شعار الموقع

سورة غافر - 8

00:00
00:00
تحميل
57

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين وللمستمعين، أما بعد؛

قال الإمام ابن كثيرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في تفسيره: (وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ} أَيْ: يَدْفَعُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، وَيَرُدُّونَ الْحُجَجَ الصَّحِيحَةَ بِالشُّبَهِ الْفَاسِدَةِ بِلَا بُرْهَانٍ وَلَا حُجَّةٍ مِنَ اللَّهِ، {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} أَيْ: مَا فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبَرٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْحَقِّ، وَاحْتِقَارٌ لِمَنْ جَاءَهُمْ بِهِ، وَلَيْسَ مَا يَرُومُونَهُ مِنْ إِخْمَالِ الْحَقِّ وَإِعْلَاءِ الْبَاطِلِ بِحَاصِلٍ لَهُمْ، بَلِ الْحَقُّ هُوَ الْمَرْفُوعُ، وَقَوْلُهُمْ وَقَصْدُهُمْ هُوَ الْمَوْضُوعُ، {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} أَيْ: مِنْ حَالِ مِثْلِ هَؤُلَاءِ، {إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} أَوْ مِنْ شَرِّ مِثْلِ هَؤُلَاءِ الْمُجَادِلِينَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ. هَذَا تَفْسِيرُ ابْنِ جَرِيرٍ).

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

هذه الآيات الكريمة يقول ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ هذا وصف لحال الكفار الذين يُجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق يردون الحق الواضح، وهو ما أتى به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الحجج والبراهين على أن الله هو الموعود بالحق والمستحق به للعبادة، وأن عبادة ما سواه باطلة.

هؤلاء يريدون أن يدفعوا الحق ويردوه بشبهٍ باطلة، يقولون مثلًا إن الآلهة التي نعبدها تشفع لنا من دون الله، نحن نعلم أنها لا تخلق ولا ترزق، ولا تميت، ولا تحيي، ولكنها تشفع لنا عند الله، وتقربنا إلى الله كما أخبر الله عنهم قال ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾، كما قال تعالى ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ هذه حججٌ باطلة فاسدة، ليس هناك شفاعة للمشرك، المؤمن يعبد الله ولا يحتاج واسطة، هذه الواسطة هي الشرك، فهم يُجادلون بالحجج الباطلة في مثال للحجج يقولون: نحن الآن نعلم أنهم لا يخلقون، ولا يرزقون، ولا يحييون، ولا يميتون لكن نحن نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى يقضون حوائجنا عند الله هم أقرب منا إلى الله.

قال الله تعالى ﴿إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ﴾ إن: نافية بمعنى (ما) ما في صدورهم إلا كبر، كبرٌ عن الحق واتباع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ﴿مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ﴾ لا يبلغون ما أرادوا من إخماد الحق، وإبطاله بالحجج، بل الحق ظاهر ومنصور، وحجج هؤلاء وشبههم باطلة لا تؤثر على الحق ﴿إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ﴾ الذي حملهم على عدم اتباع الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والانقياد لله وشرعه ودينه، وإخلاص العبادة لله هو الكبر الذي في صدورهم، ﴿مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ﴾ ليس بحاصلٍ لهم ما أرادوا من إخماد الحق وإبطاله.

﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ من شر هؤلاء، وشرهم ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ﴾ لأقوالهم، العليم بأحوالهم ونياتهم، والسميع لأقوالكم وأقوالهم، والعليم بأعمالكم وأعمالهم، وسوف يجازي كلًا بعمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.

وفيه إثبات اسم السميع البصير لله، وأنهما إسمان كريمان، فمن أسماء الله السميع ويعبد يقال: عبد السميع، ومن أسمائه البصير يعبد ويقال: عبد البصير، وكل اسمٌ مشتملٌ على صفة، فيه إثبات صفة السمع لله كما يليق بجلاله وعظمته، وهو يسمع أقوال عباده، ويبصر عملهم من فوق عرشه، وهو فوق العرش -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.

(وَقَالَ كَعْبٌ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْيَهُودِ: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: وَذَلِكَ أَنَّهُمُ ادَّعَوْا أَنَّ الدَّجَّالَ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ بِهِ الْأَرْضَ. فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمِرًا لَهُ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَلِهَذَا قَالَ: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.

وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ، وَفِيهِ تَعَسُّفٌ بَعِيدٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

يعني منهم من حمله على أنه خاصٌ في فتنة الدجال ليس بظاهر هذا، لأن الآية إنما هي في مجادلة الكفار بالباطل، الذين بُعث إليهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والدجال يأتي بعد ذلك، فحمل الآية على الدجال بعيد، كما ذكر الحافظ.

من اليهود يعني دعوة قد يُقال إنه منهم، أنه يُقال أن اليهود أتباع الدجال، يتبعه سبعون ألفًا من يهود أصبهان عليهم الطيالسة، كما جاء في الحديث، لكن الآية في الدجال، وأما كونه منهم وليس منهم هذا بحثٌ آخر.

الطالب: هم ما زالوا اليهود ينتظرون مسيحهم.

الشيخ: نعم، ما زالوا ينتظرون وإلى الآن، والوقت ليس ببعيد، لأنه يخرج في زمن المهدي، والمهدي ليس ببعيدٍ زمانه، علامات الآن في آخر الزمان والفتن، ويخرج في آخر الزمان المهدي يبايعنا في آخر الزمان في وقتٍ ليس للناس فيه إمام، وفي أيام المهدي فتن وحروب، والآن علاماته ظاهرة الآن في الشام وفي غيرها، ويخرج الدجال في زمن المهدي بعد فتح القسطنطينية يخرج الدجال ويتبعه ألفًا من يهود أصبهان عليهم الطيالسة، وهو مالكهم يدعون أنه منهم، ثم ينزل عيسى بن مريم -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بعدما يمكث الدجال المدة التي قدرها الله، ويقتل مسيح الهدى مسيح الضلالة، يقتل المسيح بن مريم مسيح الهدى مسيح الضلالة وهو الدجال، ثم يخرج بعد قتل الدجال في زمن عيسى يأجوج ومأجوج ﴿وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ تتابع الفتن [09:08] الكبار، كل هذه أربع متوالية ومرتبة (المهدي، ثم الدجال، ثم عيسى، ثم يأجوج ومأجوج).

ويأجوج ومأجوج أمتان كافرتان من بني آدم، وهم كثرةٌ كافرة، لا يستطيع الناس مقاومتهم، ولهذا جاء في الحديث «أن الله يوحي إلى عيسى أنه مخرجٌ عبادٍ لي لا يدان لأحدٍ بهم» يعني لا قدرة لأحدٍ بحربهم، «فيوحي الله إلى عيسى أن حرز عبادي بجبال الطور» يتحرزوا بجبال الطور، يتحرزوا بجبال الطور عنهم، «ويدعون عليهم فيهلكهم الله في ليلةٍ واحدة، فيصبحون فرسى في كنفسٍ واحدة، ويصيرون كالجبال بعضهم فوق بعض من كثرتهم، ثم يُرسل الله طيرًا كأعناق البُخت تأخذهم وتلقيهم في البحر، ثم يُرسل الله مطرًا يغسل الأرض» وهذا من حكمة الله، لأن لو بقوا لخبث الأرض وهلك الناس من روائحهم، لهم كثرة كالجبال بعضهم فوق بعض، «ثم يبقى الحكم لعيسى-عَلَيْهِ السَّلَامُ- ليحكم بشريعة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويبقى الناس ليس بين اثنين عداوة، وترد الأرض بركتها حتى تكفي اللقحة من الإبل الجماعات من الناس، ومن الغنم الفخذ من الناس، وحتى يستظل الناس بقحف الرُمانة، ويُقال للأرض رُدي بركتك».

ثم بعد ذلك ما يلبث إلا مدة قليلة -جاء في بعض الروايات أنها سبع سنوات- ثم يتوفاه الله عيسى-عَلَيْهِ السَّلَامُ- ويموت ويدفن، ثم تتابع الفتن، تتابع أشراط الساعة، منها الدخان الذي يملأ ما بين السماء والأرض، ويصيب [11:10] منها نزع القرآن من المصاحف ومن الصدور، نعوذ بالله، إذا ترك الناس عمله نُزع من الصدور والمصاحف، ثم هدم الكعبة، ثم الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ثم بعد ذلك نارٌ تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر تبيت معهم [11:30] ريحٌ طيبة تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات، فإذا لم يبقى إلا الكفرة أذن الله بخراب هذا الكون، وقامت القيامة.

إن بقاء هذا الكون بالتوحيد، فإذا خلا من التوحيد خرب، وقامت القيامة، نسأل الله السلامة والعافية، نسأل الله أن يُعيذنا وإياكم من الفتن وأن يثبتنا على دينه.

ماذا قال ابن جرير؟

الطالب: هَذَا تَفْسِيرُ ابْنِ جَرِيرٍ، وَقَالَ كَعْبٌ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْيَهُودِ.

الشيخ: قول ابن جرير هو ظاهر الآية، وهو الأقرب.

﴿لَخَلْقُ السَّموَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلا مَا تَتَذَكَّرُونَ (58) إِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ

(يَقُولُ تَعَالَى مُنَبِّهًا عَلَى أَنَّهُ يُعِيدُ الْخَلَائِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ سَهْلٌ عَلَيْهِ، يَسِيرٌ لَدَيْهِ -بِأَنَّهُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَخَلْقُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ بَدْأَةً وَإِعَادَةً، فَمَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَا دُونَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الْأَحْقَافِ: 33]. وَقَالَ هَاهُنَا: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}؛ فَلِهَذَا لَا يَتَدَبَّرُونَ هَذِهِ الْحُجَّةَ وَلَا يَتَأَمَّلُونَهَا، كَمَا كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْعَرَبِ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَيُنْكِرُونَ الْمَعَادَ، اسْتِبْعَادًا وَكُفْرًا وَعِنَادًا، وَقَدِ اعْتَرَفُوا بِمَا هُوَ أَوْلَى مِمَّا أَنْكَرُوا).

وهذه الآية واضحة في الرد على المشركين الذين يعبدون الأوثان، ويقرون بخلق الله السموات والأرض، وينكرون المعاد، كيف يقرون بما هو أعلى، وينكرون ما هو أدنى وأقل ﴿لَخَلْقُ السَّموَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾ خلق السموات والأرض وما فيهما على سعتهما، وكبر أجسامهما واتساعهما، وما في السماء من الكواكب السيارة التي لا يعلمها إلا الله، وما في الأرض من البحار والأنهار والأشجار، غير ذلك، فخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس، بدءً وإعادة، فالذي خلق السموات والأرض مع سعتهما وكبرهما قادرٌ على أن يبعث الناس ويعيدهم خلقًا جديدًا، ولكن أكثر الناس لا يتدبرون، لا يعلمون هذه الحجة، ولو تدبروا لعقلوا أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس وإعادتهم، ومن قدر على الأعلى فهو على الأدنى أولى، مع أن الله كل شيءٍ هين عليه كما قال سبحانه ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ فالله تعالى لا يعجزه شيء، إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾.

﴿لَخَلْقُ السَّموَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ لو تدبروا هذه الحجة لعلموا أن الله أولى وأحرى أن يعيد الناس بعد موتهم، لأنه خلق السماوات والأرض، وهو أعلم بذلك، كما قال تعالى ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ لم يصيبه إعياء، ولا تعب، ولا مشقة قادر على أن يحيي الموتى من باب أولى وأحرى.

الطالب: [16:26].

الشيخ: يعني يريدون شاهدون؟

الطالب: [16:40].

الشيخ: مشاهدة، لكن إيجادها الكلام في إيجادها، اعترفوا بأن الله وجدها، فإذا كان أوجدها وهي عظيمة، وأعظم [16:54] يشاهدون الناس أن الله وجدها، هم معترفون أن الله أوجد الناس، ومعترفون أن الله خلق السماوات والأرض أنكروا البعث، يُقال لهم البعث أهون من إيجاد السموات والأرض، المعنى كل شيء أهون عليه.

(ثُمَّ قَالَ: {وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ} أَيْ كَمَا لَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى الَّذِي لَا يُبْصِرُ شَيْئًا، وَالْبَصِيرُ الَّذِي يَرَى مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ، بَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ عَظِيمٌ، كَذَلِكَ لَا يَسْتَوِي الْمُؤْمِنُونَ الْأَبْرَارُ وَالْكَفَرَةُ الْفُجَّارُ، {قَلِيلا مَا تَتَذَكَّرُونَ} أَيْ: مَا أَقَلَّ مَا يَتَذَكَّرُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ).

﴿وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ العمى الذي لا يبصر، والبصير الذي يبصر كل شيء، هل يستويان؟

لا يستويان، كذلك لا يستوي المؤمن والكافر ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ ولا المؤمنين ﴿وَلا الْمُسِيءُ الذين عملوا السيئات، وأعظمها سيئة الكفر والشرك، كما لا يستوي الأعمى والبصير بينهما فرقٌ عظيم وشاسع، وكذلك لا يستوي المؤمن والكافر بينهما فرقٌ شاسع ﴿وَلا الْمُسِيءُ﴾ الذين عملوا السيئات والكفر والمعاصي، لا يستوي هؤلاء وهؤلاء، ﴿قَلِيلا مَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ قليل تذكركم، لو تذكرتم وتأملتم لارتأى لكم هذا الأمر، ولكن تذكركم قليل.

(ثُمَّ قَالَ: {إِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ} أَيْ لَكَائِنَةٌ وَوَاقِعَةٌ {لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} أَيْ: لَا يُصَدِّقُونَ بِهَا، بل يكذبون بوجودها.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا أَشْهَبُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ شَيْخٍ قَدِيمٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ -قَدِمَ مِنْ ثَمَّ-قَالَ: سَمِعْتُ أَنَّ السَّاعَةَ إِذَا دَنَتِ اشْتَدَّ الْبَلَاءُ عَلَى النَّاسِ، وَاشْتَدَّ حَرُّ الشَّمْسِ).

ضعيف، هذا الشيخ مجهول، ولا شك أن الساعة أمرها عظيم، وأنها تشتد على الناس هذا أمرٌ معلوم من النصوص، لكن هذا السند ضعيف، ماذا قال عليه؟

الطالب: صحيح إلى مالك.

الشيخ: ماذا قال عن السند؟

(قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا أَشْهَبُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ شَيْخٍ قَدِيمٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ).

لا يفيد كونه صحيح للإمام مالك، الشيخ هذا المجهول ما يفيد، وإذا كان صحيح للإمام مالك.

الطالب: [20:24].

الشيخ: ولو كان من أهل اليمن، مجهول ما يعرف، حتى ولو كان من اليمن أو من غير اليمن، كونه من بلد معين لا يزال مجهول.

الطالب: (ثَمَّ) قد تكون قادمة من زمن أو كذا؟

الشيخ: (ثَمَّ) ظرف مكان ﴿مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾.

الطالب: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا﴾.

الشيخ: نعم: (ثَمَّ) ظرف مكان، لا يزال مجهول، النسخة الأخرى تكلم عليه؟

الطالب: لا.

الشيخ: معروف هذا، يعني ما بعد مالك ليس بصحيح، وهذا هو الواقع.

({وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)}

هَذَا مِنْ فَضْلِهِ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَكَرَمِهِ).

﴿إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ الآية واضحة في إثبات القيامة وأنه لا شك فيها ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ بالبعث وبالساعة، وهم كفار ومشركون، الذين أنكروا قيام الساعة.

﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ﴾ الله تعالى أخبر أن الساعة آتية، وأنه لا شك فيها ﴿إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ لأن الكُفار أكثر من المؤمنين، اليهود والنصارى والوثنيين أكثر ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ والمؤمنون أقل منهم، وهم الموحدون.

(هَذَا مِنْ فَضْلِهِ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَكَرَمِهِ أَنَّهُ نَدَبَ عِبَادَهُ إِلَى دُعَائِهِ، وَتَكَفَّلَ لَهُمْ بِالْإِجَابَةِ، كَمَا كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ: يَا مَنْ أحبُّ عِبَادِهِ إِلَيْهِ مَنْ سَأَلَهُ فَأَكْثَرَ سُؤَالَهُ، وَيَا مَنْ أَبْغَضُ عِبَادِهِ إِلَيْهِ مَنْ لَمْ يَسْأَلْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ غَيْرُكَ يَا رَبِّ.

رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

وَفِي هَذَا الْمَعْنَى يَقُولُ الشَّاعِرُ:

اللهُ يَغْضبُ إِنْ تركْتَ سُؤَالهُ
 

 

وَبُنيُّ آدمَ حِينَ يُسألُ يَغْضَبُ
 

 

وَقَالَ قَتَادَةُ: قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: أُعْطِيَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ ثَلَاثًا لَمْ تُعطهُن أُمَّةٌ قَبْلَهُمْ إِلَّا نَبِيٌّ: كَانَ إِذَا أَرْسَلَ اللَّهُ نَبِيًّا قِيلَ لَهُ: "أَنْتَ شَاهِدٌ عَلَى أُمَّتِكَ"، وجَعلتُكم شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ. وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: "لَيْسَ عَلَيْكَ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ". وَقَالَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الْحَجِّ:78]. وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: "ادْعُنِي أَسْتَجِبْ لَكَ "وَقَالَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ التُّرْجُمَانِيُّ، حَدَّثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ-قَالَ: "أَرْبَعُ خِصَالٍ، وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لِي، وَوَاحِدَةٌ لَكَ، وَوَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنِكَ، وَوَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنِكَ وَبَيْنَ عِبَادِي: فَأَمَّا التِي لِي فَتَعْبُدُنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا، وَأَمَّا الَّتِي لَكَ عليَّ فَمَا عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ جَزَيْتُكَ بِهِ، وَأَمَّا التِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ: فَمِنْكَ الدُّعَاءُ وَعَلِيَّ الْإِجَابَةُ، وَأَمَّا الَّتِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ عِبَادِي فَارْضَ لَهُمْ مَا تَرْضَى لِنَفْسِكَ").

هذا فيه ضعف، فيه صالح المري، وهو ضعيف، ولكن المعنى صحيح، ماذا قال عنه؟

الطالب: أخرجه أبو يعلى، والبزار من حديث أنس، وقال تفرد به صالح المري، وقال الهيثمي في المجمع في إسناده صالح المري وهو ضعيف، وله شاهدٌ أخرجه الطبراني من حديث سلمان، وقال الهيثمي في المجمع فيه حميد بن الربيع وثقه غير واحد، لكنه مُدلس وفيه ضعف، وقال في المجمع رواه البزار عن حميد بن الربيع عن علي بن عاصم، وكلاهما ضعيف وقد وثقا.

الشيخ: ماذا قال؟

("أَرْبَعُ خِصَالٍ، وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لِي، وَوَاحِدَةٌ لَكَ، وَوَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنِكَ، وَوَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنِكَ وَبَيْنَ عِبَادِي: فَأَمَّا التِي لِي فَتَعْبُدُنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا، وَأَمَّا الَّتِي لَكَ عليَّ فَمَا عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ جَزَيْتُكَ بِهِ، وَأَمَّا التِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ: فَمِنْكَ الدُّعَاءُ وَعَلِيَّ الْإِجَابَةُ، وَأَمَّا الَّتِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ عِبَادِي فَارْضَ لَهُمْ مَا تَرْضَى لِنَفْسِكَ".

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ يُسيع الْكِنْدِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ" ثُمَّ قَرَأَ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.

وَهَكَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ: التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ ذَرٍّ، بِهِ. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ، كِلَاهُمَا عَنْ ذَرٍّ، بِهِ.

وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنِي أَبُو مَلِيحٍ الْمَدَنِيُّ -شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ-سَمِعَهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَقَالَ مَرَّةً: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ لَمْ يَدْعُ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، غَضِبَ عَلَيْهِ").

﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ وهذا يشتمل على جعل العبادة وجعل المسألة، قال بعضهم معنى قوله ﴿ادْعُونِي﴾ اعبدوني، ﴿أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ أثيبكم، أو اسألوني أعطكم، فيشفع له، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ هذا وعيد شديد للمشركين، فمن استكبر عن عبادة الله أدخله الله جهنم صاغرًا ذليلًا، ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ وهذه كلمات كما في الحديث «بين الله وبين عبادته، واحدة لله أن من عبد الله؛ فإن الله تعالى يُثيبه» وجاء «فيما بين العبد وبينه أنه إذا دعاه العبد يدعوا والله يستجيب» وهذا وعد ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾.

كذلك ما بين الإنسان وبين الله، جاء الله ما بين الإنسان وبين عباده أنه يعاملهم معاملة فيما يرضيهم، معاملةً حسنة.

("أَرْبَعُ خِصَالٍ، وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لِي، وَوَاحِدَةٌ لَكَ، وَوَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنِكَ، وَوَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنِكَ وَبَيْنَ عِبَادِي: فَأَمَّا التِي لِي فَتَعْبُدُنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا).

هذا حق الله، وإخلاص العبادة لله، أن تعبد الله هذا حق الله لا يرضى أن يُشرك معه أحد، لا نبيٌ مرسل، ولا ملكٌ مقرب، هذا حق الله واحدةٌ لله، وهو العبادة (حق الله).

(وَأَمَّا الَّتِي لَكَ عليَّ فَمَا عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ جَزَيْتُكَ بِهِ).

هذه للعبد على الله، ما عمل من خير جزاه الله ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾.

(وَأَمَّا التِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ: فَمِنْكَ الدُّعَاءُ وَعَلِيَّ الْإِجَابَةُ).

هذه بين العبد وبين الله، منه الدعاء يدعوا والله يستجيب، فهو يستجيب إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع.

  1. يكون بحضور القلب.
  2. ولا يكون بإثم وقطيعة رحم.
  3. ويتحرى أوقات الإجابة.

لابد أن يأتي بالأسباب.

(وَأَمَّا الَّتِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ عِبَادِي فَارْضَ لَهُمْ مَا تَرْضَى لِنَفْسِكَ).

بينك وبين الناس أيها العبد ترى لهم ما ترى لنفسك، من رضي لهم ما يرضى لنفسه فقد أدى ما أوجب الله، ومثله الحديث الذي في الصحيح «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» يعني لا يؤمن إيمان كامل الإيمان الواجب الذي تبرأ به الذمة حتى يُحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويرضى له ما يرضى لنفسه.

(وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا صُبيح أَبُو الْمَلِيحِ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَا يَسْأَلْهُ يَغْضَبْ عَلَيْهِ").

اللهُ يَغْضبُ إِنْ تركْتَ سُؤَالهُ
 

 

وَبُنيُّ آدمَ حِينَ يُسألُ يَغْضَبُ
 

 

فالله تعالى يحب الملحين في الدعاء، وأما الإنسان يتبرم ويغضب من الذي يسأله، ويحب الذي لا يسأله، فالذي يسأله كثيرًا يبغضه ويتبرم، ولا يحب من يكثر عليه السؤال، أما الله فهو يحب الملحين بالدعاء.

(قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: أَبُو الْمَلِيحِ هَذَا اسْمُهُ: صُبَيْح. كَذَا قَيَّدَهُ بِالضَّمِّ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ. وَأَمَّا أَبُو صَالِحٍ هَذَا فَهُوَ الخُوزي، سَكَنَ شِعَب الْخُوزِ. قَالَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ. وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ أَبُو الْمَلِيحِ الْفَارِسِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الخُوزي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "من لَا يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ".

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرامهُرْمزي: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا نَائِلُ بْنُ نَجِيحٍ، حَدَّثَنِي عَائِذُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ، وَجَدْنَا فِي ذُؤَابَةِ سَيْفِهِ كِتَابًا: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي بَقِيَّةِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، لَعَلَّ دَعْوَةً أَنْ تُوَافِقَ رَحْمَةً فَيَسْعَدَ بِهَا صَاحِبُهَا سَعَادَةً لَا يَخْسَرُ بَعْدَهَا أَبَدًا").

تكلم على سند الحديث؟

الطالب: أخرجه الرامهرمزي وفي إسناده نائل بن نجيح وهو ضعيف، وورد من طريقٍ آخر أخرجه الطبراني، وقال الهيثمي في المجمع أخرجه من لم أعرفه ومن عرفتهم وثقوا، وله شاهدٌ من حديث أنس أخرجه الطبراني، وقال في المجمع رجاله رجال الصحيح غير عيسى بن موسى وهو ثقة، انتهى، وفيه انقطاعٌ بين صفوان ابن سليمٍ وأنس؛ فإنه لم يسمع منه كما قال أبي حاتم، وله شاهدٌ من حديث أبي هريرة أخرجه ابن أبي الدنيا في الفرج بعد الشدة، وفيه راوٍ لم يسم، لكن الحديث يحسن بهذا الطريق والشاهدين، والله أعلم.

(وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} أَيْ: عَنْ دُعَائِي وَتَوْحِيدِي، {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} أَيْ: صَاغِرِينَ حَقِيرِينَ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يُحْشَر الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ، فِي صُوَرِ النَّاسِ، يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الصَّغَارِ حَتَّى يَدْخُلُوا سِجْنًا فِي جَهَنَّمَ -يُقَالُ لَهُ: بُولَسُ-تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ: عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ".

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْس: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ وُهَيب بْنِ الْوَرْدِ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ قَالَ: كُنْتُ أَسِيرُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي أَرْضِ الرُّومِ، فَسَمِعْتُ هَاتِفًا مِنْ فَوْقِ رَأْسِ جَبَلٍ وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَبِّ، عَجِبْتُ لِمَنْ عَرَفَكَ كَيْفَ يَرْجُو أَحَدًا غَيْرَكَ! يَا رَبِّ، عَجِبْتُ لِمَنْ عَرَفَكَ كَيْفَ يَطْلُبُ حَوَائِجَهُ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِكَ -قَالَ: ثُمَّ ذَهَبْتُ، ثُمَّ جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى -قَالَ: ثُمَّ عَادَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: يَا رَبِّ، عَجِبْتُ لِمَنْ عَرَفَكَ كَيْفَ يَتَعَرَّضُ لِشَيْءٍ مِنْ سَخَطِكَ يُرضي غَيْرَكَ. قَالَ وُهَيْبٌ: وَهَذِهِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى. قَالَ: فَنَادَيْتُهُ: أَجِنِّيٌّ أَنْتَ أَمْ إِنْسِيٌّ؟ قَالَ: بَلْ إِنْسِيٌّ، اشْغَلْ نَفْسَكَ بِمَا يَعْنيك عَمَّا لَا يَعْنِيكَ).

الطالب: (يقول: "إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي بَقِيَّةِ دَهْرِكُمْ)، هل المقصود أن أيام الزمان أم أيام العمر؟

الشيخ: خطبهم مخاطبين، أيام زمانهم أيامهم هذه التي يعيشون فيها.

 

 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد