شعار الموقع

سورة فصلت - 3

00:00
00:00
تحميل
55

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين وللمستمعين.

قال الإمام الحافظ ابن كثيرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في تفسيره العظيم: تفسير سورة فصلت.

قال الله تعالى ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأنزلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14) فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ

(يَقُولُ تَعَالَى: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ: إِنْ أَعْرَضْتُمْ عَمَّا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَإِنِّي أُنْذِرُكُمْ حُلُولَ نِقْمَةِ اللَّهِ بِكُمْ، كَمَا حَلَّتْ بِالْأُمَمِ الْمَاضِينَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ بِالْمُرْسَلِينَ {صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} أَيْ: وَمَنْ شَاكَلَهُمَا مِمَّنْ فَعَلَ كَفِعْلِهِمَا.

{إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} [الْأَحْقَافِ: 21]، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} [الْأَحْقَافِ: 21] أَيْ: فِي الْقُرَى الْمُجَاوِرَةِ لِبِلَادِهِمْ، بعث الله إليهم الرسل يَأْمُرُونَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَمُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَرَأَوْا مَا أَحَلَّ اللَّهُ بِأَعْدَائِهِ مِنَ النِّقَمِ، وَمَا أَلْبَسَ أَوْلِيَاءَهُ مِنَ النِّعَمِ، وَمَعَ هَذَا مَا آمَنُوا وَلَا صَدَّقُوا، بَلْ كَذَّبُوا وَجَحَدُوا، وَقَالُوا: {لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأنزلَ مَلائِكَةً} أَيْ: لَوْ أَرْسَلَ اللَّهُ رُسُلًا لَكَانُوا مَلَائِكَةً مِنْ عِنْدِهِ، {فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} أَيْ: أَيُّهَا الْبَشَرُ {كَافِرُونَ} أَيْ: لَا نَتَّبِعُكُمْ وَأَنْتُمْ بَشَرٌ مِثْلُنَا.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبرَوُا فِي الأرْضِ [بِغَيْرِ الحَقٍّ]} أَيْ: بَغَوْا وَعَتَوْا وَعَصَوْا، {وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} أَيْ: مَنُّوا بِشِدَّةِ تَرْكِيبِهِمْ وَقُوَاهُمْ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ بِهِ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ! {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} أَيْ: أَفَمَا يَتَفَكَّرُونَ فِيمَنْ يُبَارِزُونَ بِالْعَدَاوَةِ؟ فَإِنَّهُ الْعَظِيمُ الَّذِي خَلَقَ الْأَشْيَاءَ وَرَكَّبَ فِيهَا قُوَاهَا الْحَامِلَةَ لَهَا، وَإِنَّ بَطْشَهُ شَدِيدٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذَّارِيَاتِ: 47]، فَبَارَزُوا الْجَبَّارَ بِالْعَدَاوَةِ، وَجَحَدُوا بِآيَاتِهِ وَعَصَوْا رَسُولَهُ، فَلِهَذَا قَالَ: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهِيَ الشَّدِيدَةُ الْهُبُوبِ. وَقِيلَ: الْبَارِدَةُ. وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَهَا صَوْتٌ.

وَالْحَقُّ أَنَّهَا مُتَّصِفَةٌ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ رِيحًا شَدِيدَةً قَوِيَّةً؛ لِتَكُونَ عُقُوبَتُهُمْ مِنْ جِنْسِ مَا اغْتَرُّوا بِهِ مِنْ قُوَاهُمْ، وَكَانَتْ بَارِدَةً شَدِيدَةَ الْبَرْدِ جِدًّا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} [الْحَاقَّةِ:6]، أَيْ: بَارِدَةٍ شَدِيدَةٍ، وَكَانَتْ ذَاتَ صَوْتٍ مُزْعِجٍ، وَمِنْهُ سُمِّيَ النَّهْرُ الْمَشْهُورُ بِبِلَادِ الْمَشْرِقِ "صَرْصَرًا لِقُوَّةِ صَوْتِ جَرْيِهِ).

الشيخ: عليه تعليق؟

الطالب: نعم، في معجم البلدان لياقوت: وصرصر: قريتان من سواد بغداد، صرصر العليا وصرصر السفلى، وهما على ضفة نهر عيسى، وربما قيل نهر صرصر فنسب النهر إليهما.

(وَقَوْلُهُ: {فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} أَيْ: مُتَتَابِعَاتٍ، {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الْحَاقَّةِ: 7]، كَقَوْلِهِ {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} [الْقَمَرِ: 19]، أَيِ: ابْتُدِئُوا بِهَذَا الْعَذَابِ فِي يَوْمِ نَحْسٍ عَلَيْهِمْ، وَاسْتَمَرَّ بِهِمْ هَذَا النَّحْسُ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حَتَّى أَبَادَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، وَاتَّصَلَ بِهِمْ خِزْيُ الدُّنْيَا بِعَذَابِ الْآخِرَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى} [أَيْ] أَشَدُّ خِزْيًا لَهُمْ، {وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ} أَيْ: فِي الْأُخْرَى، كَمَا لَمْ يُنْصَرُوا فِي الدُّنْيَا، وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ يَقِيهِمُ الْعَذَابَ وَيَدْرَأُ عَنْهُمُ النَّكَالَ.

وَقَوْلُهُ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ: بَيَّنَّا لَهُمْ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: دَعَوْنَاهُمْ.

{فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} أَيْ: بَصَّرْنَاهُمْ، وَبَيَّنَّا لَهُمْ، وَوَضَّحْنَا لَهُمُ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صَالِحٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَالَفُوهُ وَكَذَّبُوهُ، وَعَقَرُوا نَاقَةَ اللَّهِ الَّتِي جَعَلَهَا آيَةً وَعَلَامَةً عَلَى صِدْقِ نَبِيِّهِمْ، {فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ} أَيْ: بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَرَجْفَةً وَذُلًّا وَهَوَانًا وَعَذَابًا وَنَكَالًا {بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أي: من التكذيب والجحود.

{وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا [وَكَانُوا يَتَّقُونَ]} أَيْ: مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، لَمْ يَمَسَّهُمْ سُوءٌ، وَلَا نَالَهُمْ مِنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ، بَلْ نَجَّاهُمُ اللَّهُ مَعَ نَبِيِّهِمْ صَالِحٍ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] بِإِيمَانِهِمْ، وَتَقْوَاهُمْ لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ).

بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد؛

هذه الآيات الكريمات فيها تحذير للكفار من الاستمرار على كفرهم وعنادهم، وإعراضهم عما جاء به نبينا محمدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وتخويفٌ لهم من العذاب الذي يصيبهم في الدنيا كما أصاب الأمم المجاورة، ولهذا قال سبحانه ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ يعني عذابًا مثل العذاب الذي أصابهم ﴿إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ﴾ فكذبوا الرسل، ولم يؤمنوا بما جاءوا به وقالوا ﴿لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً﴾ أما البشر فلا، فهم بشرٌ مثلنا فلا نقبل منهم، ولا نؤمن بهم، ﴿لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ فلم يصدقوا الرسل ولم يؤمنوا بهم، فأصابهم العذاب.

قال سبحانه ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ استكبروا عن عبادة الله واتباع رسول الله الذي أُرسل إليهم، ولم يؤمنوا به، عرفوا الحق ولكنهم لم يقبلوه، استكبروا ﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ منوا بها، قال الله ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ فهم كفروا وجحدوا بآيات الله، وكذبوا رسل الله وكذبوا رسولهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجاءهم العذاب، فعذبهم الله تعالى وأنزل بهم بأسه ونقمته.

قال تعالى ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ بيَّن الله تعالى ما أصابهم من الريح الصرصر العاتية التي لها صوت والباردة، كل هذه أوصافٌ لها، قال في سورة الحاقة ﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾.

﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ وهي الأيام المذكورة في سورة الحاقة.

نحسات: فيها شؤمٌ عليهم بسبب تكذيبهم وكفرهم وعنادهم، وعدم إيمانهم، وبيَّن الله تعالى أن هذا العذاب خزيٌ لهم في الدنيا ومتصلٌ بالعذاب في الآخرة ﴿لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ فهذا العذاب في الدنيا وعذاب الآخرة أشد، ولهذا يقول تعالى ﴿لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾.

﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ﴾ عذاب الآخرة أشد خزيًا، وهذا العذاب في الدنيا عُجِّل، وعذاب الآخرة أخزى وأشد، وهم لا ينصرون، ولا أحد يمنع عنهم عذاب الله الذي نزل بهم في الدنيا، والذي ينزل بهم في الآخرة.

﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ وهم قوم صالح، ﴿فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ بيّنا لهم على لسان نبيهم صالح طريق الحق، ووضحناه لهم، ولكنهم لم يقبلوه ﴿فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ آثروا طريق العمى على طريق الهدى، آثروا الضلال وآثروا الكُفر، فكفروا بنبيهم صالح، وكذبوا المرسلين، وقتلوا وعقروا الناقة التي جعلها الله آيةً لهم، ونهاهم نبيهم عن قتلها وعقروها، فأصابهم العذاب، أصابهم الصيحة والرجفة، فأصبحوا في ديارهم جاثمين، ﴿فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ بسبب ما كسبوه من السيئات التي أعظمها الكفر والشرك والتكذيب بالأنبياء والمرسلين.

﴿وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ المؤمنون نجاهم الله تعالى مع نبيهم صالح، وكذلك هود [16:55] أن نجاه الله مع من آمن به، فالمؤمنون والأنبياء ينجيهم الله تعالى من بينهم ويصيب العذاب والهلاك المكذبين، نسأل الله السلامة والعافية، تحذير لهذه الأمة بأن تسلك مسلك الظالمين وأن يصيبهم ما أصابهم، وفيه دعوةٌ إلى الإيمان بالله وبرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولهذا لما سمعها المشركون خافوا، ووضع مندوبهم قريش إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وضع يده على فم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال: أُنشدك الله والرحم، عندما قال ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾.

فالواجب الإيمان بالله ورسله، واتباع الرسل، واتباع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد بعثة النبيين -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نسخ الله الشرائع فالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو خاتم الأنبياء، وخاتم المرسلين، أنزل الله عليه الشريعة الخاتمة، والقرآن هو كلام الله، وهو أفضل الكتب وأعلاها، والمهيمن لها والحاكم عليها، فالواجب الإيمان بالله ورسوله، والعمل بالقرآن وبكتاب الله وبما جاء في كتاب الله، وبسنة رسوله  -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا هو طريق النجاة وطريق السعادة.

الطالب: إذا قلنا إن هذا يوم نحس أو قلنا إن هذه الرياح مزعجة، هل هذا سبٌ أم وصف لها؟

الشيخ: وصف لها، يومٌ شديد البرد، أما سب الدهر أن يقول: هذا الدهر الخئون أو يقول كما يقول بعضهم: لعن الله الساعة والدهر أو اليوم هذا سب الدهر.

قال في مقامات الحريري يقول: أيها الدهر الخئون...، وما أشبه ذلك.

أما هذا وصف اليوم (يوم شديد الحر – يوم شديد البرد – يوم نحس) من نحساتٍ بالنسبة لهم.

﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ﴾

ينبغي للإنسان أن يسأل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من خير الريح فكما في الحديث «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ» والله جعلها [21:05] ريحا يدعوا بهذا الدعاء، [21:14] رحمة، والريح عذاب.

الطالب: يتعوذ من جهنم إذا كان زمهرير جهنم؟

الشيخ: تذكير، لا شك هذا تذكير، النار حار وبارد يتنوع عذابهم بين زمهرير وبين السعير، نسأل الله السلامة والعافية، في الحديث أن النار استأذنت ربها، ومعنى الحديث أن أكل بعضها بعضًا وشد حرها، فإذن الله لها بنفسين (نفسٌ في الشتاء وذلك أشد ما يجد الناس من البرد – ونفسٌ في الصيف وذلك أشد ما يجد الناس من الحر) إذا استعاذ بالله من النار طيب.

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد