أيضًا.
الشيخ: أين هذا في التخريج؟
الطالب: هذا في التفسير.
الشيخ: في تخريج التفسير؟
الطالب: نعم، شعيب أحسن الله عملك، شعيب الأرناؤوط، ومحمد بن أنس بن مصطفى.
الشيخ: تفسير الحافظ ابن كثير؟
الطالب: أي نعم أحسن الله إليك.
الشيخ: كامل؟
الطالب: كامل نعم، ست أجزاء، وفيه تعليق لسماحة الشيخ ابن باز رحمة الله عليه وابن عثيمين كذلك في بعض الآيات.
الشيخ: ما شاء الله، طبعة جديدة هذه؟
الطالب: هذه في الرسالة، طبعة الرسالة.
الشيخ: على كل حال الحديث سنده ضعيف، لكن معناه صحيح، لا شك أن من توكل على الله فهو أقوى الناس، ومن كان بما عند الله أوثق فهو أغنى الناس، ومن اتقى الله فهو أكرم الناس، المعنى صحيح، وإن كان الحديث لا يصح لكن الجمل هذه كلها صحيحة، معانيها صحيحة، تدل عليها النصوص.
(وَقَوْلُهُ: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} أَيْ: عَلَى طَرِيقَتِكُمْ، وَهَذَا تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ. {إِنِّي عَامِلٌ} أَيْ: عَلَى طَرِيقَتِي وَمَنْهَجِي، {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} أَيْ: سَتَعْلَمُونَ غَبَّ ذَلِكَ وَوَبَالِهِ {مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} أَيْ: فِي الدُّنْيَا، {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} أَيْ: دَائِمٌ مُسْتَمِرٌّ، لَا مَحِيدَ لَهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
هذا تهديد، {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ}، الأمر هذا المقصود به التهديد، يا قوم اعملوا على مكانتكم، اعملوا بما شئتم إنه بما تعملون بصير كما في آية فصلت، اعملوا ما شئتم، أحيانًا الأمر يكون له معان، يأتي للتهديد، ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾[الكهف:29]، تهديد ووعيد، وليس المراد أنه مخير بين هذا، إنما المراد التهديد والوعيد، وأن الله تعالى مجازي، ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾[الكهف:29]، الله كما يجازي المؤمنين يجازي الكافرين، وأنت اختر لنفسك أيها الإنسان، {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ}، اعملوا على طريقتكم، واستمروا على ما أنتم عليه فسوف تأخذون جزاءكم، إني عامل، أنا مستمر على ما أنا عليه من التوحيد، واتباع الحق، وأنتم مستمرون على ما أنتم عليه فسوف تلقون جزاءكم، ﴿قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾[الزمر:40].
في المستقبل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه في الدنيا، ويحل عليه عذاب مقيم في الآخرة، أنتم متوعدون بالعذاب في الدنيا، والعذاب الشديد في الآخرة إذا استمررتم على ما أنتم عليه من الكفر، استمروا على ما أنتم عليه، سوف تلقون الجزاء، هذا تهديد، وليس إذنًا لهم، ﴿قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ﴾[الزمر:40]، في الدنيا، كما حصل للمكذبين، كما حدث لقوم نوح بالغرق، وقوم هود بالريح، وقوم صالح بالصيحة، وقوم شعيب بالنار التي أمطرها عليهم، قوم لوط برفع مدائنهم ثم قلبها عليهم، هذا خزي لهم في الدنيا، خزي وعذاب في الدنيا، مع ما أعد الله لهم من عذاب في الآخرة، ولعذاب الآخرة أشد، نسأل الله السلامة والعافية، ﴿قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾[الزمر:40].