بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين وللمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ﴾.
يقول الإمام ابن كثيرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في تفسيره (يَقُولُ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} أَيِ: اذْكُرْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ يَحْشُرُونَ إِلَى النَّارِ {يُوزَعُونَ}، أَيْ: تَجْمَعُ الزَّبَانِيَةُ أَوَّلَهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} [مَرْيَمَ: 86]، أَيْ: عِطَاشًا.
وَقَوْلُهُ: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا} أَيْ: وَقَفُوا عَلَيْهَا، {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أَيْ: بِأَعْمَالِهِمْ مِمَّا قَدَّمُوهُ وَأَخَّرُوهُ، لَا يُكْتَم مِنْهُ حَرْفٌ.
{وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا} أَيْ: لَامُوا أَعْضَاءَهُمْ وَجُلُودَهُمْ حِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَجَابَتْهُمُ الْأَعْضَاءُ: {قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أَيْ: فَهُوَ لَا يُخَالَفُ وَلَا يُمَانَعُ، وَإِلَيْهِ تَرْجِعُونَ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عُبَيْدٍ المُكْتَب، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَتَبَسَّمَ، فَقَالَ: "أَلَا تَسْأَلُونِي عَنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتُ؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ؟ قَالَ: "عَجِبْتُ مِنْ مُجَادَلَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: أَيْ رَبِّي، أَلَيْسَ وَعَدْتَنِي أَلَّا تَظْلِمَنِي؟ قَالَ: بَلَى فَيَقُولُ: فَإِنِّي لَا أَقْبَلُ عَلَيَّ شَاهِدًا إِلَّا مِنْ نَفْسِي. فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَوَ لَيْسَ كَفَى بِي شَهِيدًا، وَبِالْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ؟! قَالَ: فَيُرَدِّدُ هَذَا الْكَلَامَ مِرَارًا". قَالَ: "فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَتَتَكَلَّمُ أَرْكَانُهُ بِمَا كَانَ يَعْمَلُ، فَيَقُولُ: بُعْدًا لكُنَّ وسُحقا، عَنْكُنَّ كُنْتُ أُجَادِلُ".
ثُمَّ رَوَاهُ هُوَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَامِرٍ الْأَسَدِيِّ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عُبيد المُكْتَب، عَنْ فُضيل بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الشَّعْبِيِّ ثُمَّ قَالَ: "لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ غَيْرَ الشَّعْبِيِّ". وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا عَنْ أَبِي بكرِ بنِ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عُبَيد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْجَعِيِّ، عَنِ الثَّوْرِيِّ بِهِ. ثُمَّ قَالَ النَّسَائِيُّ: "لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنِ الثَّوْرِيِّ غَيْرَ الْأَشْجَعِيِّ". وَلَيْسَ كَمَا قَالَ كَمَا رَأَيْتَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله على آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
يقول الله تعالى ﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.
في هذه الآيات الكريمات بيان أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يحشر المكذبين بالرسل الكفرة ويجمعهم جميعًا ويُلقون في النار ويجمعون، ثم يُجادل الكفار ربهم فيختم الله على أفواههم وتتكلم الأركان (الأيدي والأرجل والأبصار والأسماع) ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وفي الآية الأخرى في آية يس ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ في هذا الحديث أنه إذا خُلي بينه وبين أركانه قال بُعدًا لكن أو سحقًا عنكن أُجادل، وهذا الحديث السند الأول فيه شريك، لكنه له طريقٌ أخرى كما قال الحافظ، والإمام مسلم وغيره، ماذا قال عن السند الأول؟
الطالب: قال سنده حسن، (قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عُبَيْدٍ المُكْتَب، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِك).
الشيخ: شريك، لكن فيه طريقٌ أخرى تكلم عليه؟
الطالب: أخرجه أبو يعلى، والحاكم من طريقين عن علي بن قادرٍ، به.
قالوا: وسيأتي تخريجه من صحيح مسلم.
الشيخ: نعم، الطريق الثاني في صحيح مسلم، حسن من أجل الطريق الأخرى.
(وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حدثنا إسماعيل بن عُلَّية، عن يونس ابن عُبَيْد، عَنْ حُميد بْنِ هِلَالٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بُرْدَة: قَالَ أَبُو مُوسَى: وَيُدْعَى الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ لِلْحِسَابِ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَبُّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-عَمَلَهُ، فَيَجْحَدُ وَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، وَعَزَّتِكَ لَقَدْ كَتَبَ عَلَيَّ هَذَا الْمَلَكُ مَا لَمْ أَعْمَلْ! فَيَقُولُ لَهُ الْمَلَكُ: أَمَا عَمِلْتَ كَذَا، فِي يَوْمِ كَذَا، فِي مَكَانِ كَذَا؟ فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ، أَيْ رَبِّ مَا عَمِلْتُهُ. [قَالَ] فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ خُتِم عَلَى فِيهِ -قَالَ الْأَشْعَرِيُّ: فَإِنِّي لَأَحْسَبُ أَوَّلَ مَا يَنْطِقُ مِنْهُ فَخِذَهُ الْيُمْنَى.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا زُهَيْر حَدَّثَنَا حَسَنٌ، عَنِ ابْنِ لَهِيعة: قَالَ دَرّاج عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عُرّف الْكَافِرُ بِعَمَلِهِ، فَجَحَدَ وَخَاصَمَ، فَيُقَالُ: هَؤُلَاءِ جِيرَانُكَ، يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ؟ فَيَقُولُ: كَذَبُوا. فَيَقُولُ: أَهْلُكَ [وَ] عَشِيرَتُكَ؟ فَيَقُولُ: كَذَبُوا. فَيَقُولُ: احْلِفُوا فَيَحْلِفُونَ، ثُمَّ يُصمِتُهُمُ اللَّهُ وَتَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ، وَيُدْخِلُهُمُ النَّارَ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ: سَمِعْتُ أَبِي: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبيْح أَبِي الضُّحى، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ الْأَزْرَقِ: إِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ مِنْهُ حِينٌ، لَا يَنْطِقُونَ وَلَا يَعْتَذِرُونَ وَلَا يَتَكَلَّمُونَ حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُمْ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَخْتَصِمُونَ، فَيَجْحَدُ الْجَاحِدُ بِشِرْكِهِ بِاللَّهِ، فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ حِينَ يَجْحَدُونَ شُهَدَاءَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، جُلُودَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَيَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، ثُمَّ يَفْتَحُ لَهُمُ الْأَفْوَاهَ فَتُخَاصِمُ الْجَوَارِحَ، فَتَقُولُ: {أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فَتُقِرُّ الْأَلْسِنَةُ بَعْدَ الْجُحُودِ).
تخريجه؟
الطالب: قال في سنده علي بن زيد، وهو ابن جُدعان، وهو ضعيف، ويتقوى بالشواهد السابقة.
الشيخ: فيه دراج عن أبي الهيثم؟
الطالب: في السند السابق.
أخرجه أبو يعلى بسنده ومتنه وسنده ضعيف لضعف رواية دراج عن أبي الهيثم.
الشيخ: يعني له شواهد يشد بعضها بعضًا، والآية كافية في هذا، واضحة حتى لو لم يصح الحديث بأن الأيدي والأرجل تشهد، وفي هذا الحديث كما دلت الأحاديث الأخرى على أن يوم القيامة يومٌ طويل، ويومٌ له مشاهد متعددة، فيه مشهد لا يؤذن لهم فيعتذرون لا ينطقون، ولا يتكلمون ﴿هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ وفي مشهد آخر يُخلى بينهم بين الكلام فينطقون، ويُنكرون ﴿قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ انظر كيف كذبوا على أنفسهم، وفي هذه الآيات فيها أن الكافر يجحد ذنوبه ومعاصيه، وشركه، ويُخاصم ربه، ويقول إني لم أعمل كذا ولا كذا، ويقول إن الملائكة الكتبة ظلموني، ولا أريد إلا شاهدًا من نفسي، فيختم الله على أفواههم فتتكلم الجوارح الأيدي والأرجل والجلود وتنطق، ثم يُخلى بينهم وبين الكلام فيقول عنكن أُجادل سُحقًا لكن وبعدًا، ثم بعد ذلك يعترف ويُقر، نسأل الله السلامة والعافية.
الطالب: قال هنا في نفس الآية، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو شَيْبَةَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عامر الأسدي، حدثنا سفيان بن عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ عَنْ فُضَيلِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضْحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَتُدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟» قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ «من مجادلة العبد لربه يَقُولُ: يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ: لَا أُجِيزُ عَلَيَّ إِلَّا شَاهِدًا مِنْ نَفْسِي، فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا وَبِالْكِرَامِ عَلَيْكَ شُهُودًا، فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي فَتَنْطِقُ بِعَمَلِهِ، ثُمَّ يُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ» وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا عَنْ أَبِي بكرِ بنِ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أبيه، عن عبد اللَّهِ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِهِ، ثُمَّ قَالَ النَّسَائِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ غَيْرَ الْأَشْجَعِيِّ، وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الشيخ: سبق هذا الحديث.
الطالب: في مسلم، في سورة النور.
الشيخ: نعم، أشار في مسلم.
(وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ رَافِعٍ أَبِي الْحَسَنِ -وَصَفَ رَجُلًا جَحَدَ- قَالَ: فَيُشِيرُ اللَّهُ إِلَى لِسَانِهِ، فَيَرْبُو فِي فَمِهِ حَتَّى يَمْلَأَهُ، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْطِقَ بِكَلِمَةٍ، ثُمَّ يَقُولُ لِآرَابِهِ كُلِّهَا: تَكَلَّمِي وَاشْهَدِي عَلَيْهِ. فَيَشْهَدُ عَلَيْهِ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَجِلْدُهُ، وَفَرْجُهُ وَيَدَاهُ وَرِجْلَاهُ: صَنَعْنَا، عَمِلْنَا، فَعَلْنَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَآثَارٌ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ يس: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس: 65]، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هاهنا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيم الطَّائِفِيُّ، عَنِ ابْنِ خُثَيْم، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا رَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ قَالَ: "أَلَا تُحَدِّثُونَ بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟ " فَقَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ إِذْ مَرَّتْ عَلَيْنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ، تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا. فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَر، إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ، وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا؟ قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَدَقَتْ صَدَقَتْ، كَيْفَ يُقدس اللَّهُ قَوْمًا لَا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ؟ ".
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْأَهْوَالِ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، بِهِ).
تخريجه: قال أخرجه ابن ماجه من طريق سُويد بن سعيدٍ، به، واستغربه الحافظ ابن كثير.
على كل حال له شواهد السابقة تشهد له، أن الله تعالى يُحاسب الخلائق [18:27] دفع هذه العجوز حتى سقطت وانكسرت قُلتها، وقالت: يا غُدر سوف تعلم إذا وضع الله كُرسيه يُحاسب الخلائق، هذا صحيح، لأن هذه العجوز مؤمنة بالبعث، وهي ظاهرًا لها من النصارى، النصارى منهم من يؤمن باليوم الآخر هذا معناه صحيح دلت عليه النصوص محاسبة الخلائق، قالت: سوف تعلم يا غُدر إذا وضع الله كُرسيه كيف يكون أمري وأمرك، يُحاسب الله الخلائق، هذا من المعنى الصحيح.
(وَقَوْلُهُ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} أَيْ: تَقُولُ لَهُمُ الْأَعْضَاءُ وَالْجُلُودُ حِينَ يَلُومُونَهَا عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ: مَا كُنْتُمْ تَتَكَتَّمُونَ مِنَّا الَّذِي كُنْتُمْ تَفْعَلُونَهُ بَلْ كُنْتُمْ تُجَاهِرُونَ اللَّهَ بِالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وَلَا تُبَالُونَ مِنْهُ فِي زَعْمِكُمْ؛ لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ يَعْلَمُ جَمِيعَ أَفْعَالِكُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَلَكِنْكم ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} أَيْ: هَذَا الظَّنُّ الْفَاسِدُ -وَهُوَ اعْتِقَادُكُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ).
الطالب: يختلف عندي، يقول ولهذا قال الله تعالى.
الشيخ: ولهذا قالوا: في سياق الآية أن هذا بين الإنسان وبين الأسماع والأبصار.
({وَلَكِنْكم ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} أَيْ: هَذَا الظَّنُّ الْفَاسِدُ -وَهُوَ اعْتِقَادُكُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ-هُوَ الَّذِي أَتْلَفَكُمْ وَأَرْدَاكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ، {فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} أَيْ: فِي مَوَاقِفِ الْقِيَامَةِ خَسِرْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ).
هذه محاورة بينه بين الأسماع والأبصار ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ﴾ يعني تقول الأعضاء له أنتم حينما تفعلون المعاصي لا تُجاهرون، ولا تُخفون ذلك، وسبب ذلك أنكم ظننتم أن الله لا يعلم كثيرًا مما تعملون فلم تؤمنوا بالبعث والحساب، ولم تعتنوا أنكم ستقفون بين يدي الله ستحاسبون، ولهذا كنتم تُجاهرون ولا تبالون، وهذا الظن هو الذي أرداكم وأهلككم فأصبحتم من الخاسرين، كونكم لا تؤمنون بالحساب ولا بالجزاء، ولا بلقاء الله -عَزَّ وَجَلَّ- هذا الذي أرداكم وجعلكم تُجاهرون بالمعاصي ولا تُبالون.
﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ لأنهم آمنوا الحساب لو علموا أن هناك حساب وسيقفوا بين يدي الله، وهذا الظن ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ﴾ قال لهم في النار، فئةٍ أُخرى قال ﴿فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ إن استعتبوا وطلبوا العتاب لا يُعتبون، ولا يُقبل عذرهم.
(قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ مُسْتَتِرًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَجَاءَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ: قُرَشِيٌّ، وَخَتَنَاهُ ثَقَفِيَّانِ -أَوْ ثَقَفِيٌّ وَخَتَنَاهُ قُرَشِيَّانِ-كَثِيرٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ قَلِيلٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ، فَتَكَلَّمُوا بِكَلَامٍ لَمْ أَسْمَعْهُ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ كَلَامَنَا هَذَا؟ فَقَالَ الْآخَرُ: إِنَّا إِذَا رَفَعْنَا أَصْوَاتَنَا سَمِعَهُ، وَإِذَا لَمْ نَرْفَعْهُ لَمْ يَسْمَعْهُ، فَقَالَ الْآخَرُ: إِنْ سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا سَمِعَهُ كُلَّهُ. قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {مِنَ الْخَاسِرِينَ}
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ هَنَّادٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عُمارة بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ وَهْبِ بْن رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِنَحْوِهِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ السُّفْيَانَيْنِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَخْبرة، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِهِ).
نعم، هو حديثٌ صحيح رواه الشيخان وغيرهما، كما هو معلوم وكما ذكر المؤلف -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
هذه الثلاث نفر سمعوا عند الكعبة قرشيٌ وثقفيان أو ثقفيٌ وقرشيان، وصفهم لأنهم (كثيرٌ شحم بطونهم، قليلٌ فقه قلوبهم) قال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا؟
هذا يدل على عدم فقههم وغلب عليهم الشحوم والملذات، ملذات الدنيا وإيثار الدنيا على الآخرة غلبهم وأذهلهم وجعلهم لا يفقهون، فقال أحدهم: هل ترى أنه يسمع كلامنا؟ قال الثاني: إن جهرنا سمع الكلام، وإن أخفينا أسررنا لا يعلم، فقال الآخر: إذا كان يعلم الجهر فهو يعلم بذا أسررنا، فأنزل الله هذه الآية ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ نسأل الله السلامة والعافية.
الطالب: عبد الله بن عباس [26:41] ابن عمر؟
الشيخ: ابن مسعود، الصحابي عبد الله بن مسعود.
(وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} قَالَ: "إِنَّكُمْ تُدعَون مُفَدَّمًا عَلَى أَفْوَاهِكُمْ بِالْفِدَامِ، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يُبِينُ عَنْ أَحَدِكُمْ فَخِذُهُ وَكَفُّهُ).
المعنى أنه جُعل [27:47] لم يتكلم عليه؟
الطالب: كلمة الفِدام.
الشيخ: السياق يقتضي...
الطالب: أنه يُختم عليه.
الشيخ: نعم.
(قَالَ مَعْمَرٌ: وَتَلَا الْحَسَنُ: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ اللَّهُ أَنَا مَعَ عَبْدِي عِنْدَ ظَنِّهِ بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي" ثُمَّ أفترَّ الْحَسَنُ يَنْظُرُ فِي هَذَا فَقَالَ: أَلَا إِنَّمَا عَمَلُ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ ظُنُونِهِمْ بِرَبِّهِمْ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَأَحْسَنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ فَأَحْسَنَ الْعَمَلَ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ فَأَسَاءَا الظَّنَّ بِاللَّهِ فَأَسَاءَا الْعَمَلَ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}).
أفترَّ: يعني كأنه جلس فترةً يتأمل ثم قال: إنما عمل الناس على حسب ظنونهم، من حسن ظنه حسن عمله، ومن ساء ظنه ساء عمله، إذا حسنت الظنون حسنت الأعمال، وإن ساءت الظنون ساءت الأعمال ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ لما ظن هؤلاء أنهم لا يُبعثون وأنهم لا يُحاسبون ولا يُجزون ساءت أعمالهم فكذبوا وأنكروا وجحدوا، والمؤمن حسن ظنه بربه فحسن عمله.
الطالب: الفدم: هو العِيي عن الكلام في ثقلٍ ورخاوةٍ وقلة فهم، والغليظ الأحمق الجافي.
الشيخ: يُقال رجل فدم أو فدامه يعني غلظة، يعني يُصار في الآخر أنه كان خُتم على أفواههم، هذا الفدم يعني أغلقت.
الطالب: الفدم: هو العيي عن الكلام.
الشيخ: يعني مُنع من الكلام.
الطالب: في ثقلٍ ورخاوةٍ وقلة فهم، والغليظ الأحمق الجافي، وفِدمٌ وهي بهاءٌ فدومٌ ككرمٌ، والأحمر الأشبه الحُمرة...
الشيخ: المهم الشاهد الأول أنه خُتم على أفواههم.
(وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْقَاصُّ -وَهُوَ أَبُو الْمُغِيرَةِ-حَدَّثَنَا ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: "لَا يَمُوتَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللَّهِ الظَّنَّ، فَإِنَّ قَوْمًا قَدْ أَرْدَاهُمْ سُوءُ ظَنِّهِمْ بِاللَّهِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}).
تخريجه: قال: أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وقال محققوه: حديثٌ صحيحٌ دون قوله فإن قومًا قد أرداهم.
الشيخ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللَّهِ» هذا معروف أصله في الصحيح.
(وَقَوْلُهُ: {فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} أَيْ: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَصَبَرُوا أَمْ لَمْ يَصْبِرُوا هُمْ فِي النَّارِ، لَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهَا، وَلَا خُرُوجَ لَهُمْ مِنْهَا. وَإِنْ طَلَبُوا أَنْ يَسْتَعْتِبُوا وَيُبْدُوا أَعْذَارًا فَمَا لَهُمْ أَعْذَارٌ، وَلَا تُقَال لَهُمْ عَثَرَاتٌ).
نسأل الله العافية، النار مثواهم على كل حال صبروا أو ... ﴿فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا﴾ يعني يطلبوا الاعتذار لا تُقبل أعذارهم ﴿فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ﴾ والآية الأخرى قال الله تعالى ﴿فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ﴿فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ﴾.
(قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا} أَيْ: يَسْأَلُوا الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا، فَلَا جَوَابَ لَهُمْ -قَالَ: وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْهُمْ: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 106 -108]).
﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأسْفَلِينَ﴾.