بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
يقول الإمام ابن كثيرٌ -رحمه الله تعالى- في تفسيره: (على قوله -سبحانه وتعالى-: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:53]، ذِكْرُ أَحَادِيثَ فِيهَا نَفْيُ الْقُنُوطِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ –رحمه الله-: حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخْشَنُ السَّدُوسِيُّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله تعالى عنه- فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- يقول: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَخْطَأْتُمْ حَتَّى تَمْلَأَ خَطَايَاكُمْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتُمُ اللَّهَ تعالى لَغَفَرَ لَكُمْ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُخْطِئُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُخْطِئُونَ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» تَفَرَّدَ بِهِ أحمد).
الشيخ: تخريجه؟
الطالب: (قال: أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وصححه محققوه بالشواهد).
في اللفظ الآخر: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لو لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لهمْ».
(وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ قاصِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، «وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لهمْ»، (0:02:05) الاستغفار المراد به التوبة، يعني هو الندم على ما مضى، والإقلاع عن المعصية وعدم العودة إليها، هذه هي التوبة، الاستغفار مع ندم وإقلاعٌ عن المعاصي معه ندم وعزم على عدم العودة.
(وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ قَاصُّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ-عَنْ أَبِي صِرْمة، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّهُ قَالَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، قال: «قَدْ كُنْتُ كَتَمْتُ مِنْكُمْ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-، يقول: لَوْلَا أنَّكُمْ تُذْنِبُونَ لَخَلَقَ اللَّهُ قَوْمًا يُذْنِبُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ».
هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَالتِّرْمِذِيُّ جَمِيعًا، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ بِهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ أَبِي صِرْمَةَ وَهُوَ الْأَنْصَارِيُّ صَحَابِيٌّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ –رضي الله عنه- بِهِ).
الشيخ: التخريج؟
الطالب: صحيح مسلم والترمذي.
وذلك لأن الله -سبحانه وتعالى- هو الغفار والتواب والرحيم، مقتضى هذه الأسماء أنه –سبحانه- يغفر، فلا بد من مقتضى هذه الأسماء، اسمه الغفار والتواب، والرحيم والغفور.
(وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ القرشي، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَسْلَمَةُ بن عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ).
هو –سبحانه- يحب المغفرة، ويحب من عباده التوبة، يحب أن يتوب على عباده، يحب أن يغفر لهم -سبحانه وتعالى-، وهذا من كرمه وجوده -سبحانه وتعالى- ولطفه بعباده.
(عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْبَجَلِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ أَبِيهِ، عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، -رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ الْمُفَتَّنَ التَّوَّابَ»، ولَمْ يُخْرِجُوهُ مِنْ هَذَا).
الشيخ: التخريج لم يتكلم عليه؟
الطالب: (قال: أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائده على المسند بسنده ومتنه وقال محققوه إسناده ضعيفٌ جدًا شبة موضوع).
الشيخ: العلة، ذكر العلة؟
الطالب: لا، (رواه عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند وإسناده ضعيفٌ جدًا شبة موضوع، فيه أبو عمرو البجلي واسمه عبيدة بن الحارث، قال ابن حبان في [المجروحين]: يروي الموضوعات من الثقات، لا يحل الاحتجاج به بحال، وعبد الملك بن سفيان الثقفي مجهول).
نسأل الله العافية.
الطالب: مثل الحديث أحسن الله إليكم، (عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، -رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ تعالى يُحِبُّ الْعَبْدَ الْمُفَتَّنَ التَّوَّابَ»).
الشيخ: هذا ممكن أن يكون المفتن، هذا من نكارته، قبل هذا مفتن يعني المفتتن، لو صح أن يكن له معنى، لكن هذا من نكاره.
الطالب: لكن يفتن الناس، أحسن الله إليك، ثم يتوب؟
الشيخ: لا، هو مفتن هو في نفسه، الحديث ما صح، لو صح يمكن يخرج، ما صح الحديث، يكون هذا من نكاره، في قبل هذا حديث؟
الطالب: نعم، (قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ النُّكري، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنِ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله تعالى عنهما-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَفَّارَةُ الذَّنْبِ النَّدَامَةُ».
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ»، تَفَرَّدَ بِهِ أحمد).
الشيخ: أبو مالك النكري ماذا قال عليه؟
الطالب: هذا قال: (أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه وقال محققوه حسنٌ لغيره).
أبو مالك النكري (0:07:05).
لا المعروف النكري، حسنٌ لغيره، يعني الشواهد، مثلما سبقته (0:07:20) لا تشهد له بالمعنى الصحيح.
(وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن إسماعيل، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ وَحُمَيْدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: «إِنَّ إِبْلِيسَ لعنه الله تعالى، قَالَ: يَا رَبِّ، إِنَّكَ أَخْرَجْتَنِي مِنَ الْجَنَّةِ مِنْ أَجْلِ آدَمَ، وَإِنِّي لَا أَسْتَطِيعُهُ إِلَّا بِسُلْطَانِكَ، قَالَ: فَأَنْتَ مُسَلَّطٌ، قَالَ: يَا رَبِّ، زِدْنِي، قَالَ: لَا يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ إِلَّا وُلِدَ لَكَ مِثْلُهُ، قَالَ: يَا رَبِّ، زِدْنِي، قَالَ: أَجْعَلُ صُدُورَهُمْ مَسَاكِنَ لَكُمْ، وَتَجْرُونَ مِنْهُمْ مَجْرَى الدَّمِ.
قَالَ: يَا رَبِّ، زِدْنِي، قَالَ: {أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [سورة الإسراء: 64]، فَقَالَ آدَمُ –عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَامُ-: يَا رَبِّ، قَدْ سَلَّطْتَهُ عَلَيَّ، وَإِنِّي لَا أَمْتَنِعُ إِلَّا بِكَ، قَالَ –تبارك وتعالى-: لَا يُولَدُ لَكَ وَلَدٌ إِلَّا وَكَّلْتُ بِهِ مَنْ يَحْفَظُهُ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ.
قَالَ: يَا رَبِّ، زِدْنِي، قَالَ: الْحَسَنَةُ عَشَرٌ أَوْ أَزِيدُ، وَالسَّيِّئَةُ وَاحِدَةٌ أَوْ أَمْحُوهَا، قَالَ: يَا رَبِّ، زِدْنِي، قَالَ: بَابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ مَا كَانَ الرُّوحُ فِي الْجَسَدِ، قَالَ: يَا رَبِّ، زِدْنِي، قَالَ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]»).
هذا الشاهد من الحديث الآية، ماذا قال عليه؟
الطالب: قال (سنده مرسل؛ لأن عبيدة بن عميرٍ تابعي).
المرسل هو مرسل ضعيف إلا إذا وُجد مرسل آخر يشهد له، يكون ضعيف لإرساله.
(وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: قَالَ نَافِعٌ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-، فِي حَدِيثِهِ قَالَ: «وَكُنَّا نَقُولُ مَا اللَّهُ بِقَابِلٍ مِمَّنِ افْتُتِنَ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا وَلَا تَوْبَةً، عَرَفُوا اللَّهَ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى الْكُفْرِ لِبَلَاءٍ أَصَابَهُمْ، قَالَ: وَكَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ-، أَنْزَلَ اللَّهُ تعالى فِيهِمْ وَفِي قَوْلِنَا وَقَوْلِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55)} [سورة الزمر: 53-55]».
قَالَ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَكَتَبْتُهَا بِيَدِي فِي صَحِيفَةٍ، وَبَعَثْتُ بِهَا إِلَى هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ –رضي الله عنه، قَالَ: فَقَالَ هِشَامٌ: لَمَّا أَتَتْنِي جَعَلْتُ أَقْرَؤُهَا بِذِي طُوًى أصَعَّد بِهَا فِيهِ وَأُصَوِّتُ وَلَا أَفْهَمُهَا، حَتَّى قُلْتُ: اللَّهُمَّ أَفْهِمْنِيهَا، فَأَلْقَى اللَّهُ فِي قَلْبِي أَنَّهَا إِنَّمَا نْزِلَتْ فِينَا، وَفِيمَا كُنَّا نَقُولُ فِي أَنْفُسِنَا، وَيُقَالُ فِينَا.
فَرَجَعْتُ إِلَى بَعِيرِي فَجَلَسْتُ عَلَيْهِ، فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ اسْتَحَثَّ –تبارك وَتَعَالَى- عِبَادَهُ إِلَى الْمُسَارَعَةِ إِلَى التَّوْبَةِ، فَقَالَ: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} إلى آخره، أَيِ: ارْجِعُوا إِلَى اللَّهِ وَاسْتَسْلِمُوا لَهُ)
الشيخ: هذا الأثر انتهى؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ماذا قال عليه؟
الطالب: (قال: أخرجه الطبري من طريق ابن إسحق به، وسنده ضعيفٌ؛ لأن ابن إسحق لم يسمع من نافع).
(فَقَالَ: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} إلى آخره، أَيِ: ارْجِعُوا إِلَى اللَّهِ وَاسْتَسْلِمُوا لَهُ، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} أَيْ: بَادِرُوا بِالتَّوْبَةِ وَالْعَمَلِ إلى الله قَبْلَ حُلُولِ النِّقْمَةِ، {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} وَهُوَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} أَيْ: مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُونَ وَلَا تَشْعُرُونَ.
ثُمَّ قَالَ: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَتَحَسَّرُ الْمُجْرِمُ الْمُفَرِّطُ فِي التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ، وَيَوَدُّ لَوْ كَانَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الْمُخْلِصِينَ الْمُطِيعِينَ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.
وَقَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} أَيْ: إِنَّمَا كَانَ عَمَلِي فِي الدُّنْيَا عَمَلَ سَاخِرٍ مُسْتَهْزِئٍ غَيْرِ مُوقِنٍ مُصَدِّقٍ، {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58)} [سورة الزمر: 57-58]، أَيْ: تَوَدُّ أَنْ لَوْ أُعِيدَتْ للدنيا لتُحْسِنُ الْعَمَلَ).
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، مَا الْعِبَادُ قَائِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَقُولُوهُ، وَعَمَلَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوهُ، وَقَالَ تعالى: {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فَاطِرٍ:14]، {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}).
وهذه الآية لما فيها من أمر ودعوة من ربنا -سبحانه وتعالى- إلى الإنابة والرجوع إليه قبل فوات الأوان، وقبل نزول العذاب، {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [الزمر:54]، يعني ثم لا يمنعكم مانع من الله ولا دافع، بادروا بالتوبة والاستغفار والندم والرجوع إلى الله، وهو -سبحانه وتعالى- التواب والغفور الرحيم، فيحب من عباده أن يتوبوا إليه، يحب أن يغفر لهم، بادروا بالتوبة قبل فوات الأوان.
{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} وهو القرآن الكريم، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً} يعني فجأة، {وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55)} [سورة الزمر: 54-55].
ثم يتحسر الإنسان، وفات وقت الإمكان، {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)} [سورة الزمر: 55-56]، يعني هذا المفرط المتساهل الذي ذهبت أيامه سدًى وسبهللًا ما لم يبادر بالتوبة، يتحسر يوم القيامة، ويقول كأنه ساخر، كأن عمله عمل ساخر بسبب تفريطه وإهماله.
{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57)} [سورة الزمر: 56-57]، التحسر وهذا لا يفيد إذًا، قال الله: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الزمر:59]، نسأل الله السلامة والعافية.
({أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58)} [سورة الزمر: 56-58]).
وذاك الرجعة، يعني تمني الرجوع إلى الدنيا، {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً} يعني رجعت بي الدنيا {فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}، وهذا في مواضع أخبرنا قال: يتمنون الرجعة إلى الدنيا، قال الله: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:28]، نسأل الله السلامة والعافية، فلو أخبر الله أنهم قالوا: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:107]، نسأل الله السلامة والعافية.
(فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنْ لَوْ رُدوا لَمَا قَدَرُوا عَلَى الْهُدَى، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الْأَنْعَامِ:28].
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، -رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّ أَهْلِ النَّارِ يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي؟! فَتَكُونُ عَلَيْهِ حَسْرَةٌ قَالَ: وَكُلُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ فَيَقُولُ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي؟ قَالَ: فَيَكُونُ لَهُ الشُّكْرُ»، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، بِهِ).
(«فَيَقُولُ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي؟! فَتَكُونُ عَلَيْهِ حَسْرَةٌ») يعني لو كنتم من أهل الجنة فيتحسر.
(وَلَمَّا تَمَنَّى أَهْلُ الْجَرَائِمِ العَودَ إِلَى الدُّنْيَا، وَتَحَسَّرُوا عَلَى تَصْدِيقِ آيَاتِ اللَّهِ).
الشيخ: التخريج؟
الطالب: قال: (أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وصحح سنده محققوه).
يكون الإنسان له مقعد من الجنة ومقعد من النار؛ فإذا دخل المسلم الجنة ورث الكافر مقعده من النار، نسأل الله العافية.
(وَلَمَّا تَمَنَّى أَهْلُ الْجَرَائِمِ العَودَ إِلَى الدُّنْيَا، وَتَحَسَّرُوا عَلَى تَصْدِيقِ آيَاتِ اللَّهِ وَاتِّبَاعِ رُسُلِهِ، وقَالَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الزمر:59]، أَيْ: قَدْ جَاءَتْكَ أَيُّهَا الْعَبْدُ النَّادِمُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ آيَاتِي فِي الدَّارِ الدُّنْيَا، وَقَامَتْ حُجَجِي عَلَيْكَ، فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ عَنِ اتِّبَاعِهَا، وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ بِهَا، الْجَاحِدِينَ لَهَا.
{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)} [سورة الزمر: 60-61].
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَنَّهُ تَسْوَدُّ فِيهِ وُجُوهٌ، وَتَبْيَضُّ فِيهِ وُجُوهٌ، تَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ، وَتَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ).
فرقة بالضم: الاختلاف، أما الفرقة بالكسر: الطائفة، قال تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة:122]، الفرقة بالكسرة الطائفة، والفرقة بالضم الخلاف.
(يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَنَّهُ تَسْوَدُّ فِيهِ وُجُوهٌ، وَتَبْيَضُّ فِيهِ وُجُوهٌ، تَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ، وَتَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، قَالَ تَعَالَى هَاهُنَا:{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ} [الزمر:60]، أَيْ: فِي دَعْوَاهُمْ لَهُ شَرِيكًا وَوَلَدًا، {وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ}، أَيْ: بِكَذِبِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ.
وقوله تعالى: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} أَيْ: أَلَيْسَتْ جَهَنَّمُ كَافِيَةً لَهَم سِجْنًا وَمَوْئِلًا لَهُمْ فِيهَا الْخِزْيِ وَالْهَوَانِ، بِسَبَبِ تَكَبُّرِهِمْ وَتَجَبُّرِهِمْ وَإِبَائِهِمْ عَنِ الِانْقِيَادِ لِلْحَقِّ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنُ أَخِي ابْنِ وهب، قال حَدَّثَنَا عَمِّي، قال حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى الْخَيَّاطُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الْمُتَكَبِّرِينَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَشْبَاهَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ النَّاسِ، يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الصَّغَارِ، حَتَّى يَدْخُلُوا سِجْنًا مِنَ النَّارِ فِي وَادٍ يُقَالُ لَهُ بُولَسُ، مِنْ نَارِ الْأَنْيَارِ، وَيُسْقَوْنَ عُصَارَةَ أَهْلِ النَّارِ، وَمِنْ طِينَةِ الخَبَال»).
الشيخ: (0:22:50)؟
(قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنُ أَخِي ابْنِ وهب، قال حَدَّثَنَا عَمِّي، قال حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى الْخَيَّاطُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الْمُتَكَبِّرِينَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَشْبَاهَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ النَّاسِ، يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الصَّغَارِ، حَتَّى يَدْخُلُوا سِجْنًا مِنَ النَّارِ فِي وَادٍ يُقَالُ لَهُ بُولَسُ، مِنْ نَارِ الْأَنْيَارِ، وَيُسْقَوْنَ عُصَارَةَ أَهْلِ النَّارِ، وَمِنْ طِينَةِ الخَبَال»).
الشيخ: (0:23:36)؟
الطالب: قال: (سنده ضعيفٌ جدًا لأن عيسى بن أبي عيسى الحناط متروكٌ، ولشطره الأول شاهدٌ أخرجه الترمذي من طريق عمرو بن شعيبٍ به، وقال: حسن صحيح، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، وأخرجه الإمام أحمد من طريق عمرو بن شعيبٍ به، وحسنه محققوه).
لا شك في عذابهم ولا شك أنهم يتمنون الرجعة.
(وَقَوْلُهُ: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} [الزمر:61] أَيْ: مِمَّا سَبَقَ لَهُمْ مِنَ السَّعَادَةِ وَالْفَوْزِ عِنْدَ اللَّهِ، {لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} أَيْ: وَلَا يَحْزُنُهُمُ (8) الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ، بَلْ هُمْ آمَنُونَ مِنْ كُلِّ فَزَع، مُزَحْزَحُونَ عَنْ كُلِّ شَرٍّ، نائلون كُلَّ خَيْرٍ).
هذا في جزاء الكاذبين وجزاء المتقين، الكاذبين يُحشرون يوم القيامة وجوهم مسودة ويعذبون، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [الزمر:60]، يعلوها السواد والذل بسبب المعاصي والكفر، ولهذا قال: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ}، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ}، فهم كفرة كذبوا على الله وصرفوا العبادة لغيره.
ومن كذب أنهم صرفوا العبادة لغير الله، زعم منهم أنه لا يستحق العبادة، وهذا من أعظم الكذب والافتراء على الله، وجوههم مسودة ويساقون للنار؛ ولهذا قال: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ}، أما المتقون فإنه تعالى ينجيهم بتقواهم، فيفوزون برضا الله وجنته، {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزمر:61]، لا يمسهم أي سوء ولا يحزنون، لا يصيبهم الحزن، كما أنه لا يصيبهم الخوف والفزع، نسأل الله تعالى من فضله، جعلنا الله وإياكم من المتقين.
({اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)} [سورة الزمر: 62-66].
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ خَالِقُ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَرَبُّهَا وَمَلِيكُهَا وَالْمُتَصَرِّفُ فِيهَا، وَكُلٌّ تَحْتَ تَدْبِيرِهِ وَقَهْرِهِ وكلاءته، وقوله: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ}، قَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَقَالِيدُ هِيَ: الْمَفَاتِيحُ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ عيينة، وقال السدي: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} أي: خزائن السموات وَالْأَرْضِ.
وَالْمَعْنَى عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ: أَنَّ أزمَّة الْأُمُورِ بِيَدِهِ –تبارك وتعالى-، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ} أَيْ: حُجَجِهِ وَبَرَاهِينِهِ {أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا حَدِيثًا غَرِيبًا جِدًّا، وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ، وَلَكِنْ نَذْكُرُهُ كَمَا ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنان الْبَصْرِيُّ بِمِصْرَ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، قال: حَدَّثَنَا الْأَغْلَبُ بْنُ تَمِيمٍ، عَنْ مُخَلَّدِ بْنِ هُذَيْلٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن تفسير قوله تعالى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} فَقَالَ: «مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ يَا عُثْمَانُ»، « قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تَفْسِيرُهَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ، وَالظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، مَنْ قَالَهَا يَا عُثْمَانُ إِذَا أَصْبَحَ عَشْرَ مِرَارٍ أُعْطِيَ خِصَالًا سِتًّا: أَمَّا أُولَاهُنَّ: فَيُحْرَسُ مِنْ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَيُعْطَى قِنْطَارًا مِنَ الْأَجْرِ.
وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَتُرْفَعُ لَهُ دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الرَّابِعَةُ: فَيَتَزَوَّجُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَأَمَّا الْخَامِسَةُ: فَيَحْضُرُهُ اثْنَا عَشَرَ مَلَكًا، وَأَمَّا السَّادِسَةُ: فَيُعْطَى مِنَ الْأَجْرِ كَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ، وَلَهُ مَعَ هَذَا يَا عُثْمَانُ مِنَ الْأَجْرِ كَمَنْ حَجَّ وَتُقُبِّلَتْ حَجَّتُهُ، وَاعْتَمَرَ فَتُقُبِّلَتْ عُمْرَتُهُ، فَإِنْ مَاتَ مِنْ يَوْمِهِ طُبِعَ بِطَابِعِ الشُّهَدَاءِ».
وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ، بِهِ مِثْلَهُ، وَهُوَ غَرِيبٌ وَفِيهِ نَكَارَةٌ شَدِيدَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).
نكارة شديدة، أقول: هذا الثواب الكثير هذا من علامات البركة، (0:32:08) ماذا قال عليه؟
(قال: سنده ضعيفٌ جدًا لأن الأغلب بن تميمٍ متفقٌ على ضعفه، ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وقال ابن عراقٍ عن ابن حجر: إنه منكرٌ من جميع طرقه).
قريب من الوضع وليس ببعيد أن يكون موضوع؛ لأن النكارة من علامة وضع الحديث أن يجعل ثوابه كثير على القليل مثل هذا، لكن المؤلف في هذا برء من عهدته، قال يكون كما ذكر وكانت نكارةٌ شديدة جدًا.
سؤال: ما قوله («قَرَاءة الْقُرْآنَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ»)؟
الشيخ: ما هو مشروع قراءة التوراة والإنجيل، يعطى ثواب من قرأها، وقال: هذه الكلمة لا شك في نكارته، والأقرب أنه موضوع.
(وَقَوْلُهُ: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} ذَكَرُوا فِي سَبَبِ نُزُولِهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ بِجَهْلِهِمْ دَعَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى عِبَادَةِ آلِهَتِهِمْ، وَيَعْبُدُوا مَعَهُ إِلَهَهُ، فَنَزَلَتْ: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الْأَنْعَامِ:88]، وَقَوْلُهُ: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:66]، أَيْ: أَخْلِصِ الْعِبَادَةَ لِلَّهِ وَحْدَهُ، لا شريك له، أَنْتَ وَمَنِ اتَّبَعَكَ وَصَدَّقَكَ، {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)}).
وفي هذه الآية عِظم الشرك وأن الشرك شأنه عظيم، وأنه محبطٌ للأعمال، {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} [سورة الزمر: 65]، وهذا الشرط التقديري، والرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- معصوم، لكن هذا الشرط لبيان مقادير الأشياء؛ أن من أشرك فقد حبط عمله؛ فإنه يحبط عمله كائنًا من كان، كما قال -سبحانه وتعالى-: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88].
{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)} [سورة الزمر: 65-66]، من عبد الله وأحسن العبادة فهو شاكر.
({وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67]).