شعار الموقع

سورة فصلت - 7

00:00
00:00
تحميل
67

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين وللمستمعين برحمتك يا أرحم الرحمين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

﴿وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38) وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

يقول الإمام ابن كثيرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في تفسيره: (يَقُولُ تَعَالَى مُنَبِّهًا خَلْقَهُ عَلَى قُدْرَتِهِ الْعَظِيمَةِ، وَأَنَّهُ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ وَأَنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَادِرٌ، {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} أَيْ: أَنَّهُ خَلَقَ اللَّيْلَ بِظَلَامِهِ، وَالنَّهَارَ بِضِيَائِهِ، وَهُمَا مُتَعَاقِبَانِ لَا يفترقان).

لا يقران: لا يقتران يعني مستمران، لها معنى لكن لقب (يقتران) تصحيف يحصل كثير بين الفاء والقاف، الطباعة نقطة أو نقطتان.

من القرار والاستقرار أو لا يَقتران: يعني مستمران، يؤيد هذا الآيات الأخرى ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ﴾ سرمدًا يعني .... المعنى صحيح، يَقتران ويَقِران كلاهما متقارب.

لكن عندك ماذا؟

الطالب: يفترقان.

الشيخ: لا يقتران أو لا يقران.

(أَيْ: أَنَّهُ خَلَقَ اللَّيْلَ بِظَلَامِهِ، وَالنَّهَارَ بِضِيَائِهِ، وَهُمَا مُتَعَاقِبَانِ لَا يفترقان وَالشَّمْسَ نُورَهَا وَإِشْرَاقَهَا، وَالْقَمَرَ وَضِيَاءَهُ).

والشمس ونورها؟

الطالب: عندي بدون واو.

الشيخ: الأقرب (والشمس ونورها).

(وَالشَّمْسَ وَنُورَهَا وَإِشْرَاقَهَا، وَالْقَمَرَ وَضِيَاءَهُ وَتَقْدِيرَ مَنَازِلِهِ فِي فَلَكِهِ، وَاخْتِلَافَ سَيْرِهِ فِي سَمَائِهِ، ليُعرف بِاخْتِلَافِ سَيْرِهِ وَسَيْرِ الشَّمْسِ مَقَادِيرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالْجُمَعُ وَالشُّهُورُ وَالْأَعْوَامُ، وَيَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ حُلُولُ الْحُقُوقِ، وَأَوْقَاتُ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ.

ثُمَّ لَمَّا كَانَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ أَحْسَنَ الْأَجْرَامِ الْمُشَاهَدَةِ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ، نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُمَا مَخْلُوقَانِ عَبْدَانِ مِنْ عَبِيدِهِ، تَحْتَ قَهْرِهِ وَتَسْخِيرِهِ، فَقَالَ: {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} أَيْ: وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ فَمَا تَنْفَعُكُمْ عِبَادَتُكُمْ لَهُ مَعَ عِبَادَتِكُمْ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا} أَيْ: عَنْ إِفْرَادِ الْعِبَادَةِ لَهُ وَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يُشْرِكُوا مَعَهُ غَيْرَهُ، {فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} يَعْنِي: الْمَلَائِكَةَ، {يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ}، كَقَوْلِهِ {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الْأَنْعَامِ: 89]).

بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

هذه الآيات الكريمات يبين فيها ربنا سبحانه استحقاقه للعبادة، واستدلاله على ذلك بدلائل قدرته على وحدانيته، قال ﴿وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ فالليل والنهار يتعاقبان لا يفتران، يعقب هذا وهذا يعقب هذا، وكما يدل عليه قوله تعالى ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ قال سبحانه ﴿وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ من آياته ودلائل قدرته ووحدانيته واستقرار العبادة، وأنه على كل شيءٍ قدير (الليل والنهار) خلق الليل بظلامه، والنهار بضياءه، وخلق الشمس والقمر سِراجان، سراجٌ بالنهار، وسراجٌ ونور بالليل.

﴿لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِلما كانت أروع المخلوقات وأحسنها تُشاهد في السماء وفي الأرض (الشمس والقمر) قال ﴿لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ﴾ أفردوا الله بالعبادة ﴿لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ إن كنتم تخصونه بالعبادة؛ فإن عبدتم معه غيره فقد أشركتم، ولا تصلح العبادة مع الشرك.

﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا﴾ عن عبادة الله واستمروا على شركهم، فالله تعالى يختص خلقًا من خلقه لا يستكبرون عن عبادته ولا يسأمون ولا يملون وهم الملائكة، ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ﴾ ﴿فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ﴾ لا يملون، وفي الآية الأخرى ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾.

﴿فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ﴾ إثبات العلو لله -عَزَّ وَجَلَّ- قال ﴿فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ﴾ هذه الآية تفيد العلو ﴿فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ﴾ هم الملائكة عند الله في السماء ﴿فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ﴾ تعبدًا له، وتعظيمًا له، وخشيةً وإنابة، ﴿وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ﴾ لا يملون ولا يفترون، وفي الآيات الأخرى ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ﴾ ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾.

(وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ -يَعْنِي ابْنَ وَكِيعٍ-حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: "لا تَسُبُّوا اللَّيْلَ وَلَا النَّهَارَ، وَلَا الشَّمْسَ وَلَا الْقَمَرَ، وَلَا الرِّيَاحَ فَإِنَّهَا تُرْسَلُ رَحْمَةً لِقَوْمٍ، وَعَذَابًا لِقَوْمٍ").

لأنها مسخرةٌ مدبرة، فالله الذي يرسلها -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.

(وَقَوْلُهُ: {وَمِنْ آيَاتِهِ} أَيْ: عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى إِعَادَةِ الْمَوْتَى {أَنَّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً} أَيْ: هَامِدَةً لَا نَبَاتَ فِيهَا، بَلْ هِيَ مَيْتَةٌ {فَإِذَا أَنزلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} أَيْ: أَخْرَجَتْ مِنْ جَمِيلِ أَلْوَانِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}).

الطالب: ﴿فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ من هم؟

الشيخ: الأنبياء والرسل، ومن تبعهم من المؤمنين.

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ﴾.

(قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا}، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْإِلْحَادُ: وَضْعُ الْكَلَامِ عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهِ).

الآيات السابقة ﴿وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ يدل على البعث من أدلة البعث، إحياء الله الأرض بعد موتها يدل على البعث.

﴿وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً﴾ يعني ساكنة يابسة ﴿فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ ارتفعت، ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْياها﴾ بالنبات ﴿لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ الله تعالى كثيرًا ما يستدل بإحياء الأرض بعد موتها على إحياء الأموات على البعث، وكذلك يستدل -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- على البعث بخلق الإنسان ببدء الخلق، فالذي خلق الإنسان ووجده من العدم قادرٌ على أن يعيده ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾.

﴿وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً﴾ ساكنة ﴿فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ وأنبتت النبات ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.

(قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا}، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْإِلْحَادُ: وَضْعُ الْكَلَامِ عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهِ.

وَقَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ: هُوَ الْكُفْرُ وَالْعِنَادُ.

وَقَوْلُهُ: {لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} أَيْ: فِيهِ تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ، وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ، أَيْ: إِنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِمَنْ يُلْحِدُ فِي آيَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَسَيَجْزِيهِ عَلَى ذَلِكَ بِالْعُقُوبَةِ وَالنَّكَالِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ}؟ أَيْ: أَيَسْتَوِي هَذَا وَهَذَا؟ لَا يَسْتَوِيَانِ).

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ الإلحاد هو الميل أقصى الميل، ومنه سُمي اللحد لحدًا لكونه [12:52] القبر، الميت يُحفر له حفرة، ثم يُحفر حفرةً أخرى من جهة القبلة، فهذه الحفرة الثانية من جهة القبلة التي يُوضع فيها الميت هي اللحد، يسمى لحد لكونه مائلًا عن الحفرة الأولى، والإلحاد أصله في الميل، والإلحاد: الميل عن عبادة الله إلى الكفر، والإلحاد درجات قد يكون كفرًا، وقد يكون أقل من الكفر، فتأويل الصفات إلحاد، فتأويل المعتزلة والجهمية هذا نوع من الإلحاد، وكذلك الكفرة، الجحود إلحاد فإنكار بعض الصفات وتأويلها إلحاد وجحود، توحيد الله -عَزَّ وَجَلَّ- إلحاد عظيم، فإلحاد يتفاوت، إلحادٌ عظيم، جحد آيات الله، وجحد توحيد الله، جحد حق الله إلحاد، تحريف آيات الله بعض الآيات تأويل الصفات إلحاد.

قال ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ هذا وعيدٌ شديد ﴿لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ نحن نعلمهم وسوف نجازيهم.

ثم قال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ﴿أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ هل يستويان، من يُلقى في النار ومن يُكرم بالجنات لا يستويان.

ثم قال ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ للتهديد ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ بصيرٌ بما علمتم وسوف يجازيكم، فالأمر يأتي بمعاني متعددة:

  • يأتي للتهديد كما في هنا.
  • ويأتي للنفي مثل ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾.
  • ويأتي للاستبعاد للاستنكار ﴿أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ له معانٍ متعددة.
  • الاستفهام، فالاستفهام له معاني والأمر له معاني، يأتي بمعنى الأمر بمعنى الوجوب ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾.
  • ويأتي ويراد به الاستحباب.
  • ويأتي ويراد به الإباحة، مثل ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾.
  • ويأتي بمعنى التهديد والوعيد قال ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾، ومنه قوله تعالى ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ ثم قال ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر تهديد، يعني فمن كفر فالله تعالى له بالمرصاد تهديد ووعيد ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ إن كنتم لا تقبلون الحق فاعلموا ما شئتم وسوف ترون الجزاء.

(ثُمَّ قَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-تَهْدِيدًا لِلْكَفَرَةِ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}: وَعِيدٌ، أَيْ: مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِكُمْ وَبَصِيرٌ بِأَعْمَالِكُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.

ثُمَّ قَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ} قَالَ الضَّحَّاكُ، وَالسُّدِّيُّ، وَقَتَادَةُ: وَهُوَ الْقُرْآنُ {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} أَيْ: مَنِيعُ الْجَنَابِ، لَا يُرَامُ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدٌ بِمِثْلِهِ، {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} أَيْ: لَيْسَ لِلْبُطْلَانِ إِلَيْهِ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} أَيْ: حَكِيمٌ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، حَمِيدٌ بِمَعْنَى مَحْمُودٍ، أَيْ: فِي جَمِيعِ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ الْجَمِيعُ مَحْمُودَةٌ عَوَاقِبُهُ وَغَايَاتُهُ).

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ﴾ الذكر هو القرآن، والذين كفروا به هم الكفار كفار قريش ومن تبعهم، ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ﴾ والتقدير سوف يُجازيهم الله وسيحاسبهم، وسوف يجدون غِبة كفرهم يُحذف ما دل عليه المعنى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ﴾ سوف يُجازيهم الله، وسوف يرون العاقبة الشديدة.

﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾ منيع الجناب لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله، تحدى الله البشر أن يأتوا بمثله أو بسورةٍ مثله فعجزوا.

﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ﴾ ليس للباطل طريق لا أمامه ولا من خلفه، لا في الماضي، ولا في المستقبل، ولا في الحاضر، لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله، ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ﴾ محفوظ، حفظه الله وتولى حفظه بنفسه في قوله ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾؛ فلا يستطيع أحد أن يغير القرآن ويُحرفه حتى يُرفع في آخر الزمان إذا ترك الناس العمل به نُزع، بدء منه وإليه يعود، يُنزع من صدور الرجال، ومن المصاحف في آخر الزمان إذا تركوا العمل به، فيصبح الناس لا يجدون في صدورهم آية، ولا في مصاحفهم، ولعياذ بالله، إما أن يأتي أحد يُغير ويبدل لا يستطيع، لأن الله تولى بحفظ نفسه.

أما التوراة والإنجيل وكل الله حفظها إلى بني إسرائيل فغُيرت وبُدلت ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا﴾ استحفظهم الله فلم يحفظوها، لكن القرآن حفظه الله بنفسه تولى بنفسه حفظه، لم يوكله إلى غيره ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ فهم يحفظوه، فلا يستطيع أحد أن يغير ولا أن يبدل، أما الكتب الأخرى غُيرت، لأنها لم يتولاها بحفظه وإنما وكلها إلى البشر فغُيرت.

﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ من حكيمٍ في شرعه وقدره، وأمره ونهيه، يدخل الأشياء، حميد محمود في أقواله وأفعاله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.

(ثُمَّ قَالَ: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} قَالَ قَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَغَيْرُهُمَا: مَا يُقَالُ لَكَ مِنَ التَّكْذِيبِ إِلَّا كَمَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ، فَكَمَا قَدْ كُذِّبْتَ فَقَدْ كُذِّبُوا، وَكَمَا صَبَرُوا عَلَى أَذَى قَوْمِهِمْ لَهُمْ، فَاصْبِرْ أَنْتَ عَلَى أَذَى قَوْمِكَ لَكَ. وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ، وَلَمْ يَحْكِ هُوَ، وَلَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ غَيْرَهُ).

كأن المؤلف لم يذكر القول الآخر ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ﴾ أنت يا محمد كذبك قومك كما كذبت الرسل التي قبلك أممهم ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ﴾ كذبت الرُسل من قبلك، فصبروا فلك أسوةٌ بهم، عندما كذبك قومك تصبر، فيكون الآية تسلية للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تصبيرٌ له على قومه ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ﴾.

﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ استيأسوا من النصر من شدة البلاء الذي أصابهم حتى ظنوا أنهم قد كُذبوا من قِبل أنفسهم ﴿فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾.

هنا يقول سبحانه ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ﴾ قيل لهم التكذيب فصبروا فأنت أيضًا قِيل لك التكذيب فاصبر، تسلية للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتأسٍ بمن سبق، آيةٍ أخرى ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾.

(وَقَوْلُهُ: {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ [لِلنَّاسِ]} أَيْ: لِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ {وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} أَيْ: لِمَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى كُفْرِهِ، وَطُغْيَانِهِ، وَعِنَادِهِ، وَشِقَاقِهِ وَمُخَالَفَتِهِ.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ} قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْلَا غَفْر اللَّهِ وَتَجَاوُزُهُ مَا هَنَأ أَحَدًا العيشُ، وَلَوْلَا وَعِيدُهُ وَعِقَابُهُ لَاتَّكَلَ كُلُّ أَحَدٍ").

الحديث ضعيف فيه علي بن جدعان، لكن معناه صحيح، صحيح لولا عفو الله لما نحن نعيش.

ماذا قال عليه؟

الطالب: قال: سنده ضعيفٌ، لضعف علي بن زيد وهو ابن جدعان، وإرسال سعد بن المسيب.

(قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ} قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْلَا غَفْر اللَّهِ وَتَجَاوُزُهُ مَا هَنَأ أَحَدًا العيشُ، وَلَوْلَا وَعِيدُهُ وَعِقَابُهُ لَاتَّكَلَ كُلُّ أَحَدٍ").

هذا مُرسل ضعيف، مرسل سعيد بن المسيب.

الطالب: [24:44]؟

الشيخ: عفو الله أو مغرفة الله.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد