الحمد لله ربِّ العالمين، صَلَّى الله وَسَلَّمَ على نبينا محمدٍ وعلى أله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن كثيرٍ رحمه الله تعالى في تفسيره العظيم عند تفسير سورة الزمر:
قال الله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ({فَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)}.)
قال رحمه الله تعالى: (يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ (1) الْإِنْسَانِ أَنَّهُ فِي حَالِ الضَّرَّاءِ يَضْرَع إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَيُنِيبُ إِلَيْهِ وَيَدْعُوهُ، وَإِذَا (2) خَوَّلَهُ مِنْهُ نِعْمَةً بَغَى وَطَغَى، وَقَالَ: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} أَيْ: لِمَا يَعْلَمُ اللَّهُ مِنِ اسْتِحْقَاقِي لَهُ، وَلَوْلَا أَنِّي عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى خِصِّيصٌ لَمَا خَوَّلني هَذَا!)
الشيخ: حظيظ يعني ذو حظ، محتمل.
الطالب: كذلك خصيص.
الشيخ: خصيص يعني خصَّ محتملة، لأن الطبعات يحصل فيها إشكال في المخطوطة.
الطالب: (قَالَ قَتَادَةُ: {عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} عَلَى خيرٍ عِنْدِي.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ} أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا، بَلْ [إِنَّمَا] (3) أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ لِنَخْتَبِرَهُ فِيمَا أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ، أَيُطِيعُ أَمْ يَعْصِي؟ مَعَ عِلْمِنَا الْمُتَقَدِّمِ بِذَلِكَ، فَهِيَ فِتْنَةٌ أَيِ: اخْتِبَارٌ، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} فَلِهَذَا يَقُولُونَ مَا يَقُولُونَ، وَيَدْعُونَ مَا يَدْعُونَ.
{قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أَيْ: قَدْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَزَعَمَ هَذَا الزَّعْمَ وَادَّعَى هَذِهِ الدَّعْوَى، كَثِيرٌ مِمَّنْ سَلَفَ مِنَ الْأُمَمِ {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أَيْ: فَمَا صَحَّ قَوْلُهُمْ وَلَا مَنَعَهُمْ جَمْعُهُمْ وَمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ.
{فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ} أَيْ: مِنَ الْمُخَاطَبِينَ (4) {سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} أَيْ: كَمَا أَصَابَ أُولَئِكَ، {وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ قَارُونَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ قَوْمَهُ: {لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [الْقَصَصِ:76-78] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سَبَأٍ:35] .
وَقَوْلُهُ: {أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} أَيْ: يُوَسِّعُهُ عَلَى قَوْمٍ وَيُضَيِّقُهُ عَلَى آخَرِينَ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي: لعبرا وحججا.)
الشيخ: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أله وصحبه ومن والاه.
هذه الآيات الكريمات فيها بيان حال الإنسان، حال كثيرٍ من الناس، وأن الإنسان إذا مسه الضر دعا ربه وتضرع إليه، ثم إذا زال عنه الضر وخوله الله النعمة نسي تضرعه السابق وزعم أنه مستحق لما أُعطي، ولذا قال: ({فَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ}) إذا مس الإنسان ضر دعا ربه وتضرع إليه كما في الآية الأولى في أول السورة إذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبًا إليه، وفي آية يونس ﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا﴾[يونس:12] في جميع الحالات يدعو ربه ويتضرع إليه، ({فَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ}) يعني على علمٌ من الله أنه مستحقٌ لذلك، وأني صاحب حظ وأيضًا خصني بذلك لما يعلم سبحانه من استحقاقي لذلك، قال الله رد عليه: ({بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ}) اختبار وامتحان هل يشكر أو يكفر، هل يطيع أو يعصي، كما قال الله عن سليمان عليه الصلاة والسلام لما جاءه عرش بلقيس قال: ﴿قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾[النمل:40] قال الله تعالى: ({بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ}) اختبار وامتحان ({وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ})، قد قال هذه المقالة الأمم السابقة قالوا لما خولهم الله النعم قالوا نحن أهلٌ لذلك ومستحقون لذلك، ومنهم قارون لما نصحه قومه قال: ({قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}) ما أغنى عنهم وما دفع عنهم عذاب الله، ({وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا}) الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي من هؤلاء المخاطبين سيصيبهم سيئات ما كسبوا، سيصيبهم عقوبات السيئات ({وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ}) ليسوا بمفلتين من عقوبة الله والله تعالى قادرٌ عليهم، فليسوا بمعجزين لله وليسوا بفائتين على الله، بل هو سبحانه وتعالى قادرٌ عليهم ومحيطٌ بهم، ({أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ}) في هذه الآية بيان أن الله سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة في أن يبسط الرزق على بعض الناس ويضيق على بعض الناس لما له فيه من الحكمة، فبعض الناس يبسط له الله الرزق وبعض الناس يضيق الله عليه، وله الحكمة البالغة ({إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ}) وقوله في ذلك لآيات عبر ({لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}) قال في الآية الأخرى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾[الشورى:27] فالواجب على المسلم أن يتقي الله عَزَّ وَجَلَّ وأن يحذر معصيته وأن يعلم حكمة الله عَزَّ وَجَلَّ وأن الله تعالى يختبر عباده في السراء والضراء، هل يشكرون أو يكفرون، هل يطيعون أو يعصون.
الطالب: ثم قال تعالى: ({قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)} {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59(}.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ دَعْوَةٌ لِجَمِيعِ الْعُصَاةِ مِنَ الْكَفَرَةِ وَغَيْرِهِمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ، وَإِخْبَارٌ بِأَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا لِمَنْ تَابَ مِنْهَا وَرَجَعَ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَهْمَا كَانَتْ وَإِنْ كَثُرَتْ وَكَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ. وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ هَذِهِ [الْآيَةِ] (1) عَلَى غَيْرِ تَوْبَةٍ (2)؛ لِأَنَّ الشِّرْكَ لَا يُغْفَرُ لِمَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ؛ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ: قَالَ يَعْلَى: إِنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (3) [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] (4)؛ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا، وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا. فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةٌ. فَنَزَلَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الْفُرْقَانِ:68]، وَنَزَلَ [قَوْلُهُ] (5): {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}.
وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِهِ (6(.
وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ: {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} الْآيَةَ. [الْفُرْقَانِ:70].)
الشيخ: المراد من الآية الأولى دلالة الآية الثانية، الآية الأولى آية الفرقان.
الطالب: (وَقَالَ (7) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو قَبِيلٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُرِّيَّ (8) يَقُولُ: سَمِعْتُ (9) ثَوْبَانَ -مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا بِهَذِهِ الْآيَةِ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} إِلَى آخَرِ الْآيَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ أَشْرَكَ؟ فَسَكَتَ النَّبِيِّ (10) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: "أَلَا وَمَنْ أَشْرَكَ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (11).)
الشيخ: سند ابن اللهيعة ماذا قال عليه عندك؟
الطالب: قال: أحمد بن مسلم وإسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة وهو عبد الله، ولجهالة أبي عبد الرحم المزني.
الطالب: هنا عندنا ("أَلَا وَمَنْ أَشْرَكَ") لكن في المسند «إلا من أشرك إلا من أشرك».
الشيخ: [00:17:00]
الطالب: هذا قال تفرد به الإمام أحمد.
الشيخ: الأقرب ومن أشرك يعني داخلٌ في هذه الآية، داخل في للتائبين.
الطالب: (وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا سُرَيْجُ (12) بْنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ جَابِرٍ الْحُدَّانِيِّ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ (13) عَمْرِو بْنِ عَبَسة (14) قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَيْخٌ كَبِيرٌ يُدَعِّمُ عَلَى عَصًا لَهُ)
الشيخ: يعني يتكئ على العصا.
الطالب: (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي غَدَرَاتٍ وَفَجَرَاتٍ، فَهَلْ يُغْفَرُ لِي؟ فَقَالَ: "أَلَسْتَ تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ " قَالَ: بَلَى، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ: "قَدْ غُفِرَ لك غدراتك وفجراتك". تفرد به أحمد (15).)
الشيخ: ماذا قال عليه؟
الطالب: قال: أحمد بالمسند وهو حديثٌ صحيحٌ بشواهد.
الطالب: (وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ (1)، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ (2) قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هُودٍ:46] وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} وَلَا يُبَالِي {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ، بِهِ (3).)
الشيخ: في سنده شهر بن حوشب فيه كلام.
الطالب: قال: ضعيف، ولكن الشطرُ الأول من الحديث محتمل التحسين بشواهد.
الشيخ: على كل حال كله له شاهد.
الطالب: (فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ: أَنَّهُ يَغْفِرُ جَمِيعَ ذَلِكَ مَعَ التَّوْبَةِ، وَلَا يَقْنَطَنَّ (4) عَبْدٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَإِنْ عَظُمَتْ ذُنُوبُهُ وَكَثُرَتْ؛ فَإِنَّ بَابَ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ وَاسِعٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [التَّوْبَةِ:104]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النِّسَاءِ:110] ، وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النِّسَاءِ:146، 145]، وَقَالَ {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الْمَائِدَةِ:73]، ثُمَّ قَالَ {أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الْمَائِدَةِ:74]، وَقَالَ {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} [الْبُرُوجِ:10].
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: انْظُرْ (5) إِلَى هَذَا الْكَرَمِ وَالْجُودِ، قَتَلُوا أَوْلِيَاءَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَةِ!.
وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا.)
الشيخ: هذه الآية ({قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}) هذه الآية فيمن تاب، أجمع العلماء على أنها في التائبين، ({إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}) لمن تاب، أما من لم يتب فهو تحت المشيئة، وأما آية النساء وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[النساء:48] فهذه في غير التائبين، لأن الله عمم وأطلق في آية الزمر عمم وأطلق دل على أنها في التائبين، وفي آية النساء خصَّ وعلق فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ فخص الشرك بأنه لا يُغفر، وعلق ما دونه بالمشيئة يعني في غير التائبين، في النساء لغير التائبين وآية الزمر في التائبين إن الله يغفر الذنوب جميعًا وهذه الآثار التي ذكرها المؤلف كلها يشد بعضها بعضًا، والآية هذه كافية، الله تعالى عرض التوبة على المثلة كما قال المؤلف: ({لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ}) ({وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}) وقال: ({أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ}) وكذلك في حديث ابن عباس في البخاري أن ناسًا قتلوا وأشركوا فأنزل الله تعالى هذه الآية: ({وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ}) ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾﴿يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾[الفرقان:70-68] وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾[النساء:17] وكل ما كان قبل الموت هو قريب، فهذه الآية في التائبين، فكل من تاب توبةً نصوح يعني أقلع عن المعاصي وندم على ما مضى ورد المظالم إلى أهلها وعزم على ألا يعود إليها مرةً أخرى وكان هذا قبل الموت وقبل طلوع الشمس من مغربها فإنها توبةً مقبولة من أيا كان الشرك الكفر والمعاصي وغيرها، «من تاب تاب الله عليه»، ولهذا قال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾[الشورى:25]، والرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا تاب أدركته الرحمة لما تاب وأناب ونأى بصدره إلى القرية الصالحة قبضته ملائكة الرحمة، في فهذه الآية المعنى أنها في التائبين، لأن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب مهما كان الشرك فما دونه، وأما قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ فهذه في غير التائبين، فالشرك لا يغفر وما دونه تحت المشيئة.
الطالب: (وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدِيثُ الَّذِي (6) قَتَلَ تِسْعًا (7) وَتِسْعِينَ نَفْسًا، ثُمَّ نَدِمَ وَسَأَلَ عَابِدًا مِنْ عُبَّاد بَنِي إِسْرَائِيلَ: هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لَا. فَقَتَلَهُ وَأَكْمَلَ (8) بِهِ مِائَةً. ثُمَّ سَأَلَ عَالِمًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ: هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالذَّهَابِ إِلَى قَرْيَةٍ يَعْبُدُ اللَّهَ فِيهَا، فَقَصَدَهَا فَأَتَاهُ الْمَوْتُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَأَمَرَ اللَّهُ أَنْ يَقِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ)
الشيخ: في اللفظ الآخر: «بعث الله ملكًا يحكم بينهم فقال لهم: قيسوا ما بين البلدين فإلى أيهما كان أقرب فهو من أهلها».
الطالب: (فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ أَقْرَبُ فَهُوَ مِنْهَا. فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ إِلَيْهَا بِشِبْرٍ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ.)
الشيخ: الأقرب أنه أقرب إليها بشبر، وفي لفظ: «إنه ناء بصدره إليها حتى تقدم بشبر فأدركته الرحمة وقبضته ملائكة الرحمة».
الطالب: (وَذُكِرَ أَنَّهُ نَأَى بِصَدْرِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْبَلْدَةَ الْخَيِّرَةَ أَنْ تَقْتَرِبَ، وَأَمَرَ تِلْكَ الْبَلْدَةَ أَنْ تَتَبَاعَدَ (9) (10) هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَقَدْ كتبناه في موضع آخر بلفظه.)
الشيخ: يعني إن حقائق الإيمان التي في قلبه جعلته في سكرة الموت يتقدم ولو بصدره لما فيه من حقائق الإيمان، فتاب الله عليه، «من تاب تاب الله عليه» من أي ذنبٍ كان إذا وجدت الشروط، أما من لم يتب ومات على الشرك فهذا لا حيلة له، نسأل الله السلامة والعافية.
الطالب: تكون التوبة لله.
الشيخ: نعم تكون التوبة لله هذا لابد منه، هذا إخلاص.
الطالب: قد يتوب لغير الله؟
الشيخ: نعم قد يتوب لغير الله، يتوب للمقاصد الأخرى، يظهر التوبة ويقصد الدنيا أو مرآت الناس ويعمل بقصدٍ آخر، يوجد توبة لغير الله، ولما كتب في مسند الإمام أحمد أنه أُتي بأسيرٍ إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب لمحمد، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عرف الحق لأهله»، الله تعالى هو رب التقوى ورب المغفرة.
الطالب: (وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (1) [فِي] (2) قَوْلِهِ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: قَدْ دَعَا اللَّهُ إِلَى مَغْفِرَتِهِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ اللَّهُ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ ابْنُ اللَّهِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ عُزَيْرًا (3) ابْنُ اللَّهِ)
الشيخ: كلهم دعاهم الله إلى التوبة، ({لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ}) ثم قال: ({{أَفَلا يَتُوبُونَ}) ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾[المائدة:17] كذلك، كلهم دعاهم الله إلى التوبة وإلى مغفرته.
الطالب: (وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ يَدَ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِهَؤُلَاءِ: {أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الْمَائِدَةِ:74] ثُمَّ دَعَا إِلَى تَوْبَتِهِ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ قَوْلًا مِنْ هَؤُلَاءِ، مَنْ قَالَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى} [النَّازِعَاتِ:24])
الشيخ: وهو فرعون.
الطالب: (وَقَالَ {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [الْقَصَصِ:38].)
الشيخ: قال الله عن موسى: ﴿وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى﴾[النازعات:19] قالها لفرعون لأنه طغى يقول: ﴿فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى﴾ ﴿وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى﴾[النازعات:18-19]
الطالب: (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] (4) مَنْ آيَسَ عِبَادَ اللَّهِ (5) مِنَ التَّوْبَةِ بَعْدَ هَذَا فَقَدَ جَحَدَ كِتَابَ اللَّهِ)
الشيخ: صحيح، كتاب الله مملوء بالدعوة إلى التوبة، ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ﴾[النساء:17] ﴿أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾[التوبة:104] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾[التحريم:8]
الطالب: (وَلَكِنْ لَا يَقْدِرُ الْعَبْدُ أَنْ يَتُوبَ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ.)
الشيخ: يعني حتى يوفقه الله للتوبة، لا يقدر الإنسان أن يتوب حتى يوفق للتوبة، ليس كل واحد يوفق للتوبة، ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾[التوبة:118] ثم تاب عليهم وفقهم للتوبة ليتوبوا، يعني وفقهم للتوبة، لا يقدر أحد على التوبة حتى يوفق، الموفق من وفقه الله.
الطالب: (وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ شُتَير بْنِ شَكَل)
الشيخ: سنيد بن شكل.
الطالب: قال هنا شتير، في مسند أحمد والطبري وفي الأصل صُحف إلى سنيد.
الشيخ: عندك شتير؟
الطالب: نعم شتير، قال في مسند الإمام أحمد والطبري، والأصل صحف إلى سنيد.
الشيخ: هذا تعليق لمن؟
الطالب: الفحل لحكمت ياسين.
الشيخ: هذه آخر الطبعات أم قبلها؟
الطالب: ابن كثير والجوزي
الشيخ: يعني بعده طبعة أخرى؟
الطالب: نعم.
الشيخ: يعني يقول الأصل سنيد؟
الطالب: نعم، قال: وروى الطبراني من طريق الشعبي عن شتير ابن الشتل، قال: كذا في مسند الإمام أحمد والطبري، وفي الأصل صحف إلى سنيد.
الشيخ: إذًا شتير.
الطالب: (أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ إِنَّ أَعْظَمَ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [الْبَقَرَةِ:255]، وَإِنَّ أَجْمَعَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ بِخَيْرٍ وَشَرٍّ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ} [النَّحْلِ:90]، وَإِنَّ أَكْثَرَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ فَرَجًا فِي سُورَةِ الْغُرَفِ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}، وَإِنَّ أَشَدَّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَصْرِيفًا (6) {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطَّلَاقِ:3، 2].)
الطالب: تصريفًا وليس تفويضًا.
الشيخ: تفويضًا وليس تصريفًا، تفويض الأمر إلى الله.
الطالب: (فَقَالَ لَهُ مَسْرُوقٌ: صَدَقْتَ.)
الشيخ: ما قال عن السند؟
الطالب: قال: أخرجه الطبراني من طريق منصور عن الشعبي به في المعجم الكبير، وأخرجه السبتي من طريق منصور عن الشعبي عن مسروق وشتيرٍ به وسنده صحيح، وأخرجه الطبري من طريق منصورٍ به.
الطالب: (وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ شُتَير بْنِ شَكَل أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ إِنَّ أَعْظَمَ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [الْبَقَرَةِ:255])
الشيخ: يعني آية الكرسي، أعظم آيات كتاب الله.
الطالب: (وَإِنَّ أَجْمَعَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ بِخَيْرٍ وَشَرٍّ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ} [النَّحْلِ:90])
الشيخ: يعني هذه أجمع آية في الخير ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾[النحل:90] هذه جمعت الخير كله ﴿وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ﴾[النحل:90] جمعت الشر كله.
الطالب: (وَإِنَّ أَكْثَرَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ فَرَجًا فِي سُورَةِ الْغُرَفِ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ})
الشيخ: فرج لكل أحد، لكل عاصٍ، هذه الآية فيها فرج، عليه بالتوبة.
الطالب: (وَإِنَّ أَشَدَّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَصْرِيفًا (6) {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطَّلَاقِ:3، 2]. فَقَالَ لَهُ مَسْرُوقٌ: صَدَقْتَ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الْكَنُودِ قَالَ: مَرَّ عَبْدُ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ-عَلَى قَاصٍّ، وَهُوَ يَذَكِّرُ النَّاسَ)
الشيخ: يعني واعظ، القصاص هم الذين يعظون الناس في الغالب يكون وليس عندهم استناد للكتاب والسنة، ماذا قال عنه؟
الطالب: قال: أخرجه ابن أبي شيبة عن أبي معاوية ويعلى ابن عبيد عن الأعمش به عن المصنف وسنده حسن.
الشيخ: يعني لا تقنطوا الناس من رحمة الله، الله يقول: ({لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ})
الطالب: (فَقَالَ: يَا مُذَكِّرُ لِمَ تُقَنِّط (7) النَّاسَ؟ ثُمَّ قَرَأَ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
ذِكْرُ أَحَادِيثَ فِيهَا نَفْيُ الْقُنُوطِ:)