شعار الموقع

سورة غافر - 3

00:00
00:00
تحميل
70

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره العظيم عند تفسير سورة غافر: (وَقَوْلُهُ: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ} أَيْ: يُظْهِرُ قُدْرَتَهُ لِخَلْقِهِ بِمَا يُشَاهِدُونَهُ ‌فِي ‌خَلْقِهِ ‌الْعُلْوِيِّ ‌وَالسُّفْلِيِّ مِنَ الْآيَاتِ الْعَظِيمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ خَالِقِهَا وَمُبْدِعِهَا وَمُنْشِئِهَا، {وَيُنزلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} ، وَهُوَ الْمَطَرُ الَّذِي يُخْرِجُ بِهِ مِنَ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ مَا هُوَ مُشَاهَدٌ بِالْحِسِّ، مِنِ اخْتِلَافِ أَلْوَانِهِ وَطَعُومِهِ، وَرَوَائِحِهِ وَأَشْكَالِهِ وَأَلْوَانِهِ، وَهُوَ مَاءٌ وَاحِدٌ، فَبِالْقُدْرَةِ الْعَظِيمَةِ فَاوَتَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، {وَمَا يَتَذَكَّرُ} أَيْ: يَعْتَبِرُ وَيَتَفَكَّرُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَيَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى عَظَمَةِ خَالِقِهَا {إِلا مَنْ يُنِيبُ} أَيْ: مَنْ هُوَ بَصِيرٌ مُنِيبٌ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ).

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

هذه الآيات العظيمة، يقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ﴾[غافر:13]، يريكم آياته الدالة على قدرته ووحدانيته واستحقاقه العبادة في العالم العلوي والسفلي، العالم العلوي السماوات وما فيها من النجوم والقمر والنجوم السيارة والثابتة، وكذلك في العرش والكرسي وغيرها، وفي العالم السفلي من البحار والأنهار والأشجار والحيوانات وغيرها، ﴿وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا﴾[غافر:13]، سماه رزقًا؛ لأنه سبب في الرزق، فالله تعالى ينزل من السماء ماء فتنبت به النبات، تخرج به الحبوب والثمار فتكون رزقًا، فسمى السبب باسم المسبب، ﴿وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا﴾[غافر:13]، ينزل لكم من السماء ماء يكون سببًا في الرزق، الثمار والزروع من الحبوب وغيرها والفواكه والخضروات وغيرها، ﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ﴾[غافر:13]، ما يتذكر ويتأمل ويتدبر ويستدل بهذه الآيات على قدرة الله ووحدانيته وأنه الخالق الذي لا تنبغي العبادة إلا له، وأنه الكامل بآياته وصفاته إلا من ينيب، إلا من هو رجاع إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، منيب إلى الله، راجع إليه، معتمد عليه، متوكل عليه، مفوض أمره إليه، مفرد له بالعبادة، مخلص له العبادة سبحانه وتعالى، هو الذي تذكر سبحانه وتعالى، أما الغافل والمعرض والجاحد فهذا ليس له نصيب من هذه الآية، نسأل الله السلامة والعافية.

(وَقَوْلُهُ: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} أَيْ: فَأَخْلِصُوا لِلَّهِ وَحْدَهُ الْعِبَادَةَ وَالدُّعَاءَ، وَخَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ فِي مَسْلَكِهِمْ وَمَذْهَبِهِمْ).

هذه الآية فيها أمر بالإخلاص، دعوة إلى إخلاص التوحيد، وهذا هو الركن الأساسي للعبادة الذي لا تصح العبادة إلا به، بالإخلاص، والركن الثاني: المتابعة للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، العبادة لا تصح إلا بهذين الأصلين: الأصل الأول: أن تكون خالصة له، وأراد بها وجه الله، والثاني: أن تكون موافقة لشرع الله، {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ}، هذا الإخلاص، وهو إسلام الوجه لله، كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾[لقمان:22]، هذا هو الأصل الثاني، والإحسان هو أن يكون العمل موافقًا للشرع، قال سبحانه: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾[البقرة:112]، قال تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا﴾[الكهف:110]، هذا هو المتابعة، ﴿وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾[الكهف:110]، هذا هو الإخلاص، لا بد من هذين الأصلين في صحة العبادة، ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾[غافر:14]، مخلصين له العبادة، الدين هو العبادة، الدين يأتي بمعنى الجزاء والحساب، مثل: مالك يوم الدين، ويأتي بمعنى العبادة كما في هذه الآية، ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾[غافر:14]، الكافرون الجاحدون لتوحيد الله، الكارهون عبادة الله، فأنتم أيها المؤمنون خالفوهم وأرغموا أنوفهم فوحدوا الله وأخلصوا له العبادة، ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾[غافر:14].

(قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ -يعني بن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ-عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مُحَمَّدِ بن مسلم بن مدرس الْمَكِّيِّ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ حِينَ يُسَلِّمُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَلِّل بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ.

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَحَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَذَكَرَ تَمَامَهُ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ»).

وهذا من أذكار الصلاة، من الأذكار التي تقال بعد دبر كل صلاة مباشرة، وجاء فيها عدة أخبار، حديث ثوبان، وحديث الزبير، وعدد من الأحاديث كلها هذه الأذكار التي فيها إخلاص العبادة لله، وأن المصلي إذا سلم التسليمة الأولى والثانية قال: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله ثلاثًا، ثم يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، يقولها في دبر كل صلاة، الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، هذا ثابت.

الطالب: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك؟

الشيخ: نعم، هذه الأدعية جاءت، اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك، ثلاث مرات، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت، أن يقوله نعم بعد ذلك، لكن هذه الأذكار السابقة ثابتة في الصحيحين وفي غيرهم، جاء في بعضها: يحيي ويميت، وفي بعضها: بيدك الخير.

(وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ حَدَّثَنَا الخَصِيب بْنُ نَاصِحٍ، حَدَّثَنَا صَالِحٌ -يَعْنِي المِرِّي-عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ادعوا الله وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ»).

هذا فيه صالح المري وهو ضعيف، ماذا قال عليه؟

الطالب: قال: سنده ضعيف جدًا؛ لضعف صالح بن بشير المري، وهو يروي أحيانًا الموضوعات كما قال ابن حبان في المجروحين، وابن عدي في الكامل.

الشيخ: «ادعوا الله وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ».

الطالب: «ادعوا الله وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ».

الشيخ: هذا الحديث ضعيف، لكن المعنى صحيح، «ادعوا الله وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ»، قد يكون له شواهد.

الطالب: قلت: وله شاهد من حديث ابن عمر عند أحمد، فيه ابن لهيعة يتقوى به، وانظر كلام علي فيه.

الشيخ: صالح الشامي؟

الطالب: بعد ما ذكر أنه مجروح بالضعفاء، قال شعيب: قلت: وله شاهد من حديث عند أحمد، عن ابن عمر عند أحمد، وفيه ابن لهيعة، ولكنه يتقوى به.

الشيخ: ابن لهيعة ضعيف، لكن ضعيف مع ضعيف، شواهد.

({رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ ‌‌(15) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ‌‌(17)}.

يَقُولُ تَعَالَى [مُخْبِرًا] عَنْ عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ، وَارْتِفَاعِ عَرْشِهِ الْعَظِيمِ الْعَالِي عَلَى جَمِيعِ مَخْلُوقَاتِهِ كَالسَّقْفِ لَهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [الْمَعَارِجِ:3، 4]، وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَنَّ هَذِهِ مَسَافَةُ مَا بَيْنَ الْعَرْشِ إِلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، فِي قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَهُوَ الْأَرْجَحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ [تَعَالَى]).

وذكر ابن القيم هذا في النونية، من العرش إلى الفرش، بعد أن تزال السماوات يوم القيامة، بين العرش مسافة، ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾[المعارج:1/4]، أما قوله تعالى في سورة السجدة: ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾[السجدة:5]، فهذا مسافة ما بين السماء والأرض ذهاب وإياب، ذهاب خمس إلى السماء، صعود وعروج، صعود خمسمائة، وعروج خمسمائة، ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾[السجدة:5]، المسافة من السماء إلى الأرض، يدبر الأمر من السماء، نزوله خمسمائة، وصعوده خمسمائة، فتكون جميعها ألف، وابن القيم رحمه الله تعالى بين أنه أشكل عليه الأمر، وأنه توقف.

(وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ الْعَرْشَ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، اتِّسَاعُ مَا بَيْنَ قُطْرَيْهِ مَسِيرَةَ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. وَارْتِفَاعُهُ عَنِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ مَسِيرَةَ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ "الْأَوْعَالِ" مَا يَدُلُّ عَلَى ارْتِفَاعِهِ عن السموات السَّبْعِ بِشَيْءٍ عَظِيمٍ).

هذا لا بد من ثبوته كونه من ياقوته حمراء، وكل هذه المسافات لا بد لها من دليل.

(وَقَوْلُهُ: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُنزلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا [فَاتَّقُونِ] } [النَّحْلِ: 2]، وَكَقَوْلِهِ: {وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. [بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِين] } [الشُّعَرَاءِ: 192 -194]؛ وَلِهَذَا قَالَ: {لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ} قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {يَوْمَ التَّلاقِ} اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، حَذَّرَ مِنْهُ عِبَادَهُ.

وَقَالَ ابْنُ جُرَيج: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَلْتَقِي فِيهِ آدَمُ وَآخِرُ وَلَدِهِ.

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: يَلْتَقِي فِيهِ الْعِبَادُ.

وَقَالَ قَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَبِلَالُ بْنُ سَعْدٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: يَلْتَقِي فِيهِ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ.

وَقَالَ قَتَادَةُ أَيْضًا: يَلْتَقِي فِيهِ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ، وَالْخَالِقُ وَالْخَلْقُ.

وَقَالَ مَيْمون بْنُ مِهْران: يَلْتَقِي [فِيهِ] الظَّالِمُ وَالْمَظْلُومُ.

وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هُوَ يَشْمَلُ هَذَا كُلَّهُ، وَيَشْمَلُ أَنَّ كُلَّ عَامِلٍ سَيَلْقَى مَا عَمِلَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ. كَمَا قَالَهُ آخَرُونَ).

الآية شاملة لهذا كله، يلتقي الخالق والمخلوق، والله تعالى يحاسب الخلائق، ويحاضر كل واحد منهم محاضرة، ويلتقي الظالم بالمظلوم، ويلتقي العامل بعمله، ويلتقي الإنس بالجن، ويلتقي الملائكة بغيرهم، شاملة، يوم التلاق، ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ﴾[غافر:15]، هذا فيه بيان عظمة الرب سبحانه وتعالى، رفيع الدرجات، ورفعة الدرجات وعظمته سبحانه وتعالى وكبريائه، وعظمته، وعظمة شأنه سبحانه وتعالى، ذو العرش يعني صاحب العرش، تمدح سبحانه بالعرش، وفي آية الإسراء يقول: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا﴾[الإسراء:42]، وصف العرش بأن العرش مجيد، وأنه كريم، فإن العرش هو سقف المخلوقات وأعظمها، والعرش سرير الملك، سرير الملك هو العرش، والمراد هنا العرش العظيم الذي هو سقف المخلوقات وأعظمها، والله تعالى مستو عليه استواء يليق بجلاله وعظمته، هو غير محتاج إليه، هو الحامل للعرش بقوته وقدرته، لا يحتاج إلى أحد سبحانه وتعالى، هو الكامل بذاته وأسمائه وصفاته، وهو الحامل للعرش بقوته وقدرته، والاستواء هو الصعود والاستقرار والعلو والارتفاع، هذا معناه في اللغة.

أما الكيفية لا يعلمها إلا الله، أما المخلوق نعلم كيفيته، يستوي على الدابة، ويستوي على السطح، وإن استقرت الدابة سقط المخلوق، والمشبهة قبحهم الله قاسوا الخالق على المخلوق، قالوا: إن الله مستو على عرشه كاستواء المخلوق على الدابة، فقياسهم أنه إذا سقط العرش سقط الرب تعالى الله عما يقولون، وهذا كفر وضلال، نسأل الله السلامة والعافية، استواء الله لا نعلم كيفيته، يليق بجلاله وعظمته، ليس كاستواء المخلوق، يليق بجلاله وعظمته، ليس كاستواء المخلوق، استواء يليق بجلاله وعظمته، ومعنى استوى صعد وعلا وارتفع على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته.

﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾[غافر:15]، الروح الوحي الذي هو حياة القلوب، يسمى روحًا؛ لتوقف الحياة الحقيقية عليه، كما قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾[الشورى:52]، سماه روحًا لتوقف الحياة الحقيقية عليه، سماه نورًا؛ لتوقف الهداية عليه، ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ﴾[غافر:15]، الوحي فيه إنذار، يلقيه على من يشاء من عباده، الله تعالى يلقي الوحي إلى الأنبياء بما فيه صلاح للعباد، والتشريع، والأوامر، والنواهي التي فيها صلاح للعباد وهداية لهم، ﴿لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ﴾[غافر:15]، يحذر هذا اليوم الذي يتلاقى فيه الناس، ويلتقي فيه الناس بعضهم مع بعض، والله تعالى يحاسب الخلائق، ينذرهم ويحذرهم هذا اليوم العظيم الذي فيه الجزاء والحساب، ولهذا قال بعد ذلك: ﴿يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ﴾[غافر:16].

وَقَوْلُهُ: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} أَيْ: ظَاهِرُونَ بَادُونَ كُلُّهُمْ، لَا شَيْءَ يُكِنُّهُمْ وَلَا يُظِلُّهُمْ وَلَا يَسْتُرُهُمْ. وَلِهَذَا قَالَ: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} أَيِ: الْجَمِيعُ فِي عِلْمِهِ عَلَى السَّوَاءِ.

وَقَوْلُهُ: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} قَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ تَعَالَى يَطْوِي السماوات وَالْأَرْضَ بِيَدِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْمُتَكَبِّرُ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟

وَفِي حَدِيثِ الصُّورِ: أَنَّهُ تَعَالَى إِذَا قَبَضَ أَرْوَاحَ جَمِيعِ خَلْقِهِ، فَلَمْ يَبْقَ سِوَاهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، حِينَئِذٍ يَقُولُ: لِمَنِ الْمَلِكُ الْيَوْمَ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يُجِيبُ نَفْسَهُ قَائِلًا: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} أَيِ: الَّذِي هُوَ وَحْدَهُ قَدْ قَهَر كُلَّ شَيْءٍ وَغَلَبَهُ).

﴿يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾[غافر:16]، يوم القيامة بارزون، ظاهرون، ضاحون، يحشرون حفاة، عراة، غرلًا، تندوا الشمس من رؤوسهم، ليس لهم شيء يسترهم، وأول من يُكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام، ﴿يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾[غافر:16]، هذا يقوله سبحانه وتعالى إذا قبض الله أرواح الخلائق، ولم يبقى إلا هو سبحانه قال: لمن الملك اليوم؟ ثم يجيب نفسه، يقول: ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾[غافر:16]، المتفرد، الفرد، الذي لا مثيل له، ولا نظير له، واحد سبحانه، البقاء له، القهار، الذي قهر المخلوقات بقدرته وعظمته سبحانه وتعالى.

(وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] قَالَ: يُنَادِي مُنَادٍ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ. فَيَسْمَعُهَا الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ، قَالَ: وَيَنْزِلُ اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ] إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَيَقُولُ: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}).

الشيخ: ذكر هذا عن من؟

الطالب: عن ابن عباس.

الشيخ: بسند؟ ذكر سند للحديث؟

الطالب: قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] قَالَ: يُنَادِي مُنَادٍ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ. فَيَسْمَعُهَا الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ، قَالَ: وَيَنْزِلُ اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ] إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَيَقُولُ: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}).

الشيخ: ماذا قال في سنده؟ فيه معتمر بن سليمان؟

الطالب: إسناده صحيح، [00:26:49]

الشيخ: التيمي؟

الطالب: (...)

الشيخ: ماذا قال عندك؟ ماذا عندك؟

الطالب: قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا]).

(وَقَوْلُهُ: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عَدْلِهِ فِي حُكْمِهِ بَيْنَ خَلْقِهِ، أَنَّهُ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ وَلَا مِنْ شَرٍّ، بَلْ يَجْزِي بِالْحَسَنَةِ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، وَبِالسَّيِّئَةِ وَاحِدَةً؛ وَلِهَذَا قَالَ: {لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ-أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا -إِلَى أَنْ قَالَ-: يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نَفْسَهُ».

وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} أَيْ: يُحَاسِبُ الْخَلَائِقَ كُلَّهُمْ، كَمَا يُحَاسِبُ نَفْسًا وَاحِدَةً، كَمَا قَالَ: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لُقْمَانَ: 28]، وَقَالَ [تَعَالَى]: {وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [الْقَمَرِ: 50]).

﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾[غافر:17]، اليوم هو يوم القيامة، تجزى كل نفس بما كسبت، بما عملت، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، كما قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴾[الزلزلة:7/8]، اليوم تجزى كل نفس بما كسبت، يجزي الله الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ويجزي بالسيئة السيئة، لا ظلم اليوم، الله تعالى لا يظلم أحدًا، نفى عنه الظلم، وقال: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا﴾[طه:112]، ﴿وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾[الأنفال:60]، فلا تظلم نفس بما كسبت، نفى الظلم، وحرم الظلم على نفسه سبحانه وتعالى، حرمه من نفسه على نفسه، «يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسه، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا»، حديث قدسي، حديث أبي ذر.

في يوم القيامة كلٌ يجازى بعمله، فالله تعالى لا يظلم أحدًا، ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾[إبراهيم:51]، يعني يحاسب الخلائق في وقت واحد كلهم، لا يلهيه شأن عن شأن، كل الخلائق في وقت واحد، كما أنه يرزقهم في وقت واحد، ويعافيهم في وقت واحد، ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾[لقمان:28]، خلقهم كأنه نفس واحدة، بعثهم كنفس واحدة، يحاسبهم في وقت واحد، أما المخلوق ما يستطيع يكلم اثنين أو ثلاثة في وقت واحد؛ لضعفه، لكن الرب يحاسب الكل في وقت واحد، لا يغنيه شأن عن شأن، يحاسبه، ويفرغ من حسابهم في مقدار منتصف النهار، ويستقر أهل الجنة في الجنة ويقيلون فيها، القيلولة، ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾[الفرقان:24]، ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾[إبراهيم:51].

الطالب: [00:32:05]

الشيخ: السيئة لا تضاعف، لكن قد تعظم، سيئة في الحرم أعظم من سيئة في غيره، لكن ما تتعدد.

الطالب: السرقة يكتب عليها سيئة واحدة؟

الشيخ: السيئة بسيئة، ما تضاعف، الحسنة تضاعف، لكن تغلظ السيئات، سيئة في الحرم أغلظ من سيئة في غير الحرم، يستقر فيها وقت القيلولة، لا ينامون، ولا يموتون، ولا يبولون، ولا يتغوطون، النوم أخو الموت، الموتة الصغرى.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد