شعار الموقع

سورة الزمر - 9

00:00
00:00
تحميل
71

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين وللمستمعين.

قال الحافظ بن كثير –رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الزمر:67]، يقول تعالى: يَقُولُ تَعَالَى: وَمَا قَدَّرَ الْمُشْرِكُونَ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، حِينَ عَبَدُوا مَعَهُ غَيْرَهُ، وَهُوَ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا أَعْظَمَ مِنْهُ، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الْمَالِكُ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَحْتَ قَهْرِهِ وَقُدْرَتِهِ.

قَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي قُرَيْشٍ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: مَا عَظَّمُوهُ حَقَّ عَظَمَتِهِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: لَوْ قَدَّرُوهُ حَقَّ قَدْرِهِ مَا كَذَّبُوهُ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا]: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} هُمُ الْكُفَّارُ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِقُدْرَةِ اللَّهِ [تَعَالَى] عَلَيْهِمْ، فَمَنْ آمَنَ أن الله على كل شيء قَدِيرٌ، فَقَدْ قَدَرَ اللَّهُ حَقَّ قَدْرِهِ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِذَلِكَ فَلَمْ يُقَدِّرِ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ.
وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَالطَّرِيقُ فِيهَا وَفِي أَمْثَالِهَا مَذْهَبُ السَّلَفِ، وَهُوَ إِمْرَارُهَا كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَحْرِيفٍ.

قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَوْلُهُ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الْأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ: إِنَّا نجد أن الله عز وجل يجعل السموات عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْأَرْضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلَائِقِ عَلَى إِصْبَعٍ. فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الْآيَةَ.

وَ[قَدْ] رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ صَحِيحِهِ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ سَنَنَيْهِمَا، كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ [عَبْدِ اللَّهِ] ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِنَحْوِهِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأعمش، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، أُبَلِّغَكَ أَنَّ اللَّهَ [تَعَالَى] يَحْمِلُ الْخَلَائِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، والسموات عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْأَرْضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ؟ قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ -مِنْ طُرُقٍ-عَنِ الْأَعْمَشِ بِه.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حَسَنٍ الْأَشْقَرُ، حَدَّثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ يَهُودِيٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فَقَالَ: كَيْفَ تَقُولُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ: يَوْمَ يَجْعَلُ اللَّهُ السَّمَاءَ عَلَى ذِهْ -وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ-وَالْأَرْضَ عَلَى ذِهْ، وَالْجِبَالَ عَلَى ذِهِ وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى ذِهْ -كُلُّ ذَلِكَ يُشِيرُ بِإِصْبُعِهِ -قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الْآيَةَ.

وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْت، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي كُدَيْنَةَ يَحْيَى بْنُ الْمُهَلَّبِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى مُسْلِمُ بْنُ صُبَيْحٍ، بِهِ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ، عَنِ ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ". تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ -فِي مَوْضِعٍ آخَرَ-: حَدَّثَنَا مُقَدَّم بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَمِّي الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَرْضِينَ على إصبع، وتكون السموات بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ".

تَفَرَّدَ بِهِ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى بِلَفْظٍ آخَرَ أَبْسَطَ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ وَأَطْوَلَ، فَقَالَ:

حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَكَذَا بِيَدِهِ، يُحَرِّكُهَا يُقْبِلُ بِهَا وَيُدْبِرُ: "يُمَجِّدُ الرَّبُّ نفسه: أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الْمَلِكُ، أَنَا الْعَزِيزُ، أَنَا الْكَرِيمُ". فَرَجَفَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرُ حَتَّى قُلْنَا: لَيَخِرَّن بِهِ.

وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ -زَادَ مُسْلِمٌ: وَيَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِهِ، نَحْوَهُ.

وَلَفْظُ مُسْلِمٍ -عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ-: أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَيْفَ يَحْكِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يَأْخُذُ اللَّهُ سماواته وَأَرْضِيهِ بِيَدِهِ وَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، وَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا: أَنَا الْمَلِكُ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لَأَقُولَ: أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟.

وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَيْفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبَّادٌ المنْقرَي، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا]، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} حَتَّى بَلَغَ: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، فَقَالَ الْمِنْبَرُ هَكَذَا، فَجَاءَ وَذَهَبَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

وَرَوَاهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَقَالَ: صَحِيحٌ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعَاوِيَةَ العُتْبي، حَدَّثَنَا حَيَّانُ بْنُ نَافِعِ بْنِ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَّةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ خُنَيْس، عَنْ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لِنَفِرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: "إِنِّي قَارِئٌ عَلَيْكُمْ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الزُّمَرِ، فَمَنْ بَكَى مِنْكُمْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ"؟ فَقَرَأَهَا مِنْ عِنْدِ قَوْلِهِ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}، إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، فَمِنَّا مَنْ بَكَى، وَمِنَّا مَنْ لَمْ يَبْكِ، فَقَالَ الَّذِينَ لَمْ يَبْكُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ جَهِدْنَا أَنْ نَبْكِيَ فَلَمْ نَبْكِ؟ فَقَالَ: "إِنِّي سَأَقْرَؤُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ لَمْ يَبْكِ فَلْيَتَبَاكَ". هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا.

كتاب المعجم الكبير، وله نهايته في مجمع الزوايد فيه بكر بن خنيس وهو متروك.

في نسخة أخرى أحسن الله إليك قال ضعيف جدًا أخرجه الطبراني، وله نهايته في المجمع، فيه بكر بن خنيس، وهو متروك، واتهمه بن حبان بالوضع، وفيه عبد الملك بن عمير، قال عمره وساء حفظه؛ لذا ضعفه أحمد، وقال أبو حاتم ليس بحافظ، وقال يحي مخلط.

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعَاوِيَةَ العُتْبي، حَدَّثَنَا حَيَّانُ بْنُ نَافِعِ بْنِ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَّةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ خُنَيْس، عَنْ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لِنَفِرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: "إِنِّي قَارِئٌ عَلَيْكُمْ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الزُّمَرِ، فَمَنْ بَكَى مِنْكُمْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ"؟ فَقَرَأَهَا مِنْ عِنْدِ قَوْلِهِ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}، إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، فَمِنَّا مَنْ بَكَى، وَمِنَّا مَنْ لَمْ يَبْكِ، فَقَالَ الَّذِينَ لَمْ يَبْكُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ جَهِدْنَا أَنْ نَبْكِيَ فَلَمْ نَبْكِ؟ فَقَالَ: "إِنِّي سَأَقْرَؤُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ لَمْ يَبْكِ فَلْيَتَبَاكَ". هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا.

وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ أَيْضًا: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ مُرْثَد، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي ضَمْضَمُ بْنُ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أبي مالك الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ثَلَاثُ خِلَالٍ غَيَّبتُهُنَّ عَنْ عِبَادِي، لَوْ رَآهُنَّ رَجُلٌ مَا عَمِلَ سُوءًا أَبَدًا: لَوْ كَشَفْتُ غِطَائِي فرآني حتى استيقن وَيَعْلَمَ كَيْفَ أَفْعَلُ بِخَلْقِي إِذَا أَتَيْتُهُمْ، وَقَبَضْتُ السموات بِيَدِي، ثُمَّ قَبَضْتُ الْأَرْضَ وَالْأَرْضِينَ، ثُمَّ قُلْتُ: أَنَا الْمَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي لَهُ الْمُلْكُ دُونِي؟ ثُمَّ أَرَيْتُهُمُ الْجَنَّةَ وَمَا أَعْدَدْتُ لَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، فَيَسْتَيْقِنُوهَا. وَأُرِيهِمُ النَّارَ وَمَا أَعْدَدْتُ لَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ فَيَسْتَيْقِنُوهَا، وَلَكِنْ عَمْدًا غَيَّبْتُ ذَلِكَ عَنْهُمْ لِأَعْلَمَ كَيْفَ يَعْمَلُونَ، وَقَدْ بَيَّنْتُهُ لَهُمْ".

وَهَذَا إِسْنَادٌ مُتَقَارِبٌ، وَهِيَ نُسْخَةٌ تُرْوَى بِهَا أَحَادِيثُ جَمَّةٌ، والله أعلم.

قال الإمام أحمد:

وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ أَيْضًا: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ مُرْثَد، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي ضَمْضَمُ بْنُ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أبي مالك الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ثَلَاثُ خِلَالٍ غَيَّبتُهُنَّ عَنْ عِبَادِي، لَوْ رَآهُنَّ رَجُلٌ مَا عَمِلَ سُوءًا أَبَدًا: لَوْ كَشَفْتُ غِطَائِي فرآني حتى استيقن وَيَعْلَمَ كَيْفَ أَفْعَلُ بِخَلْقِي إِذَا أَتَيْتُهُمْ، وَقَبَضْتُ السموات بِيَدِي، ثُمَّ قَبَضْتُ الْأَرْضَ وَالْأَرْضِينَ، ثُمَّ قُلْتُ: أَنَا الْمَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي لَهُ الْمُلْكُ دُونِي؟ ثُمَّ أَرَيْتُهُمُ الْجَنَّةَ وَمَا أَعْدَدْتُ لَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، فَيَسْتَيْقِنُوهَا. وَأُرِيهِمُ النَّارَ وَمَا أَعْدَدْتُ لَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ فَيَسْتَيْقِنُوهَا، وَلَكِنْ عَمْدًا غَيَّبْتُ ذَلِكَ عَنْهُمْ لِأَعْلَمَ كَيْفَ يَعْمَلُونَ، وَقَدْ بَيَّنْتُهُ لَهُمْ".

وَهَذَا إِسْنَادٌ مُتَقَارِبٌ، وَهِيَ نُسْخَةٌ تُرْوَى بِهَا أَحَادِيثُ جَمَّةٌ، والله أعلم. (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ).

هذه الآية الكريمة آية عظيمة، يقول الله تعالى فيها: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الزمر:67]، يبين الله تعالى أن المشركين ما قدروا الله حق قدره، وما عظموه حق تعظيمه حين عبدوا غيره، وهو القادر وهو المالك، وهو المحي وهو المميت، وهو الذي أوجدهم من العدم خلقهم ورزقهم، يحي ويميتهم، وأمدهم بنعمه، كيف يعبدون غيره، كيف يصلون العبادة إلى غيره، (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ): يعني ما عظموه حق تعظيمه حين عبدوا غيره.

(وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) عظمته –سبحانه وتعالى، (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ): تنزيهًا له، نزه نفسه سبحانه وتعالى عن شرك المشركين بإثبات القبض والبسط لله –عز وجل- فالله يقبض ويبسط في الآيات الأخر في إثبات اليمين لله –عز وجل- إثبات اليدين لله –عز وجل- إثبات الأصابع.

جاء حبر من اليهود وهو العالم، الحبر هو العالم، والجمع أحبار، الرهبان: جمع راهب، وهم العباد، الرهبان العباد، وهم الرهبان جاء حبر من الأحبار، عالم من علماء اليهود، فقال النبي: أما علمت أن الله يضع السموات على أصبع وأشار إلى أصبعه، والأرضين على أصبع، والشجر على أصبع، والماء والثرى على أصبع، وسائر الخلق على أصبع، إثبات خمسة أصابع لله –عز وجل-. فالنبي –صلى الله عليه وسلم- ضحك بدت نواجذه تصديقًا لقول الحبر. وفي الحديث قبول الحق ممن جاء به، ولو كان كافرًا. من جاء بالحق نقبله ولو كان كافر.

والشيطان جاء لأبي هريرة فأخبره، قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لا يزال معك من الله حارث، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي: "قد صدقك وهو كذوب"، صدق في هذه المرة، وهو كذوب، لكن صدق في هذه المرة، فالنبي –صلى الله عليه وسلم- صدق الحبر، في أن الله يضع السموات على أصبع والأرضين على أصبع، والماء والثرى على أصبع، وسائر الخلق على أصيع، خمسة أصابع تدل على جلال الله وعظمته.

وفيه إثبات اليدين لله –عز وجل- وإثبات القبض والبسط، ومذهب أهل السنة والجماعة: إثبات (14:45) من غير تكيف ولا تحريف ولا تبديل، ولا تأويل، خالفوا الظاهر، لا نعلم كيفية ذات الله، ولا نعلم كيفية صفات الله –سبحانه وتعالى- لا يشابه أحد من خلقه –سبحانه وتعالى- فالخلق صفاتهم تناسب ذاتهم، والخالق صفاته تناسب ذاته.

(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) كيف يعبدونه، عليه عظمة الخالق وهو المالك لكل شيء، وهو القادر على كل شيء، وهو المالك لكل شيء، وهو الذي أوجدهم من العدم، وأمدهم بالعمل وأعطاهم الصحة والعافية والقوة والمال، ثم يعبدون معه غيره؛ ولهذا ضرب النبي –صلى الله عليه وسلم- لهذا مثل تقريبي: "أيكم يكون له عبد اشتراه من حر ماله ثم يذهب يعمل ويعطي أجره لغيره"، (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[الروم:28]، فهذه الآية في إثبات الصفات في ثبات اليدين لله، في أنه يطوي السموات بيمنه.

لا يستطيع الإنسان أن يحيط بها رؤية، وكذلك الأرض قبضة يقبضها بيده، هذه الأرضين كلها، الأرضين السبع على أصبع، والسموات على أصبع، والأرض على أصبع، السموات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم، الخردلة: الحبة الصغيرة، معلوم أن الواحد منا ولله المثل الأعلى إذا كان عنده خردلة، إن شاء قبضها، وإن شاء ألقاها، فهذه السموات لا تساوي شيء، هذه المخلوقات العظيمة لا تساوي شيء بالنسبة لعظمة الله –عز وجل-.

فالله أعظم من كل شيء، وأكرم من كل شيء، ولهذا نزه نفسه عن الشرك سبحانه؛ تنزيهًا له تعالى، تعالت عظمته، ومجده، وتنزه سبحانه عن شرك هؤلاء المشركين الذين يعبدون معه غيره، وينسبون العبادة لغيره، وهو الذي أوجدهم وخلقهم لعبادته ورباهم بنعمه وأعطاهم النعم المتنوعة، وأمهلهم ثم يعبدون معه غيره، أين هذا التعظيم، ما قدروا الله، وما عظموه ما قدروه الله حق قدره، ولو عظموه لعبدوه، وأخلصوا له العبادة والمحبة، ولكنهم أشركوا مع الله، والله تعالى سيجازي المشركين بما يستحقون.

أحسن الله إليكم حديث ابن مسعود الرواية التي ذكرها الإمام محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد فيها ذكر ستة أصابع.

العدد خمسة أصابع.

إذا أشار المقصد تحديد الصفة وليس المراد مثل ما جاء عن النبي ما قاله: إن الله كان سميعًا بصيرًا، أشار إلى أصبعه، ولذا المراد تحقيق الصفة، وليس المراد الترتيب.

قال الله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ}.


يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ هَوْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَا يَكُونُ فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ الْعَظِيمَةِ وَالزَّلَازِلِ الْهَائِلَةِ، فَقَوْلُهُ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}.

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ هَوْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَا يَكُونُ فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ الْعَظِيمَةِ وَالزَّلَازِلِ الْهَائِلَةِ، فَقَوْلُهُ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} ، هَذِهِ النَّفْخَةُ هِيَ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَهِيَ الَّتِي يموت بها الأحياء من أهل السموات وَالْأَرْضِ، إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ الصُّورِ الْمَشْهُورِ. ثُمَّ يَقْبِضُ أَرْوَاحَ الْبَاقِينَ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ مَنْ يَمُوتُ مَلَكَ الْمَوْتِ، وَيَنْفَرِدُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي كَانَ أَوَّلًا وَهُوَ الْبَاقِي آخِرًا بِالدَّيْمُومَةِ وَالْبَقَاءِ، وَيَقُولُ: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غَافِرٍ:16] ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ يُجِيبُ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ فَيَقُولُ: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} أَيِ: الَّذِي هُوَ وَاحِدٌ وَقَدْ قَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ، وَحَكَمَ بِالْفَنَاءِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. ثُمَّ يُحْيِي أَوَّلَ مَنْ يُحْيِي إِسْرَافِيلَ، وَيَأْمُرُهُ أَنْ يُنْفَخَ فِي الصُّورِ أُخْرَى، وَهِيَ النَّفْخَةُ الثَّالِثَةُ نَفْخَةُ الْبَعْثِ، قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} أَيْ: أَحْيَاءٌ بَعْدَ مَا كَانُوا عِظَامًا وَرُفَاتًا، صَارُوا أَحْيَاءً يَنْظُرُونَ إِلَى أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النَّازِعَاتِ:14،13] ، وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا} [الْإِسْرَاءِ:52] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} [الرُّومِ:25].

المؤلف –رحمه الله- مشى على أن النفخات ثلاث، قال هذه النفخة الثانية؛ لأن النفخة الأولى نفخة الفزع، وهي المذكورة في سورة النمل، (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ)[النمل:87]، هذه النفخة الأولى، ثم النفخة الثانية، والنفخة الثانية مذكورة في هذه الآية في سورة الزمر (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ) هذه نفخة الصعق والموت، والأولى نفخة فزع، ثم النفخة الثالثة: نفخة البعث (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ)[الزمر:68].

وجاء في الحديث في الصور: أن النفخات ثلاث، لكن الحديث فيه ضعف، حديث إسماعيل بن رافع، وهو ضعيف ولهذا ذهب جمع المحققين إلى أنها نفختان:

النفخة الأولى: نفخة الصعق، نفخة الفزع ونفخة الصعق واحدة، أولها فزع وآخرها موت، وهي نفخة طويلة، يطولها إسرافيل؛ ولهذا جاء في الحديث: أول ما ينفخ في الصور يفزع الناس، يصيب الناس فزع، ثم لا يزال الصوت يقوى يقوى حتى يموت الناس، (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ)؛ ولهذا جاء في الحديث: أنه إذا نفخ إسرافيل في الصور صار كل ما سمعه (22:29)،تسمع كذا صفحة العنق التي تسمع، فلا يزال الصوت يقوى يقوى حتى يموت، نفخة واحدة أولها فزع وآخرها صعقة الموت، ثم يمكث الناس أربعين كما جاء في الحديث، وينزل الله مطرًا تنبت فيها أجساد الناس، فإذا تكامل خلقهم ونشأتهم أمر الله إسرافيل أن ينفخ في الصور النفخة الثانية، فتأتي الأرواح وتتطاير وتدخل كل روح في جسدها، الروح ما تموت، الروح باقية، مكتوب لها البقاء باقية، روح المؤمن تنقل إلى لجنة وليس لها أي صلة بالجسد، وروح الكافر تنقل للنار، وليس لها أي صلة بالجسد.

إذا نفخ في الصور ففزع نفخة البعث دخلت كل روح بجسدها، الأجساد قائمة، لكن ليس فيها روح، يأتيها ينزل الله مطرًا، تنبت منه أجساد الناس، وينشأ الناس تنشئة قوية غير التنشئة، التي هم في الدنيا، الذوات هي هي، لكن النشأة: نشأة قوية يتحملون ويقفون هذا الموقف العظيم.

تكون على ثلاثة نفخات: نفختان، والقول الأول مثل قول المؤلف على ثلاثة نفخات:

النفخة الأولى: نفخة الفزع، وأن الثانية: نفخة الصعق، والثالثة نفخة البعث، إذا نفخ نفخة البعث دخلت كل روح بجسدها، فيقوم الناس ينفضون التراب، دبت الحياة إلى جسده، لكن الله خلقها وأنشأها وكمل نشأها وخلقها، ما بقي إلا الروح، بعد نفخ الصور، تأتي كل روح بجسدها، فيقوم الناس من قبورهم حفاةً لا نعل عليهم، عراة لا ثياب عليهم، غرلًا غير مختونين (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ )[الأنبياء:104]، القطعة التي قعت من الإنسان في الختان تعود إليه، غير مختون على هذا الوصف، عراة لا ثياب عليهم، حفاة لا نعال لهم، كما ولدتهم أمهاتهم، ويكون أول من يوم يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فله مناقبه ثم يكسى الأنبياء.

قالت عائشة يا رسول الله: ما معنى الحديث: الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال يا عائشة الأمر أشد من ذلك، الأمر عظيم الهول شديد، لا يبغي أحد أحد: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)[الحج:1،2].

(فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)[عبس: 33-37]، هل ينظر أحد إلى أحد في الأحوال؟ لا أحد ينظر، الإنسان في الدنيا إذا صار مهموم ما يدري، تسلم عليه فيرد عليك السلام (26:12)، فكر مهمود هم يسير، كيف الهم العظيم، والهول العظيمة شاخصة، والأبصار شاخصة إلى السماء، الأمر عظيم والأهوال الشديد.

قوله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ).

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ هَوْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَا يَكُونُ فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ الْعَظِيمَةِ وَالزَّلَازِلِ الْهَائِلَةِ، فَقَوْلُهُ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} ، هَذِهِ النَّفْخَةُ هِيَ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَهِيَ الَّتِي يموت بها الأحياء من أهل السموات وَالْأَرْضِ، إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ الصُّورِ الْمَشْهُورِ.

إلا من شاء الله ممن كتب الله له البقاء، مثل الأرواح التي تموت والعرش والكرسي واللوح والقلم، هذه باقية والجنة والنار، هذه مكتوب لها البقاء، تبقى إلا ما شاء الله، والحور العين في الجنان هذه مكتوب.

ثمانية حكم البقاء يعمــــــــــــــها             من الخلق  والباقون في حيز العدم

هي العرش والكرسي، نار وجنة              وعجب وأرواح كذا اللوح والقلــــم

 كذلك عجب الذنب لا يبلى، لأنه خلق منه ابن آدم ويركب كما في صحيح مسلم: "كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب"، وهو العصعص،  آخر عظم في العمود الفقري، هذه كتب الله لها البقاء.

ثُمَّ يَقْبِضُ أَرْوَاحَ الْبَاقِينَ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ مَنْ يَمُوتُ مَلَكَ الْمَوْتِ، وَيَنْفَرِدُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي كَانَ أَوَّلًا.

سبحانه الذي لا إله إلا هو.

وَهُوَ الْبَاقِي آخِرًا بِالدَّيْمُومَةِ (4) وَالْبَقَاءِ، وَيَقُولُ: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غَافِرٍ:16] ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ يُجِيبُ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ فَيَقُولُ: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} أَيِ: الَّذِي هُوَ وَاحِدٌ وَقَدْ قَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ، وَحَكَمَ بِالْفَنَاءِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. ثُمَّ يُحْيِي أَوَّلَ مَنْ يُحْيِي إِسْرَافِيلَ، وَيَأْمُرُهُ أَنْ يُنْفَخَ فِي الصُّورِ أُخْرَى، وَهِيَ النَّفْخَةُ الثَّالِثَةُ.

إسرافيل: وهو موكل بالنفخ في الصور، كما أن ميكائيل موكل بالقطر والنبات، وجبريل موكل بالوحي، فهؤلاء الأملاك الثلاثة هم رؤساء الملائكة، وهم موكلون في الحياة، جبريل موكل بالوحي الذي هو حياة القلوب، وميكائيل موكل بالقطر، الذي فيه حياة الأبدان والنبات، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي فيه إعادة الأرواح لأجسادها بعد موتها؛ ولهذا حديث الاستفتاح الذي كان يستفتح في صحيح مسلم، الذي كان يستفتح فيه بصلاة الليل: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم"، توسل إلى الله بربوية هؤلاء الملائكة الثلاثة الذين وكلوا لما فيه الحياة.

وَيَأْمُرُهُ أَنْ يُنْفَخَ فِي الصُّورِ أُخْرَى.

ويكون آخر من يموت إسرافيل.

ثُمَّ يُحْيِي أَوَّلَ مَنْ يُحْيِي إِسْرَافِيلَ، وَيَأْمُرُهُ أَنْ يُنْفَخَ فِي الصُّورِ أُخْرَى، وَهِيَ النَّفْخَةُ الثَّالِثَةُ نَفْخَةُ الْبَعْثِ، قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} أَيْ: أَحْيَاءٌ بَعْدَ مَا كَانُوا عِظَامًا وَرُفَاتًا، صَارُوا أَحْيَاءً يَنْظُرُونَ إِلَى أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النَّازِعَاتِ:14، 13].

والساهرة: وجه الأرض، (30:36) إذا خلت الأرواح إلى أجسادها فقاموا، في الأول كانوا أجسادها ما في أرواح، ما يتحركون، فإذا نفخ في الصور: ذهبت كل روح إلى جسدها فقاموا ينظرون من أهوال يوم القيامة، موسعين إلى الداعي إلى أرض المحشر.

وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا} [الْإِسْرَاءِ:52]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} [الرُّومِ:25].

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: سمعت يَعْقُوبَ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: إِنَّكَ تَقُولُ: السَّاعَةُ تَقُومُ إِلَى كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَلَّا أُحَدِّثَكُمْ شَيْئًا، إِنَّمَا قُلْتُ: سَتَرَوْنَ بَعْدَ قَلِيلٍ أَمْرًا عَظِيمًا. ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي، فَيَمْكُثُ فِيهِمْ أَرْبَعِينَ-لَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ عَامًا أَوْ أَرْبَعِينَ شَهْرًا أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً -فَيَبْعَثُ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، فَيَظْهَرُ فَيُهْلِكُهُ اللَّهُ. ثُمَّ يَلْبَثُ النَّاسُ بَعْدَهُ سِنِينَ سَبْعًا لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّامِ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ، حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ فِي كَبِدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْ عَلَيْهِ". قَالَ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ، وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ، لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا". قَالَ: "فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ: أَلَا تَسْتَجِيبُونَ؟ فَيَأْمُرُهُمْ بِالْأَوْثَانِ فَيَعْبُدُونَهَا، وَهُمْ فِي ذَلِكَ دَارَّةٌ أَرْزَاقُهُمْ، حَسَنٌ عَيْشُهُمْ. ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَلَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَصْغَى لَهُ، وَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَهُ، فَيُصْعَقُ، ثُمَّ لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا صُعِقَ. ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ -أَوْ: يُنْزِلُ اللَّهُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ-أَوِ الظِّلُّ شَكَّ نُعْمَانُ -فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ. ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصَّافَّاتِ:24] ، قَالَ: "ثُمَّ يُقَالُ: أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ". قَالَ: "فَيُقَالُ: كَمْ؟ فَيُقَالُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَيَوْمَئِذٍ تُبْعَثُ الْوِلْدَانُ شِيبًا، وَيَوْمَئِذٍ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ".  انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.

فيه أن الدجال قد يمكث أربعين، جاء في الآخر أنه يقول: لا أدري أربعين شهرًا، أو أنها أربعين يومًا، ولكنها متفاوتة: اليوم الأول طوله كسنة في حديث النبي –عليه الصلاة والسلام- في حديث مسلم أيضًا: "أنه يمكث أربعين يومًا، اليوم الأول طوله سنة" يعني تكون الشمس طالعة لمدة سنة ما في ليل، واليوم الثاني طوله كشهر، طول الشهر طالع ثلاثين يومًا، واليوم الثالث طوله الجمعة سبعة أيام، وبقية الأيام كأيامنا.

ولا يترك أرضًا إلا وطئها، إلا مكة والمدينة، الملائكة يحرصونها، قالوا: يا رسول الله اليوم يوم السنة الطويلة، أتكفينا فيه في صلاة اليوم؟ قال: لا أقدروا له، الأربع وعشرين ساعة خمس صلوات والشمس طالعة، ولهذا أفتى العلماء بالبلدان التي فيها الليل طويل أو النهار طويل، هكذا في حديث الجدال ما فيه، لكن البلدان التي فيها ليل ونهار تكون فيها الصلوات الخمس، لكن بعض البلدان ما فيها، ما فيها نهار، وأنهم (35:6) بعض البلدان ما عندهم نهار مدة، ما عندهم المدة التي فيها نهار فيها شمس.

المقصود: أنه يمكث هذه المدة ولا يترك شيئًا إلا دخلها، يدعي الدجال رجل أعور من بني آدم، أعور العين اليمنى عينه كأنها عنبة طافية، يدعي أولًا الصلاح أنه صالح، ثم يدعي النبوة، ثم يدعي الربوبية، نسأل الله السلامة والعافية.

وفي زمانه ينزل عيسى ابن مريم، الدجال رجل في زمان المهدي، هناك حروب في أيام المهدي ظاهرة بين النصارى وبين المسلمين، وآخر ما تفتح القسطنطنية، بعد ما تفتح القسطنطنية يخرج الدجال، ويمكث هذه المدة، وفيها أيام الدجال ينزل عيسى بن مريم ينزل من السماء، وهو الذي يقتل الدجال، وأتباع الدجال هم اليهود، سبعون ألفًا من يهود أصفهان، على وصفهم الطيالسه وأتباعهم، الدجال معه خوارق امتحان، معه ثلث الجنة، وثلث النار، فجنته سوداء، وناره شيء آخر، وفي الحديث الذي يراه الناس الجنة هو النار، والذي يراه النار هو الجنة.

فمن أطاعه ألقاه  فيما يراه الناس الجنة وهي النار، ومن عصاه كذا، وفي الحديث أيضًا في الحديث في صحيح مسلم أنه يسلط على رجل، فيقول له: أتؤمنوا بي، فيقتله الدجال اللعين الذي أخبر عنه الرسول، فيضربه بالسيف يقسمه نصفين، ثم يقول له قم، فيستوي قائمًا ومن الخوارق: أنه يأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت ابتلاء وامتحان خوارق، والخوارق تكون مع المشعوذ ومع الساحر، وتكون المعجزات مع الأنبياء، والكرامات مع الصالحين.

وبعد ذلك نزل عيسى بن مريم قتله عند باب لد في فلسطين، يقتل مسيح الهدى مسيح الضلالة، المسيح بن مريم يقتل المسيح الدجال، وبعد ذلك يحكم عيسى بن مريم بشريعة نبيه –صلى الله عليه وسلم- ويكون فرض من أفراد الأمة المحمدية، وهو أفضل هذه الأمة: بعد دعائه قال: من هو أفضل من أبي بكر؟ قال عيسى، عيسى هو أفضل هذه الأمة وهو نبي ثم يليه أبو بكر الصديق، يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، أيام الغرس والبركة حتى إن القفة الرمالة يستظل بها الناس الجماعة كالشجر حتى اللفحة من الإبل تكفي الجماعة من الناس، واللفحة من الغنم تكفي الفخذ وترد البركات.

جاء أيضًا في حديث غير صحيح لهم يرعى الذئب مع الغنم، وكذلك الحيات جاء فيها من بعض أحاديثهم بعض الكلام، المقصود أن هذا في زمان عيسى، بعد ذلك تتابع أشراط الساعة، ليس الساعة متوالية الكبار، أولها المهدي ثم في زمن الدجال ثم عيسى، يخرج يأجوج ومأجوج في زمن عيسى، الكفرة قوم كثير لا يستطيع الناس، يا عيسى إني مخرج عباد لي لا يدان أحد بهم: أي لا يأخذها أحد، فحدث عبادي عن جبال الطور، جبال الطور تحرض الناس، فيدعوا عيسى عليهم والمؤمنون عليهم، فيهلكهم الله في يوم واحد فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يأمر الله طيرًا فتأخذهم وتلقهم في البحر، ينزل الله مطرًا تغسل الأرض من وخم، لو بقوا لمات الناس من الوخم والرائحة، ولكن تعالى فعل هكذا.

بعد ذلك تتابع أشراط الساعة، ومنها آخرها ما جاء في الحديث: "تأتي روح طيبة، من قبل اليمن فيها ريح باردة تقبض روح المؤمنين والمؤمنات"، بعد أن تنتهي أشراط الساعة التي تقدمها: منها هدم الكعبة والعياذ بالله، ومنها نزع القرآن من الصدور والمصاحف، ومنها طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، وآخر ذلك: نارًا تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر، بعد ذلك: تأتي ريح طيبة تقبض روح المؤمنين والمؤمنات، فلا يبقي أحد إلا قتلته، حتى ولو كان في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه، فلا يقال للكفرة في خفة الطير، وأحلام السباع، أحلامهم وعقولهم عقول السباع، وخفة الطير لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا يتناكحون في الأسواق كالحيوانات، وهم في ذلك حسن الرزق ضار عيشه، ويتمثل له الشيطان، يقول: آلا تستجيبون لي: فيأمرهم بعبادة الأوثان فعليهم تقوم الساعة، لأن خراب هذا الكون إنما يكون إذا نزع منه الإيمان، مادام يوجد توحيد وإيمان، هذا الكون باقي، فإذا لم يكن في الأرض مؤمن خرب هذا الكون، وقامت القيامة نسأل الله السلامة والعافية والثبات على دينه والاستقامة عيله.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ". قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ، قَالُوا: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أبي، قَالُوا: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ، وَيَبْلَى كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْإِنْسَانِ إِلَّا عَجْبُ ذَنَبِهِ فِيهِ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ.

عجب الذنب يعني العصص، أبيت يعني ما عندي علم، أربعون سنة، أربعون شهر ما عندي علم، جاء في حديث ضعيف عن أبي هريرة عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أن فيه ضعف.

وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَأَلْتُ جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} مَنِ الَّذِينَ لَمْ يَشَأِ اللَّهُ أَنْ يَصْعَقَهُمْ؟ قَالَ: هُمُ الشُّهَدَاءُ، مُقَلِّدُونَ أَسْيَافَهُمْ حَوْلَ عَرْشِهِ، تَتَلَقَّاهُمْ مَلَائِكَةُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَى الْمَحْشَرِ بِنَجَائِبَ مِنْ يَاقُوتٍ نِمَارُهَا أَلْيَنُ مِنَ الْحَرِيرِ، مَدُّ خُطَاهَا مَدُّ أَبْصَارِ الرِّجَالِ، يَسِيرُونَ فِي الْجَنَّةِ يَقُولُونَ عِنْدَ طُولِ النُّزْهَةِ: انْطَلَقُوا بِنَا إِلَى رَبِّنَا، عَزَّ وَجَلَّ، لِنَنْظُرَ كَيْفَ يَقْضِي بَيْنَ خَلْقِهِ، يَضْحَكُ إِلَيْهِمْ إِلَهِي، وَإِذَا ضَحِكَ إِلَى عَبْدٍ فِي مَوْطِنٍ فلا حساب عليه".

رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ إِلَّا شَيْخَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

في البساط الأخرى قال: إسناده ضعيف لجهالة عمر بن محمد، قد قال ابن كثير غير معروف ولم أجد من ترجمه، وإسماعيل بن عياش كان يروي عن قوم مجاهيل لا يعرفون، راجع ترجمتهم في الميزان.

وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَأَلْتُ جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} مَنِ الَّذِينَ لَمْ يَشَأِ اللَّهُ أَنْ يَصْعَقَهُمْ؟ قَالَ: هُمُ الشُّهَدَاءُ، مُقَلِّدُونَ أَسْيَافَهُمْ حَوْلَ عَرْشِهِ، تَتَلَقَّاهُمْ مَلَائِكَةُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَى الْمَحْشَرِ بِنَجَائِبَ مِنْ يَاقُوتٍ نِمَارُهَا أَلْيَنُ مِنَ الْحَرِيرِ، مَدُّ خُطَاهَا مَدُّ أَبْصَارِ الرِّجَالِ، يَسِيرُونَ فِي الْجَنَّةِ يَقُولُونَ عِنْدَ طُولِ النُّزْهَةِ: انْطَلَقُوا بِنَا إِلَى رَبِّنَا، عَزَّ وَجَلَّ، لِنَنْظُرَ كَيْفَ يَقْضِي بَيْنَ خَلْقِهِ، يَضْحَكُ إِلَيْهِمْ إِلَهِي، وَإِذَا ضَحِكَ إِلَى عَبْدٍ فِي مَوْطِنٍ فلا حساب عليه

رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ إِلَّا شَيْخَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ أعلم.

التي ضعفه ولا يستثنى وليس خاص بشرح الأرواح يستثنوا من كتب الله له البقاء، عاد فيه للذكارة الجازمة

وَقَوْلُهُ: {وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} أَيْ: أَضَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا تَجَلَّى الْحَقُّ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، لِلْخَلَائِقِ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ} قَالَ قَتَادَةُ: كِتَابُ الْأَعْمَالِ، {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَشْهَدُونَ عَلَى الْأُمَمِ بِأَنَّهُمْ بَلَّغُوهُمْ رِسَالَاتِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ، {وَالشُّهَدَاءِ} أَيِ: الشُّهَدَاءِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْحَفَظَةِ عَلَى أَعْمَالِ الْعِبَادِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} أَيْ: بِالْعَدْلِ {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} قَالَ اللَّهُ [تَعَالَى]: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الْأَنْبِيَاءِ:47] ، وَقَالَ [اللَّهُ]  تَعَالَى: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النِّسَاءِ:40] ، وَلِهَذَا قَالَ: {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ} أَيْ: مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ}.

(وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا): فصل القضاء، وهذه يكون فيها صعق، هذه الصعقة، الصعقات ثلاث:

  • صعقة الموت.
  • وصعقة البعث.
  • وصعقة الناس يوم القيامة حين يأتي الناس لفصل القضاء، وفيه الحديث في الصحيحين: "إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي، أم جوزي بصعقة الطور"، هذا فيه إثبات صاعقة ثالثة ليس فيها موت فيها صعق غشية، ثم إفاقة، في الدنيا في صعقة الموت، ثم صعقة النفخ، ثم هذه الصعقة الثالثة في فصل القضاء، ليجزي الله في فصل القضاء: (وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا) فصل القضاء ثم يصعق الناس.

فأقول أول من يفيق من هذه الصعقة النبي –صلى الله عليه وسلم-، فيقول: "أكون أول من أفيق من هذه الصعقة (النبي –صلى الله عليه وسلم) فأجد موسى قائم بقائمة العرش، يقول: "ما أدري أن موسى أفاق قبلي أو أنه جزي بصعقة يوم الطور؟ صعق يوم الطور فسلم من الصقعة هنا، فلم تصبه أو أنه أفاق قبلي، يعني هذه منقبة لموسى، أول من أفيق النبي –صلى الله عليه وسلم من الصعقة هذه من الغاشية فيجد موسى آخذ بقائمة العرش، قال: فلا أدري هل هو لم يصعق أو أنه فاق قبليي، هذا الصعق التي جل الرب: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ)[الزمر:69]: كتاب الأعمال، (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ): يشهدون على أممهم أنهم أبلغوهم الرسالة، (وَالشُّهَدَاءِ) والملائكة يشهدون على بني آدم، وقضي بينهم بالحق، قضاه الله تعالى بحكمه العدل؛ ولذلك قال: (وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ(وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ)، من عمل خيرًا يجزي به، ومن عمل شر يجزى به، (وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) لا يظلمون شيئًا (إنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا)[النساء:40]، (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا)[الأنبياء:47]، نكرة شيئًا في سياق النفي، أي شيء؛ ولهذا قال سبحانه: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزلزلة:8]، آخر من يتوفى يميته الله، ثم أول من يحياهم، ثم أمر الملك إسرافيل بالنفخ في الصور.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد